الإخواني أمجد خالد وعصابته.. 7 عمليات إرهابية تقود إلى الإعدام    وهن "المجلس" هو المعضلة    سفير مصري: حزب الله يستعد للحرب الشاملة مع إسرائيل هذه الأيام    جماهير الهلال في عيد... فريقها يُحقق إنجازًا تاريخيًا جديدًا!    انقلاب وشيك على الشرعية والرئاسي.. المجلس الانتقالي الجنوبي يتوعد بطرد الحكومة من عدن وإعلان الحكم الذاتي!    نقابة الصحفيين تستنكر الحكم الجائر بحق الصحفي أحمد ماهر وتطالب بإلغائه    في اليوم 235 لحرب الإبادة على غزة.. 36096 شهيدا و 81136 جريحا وعدة مجازر في رفح خلال 48 ساعة    "طوفان زارة"....جماعة إرهابية جديدة تثير الرعب جنوب اليمن و الأجهزة الأمنية تتدخل    فعلها في العام 2019...ناشطون بالانتقالي يدعون الزبيدي "لإعلان عودة الإدارة الذاتية"    انفجار عنيف يهز محافظة تعز والكشف عن سببه    سانشيز افضل مدرب في الليغا موسم 2023-2024    غوندوغان سيتولى شارة قيادة المانيا بلون العلم الوطني    لامين يامال افضل لاعب شاب في الليغا    دموع أم فتاة عدنية تجف بعد عامين: القبض على قاتل ابنتها!    برعاية السلطة المحلية.. ندوة نقاشية في تعز غدًا لمراجعة تاريخ الوحدة اليمنية واستشراف مستقبلها    منتدى حواري في مأرب يناقش غياب دور المرأة في العملية السياسية    جزءٌ من الوحدة، وجزءٌ من الإنفصال    غوتيريش يدين بشدة هجوم إسرائيل على مخيم للنازحين في رفح    بالإجماع... الموافقة على إقامة دورة الألعاب الأولمبية لفئة الشباب لدول غرب آسيا في العراق    ضربة معلم تكسر عظم جماعة الحوثي وتجعلها تصرخ وتستغيث بالسعودية    استمرار النشاط الإيصالي التكاملي الثاني ونزول فريق إشرافي لأبين لتفقد سير العمل للفرق الميدانية    خبر صادم: خروج ثلاث محطات كهرباء عن الخدمة في العاصمة عدن    الرئيس الزُبيدي: تدهور الأوضاع يحتّم على الانتقالي مراجعة قراراته    استشهاد طفل وإصابة والده بقصف حوثي شمالي الضالع    الهلال السعودي ينهي الموسم دون هزيمة وهبوط أبها والطائي بجانب الحزم    ارتفاع أسعار النفط وسط ترقب المستثمرين لبيانات التضخم واجتماع أوبك+    تدشين مشروع توزيع "19"ماكينة خياطة على الأرامل في ردفان    مجلس الوزراء السعودي يجدد رفضه القاطع لمواصلة انتهاكات الاحتلال للقرارات الدولية    الحكومة اليمنية تبحث مع سويسرا استرداد عرشين أثريين    فلكي يمني يحدد موعد أول أيام عيد الأضحى المبارك وبداية أيام العشر    الوحدة التنفيذية : 4500 شخص نزحوا من منازلهم خلال الربع الأول من العام الجاري    الزُبيدي يؤكد على أهمية المخيمات الصيفية لخلق جيل مناهض للفكر الحوثي    بعد تجريف الوسط الأكاديمي.... انتزِعوا لنا الجامعات من بلعوم السلفيات    وزير الإعلام: مليشيا الحوثي تواصل استغلال مأساة المخفيين قسراً للمزايدة السياسية    انعقاد جلسة مباحثات يمنية - صينية لبحث مجالات التعاون بين البلدين وسبل تعزيزها    انطلاق أولى رحلات الحج عبر مطار صنعاء.. والإعلان عن طريقة الحصول على تذاكر