الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الشاعر الكبير والأديب كريم الحنكي    ردود أفعال دولية واسعة على قرار الكابينت الصهيوني احتلال غزة    السهام يقسو على النور بخماسية ويتصدر المجموعة الثالثة في بطولة بيسان 2025    وزير التجارة يكشف أسباب تعافي الريال ويؤكد أن الأسعار في طريقها للاستقرار(حوار)    هبوط العملة.. والأسعار ترتفع بالريال السعودي!!    واشنطن: استقلالية البنك المركزي اليمني ضرورة لإنقاذ الاقتصاد ومنع الانهيار    الفاو: أسعار الغذاء العالمية تسجل أعلى مستوى خلال يوليو منذ أكثر منذ عامين    مليونية صنعاء.. جاهزون لمواجهة كل مؤامرات الأعداء    إعلاميون ونشطاء يحيون أربعينية فقيد الوطن "الحميري" ويستعرضون مأثره    القبض على 5 متورطين في أعمال شغب بزنجبار    الأمم المتحدة تعلن وصول سوء التغذية الحاد بين الأطفال بغزة لأعلى مستوى    رباعية نصراوية تكتسح ريو آفي    الأرصاد يتوقع أمطار رعدية واضطراب في البحر خلال الساعات المقبلة    أبين.. مقتل وإصابة 5 جنود بانفجار عبوة ناسفة استهدفت دورية عسكرية بمودية    الشهيد علي حسن المعلم    المكتب الاعلامي للفريق السامعي يوضح حول شائعات مغادرته صنعاء    الإدارة الأمريكية تُضاعف مكافأة القبض على الرئيس الفنزويلي وكراكاس تصف القرار ب"المثير للشفقة"    الذهب يسجل مستويات قياسية مدعومًا بالرسوم الجمركية الأمريكية    200 كاتب بريطاني يطالبون بمقاطعة إسرائيل    اشتباكات مسلحة عنيفة بين فصائل المرتزقة في عدن    صحيفة روسية تكشف من هو الشيباني    بايرن ميونخ يكتسح توتنهام الإنجليزي برباعية نظيفة    تفشي فيروس خطير في ألمانيا مسجلا 16 إصابة ووفاة ثلاثة    فياريال الإسباني يعلن ضم لاعب الوسط الغاني توماس بارتي    اكتشاف معبد عمره 6 قرون في تركيا بالصدفة    ما سر قرار ريال مدريد مقاطعة حفل الكرة الذهبية 2025؟    دراسة تحذّر من خطر شاشات الهواتف والتلفاز على صحة القلب والشرايين!    باوزير: تريم فضحت تهديدات بن حبريش ضد النخبة الحضرمية    لماذا يخجل أبناء تعز من الإنتساب إلى مدينتهم وقراهم    يحق لبن حبريش قطع الطريق على وقود كهرباء الساحل لأشهر ولا يحق لأبناء تريم التعبير عن مطالهم    في تريم لم تُخلق النخلة لتموت    إنسانية عوراء    المحتجون الحضارم يبتكرون طريقة لتعطيل شاحنات الحوثي المارة بتريم    الراجع قوي: عندما يصبح الارتفاع المفاجئ للريال اليمني رصاصة طائشة    وتؤكد بأنها على انعقاد دائم وان على التجار رفض تسليم الزيادة    كرة الطائرة الشاطئية المغربية.. إنجازات غير مسبوقة وتطور مستمر    وسط تصاعد التنافس في تجارة الحبوب .. وصول شحنة قمح إلى ميناء المكلا    تغاريد حرة .. عندما يسودنا الفساد    إب.. قيادي حوثي يختطف مواطناً لإجباره على تحكيمه في قضية أمام القضاء    القرعة تضع اليمن في المجموعة الثانية في تصفيات كأس آسيا للناشئين    الرئيس المشاط يعزي في وفاة احد كبار مشائخ حاشد    كنت هناك.. وكما كان اليوم، لبنان في عين العاصفة    محافظ إب يدشن أعمال التوسعة في ساحة الرسول الأعظم بالمدينة    عصابة حوثية تعتدي على موقع أثري في إب    الصراع في الجهوية اليمانية قديم جدا    وفاة وإصابة 9 مواطنين بصواعق رعدية في الضالع وذمار    خطر مستقبل التعليم بانعدام وظيفة المعلم    جامعة لحج ومكتب الصحة يدشنان أول عيادة مجانية بمركز التعليم المستمر    دراسة أمريكية جديدة: الشفاء من السكري ممكن .. ولكن!    أربع مباريات مرتقبة في الأسبوع الثاني من بطولة بيسان    هيئة الآثار تنشر قائمة جديدة بالآثار اليمنية المنهوبة    اجتماع بالمواصفات يناقش تحضيرات تدشين فعاليات ذكرى المولد النبوي    مجلس الوزراء يقر خطة إحياء ذكرى المولد النبوي للعام 1447ه    لا تليق بها الفاصلة    حملة رقابية لضبط أسعار الأدوية في المنصورة بالعاصمة عدن    رئيس الوزراء: الأدوية ليست رفاهية.. ووجهنا بتخفيض الأسعار وتعزيز الرقابة    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنترنت الفاسق
نشر في المصدر يوم 22 - 04 - 2009

أثق أن البعض الآن يعلم مصدر تلك القصص التي تروي لنا المعجزات الإلهية والخوارق الربانية، ابتداءً بتلك التي تخط لفظ الجلالة على كلّ شيءٍ في هذا الوجود، مروراً بإسلام المشاهير من أهل الفن والرياضة والعلم، وانتهاء بالعقوبات المغلظة التي ينالها العصاة سواء بالخسف أو العذاب الشديد فوق الأرض وتحتها!
