سقط النظام سقوطا كليا في كل من صعدة والجوف، وشبه كلي في مأرب وشبوة وإب، ويليها –في مستوى السقوط- تعزوعدن ثم صنعاء، بالإضافة إلى خروج معظم المحافظات الجنوبية عن سيطرة النظام، كما تمكن شباب الثورة من تقطيع أوصال القبضات البوليسية في عدد من مديريات الجمهورية، ولم يتبق له سوى مجمعه الرئاسي في مديرية السبعين بالعاصمة صنعاء ومعسكرات هنا وهناك تابعة للأمن المركزي والحرس الجمهوري في عدد من المحافظات والتي بدأ طوفان الشعب في شل تحركات أفرادها ومعداتها خارج أسوار مواقعها لتنفيذ مهمات قمع الشباب، كجزء من مخطط يُدبره علي صالح وأعوانه بهدف فرض واقع جديد يمكنهم من الالتفاف على الثورة.. تتضاعف عوامل الضغط الشعبي على نظام صالح، وتضيق عليهم أكثر في مناطق نفوذه التقليدية المعروف بالطوق العسكري والقبلي حول العاصمة من كل الاتجاهات، فالتأييد القبلي العارم لثورة التغيير مثل صفعة قوية خلخلت بنية النظام، وتبعها تحركات قبلية واستبسال لشباب القبائل في تصديهم لتحركات قوات الحرس الجمهوري ومنعها من مغادرة مواقعها المنتشرة في معظم مديريات محافظة صنعاء والتي كان يعتبرها علي صالح قوته الضاربة في وأد أي حراك شعبي ضد نظامه الديكتاتوري الجاثم على أنفاس اليمنيين منذ 33 عاما.. ومن ثمار العصيان المدني، والتصعيد الثوري في البلاد، تمكن الشباب في عديد من المحافظات من إغلاق مكاتب حكومية في المدن والمديريات بالسلاسل الحديدية، وكتب عليها "مغلق من قبل الشعب". مكتب التربية والتعليم بتعز كان أول مكتب يغلق من قبل الشعب حتى إسقاط النظام مطلع الأسبوع قبل الماضي، تبعها إغلاق مكاتب الخدمة المدنية وشركة النفط والمعادن والتأمينات والمعاشات وقسم الجديري. وامتدادا لهذا التوجه الشعبي المشروع لإجبار رئيس النظام على التنحي دون إراقة مزيد من الدم، خرجت مسيرة حاشدة الأحد الفائت في مديرية سامع جنوب مدينة تعز وانتهت بإغلاق المتظاهرين لمبنى المجمع الحكومي بالمديرية بالسلاسل، وكتب عليها ذات العبارة، كما سقطت الأسبوع الماضي مديرية المواسط. مديرية ماوية كانت ثالث مديرية تسقط في تعز بعد مسيرة حاشدة إلى أمام المجمع الحكومي لإغلاقه، وأجبر المتظاهرون مدير عام المديرية على إغلاق المجمع الحكومي بعد إخلائه من الموظفين. وواصل المتظاهرون مسيرتهم إلى إدارة الأمن التي قام مديرها بإغلاقها بنفسه وغادر المديرية بمعية أفراد الأمن متوجهاً إلى مدينة تعز. واختتم شباب الثورة يف ماوية مسيرتهم بإغلاق مقر المؤتمر الشعبي العام، وهو مقر سابق للحزب الاشتراكي اليمني، وقاموا بإزالة صور الرئيس وشعار المؤتمر من جدران المقر وواجهاته. وكان التوجه إلى إغلاق مقر حزب المؤتمر على خلفية استخدام النظام لمقرات الحزب في مهاجمة الثورة وشبابها في عدد من المحافظات والمديريات، وإلا فهم يعلنون –باستمرار- أن هدفهم النظام وليس المؤتمر الشعبي كحزب سياسي. من جهة أخرى، أغلق شباب الثورة في محافظة عدن مساء الأحد مبنى الخدمة المدنية ومبنى التأمينات والمعاشات، وكتبوا على مداخلهما "مغلق من قبل الشعب"، كما قاموا بإغلاق مبنى المجلس المحلي لمديرية صيرة تأكيداً من أبناء عدن على سيرهم وفقاً للبرنامج التصعيدي للثورة في عموم المحافظات، وتعهدوا بحماية تلك المكاتب والمؤسسات العامة ومنع محاولات أتباع النظام من تخريبها.. يشار إلى أن مديريات عدن تشهد عصياناً مدنياً شعبياً ضمن برنامج العصيان المدني الذي يدعو إليه شباب الثورة يومي السبت والأربعاء من كل أسبوع بهدف التعجيل برحيل النظام. وفي محافظة إب أثبت شباب الثورة قدرتهم على الحسم والسيطرة وتمكنوا من إغلاق مبنى المحافظة لساعات دون مقاومة أمنية، وهذا ما أكد شكوكا سلطوية بشأن تأييد غير معلن للمحافظ الحجري لثورة التغيير، وأيد ذلك سماح الشباب بإعادة فتح ديوان عام المحافظة في ذات اليوم، يقابلها قيام مسلحين تابعين لنظام صالح بالتمركز قبل أسبوع على مقر فرع اتحاد الأدباء والكتاب بالمحافظة والكائن بمدينة