السفر    شاهد .. وزير الزراعة الحوثي يعترف بمجلس النواب بإدخال الحوثيين للمبيدات الإسرائيلية المحظورة (فيديو)    استعدادات الأمة الإسلامية للعشر الأوائل من ذي الحجة وفضل الأعمال فيها    أكاديمي سعودي: التطبيع المجاني ل7 دول عربية مع إسرائيل جعلها تتفرعن    برشلونة تودع تشافي: أسطورةٌ تبحث عن تحديات جديدة وآفاقٍ أوسع    الإعلان عن تسعيرة جديدة للبنزين في عدن(السعر الجديد)    العكفة.. زنوج المنزل    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    استشهاد جندي مصري في الحدود مع غزة والقاهرة تحذر من المساس بأمنها    تدشين دورة إدارة البحوث والتطوير لموظفي وموظفات «كاك بنك»    8200 يمني سيغادرن من مطار صنعاء الى الأرضي السعودية فجر غدا الثلاثاء أقرأ السبب    مغادرة أول دفعة من الحجاج جواً عبر مطار عدن الدولي    سلطان العرادة وشركة غاز صافر يعرقلون أكبر مشروع لخزن الغاز في ساحل حضرموت    دعم سعودي جديد لليمن ب9.5 مليون دولار    - 45أعلاميا وصحفيا يعقدون شراكة مع مصلحة الجمارك ليكشفون للشعب الحقيقة ؟كأول مبادرة تنفرد بها من بين المؤسسات الحكومية منذ2015 فماذا قال مرغم ورئيس التحرير؟ اقرا التفاصيل ؟    الثاني خلال أسبوع.. وفاة مواطن نتيجة خطأ طبي خلال عملية جراحية في أحد مستشفيات إب    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    عالم يمني يبهر العالم و يكشف عن أول نظام لزراعة الرأس - فيديو    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    وهم القوة وسراب البقاء    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظام صالح يقود ثورة مضادة مبكرة!
نشر في المصدر يوم 09 - 04 - 2011

لم تعد المؤامرات التي يواجهها الشباب وتجابهها ثورتهم السلمية المجيدة، خافية إلا على أولئك العفويين التلقائيين الذين لا يجيدون قراءة ما وراء الأحداث.
الحديث عن استعار المؤامرات ضد الثورة وشبابها، لا يعبر عن انسياق سطحي خلف نظرية المؤامرة بقدر ما يعبر عن حقيقة ماثلة تروي فصولها مجريات ووقائع وتطورات عديدة.
حين نتأمل لبرهة في تفاصيل التحركات السلطوية المناوئة للفعل الثوري، نجد تكثفاً وحضوراً طافقاً للتحديات والمؤامرات بصورة تجعل الأمر يبدو كما لو أن ثورةً موازية توشك على الاندلاع هذا إن لم تكن قد اندلعت فعلاً..!
في الواقع، لسنا نغالي بزعمنا أن ما تجابهه الثورة الشبابية السلمية يبدو شبيهاً ب(الثورة المضادة) التي عادةً ما تأتي كإفراز سلبي في مرحلة ما بعد نجاح أي ثورة حقيقية.
رغم أن (الثورة المضادة) كاصطلاح سياسي ومفهوم فكري لا تتخلق –في الغالب- إلا عقب نجاح الثورة الأصلية، إلا أن ذلك لا يعد مبرراً لعدم إسقاط هذا المصطلح كتعبير واصف للإجراءات السلطوية التي يقوم بها نظام صالح بهدف إجهاض الثورة الشبابية وأثنائها عن تحقيق غاياتها الوشيكة.
مصطلح (التدابير الدفاعية) لا يبدو متناسباً –من حيث الحجم والكثافة- مع ما يقوم به النظام من ترتيبات مناوئة للفعل الثوري.
