من يتابع خطابات الحكام العرب، خلال الثورة الشبابية، التي يمر بها العالم العربي، يدرك ضعف هؤلاء الحكام (مهما تجبّروا وطغوا في البلاد) وقوة الشباب الثائر.. كلنا تابعنا الخطابات المهزوزة لبن علي في آخر لحظات حكمه، ومثله حسني مبارك، ومثلهما يفعل الآن، ملك ملوك العالم، وصقر العرب... كما يحبان تسمية نفسيهما!! لا أسخر من شخص أيِّ حاكم عربي، بقدر سخريتي من التحول المرتبك في نبرة الخطاب، من تودد إلى وعيد، ومن تفهم إلى مغالطات، ومن انفعال إلى برود، وهكذا دواليك. اليوم أكاد أجزم أن عروش جميع الحكام العرب تحتضر، وهي سنة الله في الكون، وعلى هؤلاء الحكام أن يتعاملوا مع رياح التغيير العاتية بعقلانية وموضوعية وحكمة وتقدير... وعليهم أيضاً أن يكونوا قارئين جيدين لحياة الدول والشعوب والحكام والعروش وتقلباتها. كان عليهم أن يراجعوا التراث العربي على الأقل، ليعرفوا أن الأيام دول، ولو دامت لغيرهم ما وصلت إليهم. ولو كانوا قرؤوا النتاج العربي الفكري للمفكرين العرب الذين نظروا في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي والانتروبولوجيا لظهروا على الأقل أكثر حصافة وحكمة... لكنهم لا يقرؤون سوى قصيد التمجيد ومقامات التبجيل والتقديس. في بلدنا، سمعت قبل سنوات على لسان الحاكم: إن علينا أن نحلق لأنفسنا قبل أن يحلق لنا الآخرون، الآن أتذكر وأقول: ليته فعل ذلك، وحلق لنفسه، ودخل التاريخ اليمني كبطل غادر كرسي الحكم من تلقاء ذاته.. لكنه، بالرغم من توصله إلى تلك النتيجة من وقت طويل، إلا أنه لم يعمل بها، وها هو أصبح بين قوسين أو أدنى من الرحيل مجبراً. من يتأمل خطابات وتحركات الرئيس اليمني أو الليبي وغيرهما من الحكام العرب يدرك أن غصص سكرات الرحيل، تحاصرهم في كل تصرف يتصرفون به، وكل كلمة ينطقون بها. "وجوههم عليها صفرة ترهقها قترة"، حديثهم مبعثر ومرتبك، ألسنتهم ملتوية، تصرفاتهم هوجاء... إنها سكرات الموت.. يحاولون بكل ما أوتوا، تجنب السقوط المُريع، في وحل التاريخ، لكن شعوبهم التي قُهرت وظُلمت، لهم بالمرصاد. لقد سقط جدار الخوف، وكُسر حاجز الرهبة لدى الشعوب التوّاقة إلى العيش الكريم.