أما أولئك الذين لم يصلهم الخبر بعد، فإليكم القصة.
***
أحد رواد منتدى الشبكة الليبرالية الكويتية (وهو موقع يمثل أحد تيارات العلمانية في الكويت) اقترح فكرة لأعضاء الموقع لاختبار ما سماه «عقل المتأسلمين الخرافي». الفكرة، أو اللعبة كما وصفها، عبارة عن تأليف قصة تتحدث عن كرامة من كرامات المجاهدين أو المشايخ، لا تحتاج إلى توثيق تاريخي، ومكتوبة، كما وصفها، بالطريقة المعتادة للخطاب الإسلامي المعاصر. وبعد الوصول لصيغة مناسبة يتم نشر القصة في المنتديات الإسلامية ومتابعة انتشارها على الشبكة الدولية، والضحك على تعليقات الإسلاميين المستعدين لتصديق أي شيء ذي علاقة بمعجزة ربانية.
أعضاء المنتدى طوروا قصة ابتدعوها تقول إن مجلة Journal of Plant Molecular Biology وهي دورية علمية معروفة نشرت خبراً مفاده أن جامعة أميركية قامت برصد ذبذبات تتردد بسرعة مئة مرة في الثانية من نباتات استوائية على جهاز رصد إلكتروني. وبعد البحث تبين أن الإشارات الضوئية الظاهرة على جهاز الرصد هي في حقيقتها لفظ الجلالة (الله) كما أكد ذلك عالم بريطاني مسلم من أصول هندية. العالم الأميركي المسؤول عن البحث د.وليام بروان قال إن العلم يعجز عن تفسير أمر مثل هذا، وأنه لا يسعه سوى أن ينطق بالشهادتين، وذلك أمام ملأ من العلماء في مؤتمر عقد للحديث عن هذه التجربة التي تؤكد قول الله سبحانه وتعالى «وَإنْ مِنْ شَيءٍ إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، وَلكِنْ لا تفقهُونَ تسْبِيْحَهُمْ» الإسراء – الآية 44.
الضالعون في هذه الكذبة جاؤوا بصورة لجهاز الرصد «Oscilloscope»، وقاموا برسم خطوط مستقيمة شبيهة بلفظ الجلالة على شاشة الجهاز، عن طريق برنامج Photoshop، وذلك لضمان إتقان المهمة.
ما جرى لاحقاً، أن ما تنبأ به أولئك النفر من «الليبراليين»! تمّ بحذافيره. فبعد نشر القصة في أحد المنتديات، سارع جهلة الإنترنت بنقلها لمختلف المنتديات دون أدنى تمحيص لها «باعتبارها جاءت مُوثقة ومُصوّرة في آن ٍ معاً». وأحسب أن واضعي الأكذوبة ضحكوا حتى الثمالة منذ عام 2005، تاريخ ابتداع «المعجزة» التي ما فتئت تنتشر طيلة الأعوام المنصرمة في المنتديات والبريد الإلكتروني رغم اكتشاف مصدرها الحقيقي في نفس العام الذي خرجت فيه!
والمضحك المبكي، أن أحد الضالعين في هذه الفرية وصفها بأنها «مساهمة في إيقاظ العقول النائمة، وبث للحياة في العقول التي وهبها الله لنا وسلبها المتخلفون والجهلاء»!
