مصر تخنق إثيوبيا دبلوماسياً من بوابة جيبوتي    أوقاف وإرشاد الحديدة تنظّم ندوة ثقافية إحياءً للذكرى السنوية للشهيد    الشاذلي يبحث عن شخصية داعمة لرئاسة نادي الشعلة    الذهب يحلق والنفط يتراجع... تباين في أداء أسواق السلع العالمية    منظمة:اختطاف د. العودي تصعيد خطير يستهدف ترويع المجتمع وإسكات الفكر الحر    مليشيا الحوثي الإرهابية تقتحم مقر هيئة طبية دولية بصنعاء وتحتجز موظفيها    جولف السعودية تفتح آفاقاً جديدة لتمكين المرأة في الرياضة والإعلام ببطولة أرامكو – شينزن    صلح قبلي ينهي قضية قتل بين آل سرحان وأهالي قرية الزور بمديرية الحداء    القبض على المتهمين بقتل القباطي في تعز    تنبيه من طقس 20 فبراير    لصوصية طيران اليمنية.. استنزاف دماء المغتربين (وثيقة)    إحباط عملية أوكرانية-بريطانية لاختطاف مقاتلة روسية من طراز «ميغ-31»    بدء الاقتراع في سادس انتخابات برلمانية بالعراق    لماذا يحتضن الجنوب شرعية شرعية احتلال    قوة "حماية الشركات"... انتقائية التفعيل تخدم "صفقات الظلام" وتُغيب العدالة!    ريال مدريد يقرر بيع فينيسيوس جونيور    نائب وزير الشباب والرياضة يطلع على الترتيبات النهائية لانطلاق بطولة 30 نوفمبر للاتحاد العام لالتقاط الاوتاد على كأس الشهيد الغماري    حكاية وادي زبيد (2): الأربعين المَطّارة ونظام "المِدَد" الأعرق    حق شعب الجنوب في تقرير مصيره بين شرعية التاريخ وتعقيدات السياسة الدولية    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    عدن في قلب وذكريات الملكة إليزابيث الثانية: زيارة خلدتها الذاكرة البريطانية والعربية    البروفيسور الترب يحضر مناقشة رسالة الماجستير للدارس مصطفى محمود    قوة سلفية تنسحب من غرب لحج بعد خلاف مع قوة أخرى في المنطقة    اتحاد اللجان الأولمبية الوطنية الإفريقية يكرم بشرى حجيج تقديرًا لعطائها في خدمة الرياضة القارية    استعدادا لمواجهة بوتان وجزر القمر.. المنتخب الأول يبدأ معسكرة الخارجي في القاهرة    رئيس تنفيذية انتقالي شبوة يدشن مهرجان شبوة الأول للعسل    لملس يناقش مع "اليونبس" سير عمل مشروع خط الخمسين ومعالجة طفح المجاري    الدراما السورية في «حظيرة» تركي آل الشيخ    5 عناصر تعزّز المناعة في الشتاء!    صنعاء.. تعمّيم بإعادة التعامل مع شبكة تحويلات مالية بعد 3 أيام من إيقافها    إدريس يدشن حملة بيطرية لتحصين المواشي في البيضاء    الجدران تعرف أسماءنا    اليوم العالمي للمحاسبة: جامعة العلوم والتكنولوجيا تحتفل بالمحاسبين    قراءة تحليلية لنص "خصي العقول" ل"أحمد سيف حاشد"    قرارات حوثية تدمر التعليم.. استبعاد أكثر من ألف معلم من كشوفات نصف الراتب بالحديدة    تمرد إداري ومالي في المهرة يكشف ازدواج الولاءات داخل مجلس القيادة    أبين.. حادث سير مروع في طريق العرقوب    الأرصاد يتوقع أجواء باردة إلى شديدة البرودة على المرتفعات    وزارة الخدمة المدنية توقف مرتبات المتخلفين عن إجراءات المطابقة وتدعو لتصحيح الأوضاع    عالم أزهري يحذر: الطلاق ب"الفرانكو" غير معترف به شرعا    تسعة جرحى في حادث مروع بطريق عرقوب شقرة.. فواجع متكررة على الطريق القاتل    سؤال المعنى ...سؤال الحياة    بوادر معركة إيرادات بين حكومة بن بريك والسلطة المحلية بالمهرة    برباعية في سيلتا فيجو.. برشلونة يقبل هدية ريال مدريد    إحباط عملية تهريب أسلحة للحوثيين بمدينة نصاب    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    تيجان المجد    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة إلى الرئيس علي سالم البيض
نشر في المصدر يوم 09 - 05 - 2011

