في البداية الكل يعرف أننا في بلد يرقد في أحضان القبيلة ،وأنها الملاذ لمن أراد أن يحيى بسلام على الأقل . القبيلة شغل هذا البلد الشاغل بعد أن أحكمت على تفاصيله وشوهت وجهه الجميل . القبيلة تحكمه وهي وحدها ربما من ستنزع الحكم منه . في المستقبل المنظور سوف يتم إختصار القبيلة المطلقة إلى الفرد المطلق ومؤشرات ذلك واضحة .
هل تخيل أحدكم يوماً أن بلداً ممكن أن يموت في عيون أبناءه بسبب القبيلة ؟ أو أن يهاجر أهالي منطقة كاملة بسبب شيخ قبيلي عصبوي .
لم يعد ثمة جمال في القبيلة .النظام بمن فيه يخضع للقبيلة والدولة بمن فيها تتصرف بمعايير قبلية بحتة ، ربما يتطلب الأمر من المشترك وقادة المعارضة أن يطالبوا بتسويات قبلية وإصلاحات قبلية قبل المناداة بإصلاحات سياسية ،أقول ربما!
بلد يحاكم نفسه بنفسه ويُحاكم أبنائه بسبب الإنتماء إليه ، ثمة مشردين بلا حدود ، وأطفال على الحدود ، وشِباك تتلقفهم كالحشرات ، وعمالة طفلة حُرمت الطفولة بعد أن أجهزت القبيلة وتصرفاتها والقانون وضياعه والمساواة وغيابها على ما تبقى حتى من رحمة أب بأبنائه ، ليلجأ البعض إلى قتلهم قبل الإنتحار وهو ما يجعل البلد على شفا حفرة من مسخرة الإنتماء الذي تولعنا عليها كما تولعنا على تخزين القات " نموت ونحيا وتبقى اليمن " ، هذا فضلاً عن الهجرة المتزايدة والتي تكتسب أهميتها مؤخراً ليس بسبب الحالة المادية المتردية مع أهميتها ولكن بسبب الوضع النفسي والصحي من جراء مشاهدة مآسي الناس وتعبهم وآلامهم ،هذه الهجرة المتزايدة لها أسبابها الكثيرة والتي تقتضي التفكير أبعد من مجرد البحث عن المال فقط وتحسين الحالة المعيشية
هناك مسائل تتعلق بالمواطنة والمساواة والإحساس بالدونية بالإضافة إلى إحساس بالأستقواء سواء بالقانون أو بالقبيلة أو بالقوة المادية وإلا لا أحد يحب الهجرة الأبدية ، هذه المسائل تولد حالة الهروب والهروب من الوطن ليكتب على كثير من المهاجرين بعدم العودة إليه أحيائاً إلا محمولين على الأكتاف وبالتوابيت تمجيد لباطن هذه الأرض والتي تبدو أجمل مما تنبته في عاليها ، هذا الإحساس باللا إنتماء للوطن يجعل الكثير يهاجر دون آبه بالعواقب التي سوف تلحق به كما أنها تدفعه إلى الإنتماء أحياناً إلى أي مكان ممكن أن يقطن فيه ، قد لا يكون هذا شعوراً عاماً لكن الخاص ممكن أن يتحول إلى عام فهناك ممن أعرف من يبحث بكل وسائل الإستجداء أن يحصل على جنسية من دولة خليجية وبإستخدام وسائل تشيب لها الرؤوس . قد تسأل هذا أو غيرة هل أصبح الإنتماء لوطننا معيب إلى هذه الدرجة ؟ أم ماذا ؟
لا شك أن يمننا بلدُ جميل أرضاً وإنساناً وأنه بجماله وروعته وطبيعته الساحرة يخزن فينا حبه وحب الغبن الذي نحس به في أرجائه لكن في الحقيقة حتى لا نظل نصف حسناء منحرفة أن مظاهر الجمال تكاد تختفي بسبب ممارسات عديدة من ضمنها نهب الأراضي وتهجير الناس وتطويعهم بالقوة كما خطف الناس والتقطع وضياع الحقوق وسيادة الفرد وغياب الأمن . ولأن ضياع الحقوق هو أبرز ما يميز هذا البلد بالإضافة إلى حالة الإحتقان الحاصل في البلد حالياً فإن شيئاً قد يلوح في الأفق لن يرضاه قريب أو بعيد وسوف نرى ما تجاوزناه قديماً من حالة الإنفراط الأمني والفيد والتعصب والثأر والإنتقام .
