هذا ما حدث وما سيحدث.. صراع العليمي بن مبارك    الأرصاد يتوقع استمرار هطول الامطار ويحذر من التواجد في بطون الأودية    عدوان مستمر على غزة والاحتلال بنشر عصابات لسرقة ما تبقى من طعام لتعميق المجاعة    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    الهلال السعودي يقيل جيسوس ويكلف محمد الشلهوب مدرباً للفريق    اللجنة السعودية المنظمة لكأس آسيا 2027 تجتمع بحضور سلمان بن إبراهيم    خلال 90 دقيقة.. بين الأهلي وتحقيق "الحلم الآسيوي" عقبة كاواساكي الياباني    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    في حد يافع لا مجال للخذلان رجالها يكتبون التاريخ    غارات اسرائيلية تستهدف بنى تحتية عسكرية في 4 محافظات سورية    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    إذا الشرعية عاجزة فلتعلن فشلها وتسلم الجنوب كاملا للانتقالي    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    الطيران الأمريكي يجدد قصف ميناء نفطي غرب اليمن    مسلحون يحاصرون مستشفى بصنعاء والشرطة تنشر دورياتها في محيط المستشفى ومداخله    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    باحث يمني يحصل على برأه اختراع في الهند    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    "الأول من مايو" العيد المأساة..!    وقفات احتجاجية في مارب وتعز وحضرموت تندد باستمرار العدوان الصهيوني على غزة    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظام صالح يقود ثورة مضادة مبكرة!
نشر في المصدر يوم 09 - 04 - 2011

لم تعد المؤامرات التي يواجهها الشباب وتجابهها ثورتهم السلمية المجيدة، خافية إلا على أولئك العفويين التلقائيين الذين لا يجيدون قراءة ما وراء الأحداث.
الحديث عن استعار المؤامرات ضد الثورة وشبابها، لا يعبر عن انسياق سطحي خلف نظرية المؤامرة بقدر ما يعبر عن حقيقة ماثلة تروي فصولها مجريات ووقائع وتطورات عديدة.
حين نتأمل لبرهة في تفاصيل التحركات السلطوية المناوئة للفعل الثوري، نجد تكثفاً وحضوراً طافقاً للتحديات والمؤامرات بصورة تجعل الأمر يبدو كما لو أن ثورةً موازية توشك على الاندلاع هذا إن لم تكن قد اندلعت فعلاً..!
في الواقع، لسنا نغالي بزعمنا أن ما تجابهه الثورة الشبابية السلمية يبدو شبيهاً ب(الثورة المضادة) التي عادةً ما تأتي كإفراز سلبي في مرحلة ما بعد نجاح أي ثورة حقيقية.
رغم أن (الثورة المضادة) كاصطلاح سياسي ومفهوم فكري لا تتخلق –في الغالب- إلا عقب نجاح الثورة الأصلية، إلا أن ذلك لا يعد مبرراً لعدم إسقاط هذا المصطلح كتعبير واصف للإجراءات السلطوية التي يقوم بها نظام صالح بهدف إجهاض الثورة الشبابية وأثنائها عن تحقيق غاياتها الوشيكة.
مصطلح (التدابير الدفاعية) لا يبدو متناسباً –من حيث الحجم والكثافة- مع ما يقوم به النظام من ترتيبات مناوئة للفعل الثوري.
كثافة الترتيبات، وحجم التحركات، ومستوى الإجراءات، ثلاثة مانشيتات ليس في وسع مصطلح كالتدابير الدفاعية أن يعبر عنها.
الثورة المضادة إذن، تبدو أكثر النعوت قدرةً على وصف ما يقوم به النظام لمجابهة الثورة السلمية، وبما أن هذه الأخيرة لم تحقق غاية النجاح بعد، فإن إضافة مفردة (المبكرة) تتيح لنا إمكانية إسقاط المصطلح على واقع ما تواجهه ثورتنا من تحديات، ليغدو المصطلح بعد التعديل: الثورة المضادة المبكرة..!

