في ليلة الرابع عشر شهر رمضان سنة 1216 اندلعت فتنة عظيمة بصنعاء بين الزيدية وأهل السنة كان مسببها كما يذكر المؤرخ الشوكاني هو احد الحوثيين وهو» السيد يحيى بن محمد الحوثي، والحوثي المذكور ولد تقريبا سنة 1160 أو ونشأ بصنعاء فاشتغل بعلم الفرائض والحساب والضرب والمساحة ففاق في ذلك أهل عصره وتفرد به ولم يشاركه فيه أحد وصار الناس عيالا عليه في ذلك ولم يكن له بغير هذا العلم إلمام مع أنه قد توجه إلى الطلب ولكن كان كل حظه في هذا العلم وهو رجل خاشع متواضع كثير الأذكار سليم الصدر إلى غاية يعتريه في بعض الأحوال حدة مفرطة، وكان قد حصل معه جنون في أيام شبابه ثم عافاه الله من ذلك وما زال مواظبا على الخير لكنه قليل ذات اليد بما يضيق صدره لذلك مع كثرة عائلته ويسر الله له ما يقوم به بعد مزيد امتحان وهو احد مشايخ الشوكاني وقد اخذ عنه كما يقول علم الفرائض والوصايا والضرب. وكان مثار الفتنة يوح جلس الحوثي المذكور على الكرسي الذي يقعد عليه أكابر العلماء المتصدرون للوعظ في مسجد صلاح الدين، يملى على العامة كتاب تفريج الكروب للسيد إسحاق بن يوسف المتوكل المتقدم ذكره وهو في مناقب علي كرم الله وجهه ولكن الحوثي لم يتوقف على ما فيه بل جاوز ذلك إلى سب بعض السلف فكان الحوثي يصرخ باللعن على الكرسي فيصرخ معه من يحضر لديه من العامة وهم جمع جم فكان يرتج الجامع ويكثر الهرج ويرتفع الصراخ.
ويقول الشوكاني إن الحوثي مع هذا لم يكن يفهم ما في الكتاب لفظا ولا معنى بل يصحف تصحيفا كثيرا ويلحن لحنا فاحشا ويعبر بالعبارات التي يعتادها العامة ويتحاورون بها في الأسواق وقد كان في سائر الأيام يجتمع معهم ويملي عليهم،ثم أراد الحوثي أن ينتقل الى جامع صنعاء الذي هو مجمع الناس ومحل العلماء والتعليم لقصد نشر اللعن والثلب والتظاهر به.
فلما بلغ ذلك الإمام الزيدي جعل إشارة منه إلى عامل الأوقاف إسماعيل بن الحسن الشامى انه يأمر الحوثي أن يرجع إلى مسجد صلاح الدين فأبلغه فحضر العامة تلك الليلة على العادة ومعهم جماعة من الأتباع والمؤيدين وثاروا في الجامع ورفعوا أصواتهم باللعن ومنعوا من إقامة صلاة العشاء ثم اقتدى بهم سائر العامة فخرجوا من الجامع يصرخون في الشوارع بلعن الأموات والأحياء، ثم قصدوا بيوت العلماء المخالفين لفتنتهم من الزيدية والسنة على السواء ورجموا وأفزعوا في هذه البيوت أطفالا ونساء وهتكوا حرما واستمروا على ذلك نحو أربع ساعات حتى كادوا يهدمون البيوت وشرعوا في فتح أبوابه ووقع الرمي لهم بالبنادق فلم يكفوا،وفي اليوم الآخر أرسل إمام اليمن للوزير والأمراء وقد حصل الخوف العظيم من ثورة العامة وطال التراود والمشاورة بينهم فبادر بحبس جماعة من المتصدرين في الجامع.
فوقع البحث عن الحوثي وعن خواصه فمن تبين انه منهم أودع الحبس والقيد ومازال البحث طوال شهر رمضان حتى حصل في الحبس جماعة كثيرة فلما كان رابع شوال طلب الإمام الفقهاء المباشرين للرجم فبطحوا تحت طاقته وضربوا ضربا مبرحا ثم عادوا إلى الحبس ثم طلب في اليوم الثاني سائر العامة من أهل صنعاء وغيرهم المباشرين للرجم ففعل بهم كما فعل بالأولين وضربت المدافع على ظهور جماعة منهم ثم بعد أيام جعلوا في سلاسل حديد وأرسل بجماعة منهم إلى حبس زيلع وجماعة إلى حبس كمران وأما الحوثي ومن شابههه في هذا المسلك فانه حبس نحو شهرين ثم أطلق هو ومن معه.