نهاية الانقلاب الحوثي تقترب.. حدثان مفصليان من مارب وعدن وترتيبات حاسمة لقلب الطاولة على المليشيات    الأحزاب والمكونات السياسية بتعز تطالب بتسريع عملية التحرير واستعادة مؤسسات الدولة    لحظة إصابة سفينة "سيكلاديز" اليونانية في البحر الأحمر بطائرة مسيرة حوثية (فيديو)    شركة شحن حاويات تتحدى الحوثيين: توقع انتهاء أزمة البحر الأحمر رغم هجماتهم"    وزير المالية يصدر عدة قرارات تعيين لمدراء الإدارات المالية والحسابات بالمؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي    الوزير الزعوري يهنئ العمال بعيدهم العالمي الأول من مايو    توجيهات واحصائية".. اكثر من 40 ألف إصابة بالسرطان في اليمن و7 محافظات الاكثر تضررا    بالفيديو.. عالم آثار مصري: لم نعثر على أي دليل علمي يشير إلى تواجد الأنبياء موسى وإبراهيم ويوسف في مصر    يوم تاريخي.. مصور يمني يفوز بالمركز الأول عالميا بجوائز الاتحاد الدولي للصحافة الرياضية في برشلونة (شاهد اللقطة)    تشافي لا يريد جواو فيليكس    مركز الملك سلمان يمكن اقتصاديا 50 أسرة نازحة فقدت معيلها في الجوف    تفجير ات في مأرب لا تقتل ولا تجرح كما يحصل في الجنوب العربي يوميا    للزنداني 8 أبناء لم يستشهد أو يجرح أحد منهم في جبهات الجهاد التي أشعلها    عودة الكهرباء تدريجياً إلى مارب عقب ساعات من التوقف بسبب عمل تخريبي    برشلونة يستعيد التوازن ويتقدم للمركز الثاني بفوزه على فالنسيا برباعية    تراجع أسعار الذهب إلى 2320.54 دولار للأوقية    اختتام برنامج إعداد الخطة التشغيلية للقيادات الادارية في «كاك بنك»    تنفيذية انتقالي لحج تعقد اجتماعها الدوري الثاني لشهر ابريل    هجوم جديد على سفينة قبالة جزيرة سقطرى اليمنية بالمحيط الهندي    رئيس جامعة إب يطالب الأكاديميين الدفع بأبنائهم إلى دورات طائفية ويهدد الرافضين    نابولي يصدّ محاولات برشلونة لضم كفاراتسخيليا    البكري يجتمع ب "اللجنة الوزارية" المكلفة بحل مشكلة أندية عدن واتحاد القدم    عقب العثور على الجثة .. شرطة حضرموت تكشف تفاصيل جريمة قتل بشعة بعد ضبط متهمين جدد .. وتحدد هوية الضحية (الاسم)    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    اتحاد كرة القدم يعلن عن إقامة معسكر داخلي للمنتخب الأول في سيئون    شاهد.. مقتل وإصابة أكثر من 20 شخصًا في حادث بشع بعمران .. الجثث ملقاة على الأرض والضحايا يصرخون (فيديو)    وزارة الداخلية تعلن ضبط متهم بمقاومة السلطات شرقي البلاد    يجب طردهم من ألمانيا إلى بلدانهم الإسلامية لإقامة دولة خلافتهم    ماذا لو أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد قادة إسرائيل؟    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    بينها الكريمي.. بنوك رئيسية ترفض نقل مقراتها من صنعاء إلى عدن وتوجه ردًا حاسمًا للبنك المركزي (الأسماء)    قيادي حوثي يذبح زوجته بعد رفضها السماح لأطفاله بالذهاب للمراكز الصيفية في الجوف    استشهاد وإصابة أكثر من 100 فلسطيني بمجازر جديدة للاحتلال وسط غزة    انهيار كارثي للريال اليمني.. والعملات الأجنبية تكسر كل الحواجز وتصل إلى مستوى قياسي    ماذا يجري في الجامعات الأمريكية؟    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    تعليق على مقال زميلي "سعيد القروة" عن أحلاف قبائل شبوة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    البخيتي يتبرّع بعشرة ألف دولار لسداد أموال المساهمين في شركة الزناني (توثيق)    لماذا نقرأ سورة الإخلاص والكافرون في الفجر؟.. أسرار عظيمة يغفل عنها كثيرون    فشل العليمي في الجنوب يجعل ذهابه إلى مأرب الأنسب لتواجده    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    لأول مرة.. مصر تتخذ قرارا غير مسبوق اقتصاديا    الكشف عن الفئة الأكثر سخطًا وغضبًا وشوقًا للخروج على جماعة الحوثي    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    ريمة سَّكاب اليمن !    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن والسعودية ودول الخليج: سياسيات النخب واحتياجات الشارع والدبلوماسية
نشر في المصدر يوم 02 - 07 - 2011

ينشر المصدر أونلاين أدناه دراسة نشرها المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) في مايو الماضي وأعدها جيني هيل وجيرد نونمان، بشأن العلاقات المعقدة بين اليمن وجيرانه الخليجيين، وخصوصاً المملكة العربية السعودية.