كثافة الترتيبات، وحجم التحركات، ومستوى الإجراءات، ثلاثة مانشيتات ليس في وسع مصطلح كالتدابير الدفاعية أن يعبر عنها.
الثورة المضادة إذن، تبدو أكثر النعوت قدرةً على وصف ما يقوم به النظام لمجابهة الثورة السلمية، وبما أن هذه الأخيرة لم تحقق غاية النجاح بعد، فإن إضافة مفردة (المبكرة) تتيح لنا إمكانية إسقاط المصطلح على واقع ما تواجهه ثورتنا من تحديات، ليغدو المصطلح بعد التعديل: الثورة المضادة المبكرة..!

تسرب اللحظة الحاسمة
رغم أن الثورة المضادة تأتي كنتاج بديهي للثورة الأصلية على طريقة القاعدة الفيزيائية: لكل فعل رد فعل مضاد له في الاتجاه ومساوٍ له في القوة، إلا أن ذلك لا يُشكل مبرراً لحجب عوامل أخرى تسببت في إيجادها.
تباطؤ الفعل الثوري يمكن أن يجسد هنا عاملاً سببياً بارز الحضور لستة العوامل التي ساعدت على ظهور مؤشرات الثورة المضادة.
بوسعنا الادعاء أن نظام صالح المتداعي استطاع امتصاص الضربات الثورية الثلاث، مكرساً جهود ما بعد الامتصاص لاستحداث أنماط ووسائل وإجراءات أكثر فاعلية للصمود والمواجهة.
رغم أن النظام تمكن من الاستيعاب السريع للضربة الأولى المتمثلة في تكريس وجود الواقع الثوري على هيئة اعتصام، إلا أن الضربة الثانية المتمثلة في صمود وجسارة المعتصمين خلال جمعة الكرامة الدامية أنهكته نفسياً وأخلاقيا وزعزعت مشروعيته لتأتي الضربة الثالثة المتمثلة في انشقاق النظام السياسي قاصمةً للظهر.
لقد خر صالح صعقاً، وبدا نظامه في حالة إغماء واضحة بصورة دفعت كثيرين للاعتقاد بانتهائه وسقوطه شريطة أن يحافظ فيضان الانضمامات والاستقالات على تدفقه التاريخي ليوم آخر فقط.
استفاق النظام من غيبوبته على واقع جديد، لكن استفاقته تلك لم تكتمل سوى بعد انقضاء فاصل زمني مقدر ببضعة أيام.
كان في وسع الثوار يومها إسقاط النظام فعلاً لو أنهم احتذوا بثوار مصر وذهبوا لحصار مبنى التلفزيون الذي تحميه الفرقة الأولى مدرع بهدف إعلان انتصار الثورة وسقوط النظام، غير أن تسارع الأحداث فيما يبدو أدى لتسرب اللحظة الثورية الحاسمة وتأجيل حدوثها، وهو ما ساعد النظام على الاستفاقة والتقاط الأنفاس والبدء في لملمة التصدعات والانشقاقات التاريخية.

ترقب ساهم في مجاوزة سكرات السقوط
تسرب اللحظة الحاسمة لم يكن تعليلاً سببياً وحيداً لاستفاقة النظام ومبارحته لسكرات السقوط، فالهدوء الحذر والجنوح للترقب والانتظار الذي بدا سلوكاً سائداً في الأوساط الثورية، ساهم في مجاوزة النظام لسكرات السقوط وعودته إلى مربع المقاومة والصمود الذي كاد أن يغادره إلى غير رجعة.
على طريقة العائد من الموت، أخذ النظام يعيد ترتيب أوراقه المتناثرة ويستعيد قدرته على التحرك تدريجياً، مكرساً طاقاته وإمكانياته وجهوده في اتجاهين، أولهما: تدريع ذاته وحماية أصنامه وشخوصه، وثانيهما: التآمر على الثورة والسعي لإجهاضها.
