حملت الثورات العربية منذ بدئها هذا العام روح النكتة في أوساط من ثاروا، أما من كانوا الضحية فقد تحولوا إلى مشاريع نكات أقرب إلى التهريج السمج، ومثلما أكسبت الثورة شبابها عزماً فولاذياً، فقد أكسبت أولئك النكات البائسات مراناً على الكذب والتضليل، لسان حالهم يقول: اكذب فالناس ينظرون، اكذب مرة ثانية فالناس لا يعقلون، اكذب مرة عاشرة فالناس لا يذكرون، وهذه النظرية الشيطانية ليست وليدة اليوم، بل هي سياسة الطُرق الملتوية في حُكم اليمن، حتى جعلت الشعب يهيم في رمالٍ متحركة من الأكاذيب والوعود، يحاول المغلوب على أمره الإمساك بواحدة فتشغله أخرى، ليردد بحسرة: كلما انقضى سبب منكِ عاد لي سببُ تعجبين من سقمي صحتي هي العجبُ تضحكين لاهية والمحب ينتحبُ لا يختلف المشهد اليوم عن سابقه بشيء جديد غير ما أنجزه شباب اليمن على صعيد ثورتهم من تصعيد، وأمامه يغير المهرجون جلودهم ولا تتغير ألسنتهم وما تلوكه من أكاذيب، فطفقوا يعبثون بكل شيء، وكأنها حرب مفتوحة يستعرضون فيها قدراتهم الخارقة في الكذب، يتوزعون على الفضائيات والصحف والمواقع كما لو كانوا يستنفدون ما لديهم من رصيد الأكاذيب وقبح الأساليب، ولأنهم نكات فقد أصبحت مضامين أحاديثهم وتصريحاتهم تصل للآخرين بالمقلوب، لتعود إليهم كما هي، واللبيب يردد: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا فابشر بطول سلامة يا مربع! نفيهم تأكيد، وابتسامتهم تصعيد، ونكاتهم تنكيد، ووعيدهم تهديد! زعموا بأن الرئيس سيعود في الغضون، وتقاسموا التخمينات والتصريحات، واتضح بأن الرئيس عاجز عن الحشرجة لنصف دقيقة في مقطع صوتي، بعد أنباء وتصريحات وتأكيدات عن نجاح العمليات الجراحية التي قيل إنه خضع لها، واستقبلت سماء اليمن إثر ذلك أعيرة الفرح الطائش المصطنع، والحديث عن أطول وجبة غداء في العالم تتوفر لأصحابها أساسيات الحياة اليومية والمبسوطة بعكس البسطاء، والسؤال الذي لم يجد إجابة حتى الآن هو: كيف استطاع الرئيس الحديث يوم الحادثة بما به من الضر والذعر، بينما لا يستطيع الحديث اليوم بعد تلقي العلاج والخضوع لعمليات جراحية وُصفت بالناجحة؟! والنكتة في هذه النكتة أن إحدى النكات –ممن لا يأخذ استراحة بين شوطين من الكذب- يواصل الظهور الإعلامي وإعطاء المواعيد لعودة الرئيس، بعد فضيحة انتحال الشخصية التي تولى كبرها وألحقها بأكذوبة أن قناة الجزيرة لقنته ما يقول وأنه يحتفظ بتسجيل للمكالمة التي دارت بينه وبين القناة وهي تلقنه، ومن يومها وهو يظهر بشعار "أنا مش أنا"! مع أن حبل الكذب قصير إلا أن النكات تبدو طويلة والثورات لا تعرف الانتظار، لأنها قرار يتلوه إعصار، خاصة وألا جديد في المشهد السياسي يمكن أن يفيد بما يفيد، إلا أن يكون البعض مستعداً لانتظار التقارير الطبية النهائية التي ستوضح الحالية الصحية للرئيس، لنعود إلى ما قبل البداية، وقد لا نعود لا نحن ولا الثورة ولا الرئيس! ولأن البعض يريد أن ينتظر طويلاً فجميل أن نختم هذه السطور بما ذكره الكاتب أنيس منصور في كتابه الظريف "الكبار يضحكون أيضاً" إذ يقول: سمعت من صديقي إسماعيل ياسين أنه كان يمر بتجربة قاسية جدا رغم المبلغ الكبير الذي كانت تدفعه له المخابرات المصرية، فقد كان إسماعيل ياسين بعد أن يفرغ من العمل المسرحي في القاهرة تنتظره سيارة لكي تنقله إلى مستشفى المواساة بالإسكندرية حيث يرقد المشير السلال رئيس اليمن، ولا يهم السلال إن كان إسماعيل ياسين نام في الطريق أو لم ينم، المهم أن يجئ إليه وأن يجلس إلي جواره ويحكي له بعض النكات. كان عذاب إسماعيل ياسين مع السلال ليس أنه كان لابد أن يأتي بنكات جديدة كل يوم، ولكن السلال كان يريد أن يسمع نكتة واحدة كل يوم، فكان إسماعيل يضيف تفاصيل وحركات من عنده، زهق إسماعيل ياسين ولكن السلال لم يزهق، اقترح إسماعيل أن يسجل النكات علي شريط يسمعه السلال لكنه رفض. قرر إسماعيل ياسين ألا يذهب إلى الإسكندرية مرة أخرى لا بنكات قديمة ولا جديدة حتى جاءه أحد الضباط وقال له: الرئيس عبدالناصر يرجوك أن....، وقبل أن يكمل الضابط قال له إسماعيل: يرجوني الرئيس يا خبر أسود، دا أنا أروح عريان ملط يا راجل، وإذا السلال مضحكش حشرت النكتة في حلقه حتى يموت من الضحك. ذهب إسماعيل ياسين ووجد عددا من كبار المسئولين اليمنيين في صالون كبير. نهض المشير السلال متوجها إلى إسماعيل ياسين وقال له: أنا قلت لفخامة الرئيس عبدالناصر أنه من فضل الله أنه خلق إسماعيل ياسين، فلولاه لكانت حياة المصريين كئيبة، وإنني أرجوك ولآخر مرة أن تقول لي النكتة التي حكيتها لي مائة مرة فلم أتوقف عن الضحك. فقال له إسماعيل: يا خبر أسود يا مشير نفس النكتة، ثم حكاها: واحد اتعود يقعد على القهوة ويبص في الجرنان وبعدين يبصق عليه ويرميه على الأرض، سأله واحد قاعد جنبه: إنت ليه دايما تبص في الصفحة الأولى وتعمل اللى بتعمله ده كل يوم أنا مراقبك من أسبوعين، فقال له: أنا بأقرأ صفحة الوفيات، فرد: لكن صفحة الوفيات جوه الجرنان، فقال له: عارف لكن اللي في بالي مش هيموت إلا في الصفحة الأولى!!