موجز النقاط
- تتعرض هياكل السلطة في اليمن إلى ضغط شديد مع تصارع النخبة السياسية في محاولة التكيف مع المطالب الشعبية الوطنية المطالبة بحكومة أكثر شرعيةً وتجاوباً وشموليةً.
- قد يقود التغيير السياسي الجذري في اليمن إلى اضطرابات عنيفة وأزمة إنسانية، على خلفية تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية في البلاد. وكذلك قد ينتج عنه تركيبة سياسية جديدة ذات شرعية أكبر.
- قامت حكومات غربية في العام 2010 بإنشاء شراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي لمعالجة المخاطر الأمنية التي يشكلها الوضع في اليمن. واستندت الشراكة على الإقرار بأن تلك الدول تتمتع بموارد مالية هامة وروابط ثقافية متينة باليمن إضافة إلى علاقات مهمة مع شبكات السلطة غير الرسمية فيه.
- وفي البداية ونظرا للتردد ومحدودية القدرة البيروقراطية، تعرقلت إمكانية دول الخليج على التجاوب الاستراتيجي مع عدم الاستقرار في اليمن. لكن تنامي المعارضة المحلية للرئيس علي عبدالله صالح فضلاً عن ضعف التأييد الدولي له أدى إلى استجابة جماعية من دول مجلس التعاون الخليجي في العام 2011 هدفت إلى التوسط في عملية الانتقال السياسي.
- تحتفظ المملكة العربية السعودية بشبكات رعاية واسعة وعابرة للحدود في اليمن. ويعتقد العديد من اليمنيين بأن المملكة تسعى إلى التأثير على نتيجة التغيير السياسي وأن ديناميكية الخلافة ضمن الأسرة السعودية المالكة تؤثر على حسابات الأطراف السياسية اليمنية.
- لقد ولّد «الربيع العربي» ضغوطاً إصلاحية وردات فعل حكومية متباينة داخل ملكيات الخليج نفسها. وهذا ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي المتعلق اليمن.

مقدمة
التعريف بمعدي الدراسة:
جيني هيل زميلة مشاركة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى تشاتام هاوس. وهي منظمة منتدى اليمن لتشاتام هاوس ومؤلفة ورقة التلخيص لتشاتام هاوس المعنونة اليمن: الخوف من الفشل (2008). وهي مخرجة ومراسلة حازت على جوائز، وقد أنتجت وأرسلت تقارير الأخبار والأحداث الجارية من جيبوتي والمملكة العربية السعودية والصومال وأرض الصومال واليمن.
جيرد نونمان زميل مشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى تشاتام هاوس يختص بدول مجلس التعاون الخليجي واليمن. وهو أستاذ دراسات الخليج العربي في مركز دراسات الخليج، جامعة إكستر، وأيضا أستاذ العلاقات الدولية وسياسة الشرق الأوسط. وقد نشر على نطاق واسع فيما يتعلق بالسياسة الإقليمية، فمن كتبه بالإنكليزية المملكة العربية السعودية في الميزان: الاقتصاد السياسي والمجتمع والعلاقات الأجنبية (محرر مع بولآرتس، هرست/مطبعة جامعة نيويورك، 2006)، وكذلك تحليل سياسات الشرق الأوسط الأجنبية (روتلدج، 2005).
