منظمة: الصحافة باليمن تمر بمرحلة حرجة والصحفيون يعملون في ظروف بالغة الخطورة    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    وفاة فتاة وأمها وإصابة فتيات أخرى في حادث مروري بشع في صنعاء    مصادر مصرفية تحذر من كارثة وشيكة في مناطق سيطرة الحوثيين    مارب تغرق في ظلام دامس.. ومصدر يكشف السبب    ماذا يجرى داخل المراكز الصيفية الحوثية الطائفية - المغلقة ؟ الممولة بالمليارات (الحلقة الأولى)    المخا الشرعية تُكرم عمّال النظافة بشرف و وإب الحوثية تُهينهم بفعل صادم!    اسقاط اسماء الطلاب الأوائل باختبار القبول في كلية الطب بجامعة صنعاء لصالح ابناء السلالة (أسماء)    الحوثيون يعتقلون فنان شعبي وأعضاء فرقته في عمران بتهمة تجريم الغناء    ترتيبات الداخل وإشارات الخارج ترعب الحوثي.. حرب أم تكهنات؟    لماذا إعلان عدن "تاريخي" !؟    مأرب قلب الشرعية النابض    تن هاغ يعترف بمحاولةا التعاقد مع هاري كاين    اخر تطورات الانقلاب المزعوم الذي كاد يحدث في صنعاء (صدمة)    الهلال السعودي يهزم التعاون ويقترب من ملامسة لقب الدوري    معركة مع النيران: إخماد حريق ضخم في قاعة افراح بمدينة عدن    "أموال عالقة، وصراع محتدم: هل يُعطل الحوثيون شريان اليمن الاقتصادي؟"    الكشف بالصور عن تحركات عسكرية خطيرة للحوثيين على الحدود مع السعودية    "اليمن ستكون مسرحاً لحرب استنزاف قبل تلك الحرب الكبرى"..خبير استراتيجي يكشف السيناريوهات القادمة    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    شعب حضرموت يتوج بطلاً وتضامن حضرموت للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    وكلاء وزارة الشؤون الاجتماعية "أبوسهيل والصماتي" يشاركان في انعقاد منتدى التتسيق لشركاء العمل الإنساني    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    د. صدام عبدالله: إعلان عدن التاريخي شعلة أمل انارت دورب شعب الجنوب    فالكاو يقترب من مزاملة ميسي في إنتر ميامي    الوزير البكري يعزي الاعلامي الكبير رائد عابد في وفاة والده    أمين عام الإصلاح يعزي في وفاة أمين مكتب الحزب بوادي حضرموت «باشغيوان»    بعد منع الامارات استخدام أراضيها: الولايات المتحدة تنقل أصولها الجوية إلى قطر وجيبوتي    مارب.. وقفة تضامنية مع سكان غزة الذين يتعرضون لحرب إبادة من قبل الاحتلال الصهيوني    البنتاجون: القوات الروسية تتمركز في نفس القاعدة الامريكية في النيجر    تعز تشهد المباراة الحبية للاعب شعب حضرموت بامحيمود    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    الخميني والتصوف    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة إلى الرئيس علي سالم البيض
نشر في المصدر يوم 09 - 05 - 2011

في جمعة الوفاء للجنوب، قدم ملايين الثائرين على امتداد جغرافيا الوطن، ملحمة وفائية تأريخية لأبناء الجنوب الذين ضحوا كثيراً في نضالهم المرير ضد نظام القهر والإستعباد.
كانت جمعة أسطورية امتزجت فيها روح الثورة المتوثبة بعبق العرفان بالجميل للجنوبيين الذين كانوا سباقين في الانتفاضة ضد النظام والثورة عليه.

بخروج هو الاكبر منذ اندلاع الثورة، اثبت ملايين الثوار في كل أنحاء الوطن إدراكهم الكامل لمعاناة ابناء الجنوب، واستلهامهم الواعي لما تعرضوا له من اقصاءات ونهب وظلم وقهر منذ الانقلاب الصالحي على اتفاقات الشراكة الوحدوية في 1994م.
بهذه الجمعة الوفائية الاسطورية التي شارك فيها ملايين اليمنيين، لم يعد هنالك أدنى شك في حقيقة النوايا الثورية تجاة القضية الجنوبية وأبناء الجنوب الاحرار.