لقد استأنف إذن ما كان قد شرع به من ترتيبات وإجراءات لاحتواء الثورة ووأدها، غير أنه استئناف أكثر تكثفاً واستفادةً من أخطاء ما قبل الإغماء، ليبدو النظام بإجراءاته الجديدة –كالحشود المليونية مثلاً- كما لو أنه يقود ثورة مضادة ضد الثورة الشبابية السلمية.

ما هي الثورة المضادة؟
حين نتحدث عن الثورة المضادة كاصطلاح سياسي ومفهوم فكري يتعين علينا الوقوف على تعريفين أساسيين، فهي في التعريف الكلاسيكي تعني ببساطة: محاولات إعادة البلاد إلى مرحلة ما قبل الثورة.
غير أنها في التعريف العام تبدو أكثر وضوحاً، إذ أنها تعني: الإجراءات المضادة التي تقوم بها القوى المتضررة من الثورة بهدف إنهاء الثورة وإجهاضها.
إن كانت القوى المتضررة –في التعريف- ترمز إلى فلول وبقايا العهد الذي أطاحت به الثورة، فإن رمزيتها –في واقع ثورتنا- تتجه صوب النظام الحاكم نفسه باعتباره من يقود الثورة المضادة ويعمل على إنمائها واستمرارها ومجاراتها للثورة الأصلية.
وبما أن ثورتنا كادت أن تنجح إثر فيضان الانشقاقات العاتي، فيمكن القول مجازاً أن النظام قاد ثورة مضادة استطاع من خلالها أن يستعيد توزنه مؤجلاً بالتالي نجاح الثورة السلمية في تحقيق أهدافها.

أمثلة على الثورة المضادة
ضرورات الإحاطة بمجمل أبعاد وزوايا الفكرة تستوجب إيراد أمثلة واقعية لأحداث جرى تصنيفها كثورات مضادة، ثمة نماذج عديدة هنا لثورات مضادة سنكتفي منها بإيراد أربعة نماذج ولكن في مسارين، أحدهما يعبر عن أمثلة حديثة لثورات مضادة، والآخر يعبر عن أمثلة قديمة.
كمسار أول، في وسعنا الاستعانة بالثورتين التونسية والمصرية كمثالين حديثين، ففي الثورة التونسية تبدت معالم (الثورة المضادة) خلال الأيام التالية لهروب زين العابدين بن علي، حيث سعت فلول الحرس الرئاسي التونسي إلى إشاعة مختلف أنماط وأشكال الفوضى بهدف إجهاض الثورة وإعادة الرئيس المخلوع، وفي الثورة المصرية برزت إرهاصات الثورة المضادة عقب تنحي الرئيس حسني مبارك، حيث عمد جهاز أمن الدولة إلى إثارة الفتنة الطائفية وإشاعة الفوضى والقيام بتفجيرات وإحراق مبانٍ وكنائس وتسيير مظاهرات مناوئة للجيش المصري في محاولة لإجهاض الثورة وإحداث تصادم بين الثوار والجيش.
وفيما لازالت الثورة المصرية الوليدة تعاني إرهاصات الثورة المضادة كنتاج لاستعصاء تحقيق بعض أهدافها والخشية من انقلاب الجيش عليها، تبدو الثورة التونسية أفضل حالاً إثر نجاحها في تقليص مؤشرات الثورة المضادة إلى أدنى مستوياتها.
كمسار ثان، بإمكاننا إيراد ثورتي عبدالناصر ومصدق في كل من مصر وإيران كمثالين قديمين، ففي ثورة عبدالناصر (يوليو 1959م) تجلت ملامح الثورة المضادة أثناء العدوان الثلاثي على مصر حيث سعى بعض أتباع النظام الملكي البائد إلى تشكيل حكومة بديلة لحكومة الثورة وذلك بالتنسيق مع السفارة البريطانية تمهيداً لاستلام الحكم عقب نجاح العدوان في إقصاء عبدالناصر ومجلس قيادة الثورة، غير أنها فشلت في تحقيق أهدافها كنتاج لإخفاق العدوان.