تسرب اللحظة الحاسمة
رغم أن الثورة المضادة تأتي كنتاج بديهي للثورة الأصلية على طريقة القاعدة الفيزيائية: لكل فعل رد فعل مضاد له في الاتجاه ومساوٍ له في القوة، إلا أن ذلك لا يُشكل مبرراً لحجب عوامل أخرى تسببت في إيجادها.
تباطؤ الفعل الثوري يمكن أن يجسد هنا عاملاً سببياً بارز الحضور لستة العوامل التي ساعدت على ظهور مؤشرات الثورة المضادة.
بوسعنا الادعاء أن نظام صالح المتداعي استطاع امتصاص الضربات الثورية الثلاث، مكرساً جهود ما بعد الامتصاص لاستحداث أنماط ووسائل وإجراءات أكثر فاعلية للصمود والمواجهة.
رغم أن النظام تمكن من الاستيعاب السريع للضربة الأولى المتمثلة في تكريس وجود الواقع الثوري على هيئة اعتصام، إلا أن الضربة الثانية المتمثلة في صمود وجسارة المعتصمين خلال جمعة الكرامة الدامية أنهكته نفسياً وأخلاقيا وزعزعت مشروعيته لتأتي الضربة الثالثة المتمثلة في انشقاق النظام السياسي قاصمةً للظهر.
لقد خر صالح صعقاً، وبدا نظامه في حالة إغماء واضحة بصورة دفعت كثيرين للاعتقاد بانتهائه وسقوطه شريطة أن يحافظ فيضان الانضمامات والاستقالات على تدفقه التاريخي ليوم آخر فقط.
استفاق النظام من غيبوبته على واقع جديد، لكن استفاقته تلك لم تكتمل سوى بعد انقضاء فاصل زمني مقدر ببضعة أيام.
كان في وسع الثوار يومها إسقاط النظام فعلاً لو أنهم احتذوا بثوار مصر وذهبوا لحصار مبنى التلفزيون الذي تحميه الفرقة الأولى مدرع بهدف إعلان انتصار الثورة وسقوط النظام، غير أن تسارع الأحداث فيما يبدو أدى لتسرب اللحظة الثورية الحاسمة وتأجيل حدوثها، وهو ما ساعد النظام على الاستفاقة والتقاط الأنفاس والبدء في لملمة التصدعات والانشقاقات التاريخية.

ترقب ساهم في مجاوزة سكرات السقوط
تسرب اللحظة الحاسمة لم يكن تعليلاً سببياً وحيداً لاستفاقة النظام ومبارحته لسكرات السقوط، فالهدوء الحذر والجنوح للترقب والانتظار الذي بدا سلوكاً سائداً في الأوساط الثورية، ساهم في مجاوزة النظام لسكرات السقوط وعودته إلى مربع المقاومة والصمود الذي كاد أن يغادره إلى غير رجعة.
على طريقة العائد من الموت، أخذ النظام يعيد ترتيب أوراقه المتناثرة ويستعيد قدرته على التحرك تدريجياً، مكرساً طاقاته وإمكانياته وجهوده في اتجاهين، أولهما: تدريع ذاته وحماية أصنامه وشخوصه، وثانيهما: التآمر على الثورة والسعي لإجهاضها.
لقد استأنف إذن ما كان قد شرع به من ترتيبات وإجراءات لاحتواء الثورة ووأدها، غير أنه استئناف أكثر تكثفاً واستفادةً من أخطاء ما قبل الإغماء، ليبدو النظام بإجراءاته الجديدة –كالحشود المليونية مثلاً- كما لو أنه يقود ثورة مضادة ضد الثورة الشبابية السلمية.

ما هي الثورة المضادة؟
حين نتحدث عن الثورة المضادة كاصطلاح سياسي ومفهوم فكري يتعين علينا الوقوف على تعريفين أساسيين، فهي في التعريف الكلاسيكي تعني ببساطة: محاولات إعادة البلاد إلى مرحلة ما قبل الثورة.
غير أنها في التعريف العام تبدو أكثر وضوحاً، إذ أنها تعني: الإجراءات المضادة التي تقوم بها القوى المتضررة من الثورة بهدف إنهاء الثورة وإجهاضها.
إن كانت القوى المتضررة –في التعريف- ترمز إلى فلول وبقايا العهد الذي أطاحت به الثورة، فإن رمزيتها –في واقع ثورتنا- تتجه صوب النظام الحاكم نفسه باعتباره من يقود الثورة المضادة ويعمل على إنمائها واستمرارها ومجاراتها للثورة الأصلية.
وبما أن ثورتنا كادت أن تنجح إثر فيضان الانشقاقات العاتي، فيمكن القول مجازاً أن النظام قاد ثورة مضادة استطاع من خلالها أن يستعيد توزنه مؤجلاً بالتالي نجاح الثورة السلمية في تحقيق أهدافها.