لقد اخترق «الربيع العربي» شبه الجزيرة العربية، فأثرَّ في اليمن وكذلك في دول مجلس التعاون الخليجي المجاورة. وككتلة تجارية مزدهرة ذات أهمية بالغة للاقتصاد العالمي، يتكون مجلس التعاون الخليجي من دول الخليج الملكية التالية: البحرين والمملكة العربية السعودية وعُمان وقطر والكويت إضافة إلى الإمارات العربية المتحدة. أما نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في اليمن، بما يقل عن ألف دولار، فهو أقل بأربعين مرة من متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في دول مجلس التعاون الخليجي. وهذا التفاوت الحاد في طريقه إلى التفاقم خلال العقد القادم، حيث سيصبح اليمن مستورداً للنفط وستتضاءل احتياطياته من العملة الأجنبية.
وفي البحرين، على وقع موجة التغيير الثوري التي اجتاحت المنطقة، قُمعت الاضطرابات الشعبية خلال شهر مارس، وذلك بدعم من دول الخليج الملكية في الوقت الذي تحركت فيه لتؤيد ثوار ليبيا. ورغم أن ذاك الدعم لم يعكس إجماعاً في النهج والأسلوب (حيث اقتصر دعم عُمان للموقف المشترك على التصاريح فقط، بينما أرسلت الكويت سفناً من بحريتها بشكل يستبعد فيه أن تواجه أي محتج، أما قطر فأرسلت عدداً رمزياً من الجنود)، فأنه كشف عن قلق من الضغوط على العقد الاجتماعي الملكي، والتي ازدادت نتيجة الخشية من الدعم الإيراني للعامل الشيعي. وفي المقابل، فإن الكره العام للعقيد معمر القذافي لدى دول مجلس التعاون الخليجي قاد هذه الأخيرة إلى الالتحاق (وإن بدرجات مختلفة) بالحركة الدولية الداعمة لثوار ليبيا. بيد أن موقف هذه الدول تجاه اليمن يبدو أكثر تعقيداً.

وفي اليمن، تمثل الاستياء العام بسبب فساد النخبة تعبيراً مستمراً من خلال حركة غير عنيفة ووطنية مؤيدة للديمقراطية. وخرج مئات الآلاف من المحتجين إلى شوارع العاصمة صنعاء وعدد من مدن المحافظات في شهر يناير 2011، وحافظوا على اعتصامهم في الشوارع خلال أشهر فبراير ومارس وأبريل. ودعا المحتجون الرئيس علي عبد الله صالح إلى التنحي الفوري بعد ثلاثة عقود من الحكم، ورفضوا كل الاقتراحات الداعية إلى انتقال تدريجي يؤجل رحيله حتى نهاية مرحلة انتقالية يتفق خلالها على تعديل الدستور.

ومع اشتداد قوة التأييد الشعبي للثورة اليمنية، ظهرت للعيان المنافسة الدائرة منذ مدة بين نخبة البلاد الحاكمة. ففي مارس، قام اللواء علي محسن الأحمر، قائد الفرقة المدرعة الأولى وقائد المنطقة الشمالية الغربية في اليمن، بالانشقاق علانية عن صالح وأعلن عن دعمه للمعارضة. ولم يكن الضغط الناتج عن ذلك ولا عن موجة من الانشقاقات المتتابعة ضمن النخبة السياسية كافياً لإقناع الرئيس صالح بالتخلي عن الحكم. وقد ساهم في زيادة المخاوف من حرب أهلية وشلل الدولة، احتمالُ استمرار المأزق بين الفصائل العسكرية المتنافسة بصنعاء. وفي أبريل، اقترح مجلس التعاون الخليجي سلسلة مبادرات، مما زاد الضغط على صالح كي يقبل بانتقال تفاوضي، وإن كان من شأن هكذا انتقال عملياً حفظ السلطة بأيدي جهات سياسية قديمة بدلاً من السماح بتطورها في الحركة الشعبية.