وفي ثورة مصدق عام 1951م استطاعت الثورة المضادة أن تُجهض ثورة مصدق وأن تعيد شاه إيران المخلوع إلى عرشه.

مؤامرات ضمن الثورة وتحديات في محيطها
ما بين المؤامرات والتحديات، تتوزع الوسائل التي ينتهجها النظام لتكريس واقع الثورة المضادة بصورة تدفعها للتشكل في مظهرين رئيسيين، الأول: مؤامرات ضمن الثورة نفسها، والثاني: تحديات في محيط الثورة.
تبدو الثورة المضادة في مظهرها الأول معتمدة على انتزاع عامل المبادأة اتساقاً مع قاعدة: الهجوم خير وسيلة للدفاع، بموازاة سعيها لإحداث اختراق داخلي يعطل مسارها ويزعزع تماسكها.
بوسعنا حصر وسائل المظهر الأول في ستة محاور أساسية، أولها: المحاولات المتكررة لتغذية التباينات بين مختلف الحركات الشبابية المُكونة للفعل الثوري وذلك بهدف إيجاد خلافات وانشقاقات في الصفوف الثورية، ثانيها: الترويج لشائعات اختطاف الثورة بين الشباب بهدف جرجرتهم إلى مربع التصادم مع القيادات العسكرية والقبلية التي أعلنت تأييدها ومساندتها للثورة، ثالثها: العزف على وتر النبرة الطائفية وإذكاء جذوة التباينات الأيديولوجية (الفكرية) بين مكونات النسيج الثوري، رابعها: بث دعايات وأنباء كاذبة للتأثير على مسار التطور الثوري أو على الأقل لتعطيل بعض الأهداف الثورية –كإقصاء الأسرة الحاكمة- ومن ذلك مثلاً ما يتم الترويج له من شائعات حول خلافات وهمية بين الرئيس صالح وبعض أولاده وأولاد أخيه، حيث تتغيا مثل هذه الشائعات تجنيب الأولاد مصير الإقصاء اللائح وإيجاد تعاطف معهم والإيعاز إلى كونهم يرفضون سياسات الرئيس ويناهضونها قولاً وفعلاً، وقد انطلت هذه الحيلة لدرجة أن بعض شباب الثورة أصبحوا يروجون لها في النشرة الإخبارية عبر المنصة الإعلامية لساحة التغيير!
خامسها: استغلال أخطاء المعارضة وتوظيفها بصورة تسهم في إثارة جدل وتباين يُفضي إلى تمترس مضاد، ولعل في التباين الناشئ على خلفية تصريحات القيادي محمد قحطان التي تحدث فيها عن جمعة الزحف إلى الغرف، ما يؤكد ذلك.
سادسها: السعي لافتعال مشكلات بين المعتصمين وسكان الأحياء الحاضنة للاعتصام، وهو إجراء لم ينجح رغم المحاولات المستميتة التي بُذلت لإنجاحه.
في مظهرها الثاني (تحديات محيط الثورة) تحاول الثورة المضادة أن تتقولب في إطار إجرائي مواز يحقق غاية المجاراة والمواكبة للفعل الثوري الأصلي.