أمثلة على الثورة المضادة
ضرورات الإحاطة بمجمل أبعاد وزوايا الفكرة تستوجب إيراد أمثلة واقعية لأحداث جرى تصنيفها كثورات مضادة، ثمة نماذج عديدة هنا لثورات مضادة سنكتفي منها بإيراد أربعة نماذج ولكن في مسارين، أحدهما يعبر عن أمثلة حديثة لثورات مضادة، والآخر يعبر عن أمثلة قديمة.
كمسار أول، في وسعنا الاستعانة بالثورتين التونسية والمصرية كمثالين حديثين، ففي الثورة التونسية تبدت معالم (الثورة المضادة) خلال الأيام التالية لهروب زين العابدين بن علي، حيث سعت فلول الحرس الرئاسي التونسي إلى إشاعة مختلف أنماط وأشكال الفوضى بهدف إجهاض الثورة وإعادة الرئيس المخلوع، وفي الثورة المصرية برزت إرهاصات الثورة المضادة عقب تنحي الرئيس حسني مبارك، حيث عمد جهاز أمن الدولة إلى إثارة الفتنة الطائفية وإشاعة الفوضى والقيام بتفجيرات وإحراق مبانٍ وكنائس وتسيير مظاهرات مناوئة للجيش المصري في محاولة لإجهاض الثورة وإحداث تصادم بين الثوار والجيش.
وفيما لازالت الثورة المصرية الوليدة تعاني إرهاصات الثورة المضادة كنتاج لاستعصاء تحقيق بعض أهدافها والخشية من انقلاب الجيش عليها، تبدو الثورة التونسية أفضل حالاً إثر نجاحها في تقليص مؤشرات الثورة المضادة إلى أدنى مستوياتها.
كمسار ثان، بإمكاننا إيراد ثورتي عبدالناصر ومصدق في كل من مصر وإيران كمثالين قديمين، ففي ثورة عبدالناصر (يوليو 1959م) تجلت ملامح الثورة المضادة أثناء العدوان الثلاثي على مصر حيث سعى بعض أتباع النظام الملكي البائد إلى تشكيل حكومة بديلة لحكومة الثورة وذلك بالتنسيق مع السفارة البريطانية تمهيداً لاستلام الحكم عقب نجاح العدوان في إقصاء عبدالناصر ومجلس قيادة الثورة، غير أنها فشلت في تحقيق أهدافها كنتاج لإخفاق العدوان.
وفي ثورة مصدق عام 1951م استطاعت الثورة المضادة أن تُجهض ثورة مصدق وأن تعيد شاه إيران المخلوع إلى عرشه.

