لست خائفاً من المستقبل، غداً يوم جديد مختلف، أنا قلق من الزيف الخارج من القصر الجمهوري أن يجرف في طريقه البلاد إلى الجحيم. يقاتل الرئيس ورجاله على مصالحهم بكل ضراوة، يستنزفون كل شيء من حولهم، المال العام وحياة الناس، وكل ما يمكن أن يدفع بالمساكين والطيبين والمقامرين إلى الاحتشاد أمام عيون صاحب الفخامة المستبد، حتى عوز الفقراء لم يسلم من جشع المنتفعين من بقاء صالح في الحكم، إنهم يحشدون كل ما يمكن أن يأتي إلى ميدان السبعين، ثم يقولون لرب نعمتهم: "هيه لمن تفلت عبادك؟" الذين يتحدثنون باسم النظام، ويريدوننا أن نحترم آراءهم يطالبونا بما يصعب تقبله، لا يمكن القبول بالأكاذيب ولا المنطق المقلوب، إنهم يدافعون قبل كل شيء عن مصالحهم الخاصة المرتبطة بالنظام، والرئيس، ولا علاقة لما يقولونه بالديمقراطية والشرعية الدستورية والأمان. ما يقولونه ليس عادلاً بالمرة، وعندي أسبابي: هم لا يزالون في السلطة، والحكومة لا تزال حكومة صالح وأقاربه ومنتفعيه، لديهم المال والسلاح والإعلام والمغريات التي لا يزال البعض يعتقد أنه سيناله نصيب منها، والكثير من الرجال الطيبين والكبار في السن يؤمنون بما تستدعيه ثقافتهم وأمثالهم: "شبر مع الدولة ولا ذراع مع القبيلي"، لذلك يعتقدون أن الوقوف مع الدولة والرئيس هو الأقرب إلى جادة الصواب، وبعضهم لا يستطيعون بعد إدراك ما يحدث من حولهم، ولا يتصورون مطلقاً أن هذا الرئيس يمكن أن يغادر وثمة من سيأتي بعده. لديهم إعلام رديء يعتقد أنه لم يوجد إلا لليمنيين الذين في ميدان السبعين وبقية اليمنيين في الميادين "أولاد البطة السوداء" قليل شباب مغرر بهم لا يستحقون الظهور على الفضائية وهم على امتداد محافظات الجمهورية يصل عددهم إلى الملايين. يذكرونا دوماً بالمنافقين والكذابين حول النظام المصري الراحل، والفجور الذي كان يسيل من أفواههم على الفضائيات والصحف، هم الآن مختفين ويشعرون بالعار، وسيأتي الدور على من يسلك طريقهم في هذه البلاد. الرموز الشياطين في النظام يغذون جشع الرئيس بالسلطة ويسمعونه ما يريد هو لا ما يجب أن يقال في هذه المرحلة، لا تجد بينهم رجل رشيد واحد، حتى الذين كنا نعتقد بأنهم يخافون الله فضلوا الصمت، وتركوا لشلة "العيال المفحطين" وبورجي والبركاني والراعي وآخرين الحديث باسم النظام وصناعة القرارات القاتلة والمؤذية لكل البلاد. هم في الواقع لو قالوا كلاما يستحق الاحترام لما بقوا في أماكنهم، لذلك لايبقى سوى السيئين فقط، القادرين على الكذب والنفاق بكل وقاحة وجرأة، وهم في مسعاهم ذلك يزيدون الأمور تعقيداً، ويدفعون بالرئيس المغالط إلى المزيد من الغلاط والكذب والمراوغة والتخبط، وبالتالي النفخ في فتيل الأزمة أكثر وأكثر. يسأل بعض الخليجيين المهتمين بالشأن اليمني عن مستشاري الرئيس، ولماذا لا ينبهونه إلى الفرصة التي لا تزال ماثلة أمامه الآن، هم يقولون أن أمام الرئيس فرصة كبيرة لاقتناص لحظة تاريخية تجعله أفضل من الذين