وقبل «الربيع العربي» هذا العام وقبل موت أسامة بن لادن وخطر انتقام القاعدة، كان الضوء مسلطاً على اليمن لمكانته المتقدمة على جدول أعمال السياسات الدولية في السنوات القليلة الفائتة. وكان ذلك إلى حد كبير نتيجة وجود فرع محلي للقاعدة اعتبر الأنشط لتلك المنظمة العالمية. لكن المخاوف بشأن استقرار اليمن تتجاوز كثيراً مجرد الاهتمام بالإرهاب لتشمل تحديات لكفاءة الحكومة وشرعيتها من قبل المتمردين «الحوثيين» الشماليين والانفصاليين الجنوبيين. وعلاوةً على ذلك، فالاقتصاد في حالة خطرة: حيث تخطى النفط ذروة إنتاجه، ليهبط إلى نحو النصف منذ عام 2002، في حين أن الاستثمارات خارج قطاع النفط ضئيلة جداً ولا تذكر. ويعاني أكثر من ثلث اليمنيين من سوء التغذية، ويقود العنف الاجتماعي المرتبط بنزاعات الأراضي وموارد المياه المتناقصة إلى عدة آلاف من الوفيات سنوياً.
وفي يناير 2011، أطلقت الحكومة البريطانية آلية تنسيق دبلوماسية عالية المستوى، عرفت باسم «أصدقاء اليمن» للتخفيف من المخاطر الإقليمية والدولية التي يشكلها الوضع في اليمن. واتفق المانحون الدوليون على الدعم المنسق لإجراءات بناء الدولة من أجل تشجيع وتحسين الخدمات وحكم رشيد وإدارة اقتصادية أكثر استدامة. وقد اعتبر هذا النهج الشامل اليمن «دولة هشة» وافترض أن التدخل في الوقت المناسب «أفضل بمليون مرة من الجهد الذي سيتطلب للتعامل مع أي انهيار لاحق للدولة».
إن للشراكة الاستراتيجية بين الحكومات الغربية ودول الخليج دوراً محورياً لعمليات مجموعة «أصدقاء اليمن» وستبقى كذلك طوال مرحلة الانتقال السياسي لليمن، رغم أن اجتماع «أصدقاء اليمن» المقرر في الرياض شهر مارس 2011 قد تأجل نتيجة للأزمة. ولا تعتبر «أصدقاء اليمن» سلسة بما يكفي لتقوم بدور آلية انتقال، وقد انبثقت للتو جماعة اتصال دولية صغيرة غير رسمية لدعم جهود الوساطة التي تقودها دول الخليج.

ويأمل المانحون الغربيون بتعزيز القيادة الإقليمية لدول مجلس التعاون الخليجي والاعتراف بأن دوله لا تملك موارد أضخم للتبرع والاستثمار فحسب، بل تتمتع بروابط حضارية أمتن ونفوذ سياسي أكبر في اليمن. وتعتقد الحكومات الغربية بأن دول مجلس التعاون الخليجي تشاطرهم الاهتمام بحفظ الاستقرار الإقليمي واحتواء الإرهاب وضمان أمن قنوات الملاحة المزدحمة في خليج عدن ومضيق باب المندب. ولبريطانيا خصوصاً روابط تاريخية قوية مع دول الخليج كما لها علاقات سياسية واقتصادية هامة في الوقت الحاضر، منها اعتماد متزايد على إمدادات الغاز القطري لتلبية احتياجاتها المحلية المتزايدة من الطاقة.
وتبحث هذه الورقة الأدوار الفعلية والمحتملة لمختلف دول مجلس التعاون الخليجي تجاه اليمن، وتستكشف كيف ارتبطت تلك الأدوار بالأدوار والأطر الدولية الأكبر، وتعالج أيضاً الاستجابة من قبل مختلف الفعاليات السياسية في اليمن. وتلقي كذلك الضوء على هيمنة سياسات النخب والشبكات غير الرسمية في كلا الجانبين، حتى مع تعالي «سلطة الشعب» وإسماعه صوته في أرجاء شبه الجزيرة العربية.

التسوية السياسية في اليمن
ترافقت الأزمة السياسية الراهنة في اليمن مع فقدان الثقة في الوقت نفسه بشرعية الحكومة والمعارضة القائمة والإطار البرلماني. فقد ظلت السلطة منظمة جزئياً في إطار عدد من الوزارات الحكومية، حينما كانت تتخذ أهم القرارات من قبل نخبة سياسية فوق المساءلة. وامتد نفوذ الرئيس صالح من خلال هيكلي السلطة الرسمي وغير الرسمي. بل لم تتصرف دائماً فرق الجيش المختلفة كأدوات دولة رسمية. ونتيجةً لذلك، أصبح اليمن مساحة متنازعاً عليها، حيث «تتعايش وتتنافس مبادئ وتفسيرات مختلفة عن الشرعية» وتعبر النزعة نحو العنف عن «شعور الناس بالعزلة فيما يتعلق بعلاقتهم بالدولة الرسمية».