بإمكاننا هنا حصر وسائل المظهر الثاني للثورة المضادة في عشرة محاور أساسية، أولها: محاولات استنساخ اعتصام موازٍ في ميدان التحرير، ثانيها: جمع حشود مليونية في ميدان السبعين بهدف تخليق شعور الإحباط لدى الثوار وحرمان الثورة من الإسناد الخارجي، ثالثها: تشويه صورة الثورة وشبابها عبر وسائل الإعلام الرسمية وذلك في محاولة للحد من التأييد الشعبي المتعاظم، رابعها: افتعال أزمات مجتمعية كاختفاء مادة الغاز ورفع الأسعار والانطفاءات الكهربائية المتكررة، حيث يعمد النظام إلى تقديم الثورة كسبب لتلك الأزمات بهدف فصم عرى الالتحام بينها وبين الشعب، خامسها: استخدام البلاطجة واستدراج الثورة إلى المربع العنفي لتبرير استخدام القمع والقوة، سادسها: الاعتداء على الجيش والنقاط الأمنية، سابعها: إقلاق السكينة العامة عبر الاختطافات والتفجيرات (تفجير مصنع الذخير بأبين أنموذجا)، ثامنها: التلويح بورقة الإرهاب ومحاولات وصم الثورة بالإرهاب بموازاة دفع (تنظيم قاعدة القصر الجمهوري) إلى إعلان إمارة قاعدية في أبين تحقيقاً لغاية إقلاق الأمن العالمي وحصر المجتمع الدولي في خندق الرفض والمعارضة للثورة والتغيير، تاسعها: تحطيم التوازن العسكري الذي تفرضه ألوية الفرقة الأولى مدرع في العاصمة صنعاء وذلك عبر تطبيق خطة انسحاب تكتيكية لألوية وقوات الحرس الجمهوري الرئاسي من المحافظات وإعادة تمركزها في صنعاء، عاشرها: ابتزاز ومساومة القيادات التي أعلنت انضمامها إلى الثورة واستخدام لغة التهديد والوعيد لها وللثورة.

اللجان الشعبية ضمان للاستمرار
يدرك النظام أن نجاح الثورة يقترب بالتقادم من التحول إلى واقع ماثل، لذا نجده مستغرقاً في استحداث تدابير واتخاذ إجراءات تكفل الإبقاء على (الثورة المضادة) في مرحلة ما بعد النجاح المرحلي اللائح للثورة.
ولأن مؤسسات الأولاد الحديثة التي تدير الثورة المضادة حالياً يمكن أن تخضع لإعادة هيكلة تعيق استمرارها كموجه وقائد لأعمال وأنشطة الثورة المضادة، فإن ذلك تسبب في تشكيل لجان شعبية من الأنصار والبلاطجة والأتباع بهدف استمرار أعمال الفوضى أثناء المرحلة الانتقالية وهو ما يجسد ضماناً لإبقاء الثورة المضادة في حالة استعار دائم.
استنزاف احتياطيات البنك المركزي واللجوء لطباعة أوراق نقدية جديدة من العملة الوطنية، إجراءات يتطلع النظام من خلالها إلى إعاقة المرحلة الانتقالية وزرع أوليات الفشل في طريقها وذلك لمساعدة الثورة المضادة على تحقيق غاياتها وأهدافها.

وقود الثورة المضادة
ربما كان عملاء المخابرات القومية والسياسية وعناصر المباحث الجنائية والأمن المركزي والتوجيه المعنوي، يشكلون جزءاً أساسيا من التركيبة الافتراضية لوقود الثورة المضادة، غير أن أعضاء المؤتمر الشعبي العام يمثلون في الواقع النسبة الأعلى من التركيبة وبالأخص في أعمال وأنشطة الحشد الجماهيري والتعبئة الشعبية.
يحاول النظام –في هذه الجزئية- أن يوهم أعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام بوجود مخطط يتغيا اجتثاث المؤتمر وإخضاعه لطائلة الحل كما حدث لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق.
واقع الأمر، أن النظام لم يأل جهداً لتكريس اعتقاد كهذا، إذ ما انفك يسعى لإقناع المؤتمريين بأن الثورة السلمية تستهدف كيانهم الحزبي، ولعل فيما جاء على لسان صالح نفسه ما يؤكد ذلك، حيث نُسبت إليه مقولة: أحزاب المشترك تريد اجتثاث المؤتمر الشعبي العام.