في جمعة الوفاء للجنوب، قدم ملايين الثائرين على امتداد جغرافيا الوطن، ملحمة وفائية تأريخية لأبناء الجنوب الذين ضحوا كثيراً في نضالهم المرير ضد نظام القهر والإستعباد.
كانت جمعة أسطورية امتزجت فيها روح الثورة المتوثبة بعبق العرفان بالجميل للجنوبيين الذين كانوا سباقين في الانتفاضة ضد النظام والثورة عليه.

بخروج هو الاكبر منذ اندلاع الثورة، اثبت ملايين الثوار في كل أنحاء الوطن إدراكهم الكامل لمعاناة ابناء الجنوب، واستلهامهم الواعي لما تعرضوا له من اقصاءات ونهب وظلم وقهر منذ الانقلاب الصالحي على اتفاقات الشراكة الوحدوية في 1994م.
بهذه الجمعة الوفائية الاسطورية التي شارك فيها ملايين اليمنيين، لم يعد هنالك أدنى شك في حقيقة النوايا الثورية تجاة القضية الجنوبية وأبناء الجنوب الاحرار.

لقد اكد ملايين الثوار امام العالم أجمع وعلى شاشات التلفزة، إيمان الثورة السلمية بعدالة القضية الجنوبية وأهمية حلها بما يُلبي تطلعات رجال القضية وابناءها وحاملي لوائها في الداخل والخارج.
دلالات جمعة الوفاء للجنوب، لاتبدو مقتصرة على ذلك فحسب، إذ تُجسد أيضاً اعترافاً صريحاً على المستويات الشعبية والثورية والمشتركية، بالقضية الجنوبية، وإقراراً علنياً بعدالتها المطلبية، وتأكيداً عملياً بضرورة حلها ومعالجتها فور الانتصار اللائح للثورة المجيدة.

اجماع ثوري على عدالة القضية الجنوبية
رغم ان الثورة الشعبية السلمية تسببت عقب اندلاعها في اعادة اللحمة الوطنية وتراجع مشاريع التجزئة كنتاج بديهي للوحدة المطلبية والالتقاء في الاهداف والغايات، إلا ان الثوار لم يكتفوا بعودة اللحمة الوطنية المتحققة بفعل الوحدة الثورية المطلبية.

لقد أرادوا –من خلال جمعة الوفاء- ان يؤكدوا لكل الجنوبيين ايمانهم المطلق بعدالة القضية الجنوبية وضرورة معالجتها بما يلبي تطلعات كل الجنوبيين، وهو موقف ثوري سامي بدد كل بواعث الخشية من تذويب القضية او تعويمها.
بهذه الجمعة الاسطورية، بوسعنا الادعاء ان الشعب اليمني غدا موحد الغايات والاهداف والتوجهات.

فالقضية الجنوبية اضحت تعتلي سلم الأولويات في لستة القضايا المطلبية الثورية لكل ابناء الوطن الثوار تماماً كما هو حال القضايا المطلبية الأخرى كرحيل الرئيس صالح وإسقاط أسرته ونظامه.
هامش الاختلاف الشعبي بين ابناء الوطن الاحرار –عقب جمعة الوفاء للجنوب- بات محصوراً في تفاصيل ثانوية ليس اكثر، فالكل باتوا مجمعين على حل القضية الجنوبية بذات درجة الاجماع على اسقاط النظام ورحيل صالح وأسرته، وهو اجماع يجعلنا نجزم بتخلق وحدة مطلبية مصيرية مشتركة بين كل ابناء الوطن جنوباً وشمالاً.