وقد حذرت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية من أن «عدم الشرعية مساهم رئيسي في هشاشة الدولة، لأنه يقوض عمليات المساومة بين الدولة والمجتمع والتي تعتبر أساسية لبناء قدرات الدولة».
وخلال سنة 2010، حاول «أصدقاء اليمن» تشجيع إصلاحات شاملة سياسية واقتصادية من شأنها تعزيز شرعية الدولة، لكن أثرها كان محدوداً نظراً لتعاملهم مع نظراء لهم في الوزارات الحكومية، إلى المدى الذي يؤدون فيه وظائف متعلقة بالدولة الرسمية. إن للدبلوماسيين الغربيين بالتحديد خبرة وتأثيراً أقل بكثير بشأن شبكة السلطة غير الرسمية في اليمن، وعلى وجه الخصوص المتواجدة منها خارج العاصمة. فلجهات معينة ضمن دول مجلس التعاون الخليجي اتصالات وشراكات أكثر مع لاعبي النخبة في تلك الشبكة. كما أنها تتعامل بسهولة أكبر مع المؤثرين الهامين في التسويات السياسية الثانوية بين النخب المحلية على مستوى مناطقي، مثل شيوخ القبائل.
تعتقد الأطراف السياسية في اليمن ومنذ مدة طويلة بأنه يمكن تعبئة موارد الأطراف الخارجية في سبيل تعزيز مصالحها الخاصة. وقد كان المثال الأكثر تطرفاً مؤخراً ما وثقته برقية من السفارة الأميركية بالرياض خلال مشاركة السعودية في الصراع الحوثي اليمني أواخر عام 2009. فقد نقلت البرقية قلق السعودية من أن مخططين عسكريين يمنيين قدموا لطياريها توجيهات من أجل قصف إحداثيات مقر اللواء علي محسن، والذي قيل إنه عارض احتمال أن يخلف الرئيسَ صالح ابنه أحمد.
وإلى أن بدأ الأميركيون النأي بأنفسهم عن الوضع الراهن في ربيع 2011، رأى العديد من المراقبين اليمنيين أن تقديم العون العسكري الأميركي لوحدات النخبة الأمنية والعسكرية تحت أمرة أقرباء الرئيس صالح كان من شأنه المحافظة على قدرة أسرته على التمسك بالسلطة.
ويعتقد اليمنيون بشكل واسع أن الأزمة السياسية الراهنة تقدم فرصة إلى «صفوة» خارجية كي تؤثر على نتيجة تنافس النخبة. ويرى العديد بأن المملكة العربية السعودية، بموقفها التاريخي تجاه بلادهم، ستسعى إلى التحكم بأي تغيير في التسوية السياسية. وهناك الكثير من التكهنات عن نوع المبادلات التي ستبحث عنها الرياض مقابل دعم قائد جديد وتمويل الاقتصاد المنهار، مع اقتناع راسخ بأن السعودية ترغب بيمن ضعيف غير مستقر تسهل السيطرة عليه.
ونقيضاً لذلك، يبدو أن الأمر المزعوم للملك عبد العزيز على فراش الموت لأبنائه، «احفظوا اليمن ضعيفاً»، قد استعيض عنه بالخشية من أن يعمل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بحرية في دولة منهارة أو انهارت، وأن الشواغل الأمنية أصبحت السائدة.
وحتى أوائل 2011، تجنبت السعودية وضع ضغط علني على صالح، رغم تزايد الإحباط من قيادته. لكن مع تصاعد الأزمة السياسية بعد انشقاق اللواء علي محسن في مارس، ألقت الرياض ثقلها بمبادرة مجلس التعاون الخليجي لتسهيل خروج الرئيس صالح من منصبه.