يتطلع النظام من خلال تعميق الهوة بين الثورة والمؤتمر إلى ضمان الإبقاء على المؤتمر الشعبي العام كوقود حقيقي ودائم للثورة المضادة مستغلاً بذلك تشجيع الثورة لأنصارها على الاستقالة من حزب المؤتمر.

وماذا بعد
حين نحاول بحث ممكنات احتواء (الثورة المضادة) ليس في وسعنا تجاهل المصادر الرئيسية التي تمنحها وقود التواجد والديمومة والاستمرارية.
وبالتالي مادام الوقود هو الذي يبعث في هذه (الثورة المضادة) قدرتها على البقاء، فيتعين على الثورة السلمية أن تسعى لقطع هذا الوقود وتجفيف مصادرة أو على الأقل تحجيمه وخفض نسبة تركيزه ووجوده ضمن التركيبة الافتراضية للثورة المضادة.
في الواقع، ثمة مصدران أساسيان لتغذية الثورة المضادة بالوقود اللازم، أحدهما حزبي ويتمثل في عناصر وأعضاء وكوادر وقيادات المؤتمر الشعبي العام، والآخر أمني ويتمثل في عملاء أجهزة المخابرات والمباحث والأمن المركزي وغيرها.
وبما أن التأثير في تدفق الوقود من المصدر الأمني يبدو مرتبطاً بنجاح الثورة وانفضاض أجهزة الأمن من حول النظام، فإن التأثير في تدفق الوقود من المصدر الحزبي بالمقابل يبدو أمراً متاحاً بالنسبة للثورة.
يتعين على الثورة هنا أن تسعى لتبديد مخاوف عناصر المؤتمر الشعبي العام من ملاقاة مصير الحل والاجتثاث الذي ما انفك صالح يتخذ منه نقطة استغلال كبرى لاستنهاض الهمم وتشمير السواعد المؤتمرية بحجة الدفاع عن حق البقاء بالنسبة للمؤتمر كحزب.
وبالتالي فليس من مصلحة الثورة حث المؤتمريين المنضويين في صفوفها على الاستقالة من عضوية المؤتمر، وليس شرطاً أيضا أن يُقدم المؤتمريون الثائرون استقالاتهم لكي يثبتوا ثوريتهم ويؤكدوا براءتهم من هذا النظام.
ينبغي أن يدرك الجميع هنا أن المصلحة الثورية العليا تتطلب العمل على تحاشي حصر مليون عضو من أعضاء المؤتمر في زاوية العداء للثورة.
من مصلحة الثورة إذن، أن يتحول هؤلاء إلى وقود لها بدلاً من أن يكونوا وقوداً ضدها (وقود الثورة المضادة).
إن كان الاتجاه نحو التصعيد السلمي للاحتجاجات يشكل إجراء ناجعاً لمواجهة الثورة المضادة وتقليصها، فإن استكمال البنية القيادية للثورة يُجسد إجراء ناجعاً أيضا، وسبق لي هنا أن بينت أهمية استكمال البنية القيادية للثورة في مقال نشرته الزميلة (حديث المدينة) تحت عنوان: لهذا يجب تشكيل مجلس لقيادة الثورة.
على أن هذا وذلك لا يعني بالمقابل إمكانية النجاح المطلق في إنهاء الثورة المضادة عاجلاً، إذ أن وجودها بمستوى الارتفاع الراهن كمؤامرات وتحديات، مرتبط ببقاء ووجود هذا النظام بدرجة رئيسية، وهو ما يعني أن التركيز على جهود إسقاط النظام يحقق بالضرورة عوامل القضاء على مظاهر الثورة المضادة.
أخيراُ: لاشك أن معرفتنا بمؤامرات وتحديات (الثورة المضادة) يمكن أن تشكل بحد ذاتها درعاً وقائياً يساهم في الحد من أضرارها اللحظية وسلبياتها الآنية وذلك كتمهيد لإنهائها عملياً عندما تلوح بوادر النصر وبشائر التمكين!

المصدر أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.