منذ ما يربو على عشر سنوات ومشكلة رجل الأعمال نبيل الخامري مع بني ضبيان قائمة، لكن ما يخرج من أخبارها للناس لم يصل أبداً إلى معرفة حقيقة المشكلة وسبب اشتباك لا تزال فصوله تتوالى. عندما يتحدث الطرفان عن المشكلة التي بدأت تحضر بقوة في الصحافة مؤخراً فإنهم يمرون على السبب مكتفين بالإشارة إلى أن الخامري "اشترى من ناس بضاعة ولم يف بدفع قيمتها". وعندما تسأل ما هي "البضاعة" فإن الطرفين يتكتمان على الأمر، وتظل حقيقتها في حكم المجهول، باستثناء روايات على شكل شائعات تفتقد للتأكيد. الأسبوع الماضي، وعقب تعرض رجل الأعمال عبد الملك الخامري للخطف من قبائل بني ضبيان، الذين تقمصوا دور عربي قديم شيمته نجدة الملهوف بعد أن تربع عندهم صاحب الحق الذي باع ما يسمونه "البضاعة" للخامري، أثيرت القضية أكثر وكانت حاضرة في أسئلة النواب لوزير الداخلية، وبالتالي فقد وجد وزير الداخلية نفسه مضطراً للإفصاح عن سبب المشكلة خاصة أن تهديد نبيل الخامري بترك استثماراته للرئيس ومغادرة البلاد إذا لم يفرج الخاطفون عن أخيه كانت موجعة. وزير الداخلية مطهر المصري، وأمام النواب، قال إن قضية الخامري مع بني ضبيان أساسها أنه اشترى من ناس مادة الزئبق الأحمر وبدأ اختلافه معهم عند دفع سعرها، وبالتالي لجأ البائعون إلى قبائل بني ضبيان لاستخراج المبلغ المتفق عليه من الخامري، ومنذ ذلك الحين بدأت المشكلة. وفي محاولة من الوزير للتنصل عن دور وزارته في القبض على الخاطفين وتحرير المخطوف قال إن المشكلة ذهبت في الأطر القبلية، وإن الخامري حكم واحتكم، وبعد صدور حكم المشايخ رفض الخامري تنفيذه، وأخذ حديثه منحى تحميل الخامري مسؤولية ما يتعرض له. الخامري يرفض تماماً الحديث عن "الزئبق الأحمر" ويعتبره معيباً في حقه، وبالتالي فقد اعتبر تصريحات وزير الداخلية بمثابة إهانة له، واتهمه في تصريحات صحفية لاحقة بالتحدث باسم الخاطفين. لكن تصريحات الوزير المصري فتحت الباب للخوض في حقيقة الأمر (البضاعة) ونقل قصة "الزئبق الأحمر" من دائرة الإشاعة الغامضة إلى التحقيق فيها في محاولة من "المصدر أونلاين" لإطلاع الرأي العام على الحقيقة.
