تصنع الشعوب الثورات وتضحي بأفراد منها كي تنتصر على الظلم والاستبداد لكن للأسف في أمتنا العربية حاجتنا إلى ثورتنا جعلتنا نقدس مفردة (ثورة) وما إن تقوم ثورة حتى نكون عبيداً لها، ولحمايتها، ولو على حساب كرامة وحرية الشعب والمبادئ التي قامت الثورة نفسها من أجلها، فتتحول الثورة إلى حاكم مستبد وتبدأ الشعوب بمعاناة(دكتاتورية الثورة)التي عادة ما تكون أشد من ديكتاتورية الأنظمة السابقة. حين قام فيدل كاسترو وأصدقاؤه بالثورة الكوبية كان بغيتهم الحرية والعدالة للشعب الكوبي كانت الثورة عظيمة بحق. لكنهم كانوا خائفين على الثورة من الفشل (حتى بعد نجاحها) فتحولوا إلى نظام ديكتاتوري لأكثر من خمسين عاماً حفاظاً على الثورة وقمعوا الشعب الكوبي وقلصوا من حريته؛ أيضاً حفاظاً على الثورة. وهكذا كانت الثورة المصرية الجزائرية والليبية والسورية وغيرها من الثورات العربية ولكي لا نذهب بعيداً فإن ثورة 26سبتمبر اليمنية، التي ثارت على الظلم ما فتأت أن تحولت إلى نظام ديكتاتوري (للحفاظ على الثورة) مما جعل الزبيري أشهر مفكري الثورة يثور عليها ويصرخ في وجوه حكام اليمن الجدد: ما من أجل هذا قمنا بالثورة. فكان يكفي أن يصرخ أحدهم أن فلانا رجعي حتى يتم تعذيبه وربما تصفيته لأنه ضد الثورة. وهكذا تتحول الثورة إلى أداة قمع بعد أن كانت أداة أو فعل مخلص من القمع. ما دفعني لكتابة ما سبق هو خوفي على ثورة2011م الشبابية، لأنها بدأت للأسف بخلق صنم للثورة وأخشى أن نصل إلى ما وصلت الثورات التي ذكرناها. ففي ساحة التغيير في صنعاء (...) كم سجلت من اختراقات وتجاوزات ضد شبابٍ كانوا منذ أول هذه الثورة/الاعتصام مرابطين في الساحة قبل أن تتسع الاعتصامات وتشكل لجان أمنية، هذه اللجان التي تقوم بضربهم (...) لمجرد أن أحدهم وشى بهم بأنهم أمن قومي أو أمن سياسي أو ممن يريدون إفشال الثورة... كانت حادثة الناشطات أروى عثمان وهدى العطاس وانتصار سنان وآسيا ثابت ووداد البدوي وغيرهن هي آخر وأسوأ هذه الأخطاء التي قد تمزق الثورة فعلاً إن لم يتم اتخاذ إجراءات حازمة ضد هؤلاء "المجرمين" الذين أساؤا للثورة. وبغض النظر عن من قام بذلك أو أيديولوجيتهم فإن ذلك تم باسم الثورة، وتحت غطاء الحفاظ عليها وحمايتها. كان رأي بعض الشباب أنه لا يجب الآن فتح وإثارة هذا الموضوع لأنه سيشوش على الثورة وبأنه قد يكون له آثار جانبية على الثور وهو بالضبط ما سيحول الثورة إلى صنمٍ يعبد ولا يجب المساس به أو انتقاد بعض ما يحدث أثناء هذه الثورة، حتى وإن كان منافياً من الأساس للمبادئ والقيم والمرتكزات التي قامت أو من المفترض أن تقوم عليها الثورة. البعض يرى أن الإثارة الإعلامية أو الانتقادات التي توجه لمثل تلك الأفعال، تصب في مصلحة النظام وتعرقل الثورة، فلنقل أن ذلك صحيح بالتأكيد لكن أليس من قاموا بذلك (الجناة) يسيئون إلى الثورة، وأن ما قاموا به سيصب في مصلحة النظام أكثر من ردة الفعل التي يمكن أن تحدث من قبل المجني عليهم، أو المتضامنين معهم.
أليس من الضروري أن تحمي الثورة نفسها من أن تتحول إلى أداة للقمع ومبررا للانتهاكات؟ أليس من الأحرى أن ننتقد من يقمعون الآخرين باسم الثورة، قبل انتقاد من شكوا من تعرضهم للقمع خلال الثورة التي هي فعل تحرري بالدرجة الأولى.