الشعب ينجح في تغيير مواقف النخب
في ثورتنا السلمية، اثبت الشعب اليمني قدرته على قيادة النخب وتغيير قناعاتها وخطابها بما يتلاءم مع إرادته التواقة للتغيير والحرية.
خلال الاسابيع الاولى للثورة، تعين على معظم القوى النخبوية إجراء مراجعات شاملة لأهدافها وقناعاتها وخطابها بصورة تواكب متغيرات اللحظة الثورية وتحاكي تسارعها المتواصل.

في صخب الثورة، خفتت كل المشاريع الصغيرة، وتوارت جُل الاصوات الشخصية، وتقهقرت معظم الدعوات الضيقة.
إزاء واقع الصخب الثوري العاتي، لم يكن في وسع الغالبية النخبوية سوى الرضوخ لخيارات الشعب الثائر عبر تحديث خطابها السياسي ورفع سقوفها المطلبية بما يتوافق مع موجبات الواقع الثوري.

لقد تسبب المد الثوري في توحيد نخبوي غير مسبوق، لدرجة ان معظم القوى النخبوية باتت تتشاطر في كثير من القواسم وبالاخص على صعيدي النشاط العملي والأداء الخطابي.
في الواقع لم تكن المواكبة النخبوية محض رضوخ لواقع ثوري قاهر، بقدر ما جسدت تفهماً نخبوياً لإرادة الأمة واستلهاماً واعياً لحق الشعب في تقرير وتشكيل مصيره بعيداً عن المصائر المعلبة التي جرى قولبتها والتنظير لها من جانب النخب السياسية والفكرية والثقافية خلال حقب منقضية.

التفهم النخبوي لإرادة الشعب اليمني، سلوك دفع شخصيات سياسية كثيرة لتعديل مواقف وأفكار وبرامج لملائمة الواقع الثوري السائد.

فالذين كانوا –من ساسة المشترك- يدعون للاصلاحات في إطار النظام القائم مثلاً، باتوا يتحدثون عن ضرورة اسقاطه امتثالاً لإرادة الشعب، والذين كانوا يؤمنون بقدرة الانتخابات على إحداث التغيير المنشود باتوا ايضاً يرون في الثورة الوسيلة العملية الوحيدة لإنتاج واقع التغيير المستعصي.

ساسة الجنوب، لم يكونوا بمعزل عن التغيرات النخبوية الطارئة بفعل الواقع الثوري، إذ حدثت تغييرات هامة في كثير من مواقفهم المعلنة لمواكبة المتغيرات الثورية الماثلة.
ببساطة: لقد أثبت الشعب قدرته في فرض خياراته على الجميع، وهو إثبات أدى بالضرورة إلى توافقات نخبوية ربما كان تحقيقها ضرباً من ضروب الاستحالة خلال حقب منقضية.

التحديثات الطارئة على أجندة القوى النخبوية، ظلت محل ترحيب ثوري دائم حتى بالنسبة لتلك القوى الموصوفة بالتقليدية، السبب ببساطة يكمن في إيمان الثوار بعدم الاحتكار.
فالثورة هي ثورة ملايين اليمنيين، ومن حق أي قوى وطنية سواء أكانت سلطوية المنشأ او معارضة الاتجاة، اعلان تأييدها لخيارات الشعب اليمني والانضواء إلى صفوف ثورته المجيدة.

من هنا جاء الترحيب الثوري بالجميع، حتى باؤلئك الذين كانوا اعمدة النظام كعلي محسن الاحمر وعدد كبير من القادة والوزراء والسفراء والمسؤولين والسياسيين ..الخ.

ناصر والعطاس، تأييد متوقع
باستثناء تلك المرتبطة بالنظام ولائياً ومصالحياً، انضوت معظم القوى النخبوية الوطنية الى النسيج الثوري لتشكل مع نظيراتها الثورية جبهة وطنية نخبوية ملتحمة مع المد الشعبي الثوري الموحد.
لم يكن الامر مختلفاً بالنسبة لعدد من ساسة القضية الجنوبية، فحين شعر معظم رموز القضية بتخلق الوحدة المطلبية الشعبية بادروا لإسناد الثورة وتبني مطالبها مجسدين بذلك أرقى انماط الاحترام النخبوي لخيارات الشعب وإرادة الأمة.