حلقتان من برنامج سري للغاية بثتها قناة الجزيرة قبل أعوام عن الزئبق الأحمر أزاحت الغموض لجمهور واسع عن هذه المادة اللغز، ومن ضمن ما جاء في البرنامج أن تقارير تواترت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي سابقاً عن تهريب مواد مشعة من روسيا عبر النمسا وسويسرا، إحدى هذه المواد مادة الزئبق الأحمر. ولأنه بنظر البعض مصدر للمال الوفير، وبنظر آخرين نواة لتصنيع أسلحة فتاكة، فقد صار محل سباق بين التجار ورجال المخابرات لعدة دول. ولأن اهتمام المتسابقين عليه اتجه نحو الدول التي كانت تربطها علاقة قوية مع الاتحاد السوفيتي سابقاً، فإن رواية البعض عن التركيز على ما كان يسمى جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية قبل الوحدة يكتسب بعض الوجاهة للعلاقة التي كانت تربطها بالاتحاد السوفيتي سابقاً. ومع امتناع من يدعون أن لديهم تفاصيل حول هذا الأمر تماماً عن الحديث في السابق فإن تصريحات وزير الداخلية قد كسرت لديهم الحاجز إلى حد ما وقبلوا الحديث مع تحفظهم على ذكر أسمائهم. وبحسب (ع.م) - مقاول كان في السابق واحداً من أشهر تجار السلاح- فإن حرب 94 وما ترتب عليها من نهب لمخازن السلاح التابعة لجيش الجنوب ضاعف الفرص أمام الباحثين عن هذه المادة الخطيرة، وبالتالي فقد كثفوا جهودهم في هذا الجانب، ظناً منهم أن كميات من الزئبق الأحمر قد هربت إلى اليمن كواحدة من دول المنظومة الشيوعية المرتبطة بالاتحاد السوفيتي. يضيف بشيء من التفصيل: "أثناء حرب 94م، وبينما كان العامة مشغولين بفيد كل ما يجدونه أمامهم، ذهب بعض من كان لديه علم مسبق بتلك المادة للبحث عنها في مخازن الجيش المهزوم، وتعمدت أجهزة الاستخبارات إضفاء هالة خرافية على المادة بارتباطها بالجن وتحضيرهم لكي تعمي على الناس حقيقة هذه المادة". مشيراً إلى أن أنباء حينها وصلت للمهتمين بالموضوع عن وجود 1500 جم من الزئبق الأحمر في أحد مخازن عدن، وتسابق الكل للحصول عليها غير أنه لم يظهر لها أثر سوى في 1996م، "وبعدها وجدت كمية من الزئبق الأحمر مع أحد ضباط الاستخبارات العسكرية يدعى اليافعي وهي كمية 250 جرام". يسرد صاحبنا روايته بشيء من الثقة تشعرك بأنه عايش كل هذه التفاصيل على الرغم من أن البديهي جداً أن مادة بهذه الأهمية لن تتركها قيادة المؤسسة العسكرية في مخازن الجيش، وبإمكان أي من كبار القيادات العسكرية إخفاء هذه الكمية التي تزن ربع كيلوجرام أو كيلو ونصف وهي الكمية كاملة، وتهريبها عبر البحار. يواصل: "وبدأ الضابط اليافعي يبحث عمن سيشتريها منه. ولخطورة الموضوع أشرك معه ثلاثه أشخاص آخرين، اثنان منهم من البيضاء والثالث من إب، واعتقد أنه كان لهم ارتباط بالأمن ولكنهم عملوا لأنفسهم في تلك الصفقة". الخاطفون من آل نجران بني ضبيان قالوا ل "المصدر اونلاين" أن "البضاعة" المبهمة التي ظلوا يتحدثون عنها طوال الفترة الماضية هي مادة الزئبق الأحمر، وجاء قولهم هذا بعد أن كشف وزير الداخلية الغطاء عن حقيقة الأمر في مجلس النواب. وتضيف المعلومات بمزيد من التفصيل أن رجل الأعمال نبيل الخامري - الذي يملك ويدير مع إخوانه استثمارات متنوعة وواسعة- اشترى الكمية من أصحابها بقيمة 450 ألف دولار، وأعطاهم شيكاً بالمبلغ حتى يتسنى له التأكد من حقيقة المادة محل الشراء. لكن البائعين، وهم الضابط اليافعي وأصحابه الثلاثة، اشتكوا بعد ذلك من أنه سحب الشيك ولم يدفع لهم شيئاً حسب قولهم.