***
بداية، لا يسع المرء إلا أن يأسف على واقع الحال المرير للعقل المسلم، الذي وفّر بيئة مناسبة لبروز حدث كهذا. وهو أمر ما كان أن يكتب له النجاح لولا القدر المتنامي من التخلف الذي ران على نمط التفكير لدى العامة من الإسلاميين في الوقت الراهن.
ورغم أسفي أن الليبراليين المزعومين نسوا أو تناسوا قيم الليبرالية الداعية للتسامح والحرية وقبول الآخر، والتي يفترض أنهم يناضلون لأجلها، مفضلين التندر على من يخالفهم الرأي والتفكير، فإنني في المقابل أجد لهم شيئاً من العذر لأنهم، كما قال صاحبهم، استهدفوا عقولاً نائمة استلبها التخلف والجهل، وأبت العمل وفق المنهج الرباني الذي يفترض فيها اتباعه.
السؤال المهم الآن: ماذا بعد هذا كله؟
أزعم أن المهم بعد المعرفة في هذا المجال هو العمل على تغيير الواقع الذي أدى إلى ظهور هذه الحالة وغيرها. فالشتائم التي انهالت على أعضاء المنتدى بعد اكتشاف الأمر، وعمليات الاختراق المتعددة التي نالت الموقع لاحقاً ليست هي الحل إذا صدقنا الرغبة في التغيير. ذلك أن «الجهَادَ الأكبَرَ» كما وصفه المصطفى صلى الله عليه وسلم، بعد فتح مكة، هو جهاد الدعوة. فهو الجهاد الذي تتدافع فيه الأفكار والرؤى، ولا يثبت منها إلا الصحيح في العقول النيرة التي تُقبل على الحق وتبصر النور. وهذا الجهاد تحديداً هو ما جعل الإسلامَ على مدار التاريخ الدينَ الأكثرَ انتشاراً على الأرض والأوسع قبولاً لدى الخلق، وليس جهاد السيف وحده، أو اختراق مواقع الإنترنت وشتيمة منتسبيها.
والراجح في ظني أننا نتحمل وحدنا المسؤولية عن انتشار مثل هذه «البدع الإلكترونية» لأننا قصّرنا في فهم ديننا، وعزلناه عن الروح التي نادى بها. فالنداء القرآني ما برح يدعو إلى السير في الأرض، وإعمال العقل، والتبصر في آيات الله في الكون وذلك بغرض إعمار الأرض وخلافة الربّ سبحانه وتعالى فيها على منهج واضح من الشريعة الربانية والبصيرة الإنسانية. فالله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى دليل مكتوب على الكواكب السيارة أو أنواع الحجارة..
ف لله في كلّ تسبيحةٍ وتحريكةٍ في الورى شاهدُ
وفي كلّ شيءٍ لهُ آية تَدُلّ على أنَّه ُ واحِد ُ
والنداءات المتكررة في القرآن الكريم لم تدْع مطلقاً للبحث عن معجزات أو كرامات، إنما إلى التفكر في الآيات، لأنها أوجدت أصلاً وسُخّرت «لِقوم ٍ يَسْمَعُون» و «يَعقِلون» و «يَتَفَكّرُون». وما لم نقم بإعمال العقل من خلال هذا المنهج الرباني الواضح، فإن الوضع الطبيعي أن تشغلنا أمثال هذه الأقاصيص، والأكاذيب أحياناً. وقد نبَّه الإمام الشافعي إلى ذلك بقوله «نفسُكَ إن لم تُشغِلها بالحق، شغلتكَ هيَ بالباطل»، وما ينطبق على النفس ينطبق على العقل أيضاً.
***
مرادنا في الأمر كله أننا عندما نعمل للوصول إلى غاية أسمى (مثل نهضة الأمة والخروج من دائرة التخلف والتبعية)، فإن أمثال هذه الممارسات، أياً كان مصدرها، لن تقلقنا كثيراً أو تشغلنا عن وجهتنا التي هي أعلى وأجلّ من أن ننفق الوقت في غيرها. وإذا صادَفَنا في ذلك الطريق أمرٌ دعت الحاجة لتقصّيه، فإن في منهج القرآن الكفاية للتعامل معه. إذ «إِنْ جَاءِكُمْ فاسِقٌ (حتى لو كان شبكة الإنترنت) بِنَبَأٍ (حتى لو كان يلاقي هوى لديكم) فَتَبَيَّنُوا» يا أمة «اِقْرَأ»... «فَتَبَيَّنُوا»!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.