يريد الشعب أن يصل إلى دار الرئاسة ويلقي القبض على صالح وأعوانه ويحاكمهم، عليه أن يمشط طريقه جيداً، نحو الهدف. ويزيل كل العراقيل التي تعترض مسيرة مستقبله. عليه قبل أن يفكر بطريقة للاحتفاء بإعدام صالح شنقاً أو بالرصاص؛ أن يستأصل ما تبقى من "الأورام" الداخلية والخارجية من جسد ثورته التي تبدو من فرط نضوجها وصمودها وصحتها؛ على مشارف العظمة. ويبدو مستقبل اليمنيين معها، على بعد "هبة" واحدة إلى قصر السبعين. الطريق إلى ما تبقى من نفوذ إداري لنظام يترنح ليست بذلك البعد... كما أنها ليست معبدة بالورود. لكن ما يتوجب أن يقال الآن هو التفكير الشعبي بآخر وسيلة ثورية تجهز على روح نظام انحدر أخلاقياً وإنسانياً، في ظل فشل كل إجراءات التصعيد الاحتجاجي السلمي منذ ما يزيد عن ثلاثة أشهر وأربعمائة شهيد وآلاف الجرحى يئنون من آلامهم في مختلف المحافظات.
الزحف باتجاه القصر، يكاد يكون هو الخيار الأخير لثوار شباب قررا أن يصنعوا مستقبلهم وضحوا ولا يزالوا من أجل ذلك، بالغالي والنفيس. وحتماً، ما إن تعترض طريقهم أي قوة فإنها لا محالة في صدارة الأعداء؛ أعداء الحياة التي قرر اليمنيون أن يعيشونها.
سيقول البعض إنها فكرة غير صائبة؛ الزحف باتجاه القصر في ظل إدراك مسبق أن هذا النظام الذي قتل الناس وهم يصلون في جمعة الكرامة، مستعد لارتكاب ما هو أبشع في حين بدأ الثوار يزحفون باتجاه القصر. غير أن الجميع يعلم أن لكل شيء ثمن وحين خرج الناس للساحات كانوا يدركون جيداً أنهم لم يخرجوا لنزهة وإنما للتغيير؛ وهي مهمة وطنية وإنسانية ودينية لها ثمنها وفاتورتها. في سياق الاختلاف على فكرة الزحف؛ يجب أن نتوقف عن محاولات إثناء وتوبيخ بعضنا في نيته ودعوته لتحقيق الحسم الآن وبشتى الوسائل. طبعاً، هذه الفكرة لم تتبلور قبل وضوح فكرة مضادة فحواها أن صالح قرر التمسك بالسلطة وأعلن تحديه للجميع طالما هناك من يبدو أنه يسنده معنوياً ومادياً من دول الجوار.
لست في صدد التحريض على أشخاص بعينهم في أوساط الساحات أو خارجها، وطالما بدو في تصرفاتهم وآرائهم كما لو أنهم يلعبون دوراً سامجاً في محاولة إطفاء نور الثورة، بقدر ما هو توجس عام من فاعلية الدور الخارجي؛ السعودي بالتحديد؛ في إطالة عمر هذه الثورة وإعطاء صالح فرصة للقتل والتنكيل والمراوغة من خلال مبادرات فصلت لأربع مرات على قياس مطالبه ثم إنه في نهاية المطاف رفضها ويريد أن يواصل سياسته في التذاكي الدموي الغبي.
لقد وقفت السعودية في طريق الثورات العربية الأخيرة وطالما عرف عن أن لها رصيد سيء في التصدي لطموحات اليمنيين منذ ثورة ال26 من سبتمبر. وما تلاها من أزمات كانت ضالعة فيها بشكل أو بآخر؛ بما فيها بقاء صالح 33 عاماً في كرسي الحكم. لست مع حديث البعض عن خوفها من وصول المد الثوري إليها. ولا يروق لي الآن، الخوض في جدل يتزايد حول إمكانية تأثر شعب المملكة مما سيصل إليه جيرانهم من تحول ديمقراطي ومدني متوقع. وما إذا كانت المملكة ستحرك أياديها في أوساط الثورة لتطويل أمدها؟ أو كم ستستمر في مغازلة قواها المختلفة بالمزيد من الشيكات ليسهموا في تنفيذ مخططاتها؟ بعيداً عن الإجابة عن كل تلك الأسئلة فإنها ببساطة؛ لا تدرك أن الشعب هو من سيرسم خارطة العلاقات القادمة معها وسيبادلها الوفاء والود والأمان. والنصرة.
باختصار؛ إذا لم تعلن السعودية فوراً مساندتها للثورة والثوار بعد أن انكشف لها وللعالم أن النظام هو الذي لا يريد الحل والرحيل السلمي المقترح من مختلف الأطراف؛ أو على الأقل وقوفها في موقف الحياد؛ فإنه بات مؤكداً أن الزحف إلى دار الرئاسة في السبعين يجب أولاً، أن يؤمن من "مطب" اسمه "السفارة السعودية".