من هذا المنطلق، جاءت مواقف الرئيسين علي ناصر محمد وحيدر ابوبكر العطاس المُساندة للثورة السلمية.
لقد أردك الرئيسان ومعهما كثير من القيادات الجنوبية، ان الوحدة المطلبية الثورية تستوجب إسناداً سياسياً ونخبوياً يعينها على تحقيق مطالب التغيير كمقدمة لتحقيق مطالب أخرى على صعيد القضية الجنوبية.

بالنسبة لهما ولمعظم الثوار ايضاً، لايمكن لأزمات الوطن الشائكة ومنها القضية الجنوبية، ان تجد طريقها الى الحل في ظل نظام صالح لسببين رئيسيين، اولهما: لانه المتسبب في صناعة تلك الازمات، وثانيهما: لأنه يستمد قدرته على البقاء من وجود تلك الازمات إتساقاً مع نظرية الادارة بالازمات.
وبالتالي فإسناد الرئيسين علي ناصر محمد وحيدر العطاس للثورة كان بديهياً ومتوقع الحدوث.

لماذا لم يؤيد البيض ثورة الشباب
في قائمة الاستثناءات يمكث موقف الرئيس علي سالم البيض ومواقف عدد محدود من أنصاره في الداخل والخارج.
بالنسبة للرئيس البيض، فالثورة الشعبية الممتدة في طول وعرض خارطة الوطن الجغرافية، ماهي إلا انتفاضة شمالية ضد نظام الشمال الذي يحتل الجنوب.

رؤية البيض تتلخص في اعتبار الثورة مجرد انتفاضة شمالية بمعزل عن قضية الجنوب، فهي وفق تصريحات منسوبة اليه مجرد انتفاضة لا تعني الجنوبيين في شيء.
يمضي البيض بالاشارة الى ضرورة ان يستمر الحراك الجنوبي في نضاله وصولاً الى استعادة الكيان السيادي لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

يدرك الرئيس البيض، استعصاء حل القضية الجنوبية في ظل نظام علي عبدالله صالح، غير انه بطرح كهذا يتجاهل واقعية حقيقة كهذه.

ثمة تعقيدات كثيرة دفعت الرئيس البيض لتبني الموقف الآنف عرضه في بدايات الثورة.
لقد كان الرئيس البيض يشعر بمحاولات لإفراغ القضية الجنوبية من مضمونها عبر تذويبها في ثورة شعبية عارمة.

حساباته لم تقتصر –في الواقع- على ذلك، فالرجل حين دلف إلى خط الاسناد السياسي للحراك الجنوبي، كان متبنياً لأعلى السقوف المطلبية (حق تقرير المصير واعادة كيان الدولة الشطرية)، وهو ماجعل تأييد الثورة –في حساباته- محض تراجع وخفض لذلك السقف المطلبي.

وبالتالي لم يكن في وسع البيض ان يؤيد الثورة السلمية في بداياتها حتى عقب ان تأكدت له جدية الشعب في معظم المحافظات الشمالية بالخروج عن طوع الحاكم ومناهضة نظامه الفاسد.

حل القضية الجنوبية مرتبط بنجاح الثورة
عقب الاعتراف الشعبي الاخير بالقضية الجنوبية –في جمعة الوفاء للجنوب- لم يعد هنالك ما يعيق البيض عن إعلان مساندته للثورة المجيدة.
لقد اكد ملايين اليمنيين الثائرين بمختلف انتماءتهم الفكرية اعترافهم بعدالة هذه القضية وتأييدهم المطلق لحلها بالصيغة التي ترضي كل الجنوبيين.
وهو اعتراف مبدد لكل مخاوف تذويب القضية وإفراغها من مضمونها.