مؤامرات ضمن الثورة وتحديات في محيطها
ما بين المؤامرات والتحديات، تتوزع الوسائل التي ينتهجها النظام لتكريس واقع الثورة المضادة بصورة تدفعها للتشكل في مظهرين رئيسيين، الأول: مؤامرات ضمن الثورة نفسها، والثاني: تحديات في محيط الثورة.
تبدو الثورة المضادة في مظهرها الأول معتمدة على انتزاع عامل المبادأة اتساقاً مع قاعدة: الهجوم خير وسيلة للدفاع، بموازاة سعيها لإحداث اختراق داخلي يعطل مسارها ويزعزع تماسكها.
بوسعنا حصر وسائل المظهر الأول في ستة محاور أساسية، أولها: المحاولات المتكررة لتغذية التباينات بين مختلف الحركات الشبابية المُكونة للفعل الثوري وذلك بهدف إيجاد خلافات وانشقاقات في الصفوف الثورية، ثانيها: الترويج لشائعات اختطاف الثورة بين الشباب بهدف جرجرتهم إلى مربع التصادم مع القيادات العسكرية والقبلية التي أعلنت تأييدها ومساندتها للثورة، ثالثها: العزف على وتر النبرة الطائفية وإذكاء جذوة التباينات الأيديولوجية (الفكرية) بين مكونات النسيج الثوري، رابعها: بث دعايات وأنباء كاذبة للتأثير على مسار التطور الثوري أو على الأقل لتعطيل بعض الأهداف الثورية –كإقصاء الأسرة الحاكمة- ومن ذلك مثلاً ما يتم الترويج له من شائعات حول خلافات وهمية بين الرئيس صالح وبعض أولاده وأولاد أخيه، حيث تتغيا مثل هذه الشائعات تجنيب الأولاد مصير الإقصاء اللائح وإيجاد تعاطف معهم والإيعاز إلى كونهم يرفضون سياسات الرئيس ويناهضونها قولاً وفعلاً، وقد انطلت هذه الحيلة لدرجة أن بعض شباب الثورة أصبحوا يروجون لها في النشرة الإخبارية عبر المنصة الإعلامية لساحة التغيير!
خامسها: استغلال أخطاء المعارضة وتوظيفها بصورة تسهم في إثارة جدل وتباين يُفضي إلى تمترس مضاد، ولعل في التباين الناشئ على خلفية تصريحات القيادي محمد قحطان التي تحدث فيها عن جمعة الزحف إلى الغرف، ما يؤكد ذلك.
سادسها: السعي لافتعال مشكلات بين المعتصمين وسكان الأحياء الحاضنة للاعتصام، وهو إجراء لم ينجح رغم المحاولات المستميتة التي بُذلت لإنجاحه.
في مظهرها الثاني (تحديات محيط الثورة) تحاول الثورة المضادة أن تتقولب في إطار إجرائي مواز يحقق غاية المجاراة والمواكبة للفعل الثوري الأصلي.
بإمكاننا هنا حصر وسائل المظهر الثاني للثورة المضادة في عشرة محاور أساسية، أولها: محاولات استنساخ اعتصام موازٍ في ميدان التحرير، ثانيها: جمع حشود مليونية في ميدان السبعين بهدف تخليق شعور الإحباط لدى الثوار وحرمان الثورة من الإسناد الخارجي، ثالثها: تشويه صورة الثورة وشبابها عبر وسائل الإعلام الرسمية وذلك في محاولة للحد من التأييد الشعبي المتعاظم، رابعها: افتعال أزمات مجتمعية كاختفاء مادة الغاز ورفع الأسعار والانطفاءات الكهربائية المتكررة، حيث يعمد النظام إلى تقديم الثورة كسبب لتلك الأزمات بهدف فصم عرى الالتحام بينها وبين الشعب، خامسها: استخدام البلاطجة واستدراج الثورة إلى المربع العنفي لتبرير استخدام القمع والقوة، سادسها: الاعتداء على الجيش والنقاط الأمنية، سابعها: إقلاق السكينة العامة عبر الاختطافات والتفجيرات (تفجير مصنع الذخير بأبين أنموذجا)، ثامنها: التلويح بورقة الإرهاب ومحاولات وصم الثورة بالإرهاب بموازاة دفع (تنظيم قاعدة القصر الجمهوري) إلى إعلان إمارة قاعدية في أبين تحقيقاً لغاية إقلاق الأمن العالمي وحصر المجتمع الدولي في خندق الرفض والمعارضة للثورة والتغيير، تاسعها: تحطيم التوازن العسكري الذي تفرضه ألوية الفرقة الأولى مدرع في العاصمة صنعاء وذلك عبر تطبيق خطة انسحاب تكتيكية لألوية وقوات الحرس الجمهوري الرئاسي من المحافظات وإعادة تمركزها في صنعاء، عاشرها: ابتزاز ومساومة القيادات التي أعلنت انضمامها إلى الثورة واستخدام لغة التهديد والوعيد لها وللثورة.

اللجان الشعبية ضمان للاستمرار
يدرك النظام أن نجاح الثورة يقترب بالتقادم من التحول إلى واقع ماثل، لذا نجده مستغرقاً في استحداث تدابير واتخاذ إجراءات تكفل الإبقاء على (الثورة المضادة) في مرحلة ما بعد النجاح المرحلي اللائح للثورة.
ولأن مؤسسات الأولاد الحديثة التي تدير الثورة المضادة حالياً يمكن أن تخضع لإعادة هيكلة تعيق استمرارها كموجه وقائد لأعمال وأنشطة الثورة المضادة، فإن ذلك تسبب في تشكيل لجان شعبية من الأنصار والبلاطجة والأتباع بهدف استمرار أعمال الفوضى أثناء المرحلة الانتقالية وهو ما يجسد ضماناً لإبقاء الثورة المضادة في حالة استعار دائم.
استنزاف احتياطيات البنك المركزي واللجوء لطباعة أوراق نقدية جديدة من العملة الوطنية، إجراءات يتطلع النظام من خلالها إلى إعاقة المرحلة الانتقالية وزرع أوليات الفشل في طريقها وذلك لمساعدة الثورة المضادة على تحقيق غاياتها وأهدافها.

