بانتظار قدوم المسيرة المليونية المنددة "ببذاءة" علي عبدالله صالح والمطالبة برحيله وتحديداً في تقاطع شارع الجزائر والشارع المؤدي إلى عمارة عذبان بالعاصمة صنعاء، على مظلة رجل المرور وقفت لالتقاط أول صورة للمسيرة لمسلحين بزي مدني يخرجون من منزل أحد الموالين للنظام على مقربة منا، من الصعب التقاط أي صور لهم. في الانتظار.. ووجهت تلك الحشود الثائرة برصاص شخصين مسلحين بزي مدني أحدهما بكلاشنكوف والآخر من مسدسه الشخصي من فوق منزليها المتقابلين والمطلين على المليون متظاهر. غير موفق هذه المرة اختيار المكان أمام منزل يقف على بابه مسلحون أربعة في حالة توتر شديد سيارة آخر موديل يستقلها شخص تغادر المنزل بسرعة خاطفه أواصل المسير نحو المسيرة، ويتواصل إطلاق الرصاص على شباب عزل تزامن مع استنفار كثيف للبلاطجة بمسدساتهم وخناجرهم وهراواتهم على كافة المداخل المؤدية إلى شارع الجزائر. لذا كان لزاماً علي أن استمر في السير نحو مسيرة الشرف والكرامة، وقبل وصولي إلى جولة تقاطع شارع بغداد والجزائر كان صاحب أحد المنازل يحاول عابثاً محو كلمة ارحل كتبت أمام منزله، سألته لماذا؟ فقال: لكي يرحل. مطعم هاشم بشارع الجزائر تعرضت واجهته للتخريب، لم يخبرني لماذا حدث هذا، اكتفى الأردني الوحيد المتواجد في المطعم وقتها وهو ينظر إلى أحد أعمدة الإنارة الصغيرة التي تزين مدخل المطعم ملقاة على الإسفلت بالصمت تشقه الدموع المتدحرجة من عينيه كتعبير بليغ عن فداحة ما لحق به جراء قيام البلاطجة برمي الحجارة على المتظاهرين الذين كان نفر منهم قد وصل الى ذلك المكان. وبينما أتأمل الخراب الذي لحق بهاشم كان جنود الأمن المركزي أمامنا بالضبط بشكل كثيف، مجموعة منهم تعتدي على أحد الشباب بالضرب حتى سال الدم من رأسه، المسكين لم يتوسل إليهم، ظل شامخاً لم يسقط. اقتادوه إلى سيارتهم بعنف وهو ينزف، يحاول بيده أن يضع حداً لتلك الدماء التي خرجت منه بسخاء. اضطر الجنود أن يطلقوا سراحه وحيداً في شارع بغداد. مشى باتجاه شارع الستيين كالأبطال، أثار كبرياؤه إعجاب طفل في الثانية عشر من العمر وسخطه على ضراوة الجنود الجبناء، فاندفع اثنان منهما ليثبتا له أنهم ليسوا جبناء فوجه أحدهما مسدسه الشخصي (روسي الصنع) إلى الطفل وهو يقول له: إن لم تغادر الآن سأطلق النار، والآخر يحمل قطعة حديد يتوعده كذلك.. كنت حينها أقرب الى العسكر من الطفل البطل، كنت أنوي اللحاق بالشاب الذي تعرض للاعتداء وتمكنت من اللحاق به ولم أتمكن من الحديث معه فالبلاطجة منتشرون على الأرصفة بكثافة كأحذية الشباب الذين سقطوا مصابين. أحد البلاطجة المسنين كان يقف أمام اتصالات يالي قال متشفياً بالشاب المغتسل بدمه حين مر من أمامه: لا تعاند الجنود هم في خدمة السلطة! فتبسم ومضى، وعدت أنا إلى تقاطع بغداد- الجزائر حيث البلاطجة والعسكر موجودون بكثافة في المكان، منهم من يقوم بملاحقة الناس والاعتداء عليهم بدون سبب. تعزيزات عسكرية، ناقلات جند وسيارتا جيب، عليها أيضاً عدد من العسكر بالإضافة إلى مصفحتين (وايتين) وثلاث سيارات بدون لوحات تصل إلى حيث المعركة غير المتكافئة، متظاهرون عزل في مواجهة الحرب على صالح. تجاوزت الجنود والبلاطجة باعتباري من سكان الحي وأريد الوصول إلى منزل الغازات السامة ومياه المجاري حالت دون الوصول كما حال البلاطجة والمسلحين الذين يعتلون أسطح المنازل من دخول الشوارع الفرعية. تراجعت إلى حيث كنت وقررت الاتجاه شارع بغداد باتجاه الزبيري، فالشوارع الفرعية كلها مغلقة من قبل البلاطجة والرئيسية من عسكر الأمن المركزي والحرس الجمهوري واتجهت من مدخل الشارع لمستشفى عبدالقادر المتوكل والموزاي لشارع الجزائر حيث لاحظت تواجد البلاطجة وعسكر الأمن المركزي، وعرفت فيما بعد أنهم اختطفوا مصابين وجرحى.