لقد اكد ملايين الثوار امام العالم أجمع وعلى شاشات التلفزة، إيمان الثورة السلمية بعدالة القضية الجنوبية وأهمية حلها بما يُلبي تطلعات رجال القضية وابناءها وحاملي لوائها في الداخل والخارج.
دلالات جمعة الوفاء للجنوب، لاتبدو مقتصرة على ذلك فحسب، إذ تُجسد أيضاً اعترافاً صريحاً على المستويات الشعبية والثورية والمشتركية، بالقضية الجنوبية، وإقراراً علنياً بعدالتها المطلبية، وتأكيداً عملياً بضرورة حلها ومعالجتها فور الانتصار اللائح للثورة المجيدة.

اجماع ثوري على عدالة القضية الجنوبية
رغم ان الثورة الشعبية السلمية تسببت عقب اندلاعها في اعادة اللحمة الوطنية وتراجع مشاريع التجزئة كنتاج بديهي للوحدة المطلبية والالتقاء في الاهداف والغايات، إلا ان الثوار لم يكتفوا بعودة اللحمة الوطنية المتحققة بفعل الوحدة الثورية المطلبية.

لقد أرادوا –من خلال جمعة الوفاء- ان يؤكدوا لكل الجنوبيين ايمانهم المطلق بعدالة القضية الجنوبية وضرورة معالجتها بما يلبي تطلعات كل الجنوبيين، وهو موقف ثوري سامي بدد كل بواعث الخشية من تذويب القضية او تعويمها.
بهذه الجمعة الاسطورية، بوسعنا الادعاء ان الشعب اليمني غدا موحد الغايات والاهداف والتوجهات.

فالقضية الجنوبية اضحت تعتلي سلم الأولويات في لستة القضايا المطلبية الثورية لكل ابناء الوطن الثوار تماماً كما هو حال القضايا المطلبية الأخرى كرحيل الرئيس صالح وإسقاط أسرته ونظامه.
هامش الاختلاف الشعبي بين ابناء الوطن الاحرار –عقب جمعة الوفاء للجنوب- بات محصوراً في تفاصيل ثانوية ليس اكثر، فالكل باتوا مجمعين على حل القضية الجنوبية بذات درجة الاجماع على اسقاط النظام ورحيل صالح وأسرته، وهو اجماع يجعلنا نجزم بتخلق وحدة مطلبية مصيرية مشتركة بين كل ابناء الوطن جنوباً وشمالاً.

الشعب ينجح في تغيير مواقف النخب
في ثورتنا السلمية، اثبت الشعب اليمني قدرته على قيادة النخب وتغيير قناعاتها وخطابها بما يتلاءم مع إرادته التواقة للتغيير والحرية.
خلال الاسابيع الاولى للثورة، تعين على معظم القوى النخبوية إجراء مراجعات شاملة لأهدافها وقناعاتها وخطابها بصورة تواكب متغيرات اللحظة الثورية وتحاكي تسارعها المتواصل.

في صخب الثورة، خفتت كل المشاريع الصغيرة، وتوارت جُل الاصوات الشخصية، وتقهقرت معظم الدعوات الضيقة.
إزاء واقع الصخب الثوري العاتي، لم يكن في وسع الغالبية النخبوية سوى الرضوخ لخيارات الشعب الثائر عبر تحديث خطابها السياسي ورفع سقوفها المطلبية بما يتوافق مع موجبات الواقع الثوري.

لقد تسبب المد الثوري في توحيد نخبوي غير مسبوق، لدرجة ان معظم القوى النخبوية باتت تتشاطر في كثير من القواسم وبالاخص على صعيدي النشاط العملي والأداء الخطابي.
في الواقع لم تكن المواكبة النخبوية محض رضوخ لواقع ثوري قاهر، بقدر ما جسدت تفهماً نخبوياً لإرادة الأمة واستلهاماً واعياً لحق الشعب في تقرير وتشكيل مصيره بعيداً عن المصائر المعلبة التي جرى قولبتها والتنظير لها من جانب النخب السياسية والفكرية والثقافية خلال حقب منقضية.

التفهم النخبوي لإرادة الشعب اليمني، سلوك دفع شخصيات سياسية كثيرة لتعديل مواقف وأفكار وبرامج لملائمة الواقع الثوري السائد.

فالذين كانوا –من ساسة المشترك- يدعون للاصلاحات في إطار النظام القائم مثلاً، باتوا يتحدثون عن ضرورة اسقاطه امتثالاً لإرادة الشعب، والذين كانوا يؤمنون بقدرة الانتخابات على إحداث التغيير المنشود باتوا ايضاً يرون في الثورة الوسيلة العملية الوحيدة لإنتاج واقع التغيير المستعصي.