إب القديمة، ويستخدمه المسلحون مقرا لإقامتهم. ومثلما كان لأحزاب المعارضة ومكونات المجتمع المدني دور في الثورة، يثبت رجال وشباب القبائل انتماءهم وتأييدهم للثورة، فبعد زيارات رئيس النظام لمناطقهم بداية الثورة للإيحاء بمساندتهم له وتخويف معارضي بقائه في الحكم بخطابات تحريضية كان يعتقد نجاح مغازيها كما كان في الماضي، ذهبت كلماته تلك أدراج الريح وأتت رياح الثورة فأزهرت بالأمل قلوب اليمنيين وفي مقدمتهم القبائل، فبالإضافة إلى تخلي جزء كبير من شبابها ورجالاتها عن السلاح وتوافدهم إلى ساحات التغيير للاعتصام سلميا حتى إسقاط النظام، فرض من تبقى من أفرادها حصارا على معسكرات الحرس الجمهوري، ومنعوا خروج الأفراد والسلاح من تلك المواقع. وبفعل تصديهم لمخططات علي صالح، تمكنت قبائل نهم من منع مرور قوات من الحرس الجمهوري إلى حضرموت عبر أراضيها، ولا تزال قبائل الحيمة الخارجية هدفا مستمرا لقاذفات المدافع والطيران الحربي على خلفية إفشال أبناء الحيمة تحرك قوات الحرس من أراضيها تجاه صنعاء، كما وقف أبناء المحويت في محاولتين للأمن المركزي والحرس الجمهوري للنزول إلى الحديدة، وقبلهما منعت قبائل البيضاء قوات الحرس من المرور عبر أراضيها للهجوم على قبائل يافع بمحافظة لحج الذين تمكنوا –بدورهم- من إجبار قوات الحرس على مغادرة مواقعهم بيافع.. يذكر بأن شباب الثورة في مأرب منعوا رتلا عسكريا ضخما من العودة إلى صنعاء وأجبروهم على العودة إلى معسكراتهم في الأسابيع الماضية وفرضوا عليهم حصارا حتى إسقاط النظام.. وآخر الخسائر العسكرية لعلي صالح إعلان سرية عسكرية تضم نحو 100 جندي من قوات الحرس الجمهوري التي يقودها نجل الرئيس انضمامهم إلى الثورة الشعبية المطالبة بإسقاط النظام الأحد الفائت بساحة التغيير. لم يعد لعلي صالح قدرة على جر الشعب إلى حرب مع من تبقى من قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي، وهذا سقوط جديد للنظام ساعد في حشره في السبعين إلى أجل قريب ينتهي برحيله من الحكم وبلا عودة، وما صراخه وتهديده لأحزاب المشترك المعارضة وبقية قوى التغيير سوى صرخات ما قبل الرحيل، لأنه -وبحسب جميع المعطيات الميدانية في مختلف أنحاء اليمن- أثبت اليمنيون قدرتهم على دحر صالح وإسقاط نظامه "عمليا ومعنويا"، ولم يتبق من عمره سوى أوقات عصيبة. وللتأكيد على انحسار النظام في بقعة قصية من مديرية السبعين بالعاصمة صنعاء، وتعبيرا هزيلا عن وضعه السياسي الحرج وانحسار نفوذه وسيطرته الجغرافية، تؤكد مصادر صحفية عن توجيهات لعلي صالح قضت بنقل ثلاث عربات للنقل التلفزيوني المباشر من المقر الرئيسي للفضائية شمال العاصمة صنعاء إلى مقر قصر الرئاسة الكائن في مديرية السبعين جنوب العاصمة، كما تم نقل ما يزيد من 370 شريط فيدو من الأشرطة المتعلقة بخطابات علي صالح "الخام" لم تخضع للمونتاج أو الحذف والتعديل، في خطوة تبدي خشية صالح أن لا تتمكن العربات التلفزيونية من الانتقال في الأيام القادمة إلى دار الرئاسة. وبحسب مختصين في الشأن الإعلامي التلفزيوني، فإن أخذ الأشرطة الخام المتعلقة بخطابات الرئيس يفسر بأحد أمرين: إما خوف الرئيس من وقوع هذه الأشرطة في يد شباب الثورة وإخراج ما فيها من خطابات تتضمن حديثا وعبارات لم تنشرها الفضائية نظرا لما فيها من إساءات وتحريض، خاصة تلك الخطابات التي كان يلقيها في المعسكرات وفي اجتماعاته مع القيادات والعسكرية. وإما أن الرئاسة محتاجة لهذه الأصول لاستخدامها في حال لم يعد الرئيس يتمكن من الخروج إلى السبعين وإلى الجماهير لإلقاء الكلمات، وذلك بدبلجة خطابات للرئيس والتي ستصور حينها على أنها خطابات مباشرة. وتشير معلومات مؤكدة إلى استكمال دائرة التوجيه المعنوي بناء استديوهات تلفزيونية خاصة في مقرها الرئيسي المجاور لميدان التحرير بقلب صنعاء ليتم استخدامها كبدائل عن استديوهات قناة اليمن الفضائية اليمنية، استعدادا لتداعيات الثورة على المؤسسة الإعلامية وخصوصا التلفزيونية.