وبالتالي يتعين على الرئيس البيض إعلان مساندته لثورة الشباب السلمية ودعمه لمطالب اسقاط النظام ورحيل صالح وصولاً الى حل القضية الجنوبية بما يرضي كل ابناء الجنوب.
ثمة مبررات عديدة لمطالبة الرئيس البيض بتعديل موقفه الراهن من الثورة، يمكن اجمالها في محورين اساسيين.
فالقضية الجنوبية –كمحور اول- باتت تحظى بإعتراف وطني عام وبالاخص مع جانب قوى الثورة، ليس هذا فحسب بل انها غدت تتصدر لستة القضايا المطلبية في الاجندة الثورية.

لايمكن لأزمة الجنوب –كمحور ثان- ان تجد طريقها الى الحل في ظل نظام علي عبدالله صالح لكونه المتسبب بانتاجها إثر سياساته الاقصائية ونهجة اللاوطني، بموازاة استفادته من وجودها كإحدى الازمات الكبرى التي تمنحه وقود الاستمرارية.

وبالتالي، فبقاء صالح ونظامه يعني استحالة ان تجد هذه القضية طريقها الى الحل، والعكس يبدو واضحاً مع النقيض، إذ ان رحيل صالح وسقوط نظامه يمنح هذه القضية كل ممكنات الحل لاسيما عقب اعتراف قوى الثورة بوجودها وعدالتها.

من جميع الزوايا والابعاد إذن يمكن رصد الحقيقة التالية بكل وضوح: نجاح الثورة هو الأمل والمخرج الوحيد ليس للقضية الجنوبية فحسب بل ولكل قضايا وأزمات الوطن الاخرى ايضاً.

خدمات البيض لعلي عبدالله صالح
الرئيس علي سالم البيض أكثر من قدم خدمات –غير مقصودة- لعلي عبدالله صالح، حقيقة لا يمكن حجبها بمنخال المداراة.
لقد تنازل له عن حقه الطبيعي والواقعي في ان يكون رئيساً للجمهورية، مقدماً له دولة الجنوب –باعترافه في مقابلته المتلفزة مع بي بي سي- على طبق من ذهب.

قائمة خدمات البيض (الغير مقصودة) للرئيس صالح، لا تقتصر على ذلك فحسب، إذ سبق للبيض ان قدم لصالح هدية بإعلانه الانفصال في 1994م حارماً الحزب الاشتراكي والجيش الموالي له من التأييد الشعبي الذي حصده صالح وقواته دون عناء يذكر، وهو ما تسبب في تحطيم الحزب الاشتراكي والقضاء على الألوية العسكرية الموالية له.

من تلك الخدمات ايضاً، اعتماد أعلى السقوف المطلبية للجنوب عقب صمت طويل، فعندما كان المشترك يحشد الطاقات بهدف انضاج فكرة الحوار الوطني، قدم البيض لصالح خدمة أخرى إثر خروجه عن صمته ومهاجمته للحزب الاشتراكي وخلعه لسقف المطالب الحراكية المُعلنة.

عقب تخلق الوحدة الثورية الراهنة وتوافق الجنوبيين مع باقي ابناء الوطن على شعار اسقاط النظام ورحيل صالح، توقعت شخصياً ان يبادر الرئيس البيض الى مباركة هذه الخطوات الثورية، غير انه عاد مجدداً لتقديم خدماته –غير المقصودة- لعلي عبدالله صالح إثر اعلانه المثير الذي قال فيه بان الثورة ليست سوى انتفاضة شمالية لا تعني الجنوبيين!

بعد كل هذه الخدمات الغير مقصودة نتساءل ببراءة: أما آن للبيض ان يقدم لشعبه خدمه واحدة ضد علي عبدالله صالح ونظامه..؟

العودة الى التموضع الطبيعي
بما ان جمعة الوفاء للجنوب قد بددت مخاوف البيض من التحايل على القضية وإفراغها من مضمونها، فإن تراجعه عن السقف المطلبي للوهلة الاولى يجسد حائلاً دون بروز اي موقف مساند للثورة.
الإمعان في التفاصيل يجعل الامر يبدو مختلفاً كلياً، فمساندة البيض للثورة الشبابية لا تعني –بأي حال- تراجعاً عن مواقفه بخصوص القضية الجنوبية.