سبقوه من الرؤساء العرب، وهذه اللحظة يمكن تحقيقها بإعلانه التنحي عن السلطة سلمياً، مع خطاب عام يوجهه للشعب اليمني، يقدم لهم الاعتذار عن التقصير، ويعلن لهم تضحيته بالمنصب من أجلهم، كما يمكنه استحضار الكثير من الجمل والمواقف التي يستطيع من خلالها ترك تأثير كبير على مواطنيه اليمنيين في آخر ظهور له عليهم. لا أدري كيف يمكن الرد عليهم، ويصعب أحياناً القول إن الرئيس بدون مستشاري السوء الحاليين ربما كان الوضع أفضل، ولربما توقف القتل وعدد الشهداء الذين يسقطون في الساحات والميادين والشوارع. المشكلة طبعا ليست في المحيطين بالرئيس، الرجل نفسه هو "الصنم الأكبر" وجزء كبير من طبيعته يعتمد على الوجاهة وفكرة "الرجل الداهية والمكار". وفي أحوال كهذه يبدو أن فكرة التخلي عن السلطة بالنسبة له يعني الضعف و"عدم المرجلة" وأن الآخر (معارضيه ومناوئيه) قد تمكنوا من هزيمته وإلحاق العار به وبتاريخه وإنجازاته التي يعتقد أنها كثيرة ولا يجب أن يتم تجاهلها وإلغاءها بخروج غير مشرف. كما تلعب العداوة الشخصية والأحقاد التي تراكمت بينه وبين بعض خصومه ومنهم الشيخ حميد الأحمر دورا هاما في جعل الأمر يبدو شخصيا وأي تنازل عن السلطة يعتبر تنازلا لهم وأنهم سيخرجون في اليوم التالي لتنحي الرئيس فرحانين وشامتين في الرئيس وأبنائه وهذا الأمر يؤذي الرئيس كثيرا ويصعب عليه تحمله. من يعرف الرجل جيداً لا يستطيع مقاومة فكرة تخيله في القصر الجمهوري وهو يصيح في معاونيه وأقاربه: "والله ما فلتها لحميد…."، وبالطبع ينعكس هذا الصراخ على وسائل الإعلام الرسمية والمتصلين الذين يحشرون اسم حميد في كل شيء تقريباً. الخصومة الشخصية للنظام مع حميد، جعلت الأمر يبدو وكأن الرئيس لا يفعل شيء سوى أنه يقف لحميد بالمرصاد، ليس الرئيس وحده، بل النظام كله تقريباً، حتى النساء في بعض البرامج التلفزيونية ونتيجة التعبئة المحرضة تتحدث عن حميد وكأنه قتل أحد أبنائها. لست خائفاً على الثورة، أنا أراهن على الشباب المتحمس والثائر والمخلص، المنتمي إلى القضية أكثر من انتمائه للأحزاب والجماعات والتكتلات، إني أرمي بكل المخاوف خلف ظهري عندما أشاهدهم وأستمع إليهم، وأراهم يخوضون نزالاً غير متكافئ لكنهم ينتصرون فيه. أنا لست خائفاً على الثورة، لكني قلق من زيادة عدد الشهداء والجرحى، وأريد لهذا الأمر أن يتوقف، لكن الرئيس ومستشاريه لا يساعدوننا ولا يساعدون البلد على أن تمضي بسلام. *** عندي اعتذار مستحق للقراء منذ وقت طويل، أقصد القراء الإلكترونيين الذين يعلقون على المقالات المنشورة في المصدر أونلاين، ويطلبون مني الرد، وأنا دائماً ما أقول أن الكاتب قد قال ما عنده وعليه أن يترك للقراء التعليق دون أن يضايقهم بتفاصيل أو شروح في المساحة المتروكة لهم. وهناك منتديات نقاشية وحوارية توفر هذا النوع من التواصل، مثل الرسائل المتبادلة عبر البريد الإلكتروني، أو النقاشات على الفيس بوك الذي أنشر عليه بعض هذه المقالات.