قالوا إذا عطست القاهرة أصيبت باقي العواصم العربية بالزكام، فحين تملك القاهرة (العطاس الثوري) إن جاز لنا القول، منتصف القرن الفارط أصيبت كثير (إن لم تكن جميع) العواصم في مشرق الوطن العربي ومغربه بزكامٍ ثوريّ سببه فيروس الاستعمار والقهر الأجنبي لبلاد العُرب الذي استوطن أرجاء هذا الوطن الكبير. واليوم وان أغفلنا بدون قصد إشراقة شمس الحربة والانعتاق من ربقة الاستبداد من المغرب العربي وسطعت على مشرقه، لعلها اشرقت ساعة تحرر الشعوب، فإننا نقدر أن نقول إن التأريخ اليوم يعيد عرض الشريط نفسه أمام أعيننا من نقطة البداية التي كانت، وهذه البداية هي حاضرة العرب الأولي القاهرة، قاهرة (المعز للعروبة) جمال عبد الناصر حين عصف المد الثوري القومي العربي بكل الأرجاء بعد فترة استكانة وخمود طالت عشرات السنيين، قبل ان يمزق خيوط هذا الصمت شعاع الثورة العربية المتهادي الى كل العواصم والبلدان العربية من الجزائر واليمن الجنوبي بوجه الاحتلال الأجنبي إلى أقصى المعرب العربي الواقع تحت نير الاستعمار الفرنسي حتى السودان والصومال وعمان والخليج كافة والعراق مرورا ببلاد الشام جمعا. اليوم القاهرة انتفضت بوجه الاستعمار الداخلي بما لهذه الكلمة من مدلول لغوي، والذي يقيني أن ظلمه اشد مضاضة وإيلاما، كونه يقع من ذوي القربى وبني الجلدة،الذي يسلط سيفه على رقاب الشعوب بمسميات شتى لا تعدو أكثر من سواطير تحز بها الرقاب ليتسنى لطغاة وأصنام وركائز الهيمنة إن يمدوا من عمر حكمهم أكثر وقتا ممكن. لقد بذرت الثورة التونسية المباركة في الوجدان العربي بذرة الحرية والتحرر ونبتت هذه البذرة في مصر وسوف تتبرعم في الشام وستثمر بإذن الله في الجزيرة واليمن حتى شواطئ بحر العرب. من سخرية الأقدار أن نسمع اليوم عويل هذه الأصنام البشرية ومن لف لفها يتردد من مغرب الوطن العربي إلى مشرقه ملقين باللائمة على هذا الوضع المثخن بالظلم والقهر على القنوات الفضائية وشبكة الانترنت وصدور الصحف العربية الحرة، بل ووصل الأمر بأحد هذه الأصنام بالمطالبة بوقف قناة عربية حرة مثل قناة الجزيرة بعد أن شعر هذا باهتزاز عرشه وكرسيه الصدئ يهتز، وكأن هذه القناة بعقلية ( التوجيهات العليا) من صاحب الفخامة والمعالي، وهو يعرف جيدا ان حجب الخبر وان كان ضربا من الجنون لن يكون الحل لمشاكل تنثال كزخات يوما ماطر جراء حصائد ما زرعه هؤلاء الحكام من ظلم وفساد وقهر عبر سني حكمهم العتيق . نقول لهذه الديناصورات ان خير ما تقرضوا الله به ان تنقرضوا فقد مللناكم انتم وسدنتكم فانقرضوا انقرضوا... وهكذا صرخ شاعر العروبة (محمود درويش) بوجه ظالمه : ( إنا لا اكره الناس ولا أسطو على احد ولكني إذا ما جعت أأكل لحم مغتصبي حذاري... حذاري من جوعي ومن غضبي)