الشيخ أحمد مقبل السالمي الملقب بالمشرمه-أحد مشائخ بني ضبيان- وهو أول من حاول التوسط بين بني ضبيان والخامري يقول: "تربع اليافعي وخبرته عند مجاهد العوبلي من قبائل الأعروش خولان بعد تنكر الخامري لهم، وحاول العوبلي خطف أحد موظفي البنك العربي لإجبارهم على تسليم المبلغ لكنه فشل، فجاء إلينا متربعاً عندنا وقد معه وكالة منهم باستلام الشيك". ويؤكد على أن هذا الشيك كان مقابل بيع اليافعي للخامري مادة الزئبق الأحمر بحسب المعلومات التي سمعها من الطرفين في البداية. ويضيف: "احنا ماشفنا هذه المادة ولا نعرفها، ولكن هم بيقلوا لنا هذا".
الشيخ الدماني السالمي كبير مشايخ بني ضبيان قال أن أول القضية تجارة في الزئبق الأحمر. وبحسب وثائق حصلت عليها "المصدر" فإن الشيك تم تحريره في تاريخ 16/4/1998م بينما تم سحبه من قبل نبيل الخامري في 26/4/1998م . وكما هو لغز محير فقد صار "الزئبق الأحمر" الذي يقول أصحابه أنه البضاعة التي باعوها للخامري، تحول إلى مغناطيس يلف حوله شركاء في القضية التي أخذت طابع العنف، فابتداءً من الضابط اليافعي، مروراً برفاقه الثلاثة الذين حاول أن يتقوى بهم، وصولاً إلى العوبلي أحد قبائل الأعروش في خولان، وانتهاءً بقبائل بني ضبيان الذين دخلوا في الموضوع مناصرة وأصبحوا شركاء بعد أن قدموا ضحايا، وآخرين وسطاء في المشكلة في جولاتها المختلفة خلال السنوات الماضية. وبينما يذهب القبائل إلى االقول أن كمية الزئبق الأحمر التي اشتراها الخامري باعها ب3ملايين دولار، أي بمكسب يزيد عن 2.5مليون دولار، فإنهم أنفسهم يروون نيابة عن الخامري قوله أن المادة التي بيعت له كانت مزيفة وذلك سبب تخلفه عن دفع المبلغ المحرر به الشيك. بينما يرفض الخامري تماماً الحديث عن قصة الزئبق الأحمر، ويعتبرها محاولة للإساءة له كرجل أعمال يستثمر في مجالات عدة يعرفها الجميع، ولاستثماراته وإخوانه حضور قوي في ساحة الاقتصاد الوطني. وسواء كانت قصة الزئبق الأحمر حقيقية أم مجرد كمين وقع فيه الخامري للباحثين عن الثراء السريع، فإن المشكلة قائمة منذ سنوات وبات حلها مطلباً ملحاً أمام الجهات الرسمية خاصة وأنها قد خلفت نزاعات مسلحة ذهب ضحيتها قتيل واختطف بسببها ثلاثة إلى جانب محاولات اختطاف أخرى فاشلة.