كان الشارع يمتلئ بمياه المجاري والبلاطجة الملثمين. الغازات السامة حالت دون اجتيازي شارع الجزائر.. أذان المغرب يملأ الآفاق، كنت قد تجاوزت جامع الرحمن وسياج من الأمن المركزي يقف عند المدخل المؤدي إلى الجامع من شارع المحروقات. ظننته آخر نقطة يتمركزون فيها فكانت غير ما توقعت مجموعة كبيرة منهم تقطع الشارع من اتجاه شركة سبأفون والأخرى باتجاه شارع الجزائر، وبينما كان العسكر ينهالون بالضرب العنيف على أحد المتظاهرين رصدت الحالة وقررت العودة إلى جامع الرحمن لصلاة المغرب، وبعدها أتدبر الأمر. تبدد الخوف ما إن دخلت بوابة الجامع حين فرغ الناس من صلاة الجماعة، التحقت بجماعة أخرى بعد أن لفت انتباهي وجود مصابين موزعين في الجامع. استعجل الإمام الصلاة أخرجت الكاميرا لالتقاط صور للمصابيين فتم اقتيادي بشكل غير منطقي إلى ساحة الجامع: من أنت، من تكون، لمن تصور، أخرجت كل بطائقي: صحفية، شخصية، وغيرها. تفهم الشباب الأمر وسمحوا لي بلقطتين فقط. جاءني شخص آخر وكرر السيناريو نفسه... لم يقتنع بالإجابة، سحبني من يدي إلى مسؤول الجامع الذي تفهم الأمر وسمح لي بالتصوير. وهكذا حدث في المرة الثالثة ممرض يسألني السؤال نفسه ويقتادني إلى الشخص نفسه، وفي كل مرة يقول لهم: دعوه، كنت شغلهم الشاغل لتخوفهم من أن أكون مندسا من قبل الأمن القومي، ففي حدث كهذا بامكان أي شخص أن يعتدي عليك في تلك اللحظة بحجة المصلحة العامة أو وفق القاعدة "الاحتياط واجب". الجامع يتوجع بواحد وأربعين مصاباً يتألمون بداخله. لا سيارات إسعاف مسموح لها بالدخول ولا أطباء موجودون. وحده البصل والخل وعلب البيبسي والكندا والديلسي الأسود هي الإسعافات الأولية. تحولت أنا أيضا إلى مسعف أقدم المساعدة للمصابين، فالأجواء غير مناسبة إطلاقا على للقيام بهمة صحفية وسط هذه الجموع القلقة من الكاميرا ومن صاحبها. أتواصل مع زملاء صحفيين في الساحة وأطباء في المستشفى الميداني طالبا إرسال حشود من الشباب من ساحة التغيير لفك الحصار عنا وسيارات إسعاف لإنقاذ المصابين لم يصل الشباب ولا سيارات الإسعاف. وفيما قوات الأمن المركزي تحاصر مداخل الجامع منذ ما قبل المغرب كانت سيارات الإسعاف التابعة للحكومة وقطيع من البلاطجة قد وصلوا إلى بوابات الجامع السابعة مساءً. أوهمونا أن قوات الأمن المركزي المحاصرة للمكان انسحبت، وأنهم من المستشفى الميداني لساحة التغيير يريدون نقل المرضى، فتح الشباب بوابة الجامع الجنوبية حيث كانت تقف سيارات الإسعاف الحكومية للتأكد من صحة الخبر فوجدوا عكس ما قيل، الأمن لايزال يحاصر المكان والدكتور المكلف من المستشفى الميداني لنقل الجرحى لم يكن سوى مدعي ينفذ مخططا قذرا يهدف إلى خطف الجرحى.
أغلق المحاصرون في الجامع البوابة الخارجية بعد كشفهم لهذا المخطط الرخيص واحتشدوا خلفه. كان البلاطجة وقتها يضربونه بعصيهم وهراواتهم. تماسك المحاصرون، أيقنوا بأنهم مقدمون على معركة غير متكافئة قد ينالون الشهادة التي طالما تمنوها، حسب تعبيرهم لحظتها. شرعوا في الاستعداد لها منهم من كان يصلي ومنهم من يقرا القران ومنهم من يتصل بأهله ويبلغهم بوضعه وماسيؤول إليه في حال هاجمهم الأمن والبلاطجة وآخرون منهمكين في خدمة المصابين. تكررت محاولات البلاطجة من الأبواب الأخرى للجامع. كان المحاصرون قد أغلقوها ونقلوا بعض المصابين في حوش الجامع إلى الداخل فضلاً عن الجرحى في عيادة الجامع الذين تعرضوا للإرهاب نفسه، الذي استمر لما يقارب ثلاث ساعات من قبل بلاطجة صالح وعسكر نجله وأبناء أخيه لم يكن أمام المحاصرين من مجال سوى توجيه نداء استغاثة عبر مكبرات الصوت بأبناء الأحياء المجاورة لجامع الرحمن لفك الحصار عنهم، ربما كان أسرع نداء يستجاب له فقد لبى الشيخ فائز العوجري أحد كبار مشائخ صعده يسكن قرب الجامع، ومعه مجموعة كبيرة من الوجهاء نداء المحاصرين، وفكوا الحصار المضروب على الجامع من قبل البلاطجة والعسكر وفتح له باب الجامع الشمالي.. استقبله المحاصرون استقبال الأبطال وذهب مباشرة إلى ميكرفون الجامع وأعلن بأن جميع من في الجامع بحمايته. لم تأخذ رسالة الشيخ العوجري التي أعلنها عبر مكبرات الصوت أكثر من ربع ساعة كي يفهمها المحاصرون للمسجد والمتظاهرين بداخله، وانسحبوا من مداخل الشوارع المؤدية إلى الجامع وبواباته، حتى جاءت سيارات الإسعاف التابعة للمستشفى الميداني للثورة وبرفقة سيارات الشيخ العوجري أقلت المصابين إلى ساحة التغيير ونحن معها.