ساسة الجنوب، لم يكونوا بمعزل عن التغيرات النخبوية الطارئة بفعل الواقع الثوري، إذ حدثت تغييرات هامة في كثير من مواقفهم المعلنة لمواكبة المتغيرات الثورية الماثلة.
ببساطة: لقد أثبت الشعب قدرته في فرض خياراته على الجميع، وهو إثبات أدى بالضرورة إلى توافقات نخبوية ربما كان تحقيقها ضرباً من ضروب الاستحالة خلال حقب منقضية.

التحديثات الطارئة على أجندة القوى النخبوية، ظلت محل ترحيب ثوري دائم حتى بالنسبة لتلك القوى الموصوفة بالتقليدية، السبب ببساطة يكمن في إيمان الثوار بعدم الاحتكار.
فالثورة هي ثورة ملايين اليمنيين، ومن حق أي قوى وطنية سواء أكانت سلطوية المنشأ او معارضة الاتجاة، اعلان تأييدها لخيارات الشعب اليمني والانضواء إلى صفوف ثورته المجيدة.

من هنا جاء الترحيب الثوري بالجميع، حتى باؤلئك الذين كانوا اعمدة النظام كعلي محسن الاحمر وعدد كبير من القادة والوزراء والسفراء والمسؤولين والسياسيين ..الخ.

ناصر والعطاس، تأييد متوقع
باستثناء تلك المرتبطة بالنظام ولائياً ومصالحياً، انضوت معظم القوى النخبوية الوطنية الى النسيج الثوري لتشكل مع نظيراتها الثورية جبهة وطنية نخبوية ملتحمة مع المد الشعبي الثوري الموحد.
لم يكن الامر مختلفاً بالنسبة لعدد من ساسة القضية الجنوبية، فحين شعر معظم رموز القضية بتخلق الوحدة المطلبية الشعبية بادروا لإسناد الثورة وتبني مطالبها مجسدين بذلك أرقى انماط الاحترام النخبوي لخيارات الشعب وإرادة الأمة.

من هذا المنطلق، جاءت مواقف الرئيسين علي ناصر محمد وحيدر ابوبكر العطاس المُساندة للثورة السلمية.
لقد أردك الرئيسان ومعهما كثير من القيادات الجنوبية، ان الوحدة المطلبية الثورية تستوجب إسناداً سياسياً ونخبوياً يعينها على تحقيق مطالب التغيير كمقدمة لتحقيق مطالب أخرى على صعيد القضية الجنوبية.

بالنسبة لهما ولمعظم الثوار ايضاً، لايمكن لأزمات الوطن الشائكة ومنها القضية الجنوبية، ان تجد طريقها الى الحل في ظل نظام صالح لسببين رئيسيين، اولهما: لانه المتسبب في صناعة تلك الازمات، وثانيهما: لأنه يستمد قدرته على البقاء من وجود تلك الازمات إتساقاً مع نظرية الادارة بالازمات.
وبالتالي فإسناد الرئيسين علي ناصر محمد وحيدر العطاس للثورة كان بديهياً ومتوقع الحدوث.

لماذا لم يؤيد البيض ثورة الشباب
في قائمة الاستثناءات يمكث موقف الرئيس علي سالم البيض ومواقف عدد محدود من أنصاره في الداخل والخارج.
بالنسبة للرئيس البيض، فالثورة الشعبية الممتدة في طول وعرض خارطة الوطن الجغرافية، ماهي إلا انتفاضة شمالية ضد نظام الشمال الذي يحتل الجنوب.

رؤية البيض تتلخص في اعتبار الثورة مجرد انتفاضة شمالية بمعزل عن قضية الجنوب، فهي وفق تصريحات منسوبة اليه مجرد انتفاضة لا تعني الجنوبيين في شيء.
يمضي البيض بالاشارة الى ضرورة ان يستمر الحراك الجنوبي في نضاله وصولاً الى استعادة الكيان السيادي لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

يدرك الرئيس البيض، استعصاء حل القضية الجنوبية في ظل نظام علي عبدالله صالح، غير انه بطرح كهذا يتجاهل واقعية حقيقة كهذه.

ثمة تعقيدات كثيرة دفعت الرئيس البيض لتبني الموقف الآنف عرضه في بدايات الثورة.
لقد كان الرئيس البيض يشعر بمحاولات لإفراغ القضية الجنوبية من مضمونها عبر تذويبها في ثورة شعبية عارمة.

حساباته لم تقتصر –في الواقع- على ذلك، فالرجل حين دلف إلى خط الاسناد السياسي للحراك الجنوبي، كان متبنياً لأعلى السقوف المطلبية (حق تقرير المصير واعادة كيان الدولة الشطرية)، وهو ماجعل تأييد الثورة –في حساباته- محض تراجع وخفض لذلك السقف المطلبي.