وقود الثورة المضادة
ربما كان عملاء المخابرات القومية والسياسية وعناصر المباحث الجنائية والأمن المركزي والتوجيه المعنوي، يشكلون جزءاً أساسيا من التركيبة الافتراضية لوقود الثورة المضادة، غير أن أعضاء المؤتمر الشعبي العام يمثلون في الواقع النسبة الأعلى من التركيبة وبالأخص في أعمال وأنشطة الحشد الجماهيري والتعبئة الشعبية.
يحاول النظام –في هذه الجزئية- أن يوهم أعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام بوجود مخطط يتغيا اجتثاث المؤتمر وإخضاعه لطائلة الحل كما حدث لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق.
واقع الأمر، أن النظام لم يأل جهداً لتكريس اعتقاد كهذا، إذ ما انفك يسعى لإقناع المؤتمريين بأن الثورة السلمية تستهدف كيانهم الحزبي، ولعل فيما جاء على لسان صالح نفسه ما يؤكد ذلك، حيث نُسبت إليه مقولة: أحزاب المشترك تريد اجتثاث المؤتمر الشعبي العام.
يتطلع النظام من خلال تعميق الهوة بين الثورة والمؤتمر إلى ضمان الإبقاء على المؤتمر الشعبي العام كوقود حقيقي ودائم للثورة المضادة مستغلاً بذلك تشجيع الثورة لأنصارها على الاستقالة من حزب المؤتمر.

وماذا بعد
حين نحاول بحث ممكنات احتواء (الثورة المضادة) ليس في وسعنا تجاهل المصادر الرئيسية التي تمنحها وقود التواجد والديمومة والاستمرارية.
وبالتالي مادام الوقود هو الذي يبعث في هذه (الثورة المضادة) قدرتها على البقاء، فيتعين على الثورة السلمية أن تسعى لقطع هذا الوقود وتجفيف مصادرة أو على الأقل تحجيمه وخفض نسبة تركيزه ووجوده ضمن التركيبة الافتراضية للثورة المضادة.
في الواقع، ثمة مصدران أساسيان لتغذية الثورة المضادة بالوقود اللازم، أحدهما حزبي ويتمثل في عناصر وأعضاء وكوادر وقيادات المؤتمر الشعبي العام، والآخر أمني ويتمثل في عملاء أجهزة المخابرات والمباحث والأمن المركزي وغيرها.
وبما أن التأثير في تدفق الوقود من المصدر الأمني يبدو مرتبطاً بنجاح الثورة وانفضاض أجهزة الأمن من حول النظام، فإن التأثير في تدفق الوقود من المصدر الحزبي بالمقابل يبدو أمراً متاحاً بالنسبة للثورة.
يتعين على الثورة هنا أن تسعى لتبديد مخاوف عناصر المؤتمر الشعبي العام من ملاقاة مصير الحل والاجتثاث الذي ما انفك صالح يتخذ منه نقطة استغلال كبرى لاستنهاض الهمم وتشمير السواعد المؤتمرية بحجة الدفاع عن حق البقاء بالنسبة للمؤتمر كحزب.
وبالتالي فليس من مصلحة الثورة حث المؤتمريين المنضويين في صفوفها على الاستقالة من عضوية المؤتمر، وليس شرطاً أيضا أن يُقدم المؤتمريون الثائرون استقالاتهم لكي يثبتوا ثوريتهم ويؤكدوا براءتهم من هذا النظام.
ينبغي أن يدرك الجميع هنا أن المصلحة الثورية العليا تتطلب العمل على تحاشي حصر مليون عضو من أعضاء المؤتمر في زاوية العداء للثورة.
من مصلحة الثورة إذن، أن يتحول هؤلاء إلى وقود لها بدلاً من أن يكونوا وقوداً ضدها (وقود الثورة المضادة).
إن كان الاتجاه نحو التصعيد السلمي للاحتجاجات يشكل إجراء ناجعاً لمواجهة الثورة المضادة وتقليصها، فإن استكمال البنية القيادية للثورة يُجسد إجراء ناجعاً أيضا، وسبق لي هنا أن بينت أهمية استكمال البنية القيادية للثورة في مقال نشرته الزميلة (حديث المدينة) تحت عنوان: لهذا يجب تشكيل مجلس لقيادة الثورة.
على أن هذا وذلك لا يعني بالمقابل إمكانية النجاح المطلق في إنهاء الثورة المضادة عاجلاً، إذ أن وجودها بمستوى الارتفاع الراهن كمؤامرات وتحديات، مرتبط ببقاء ووجود هذا النظام بدرجة رئيسية، وهو ما يعني أن التركيز على جهود إسقاط النظام يحقق بالضرورة عوامل القضاء على مظاهر الثورة المضادة.
أخيراُ: لاشك أن معرفتنا بمؤامرات وتحديات (الثورة المضادة) يمكن أن تشكل بحد ذاتها درعاً وقائياً يساهم في الحد من أضرارها اللحظية وسلبياتها الآنية وذلك كتمهيد لإنهائها عملياً عندما تلوح بوادر النصر وبشائر التمكين!

المصدر أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.