ومع ذلك، فإن النماذج غير الرسمية للرعاية العابرة للحدود والتي تميز علاقة المملكة العربية السعودية بنظام اليمن وقبائله تسير بالتوازي مع عمليات التوسط والدبلوماسية متعددة الأطراف الرسمية، ويشكك العديد من اليمنيين بقدرة السعودية على التصرف كوسيط محايد. وهذا ما يسلط الضوء على قيمة الدور الجماعي الرسمي لدول مجلس التعاون الخليجي في الوساطة وصياغة اقتراحات انتقالية منذ أبريل. وبينما يظل مركز الثقل وبوضوح في الرياض، فقد كان لهذه المبادرات طابع موافقة جماعي – بالرغم من دبلوماسية قطرية وإماراتية محددة كانت أيضاً نشطة ضمن ذاك الإطار.
إن مقترح مجلس التعاون الخليجي بتاريخ 23 أبريل بمدة انتقالية من ثلاثين يوماً لتشكيل حكومة وحدة انتقالية، مع اشتراط الحصانة للرئيس صالح وأسرته، قد رُفض، ثم قبل، ثم تجاهله الرئيس على ما يبدو مرة أخرى بعد ثلاثة أيام، قبل أن يشير إلى استعداده لتوقيع الاتفاق. وبتاريخ 1 مايو، سافر الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني إلى صنعاء للحصول على توقيع صالح، بينما انتظر وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في الرياض لتلقي وفد المعارضة اليوم التالي. وأثار رفض الرئيس صالح توقيع الاتفاق في اللحظة الأخيرة «استشارات سياسية محمومة بين قادة الخليج 14» واتصالات هاتفية بين صالح وعدد من ملوك وأمراء مجلس التعاون الخليجي، بحثوا خلالها طرق إنقاذ الاتفاق.
وبغض النظر عن توقيت وتفاصيل الانتقال السياسي النهائي، فإن قطب الأعمال والسياسي اليمني المعارض حميد الأحمر يندرج من بين المنافسين المتوقعين أن يحاولوا الاستفادة من تحول السلطة. وحميد هو ابن الشيخ عبد الله الأحمر، وسيط الرعاية الهام للأسرة الملكية السعودية في اليمن حتى وفاته سنة 2007. أما صادق، الأخ الأكبر لحميد، فهو الآن شيخ مشايخ قبيلة حاشد، بينما نظم أخوه الآخر حسين مليشيا حاشد المدعومة سعودياً خلال حرب صعدة. ومع اشتداد أزمة اليمن السياسية خلال فبراير ومارس، بدأ الإخوة بإظهار موقف قيادي أكثر هجومية. ففي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية بتاريخ 31 مارس، دعا حميد الرئيس صالح إلى ترك البلاد، وليس التنحي عن السلطة فحسب.

ووفقاً لمصادر يمنية، قدمت أسرة الأحمر دعماً ماليا إلى أناس يعيشون داخل المعسكر المؤيد للديمقراطية بصنعاء. ويعتقد أن بعض ذاك المال على الأقل أتى من راعين إقليميين. لكن عدة مراقبين سعوديين أعربوا سرّاً عن رأيهم بأن حميد «رجل أعمال، وليس بسياسي»، بينما تنظر دوائر معينة بالرياض برضى إلى اللواء علي محسن. ويجادل آخرون بأن «الآليات الذاتية» الخاصة باليمن ستحدد المسار السياسي المستقبلي، وهناك شعور لدى بعض التكنوقراط المستشارين لأمراء سعوديين كبار بأن الأفضليات ما زالت قيد النقاش وأن السياسة نحو الانتقال ما زالت قيد التحضير.
ويرفض العديد من النشطاء اليمنيين المؤيدين للديمقراطية فكرة تقديم دعمهم إلى مسعى قيادة عضو آخر من نخبة السلطة يقوم ببساطة بإدامة التسوية السياسية الحالية. ووعدوا عوضاً عن ذلك بالتمسك بانتقال سلمي إلى سلطة مدنية، ودستور جديد يدعم دور مجلس النواب ونظام حكومة اتحادي. ويطور نشطاء شبان مستقلون ببطء هيكل إدارة خاصاً بهم ويقررون آليات لترشيح قادة، لكن لم تكن هذه العملية متقدمة بما يكفي في نهاية أبريل كي تمكنهم من إرسال مراقبين إلى نقاشات مجلس التعاون الخليجي حول المرحلة الانتقالية.

