على ما يبدو أن الشرق الأوسط الجديد الذي تنشده الولاياتالمتحدةالأمريكية لن يتبلور من وجهة نظرها السياسية إلا باستكمال تدمير البنية التحتية في لبنان وتشريد هذا الشعب العربي والفتك بأبنائه من خلال الآلية العسكرية الصهيونية المدمرة، واستخدام كافة صنوف الأسلحة الفتاكة ضد الأبرياء العزل من الكهول والعجائز والنساء والأطفال الرضع في مذبحة واسعة ومخجلة تهز ضمائر الشعوب ولا تحرك ساكناً في ضمير قادة وزعماء العالم بما فيهم القادة العرب ذوي القربى والرحم. الجرح العربي الغائر ثمة مقولة تقول: «إن الأمة العربية لا توحدها إلا المحن والأزمات!!» وأكدها الشاعر العربي حين قال: ونحن في الجرح والآلام إخوان. لكن على مايبدو أن جرح لبنان الغائر لم يبلغ الحد الذي يحرك مشاعر الإخاء والألم العربي بعد، أو أن القادة العرب في المشرق والمغرب العربي قد فقدوا خاصية الاستشعار وبعض المشاعر جراء ما يحدث اليوم من مأساة في هذا البلد المنكوب الذي يقف صامداً في وجه أعنف هجمة استعمارية دولية من قبل الصهاينة مدعومة من قطب العالم الوحيد الولاياتالمتحدةالأمريكية في ظل المخاوف والانقسام العربي الواضح والوهن الذي عم أقطار الشرق كله في هذا الزمن الرديء.. وفي ظل إذكاء الصراعات المذهبية وانقسام أبناء العقيدة الواحدة والترويج الاستعماري لفكرة مد شيعي وآخر سني أوشك في بذر نزعات الفرقة والتخاذل والعداء بين أبناء الأمة العربية والإسلامية كفل حصر المواجهة العسكرية الدائرة في هذه المنطقة الحساسة بين قوتين غير متكافئتين هما إسرائيل وحزب الله.. فبعد مرور قرابة أسبوعين من العنف الدائر في المنطقة وبعد أن أوشكت آلية التدمير العسكرية الصهيونية على استكمال تدمير البنية التحتية اللبنانية في فترة وجيزة وتقضي على أكثر من 15 عاماً من بناء وتعمير لبنان. وهذا الجرح العربي الغائر الذي أشعر العرب والمسلمين في كل أرجاء المعمورة بضخامة المؤامرة وفداحة الخسائر جعل الشعوب العربية والإسلامية أسيرة الحيرة والقلق والحزن والألم وهي ترقب أطفال وزهرات وبراعم لبنان تحت أنقاض الدمار وفي البراري والقفار يبحثون عن مأوى وملاذ من ضربات الصواريخ وقصف الطائرات والأسلحة الصهيونية التي لم تقف عند حد وامتدت من أدنى الجنوب إلى أقصى الشمال في وحشية وصل حد انتظارها إلى الشعب الإسرائيلي داخل الوطن المحتل. صمود لبنان وهذا العدوان الصهيوني الواسع طال كل شيء جميل داخل لبنان باستثناء شيئين هامين هما: صمود الشعب اللبناني بكل فئاته وقواه وطوائفه وثبات وصمود المقاومة الإسلامية وفي مقدمتها «حزب الله» في وجه هذا الصلف الصهيوني ومحاولات التركيع وإذلال لبنان لتؤكد أن لبنان عصية لا تركع وأن إرادة الشعوب لا تقهر ولا تنال منها قوة الغزاة الطامعين مهما بلغت.. فالقطر اللبناني الصامد في وجه أطماع إسرائيل استطاع أن يضرب أروع صور الصمود والمقاومة في غزو لبنان في 1978م و1992م واستطاع في 2000م أن يحرر جنوبلبنان من الاحتلال الصهيوني ويحتم رحيل الجيش الإسرائيلي من كل مناطق الجنوباللبناني، وهاهو الصمود اللبناني يمثل عنوان المرحلة الراهنة ويضع ملامح الحياة في المرحلة المقبلة في هذا البلد العربي الصامد الذي شكل الصورة المضيئة والحية في التاريخ العربي المعاصر وزمن الفرقة والتخاذل. إن النوايا الأمريكية والقوى المتحالفه معها ضد سوريا أو إيران عبر لبنان لإخماد هذه الجبهة العربية لتمهيد الطريق لإسرائيل لتنفيذ أطماعها التوسعية في هذه المنطقة الحساسة في العالم يعكس في المقام الأول ضعف وهون إسرائيل الذي لا يمكنها إعلان حرب معلنة ومباشرة مع القطر السوري الشقيق وعجز الولاياتالمتحدةالأمريكية في النيل وإخضاع إيران. شرق أوسط جديد خصوصاً وأن المقاومة اللبنانية التي يقودها «حزب الله» والمحسوب سياسياً لدى الإدارة الأمريكية على سورياوإيران قد أكد فظاعة المواجهة المحتملة حال مواجهة مباشرة مع هذين القطرين الهامين في الشرق، فمن خلال قدرات وإمكانات محدودة للمقاومة تكبدت إسرائيل رابع جيش في العالم خسائر فادحة في هذه المواجهة غير المتكافئة لتخلق عجزاً تاماً لدى إسرائيل في تحقيق الغايات الصهيونية الأمريكية في القضاء على «حزب الله» عسكرياً باعتباره رمز المقاومة الإسلامية والعربية في هذه المنطقة في الوقت الراهن. إن الصمود العظيم وثبات «حزب الله» وقوى المقاومة اللبنانية قد سطرت ملاحم بطولية رائعة تنسج في طياتها ملامح شرق أوسط جديد بمفهوم عربي إسلامي وليس بالمفهوم الأمريكي ووجهة نظر رايس وزيرة الخارجية للولايات المتحدةالأمريكية، والذي بدوره يبعث التفاؤل ويخلق الثقة في نفوس الشعوب العربية الخائفة في سقوط آخر جدران الصمود العربي ليحتم سقوط العروبة والإسلام في مستنقعات الذل والاستسلام والهيمنة الاستعمارية. إن ملامح البطولة والصمود والثبات في لبنان هو آخر الرهانات العربية اليوم والوجه المشرق الذي يتطلع العرب والمسلمون بأن يظل مشرقاً ويعبر عن إرادة الشعوب في كل أقطار الشرق الذي هو محط كل النوايا الاستعمارية الحاقدة على الأمتين العربية والإسلامية. تحية لصمود شعب لبنان في الداخل، وتحية لأبطال المقاومة في لبنان الذين يضعون ملامح الحرية والكرامة والمستقبل الوضاء المشرق، ليعيدوا للعروبة والإسلام كرامتها المفقودة ويضعون حداً لتهافت الغزاة الطامعين مهما كانت التضحيات جسيمة، فلا كرامة ولا حياة شريفة في ظل الركوع والوصاية والاستعباد، فالتضحيات هي التي تصنع المجد والسؤدد والعزة، والصمود والثبات دوماً طريق النصر والحرية.. فلا تهنوا ولا تحزنوا فأنتم الأعلون إن كنتم صادقين وبشرهم بنصر من الله وفتح قريب. فليكن الله عوناً وسنداً لشعب لبنان الصامد المجاهد وشعب فلسطين الصابر، وكان الله مؤيداً وناصراً للمقاومة اللبنانية الباسلة والمقاومة الفلسطينية الصامدة.