الزئبق الأحمر في برنامجه الشهير "سري للغاية" الذي يبث على قناة الجزيرة، تناول المذيع يسري فودة الزئبق الأحمر في جزءين، استغرق في إعدادها أكثر من سنتين حسب قوله، وقام بزيارة أكثر من 10 دول من دول العالم، وأجرى عشرات المقابلات مع تجار سلاح عالميين و كذا مع عدد من العلماء المختصين . خلص في الحلقتين إلى حقيقة الزئبق الأحمر، وإلى أن الموساد الإسرائيلي في التسعينيات خاض حرباً قذرة للاستحواذ على الزئبق الأحمر قتل فيها الكثير من العلماء الكيماويين والمحققين والصحفيين من جنسيات متعددة، بل وكل من حاول الاقتراب من الزئبق الأحمر وبطرق شديدة الغموض والبشاعة أيضا في عملية سميت آن ذك (الشامبو). ويضيف أن دولاً شرق أوسطية من بينها العراق وإيران وليبيا سعت للحصول على هذه المادة . وللتعرف على حقيقة " الزئبق الأحمر " يذكر هذه الحادثة : فقد وقع بين أيدي المحقق الصحفي البريطاني " غوين روبرتس " تقرير أعد لعناية "يوجيني" وزير الخارجية الروسي الذي كان وقتئذ على رأس جهاز الاستخبارات الروسية، عن حقيقة مادة الزئبق الأحمر . وقد ذكر ذلك التقرير أن ما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي بدأ بإنتاج هذه المادة عام 1968م في مركز "دوبنا" للأبحاث النووية، وأن الكيماويين المتخصصين يعرفون هذه المادة بهذا الرمز H925 B206 )) وهي مادة تبلغ كثافتها ( 23 ) جراماً في السنتيمتر المكعب. وقد أحدثت هذه الدرجة الفائقة من الكثافة بلبلة في عقول العلماء الغربيين، إذ إنها أعلى من درجة كثافة أي مادة معروفة في العالم، بما في ذلك المعادن النقية.. ومن المعروف أن كثافة الزئبق المستخدم في قياس درجات الحرارة تبلغ (6,13 ) جراماً في السنتيمتر المكعب، فيما تبلغ كثافة البلوتونيوم النقي أقل قليلاً من (20) جراماً في السنتيمتر المكعب الواحد. ويعتبر الزئبق الأحمر من المواد النادرة جداً وثمنه قد يصل إلى ملايين الدولارات. وفي عام 1996م نشر تقرير يفيد أن وزارة الطاقة الأمريكية كشفت عن غموض هذه المادة " الزئبق الأحمر " في الاستخدامات رغم ظهورها في السوق السوداء قبل 15 عام ! والأخطر من ذلك .. التقرير الذي نشر في عام 1997 م من علماءالذرة الأمريكيين: أن قيمة الكيلو غرام من الزئبق الأحمر يساوي 100,000 دولار إلى 300.000 دولار. وخلص البرنامج أن العلماء الروس وصلوا إلى نتيجة بإمكان صناعة قنبلة نووية بحجم البرتقالة تنقل في حقيبة يد ويمكن أن تبيد سكان لندن خلال دقائق وبدون أن تؤثر في المباني والجماد. بالإضافة إلى استخداماته في المجالات التالية : إنتاج الصمامات الكهربية فائقة الدقة للقنابل التقليدية. إنتاج الصمامات الكهربية فائقة الدقة للقنابل النووية. إنتاج شفرة للمعدات العسكرية تتغلب على الرادار. إنتاج رؤوس حربية للصواريخ الموجهه. إلا أن الذي قامت مجموعات من الروس بترويجه في الشرق الأوسط إنما هو خليط من أوكسيد الزئبق والزئبق الثنائي، أو مختلطة مع نسبة قليلة جداًمع الزئبق الأحمر. إن أسطورة الزئبق الأحمر قام الاتحاد السوفيتي بترويجها عبر الدول التي تحاول إنتاج سلاح نووي في وقتها كالعراق وليبيا وجنوب إفريقيا وإسرائيل.. وقام ببيع تلك الكميات لتشكل مصدر دخل ثانوي بالإضافة لترويج شائعات بأن الإرهابيين يقومون بتهريبه حتى يستخدم في تصنيع القنابل النووية.
الزئبق والخرافة ومع ذلك فقد ارتبط أيضا ببعض الخرافات كتسخير الجن، وكذلك ارتبط بعمليات النصب والاحتيال، حيث سجلت عملية نصب على رجل أعمال مصري بمبلغ 27 مليون جنية. هذه القضية مسجلة في أوراق الشرطة المصرية. وفي اليمن تعرض أحد مشايخ نهم لعملية نصب في 1998م على ذمة شراء الزئبق الأحمر من قبل 3 سودانيين خسر خلالها 15 مليون ريال. وقد قام باحتجازهم آن ذاك 4 أشهر حتى أفرجت عنهم وساطات بدفع جزء من المبلغ.