يمكن لأي موقف جديد للرئيس البيض ان يُبنى على اساس الاعتراف الشعبي الاخير بالقضية الجنوبية.
بوسع البيض ان يقول مثلاً: بعد الاعتراف الشعبي الشمالي بالقضية الجنوبية واعلان الوفاء لها من جميع القوى، نعلن مساندتنا لثورة الشباب السلمية وتأييدنا لمطالبها في اسقاط النظام ورحيل صالح مع تأكيدنا على ان هذا التأييد لا يلغي بتاتاً مواقفنا السابقة، إذ اننا نتمسك بحق الجنوبيين في حل قضيتهم بالطريقة التي يرونها مناسبة.

هنا، لا أظن ان إعلاناً كهذا يمكن ان يُجسد تراجعاً مطلبياً للبيض، على النقيض من ذلك تماماً، فالرجل بإعلان كهذا سيظل محتفظاً بمواقفه المعلنة بموازاة حصاده لثنائية الترحيب والاحترام من جانب القوى الثورية بصورة تؤدي بالضرورة الى عودته الى تموضعه الطبيعي كزعيم تاريخي يحظى بحب اليمنيين شمالاً وجنوباً.

وماذا بعد
لكي لا يُفسر المقال على أنه رسالة من القوى الثورية الى الرئيس علي سالم البيض، أقول ان ثورة الشباب السلمية لم تعد بحاجة لأي تأييد أو إسناد سواءً من البيض او من غيره، السبب ببساطة يتمثل في كونها غدت خياراً مصيرياً للشعب اليمني وستنتصر لا محالة.

سأكون صريحاً بحديثي هنا عن مبرر كتابة المقال، ببساطة شديدة: يحز في نفسي ان يظل الرئيس البيض بعيداً عن تموضعه الطبيعي كأحد الرموز المفترضة لثورتنا المجيدة.
يحز في النفس فعلاً، رؤيته وهو يسترسل في إجتراح الاخطاء ويمضي قدماً في تقديم المزيد من الخدمات المجانية –غير المقصودة- لعلي عبدالله صالح ونظامه.

ليس من العدل ان لا تحظى ثورتنا التأريخية المجيدة بالاسناد والمؤازرة من رمز وحدوي وثوري بحجم الرئيس علي سالم البيض.
حين نراجع سجل الخدمات اللامقصودة الفائت عرضها، نجد ان مشكلة الرئيس البيض تنحصر في صدقه.
إنه رجل صادق، يتعامل مع الآخرين بمنطق الصدق، بعيداً عن حسابات السياسة وأكاذيبها.

لذا تبدو مواقف الرجل متصفة بالصدق والصراحة والوضوح اكثر من اتصافها بموجبات التكتيك السياسي.
لابد لرجل صادق كهذا، ان يتجاوب مع لحظة الصدق التي أظهرها الثوار في جمعة الوفاء للجنوب ولو حتى من باب مبادلتهم ذلك الوفاء بوفاء مماثل.

لا شك ان المكان الطبيعي والواقعي والمنطقي لقائد صادق بحجم علي سالم البيض، هو بين ابناءه الثوار الأوفياء الذين يضحون بأرواحهم ودمائهم للانعتاق من عبودية النظام الصالحي الأسري.
فهل آن للبيض ان ينحاز إلى شعبه المتوحد على مطلب الرحيل والاسقاط، المتفق على معالجة القضية الجنوبية؟
وهل آن له ان يكف عن إزجاء الخدمات المجانية –الغير مقصودة- لعلي عبدالله صالح ونظامه المتداعي؟

أخيراً، ربما كان موقفه معبراً عن تكتيك بين القيادات الجنوبية على طريقة (توزيع الادوار)، وربما كان محض ايمان صادق بعذابات وآلام واوجاع الجنوبيين التي نشعر بها جميعاً، غير انني اخشى ان يتجاوزه الواقع الثوري ويذكره التأريخ مجرداً من لقب (الثائر) وكفى..!

ينشر بالاتفاق مع صحيفة حديث المدينة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.