وبالتالي لم يكن في وسع البيض ان يؤيد الثورة السلمية في بداياتها حتى عقب ان تأكدت له جدية الشعب في معظم المحافظات الشمالية بالخروج عن طوع الحاكم ومناهضة نظامه الفاسد.

حل القضية الجنوبية مرتبط بنجاح الثورة
عقب الاعتراف الشعبي الاخير بالقضية الجنوبية –في جمعة الوفاء للجنوب- لم يعد هنالك ما يعيق البيض عن إعلان مساندته للثورة المجيدة.
لقد اكد ملايين اليمنيين الثائرين بمختلف انتماءتهم الفكرية اعترافهم بعدالة هذه القضية وتأييدهم المطلق لحلها بالصيغة التي ترضي كل الجنوبيين.
وهو اعتراف مبدد لكل مخاوف تذويب القضية وإفراغها من مضمونها.

وبالتالي يتعين على الرئيس البيض إعلان مساندته لثورة الشباب السلمية ودعمه لمطالب اسقاط النظام ورحيل صالح وصولاً الى حل القضية الجنوبية بما يرضي كل ابناء الجنوب.
ثمة مبررات عديدة لمطالبة الرئيس البيض بتعديل موقفه الراهن من الثورة، يمكن اجمالها في محورين اساسيين.
فالقضية الجنوبية –كمحور اول- باتت تحظى بإعتراف وطني عام وبالاخص مع جانب قوى الثورة، ليس هذا فحسب بل انها غدت تتصدر لستة القضايا المطلبية في الاجندة الثورية.

لايمكن لأزمة الجنوب –كمحور ثان- ان تجد طريقها الى الحل في ظل نظام علي عبدالله صالح لكونه المتسبب بانتاجها إثر سياساته الاقصائية ونهجة اللاوطني، بموازاة استفادته من وجودها كإحدى الازمات الكبرى التي تمنحه وقود الاستمرارية.

وبالتالي، فبقاء صالح ونظامه يعني استحالة ان تجد هذه القضية طريقها الى الحل، والعكس يبدو واضحاً مع النقيض، إذ ان رحيل صالح وسقوط نظامه يمنح هذه القضية كل ممكنات الحل لاسيما عقب اعتراف قوى الثورة بوجودها وعدالتها.

من جميع الزوايا والابعاد إذن يمكن رصد الحقيقة التالية بكل وضوح: نجاح الثورة هو الأمل والمخرج الوحيد ليس للقضية الجنوبية فحسب بل ولكل قضايا وأزمات الوطن الاخرى ايضاً.

خدمات البيض لعلي عبدالله صالح
الرئيس علي سالم البيض أكثر من قدم خدمات –غير مقصودة- لعلي عبدالله صالح، حقيقة لا يمكن حجبها بمنخال المداراة.
لقد تنازل له عن حقه الطبيعي والواقعي في ان يكون رئيساً للجمهورية، مقدماً له دولة الجنوب –باعترافه في مقابلته المتلفزة مع بي بي سي- على طبق من ذهب.

قائمة خدمات البيض (الغير مقصودة) للرئيس صالح، لا تقتصر على ذلك فحسب، إذ سبق للبيض ان قدم لصالح هدية بإعلانه الانفصال في 1994م حارماً الحزب الاشتراكي والجيش الموالي له من التأييد الشعبي الذي حصده صالح وقواته دون عناء يذكر، وهو ما تسبب في تحطيم الحزب الاشتراكي والقضاء على الألوية العسكرية الموالية له.

من تلك الخدمات ايضاً، اعتماد أعلى السقوف المطلبية للجنوب عقب صمت طويل، فعندما كان المشترك يحشد الطاقات بهدف انضاج فكرة الحوار الوطني، قدم البيض لصالح خدمة أخرى إثر خروجه عن صمته ومهاجمته للحزب الاشتراكي وخلعه لسقف المطالب الحراكية المُعلنة.

عقب تخلق الوحدة الثورية الراهنة وتوافق الجنوبيين مع باقي ابناء الوطن على شعار اسقاط النظام ورحيل صالح، توقعت شخصياً ان يبادر الرئيس البيض الى مباركة هذه الخطوات الثورية، غير انه عاد مجدداً لتقديم خدماته –غير المقصودة- لعلي عبدالله صالح إثر اعلانه المثير الذي قال فيه بان الثورة ليست سوى انتفاضة شمالية لا تعني الجنوبيين!