إنها معادلة تبدو عصية عن الحل عندما ينظر إليها إبتداء من مفهوم الوطن وقدرته على إستيعاب كل مواطنية وأبناءه وبين أفكار من يحكموه ويديروه بأفكارهم الضيقة ونظرتهم البائسة ومطامعهم التي لا نهاية لها حيث أن هذا البلد الذي نتحدث عنه قادراً على إنتاج الكثير من الأفكار والحلول للمشاكل كما أنه قادراً بحوارات أبناءه ان يطور من مفهوم المواطنة التي تبنى كما تبنى الأمم حيث أن ما أعقب قيام الثورة كان تطور ملحوظاً وكبيراً على مستويات عدة إلا مفهوم المواطنة فإنه ظل كما هو ينشد احتياجات كثيرة لم تستطع سنوات عديدة وهتافات لا حصر لها تحقيقها للمواطن العادي . كل هذا ينشد البلد وليس حكامه فالبلد لا تقتل ولا تعزر ولا تزدري أبنائها وإن عاتبوها أو غادروها أو قسوا عليها إلا إذا أحدودبت وتقلصت و تحولت إلى مزرعة خاصة يملكها أفراد فإن مسألة المواطنة يوما بعد يوم تتقلص ومفهوم الوطن الأم أيضاً يصبح في إرشيف الذاكرة ويتحول النظر إلى الحدود والسواحل لنرى العمالات كيف تنتحر بسبب هذه المفاهيم ...
من نافلة القول أنه لا ينبغي أن نتحدث عن الوطن دون الحديث عن مقوماته وإمكانياته وظروفه فقد يمر الوطن بمراحل عصيبة في تاريخه تجعل الصراع قائماً عليه كمنطقة جغرافية وعلى أبنائه كأصحاب حق فيه ، الوطن يدافع عن أبنائه كما يدافعون عنه وقت الحرب أو الغزو أو الإعتداء ، عندما يراد تشويه الوطن ثمة إرادة لتشويه مفاهيم كثيرة تسيء إلى محبية من أمثال الحرية والعدالة والمساواة والمواطنة ، حيث أن هذه المفاهيم هي من تكفل للأوطان الحياة بأمان وتكفل لعشاقها أيضاً شغف البقاء فيها والإشتياق لترابها ، فالأوطان تنصهر في القلوب وتندثر في العقول بسبب مرورها بمرحلة إحتكار لأولى القربى وتحويلها إلى مزارع وأملاك لرهط من الإنتهازيين ومن يدعون ملكية الأرض والإنسان في بلد يحمل لواء الديمقراطية منذ عقدين من الزمن ، الأمر يختلف طبعاً في ظل القبيلة التي ترأس الدولة والمجلس التشريعي والأمن العام والمركزي وكل مفاصل الدولة تقريباً وهي حرب ضد الإرادة اليمنية في التحرر وإرتضاء السلوك الديمقراطي كخيار آمن لسلامة الوطن أرضاً وإنسان ليتحول الأمر في النهاية إلى إستئثار بالقرار مما يدل دلالة واضحة أن الوطن تقلص واحدودب وأصبح في حكم الخاص ..
هناك مسألة مهمة ينبغي الإشارة إليها هنا وهي أن يرقص الرئيس السوداني ساعتين متتاليتين في دارفور مع الناس لا يدل هذا على استقرار دارفور فقد وصلت الأمور إلى الإستفتاء القريب والذي سيؤدي بحسب مراقبين إلى الإنفصال إو الحرب الأهلية كما أنه أن يحضر الرئيس خليجي عشرين وينتهي الخليجي كما يريد فهذا لا يدل على الأمن في البلاد فقد تحول الجنوب إلى ثكنة عسكرية ، والإستقرار لن يتم طالما استمرت الإساءة للقضايا الوطنية وأجهز النظام على الديمقراطية التي بدت ملامح وجودها في إنتخابات ال2006 والتي أعطت أملاً وظننا يوماً أنها ستكون مخرجاً وإذا بها تحتكر للنظام وكأنها وجدت ليبقى النظام كما هو ولتبقى السياسة كما هي عليه ..
لعل الوضع يبدو سيئاً للغاية ونحن نستقبل عاماً جديداً فالأفق معتم والسياسة تحتضر و اللاعبين الأساسيين هم تجار السلاح وأصحاب الأفكار الضيقة ومن لا يرون أبعد من أنوفهم ..وكل عام وأنتم بخير ..