بعد كل هذه الخدمات الغير مقصودة نتساءل ببراءة: أما آن للبيض ان يقدم لشعبه خدمه واحدة ضد علي عبدالله صالح ونظامه..؟

العودة الى التموضع الطبيعي
بما ان جمعة الوفاء للجنوب قد بددت مخاوف البيض من التحايل على القضية وإفراغها من مضمونها، فإن تراجعه عن السقف المطلبي للوهلة الاولى يجسد حائلاً دون بروز اي موقف مساند للثورة.
الإمعان في التفاصيل يجعل الامر يبدو مختلفاً كلياً، فمساندة البيض للثورة الشبابية لا تعني –بأي حال- تراجعاً عن مواقفه بخصوص القضية الجنوبية.

يمكن لأي موقف جديد للرئيس البيض ان يُبنى على اساس الاعتراف الشعبي الاخير بالقضية الجنوبية.
بوسع البيض ان يقول مثلاً: بعد الاعتراف الشعبي الشمالي بالقضية الجنوبية واعلان الوفاء لها من جميع القوى، نعلن مساندتنا لثورة الشباب السلمية وتأييدنا لمطالبها في اسقاط النظام ورحيل صالح مع تأكيدنا على ان هذا التأييد لا يلغي بتاتاً مواقفنا السابقة، إذ اننا نتمسك بحق الجنوبيين في حل قضيتهم بالطريقة التي يرونها مناسبة.

هنا، لا أظن ان إعلاناً كهذا يمكن ان يُجسد تراجعاً مطلبياً للبيض، على النقيض من ذلك تماماً، فالرجل بإعلان كهذا سيظل محتفظاً بمواقفه المعلنة بموازاة حصاده لثنائية الترحيب والاحترام من جانب القوى الثورية بصورة تؤدي بالضرورة الى عودته الى تموضعه الطبيعي كزعيم تاريخي يحظى بحب اليمنيين شمالاً وجنوباً.

وماذا بعد
لكي لا يُفسر المقال على أنه رسالة من القوى الثورية الى الرئيس علي سالم البيض، أقول ان ثورة الشباب السلمية لم تعد بحاجة لأي تأييد أو إسناد سواءً من البيض او من غيره، السبب ببساطة يتمثل في كونها غدت خياراً مصيرياً للشعب اليمني وستنتصر لا محالة.

سأكون صريحاً بحديثي هنا عن مبرر كتابة المقال، ببساطة شديدة: يحز في نفسي ان يظل الرئيس البيض بعيداً عن تموضعه الطبيعي كأحد الرموز المفترضة لثورتنا المجيدة.
يحز في النفس فعلاً، رؤيته وهو يسترسل في إجتراح الاخطاء ويمضي قدماً في تقديم المزيد من الخدمات المجانية –غير المقصودة- لعلي عبدالله صالح ونظامه.

ليس من العدل ان لا تحظى ثورتنا التأريخية المجيدة بالاسناد والمؤازرة من رمز وحدوي وثوري بحجم الرئيس علي سالم البيض.
حين نراجع سجل الخدمات اللامقصودة الفائت عرضها، نجد ان مشكلة الرئيس البيض تنحصر في صدقه.
إنه رجل صادق، يتعامل مع الآخرين بمنطق الصدق، بعيداً عن حسابات السياسة وأكاذيبها.

لذا تبدو مواقف الرجل متصفة بالصدق والصراحة والوضوح اكثر من اتصافها بموجبات التكتيك السياسي.
لابد لرجل صادق كهذا، ان يتجاوب مع لحظة الصدق التي أظهرها الثوار في جمعة الوفاء للجنوب ولو حتى من باب مبادلتهم ذلك الوفاء بوفاء مماثل.

لا شك ان المكان الطبيعي والواقعي والمنطقي لقائد صادق بحجم علي سالم البيض، هو بين ابناءه الثوار الأوفياء الذين يضحون بأرواحهم ودمائهم للانعتاق من عبودية النظام الصالحي الأسري.
فهل آن للبيض ان ينحاز إلى شعبه المتوحد على مطلب الرحيل والاسقاط، المتفق على معالجة القضية الجنوبية؟
وهل آن له ان يكف عن إزجاء الخدمات المجانية –الغير مقصودة- لعلي عبدالله صالح ونظامه المتداعي؟

أخيراً، ربما كان موقفه معبراً عن تكتيك بين القيادات الجنوبية على طريقة (توزيع الادوار)، وربما كان محض ايمان صادق بعذابات وآلام واوجاع الجنوبيين التي نشعر بها جميعاً، غير انني اخشى ان يتجاوزه الواقع الثوري ويذكره التأريخ مجرداً من لقب (الثائر) وكفى..!

ينشر بالاتفاق مع صحيفة حديث المدينة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.