تشكيل الدولة اليمنية
يشكل تاريخ وطبيعة الدولة اليمنية تحدياً خاصاً للأجانب في فهم اليمن، وبالتالي التعامل معه. فلم يكن يوماً اليمن تكويناً سياسياً واحدا – رغم توحيد الشمال والجنوب سنة 1990. والقبلية فاعلة وقوية في كل أرجاء البلاد، وبالأخص في المرتفعات الشمالية، حيث تغلب الزيدية. والزيدية فرع عقلاني متميز من الإسلام الشيعي، على عكس الشيعة «الاثني عشرية» الموجودة في أماكن أخرى. وعلى مر القرون اقتربت الزيدية في نواح كثيرة من الإسلام (السني) الشافعي السائد في اليمن، والذي كان لها معه تقليدياً القليل من التوترات الدينية. وحكم أئمة الزيدية من سلالة القاسمي مرتفعات اليمن منذ القرن السابع عشر وحتى أوائل التاسع عشر وأنشئوا أول نظام سياسي ذو مغزى في الشمال. ومن ثم وضعت سلالة حميد الدين (1904 – 1962) الأسس الأولية لبيروقراطية مركزية.
وفي الشمال، أطيح بنظام الإمامة النيو-تقليدي سنة 1962. ولحق ذلك محاولات متتالية لإنشاء نوع من جمهورية علمانية ذو توجه أيديلوجي، والتي كانت سلطوية وإشكالية في كل مكان آخر من العالم العربي. وفي حرب شمال اليمن الأهلية في الستينات، دعمت المملكة العربية السعودية الفصائل الملكية، بينما دعمت مصر بقيادة عبد الناصر الفصائل الجمهورية قبل الانسحاب سنة 1967. وأعلن عبد الله الأحمر، الشخصية القبلية اليمنية البارزة وشيخ مشايخ قبيلة حاشد، عن دعمه للجمهورية. وكان ذلك بداية عقود من شبكات التوازن والتذبذب فيما بين القبائل والدولة وفيما بين المكونات المختلفة داخل كل منها، كما بين المملكة العربية السعودية والدولة والقبائل. وعقب إزاحة و/أو اغتيال رؤساء عدة، استلم علي عبد الله صالح السلطة سنة 1978 وبرهن بأنه الأمهر حتى الآن في هذه اللعبة.
وفي نفس الوقت، كان الجنوب حالة مختلفة: فهو فسيفساء من السلطنات الفقيرة شبه التقليدية، انضم إليها ظهور طبقة عاملة في عدن متمدنة ومميزة لم توجد في أي مكان آخر من الجزيرة العربية في ظل إطار الاستعمار البريطاني. وهذا ما ولّد حركة قومية يسارية متطرفة انتشرت وانطلقت من عدن وحاولت تطبيق هيكل أيديولوجي غريب على كامل الجنوب، لتنجح جزئياً في زعزعة الآليات الاجتماعية السياسية التقليدية. وكشفت نهاية الحرب الباردة عن الإفلاس السياسي والاقتصادي لذاك النظام مع الازدياد الكبير في الهوة ما بين مجتمع الجنوب ومجتمع الشمال. وكذلك فإن عدد سكان الجنوب أصغر بكثير من سكان الشمال.
عندما تلاقت حاجة القيادة الجنوبية من جهة وطموح القيادة الشمالية من جهة أخرى بغية تطوير الاحتياطات النفطية الممتدة على جانبي الحدود بين الشمال والجنوب، إضافةً إلى الحماس الشعبي لتحقيق حلم الوحدة، ولدت جمهورية اليمن سنة 1990. لكن نظراً للتفاوت بين الجانبين، فإن نجاحها السياسي والاقتصادي المستدام كان يتطلب طبقة حاكمة ذات استعداد كبير لتقديم التنازلات. والعكس كان واقع الحال. وهذا ما أدى إلى زيادة الإحساس بسيطرة نخبة الشمال على الجنوب، وبالتالي نشبت حرب أهلية أخرى سنة 1994. وساهم انتصار الشمال في زيادة سيطرته في كل المجالات. وفي الوقت ذاته، ازدادت قبضة النخبة الأساسية الشمالية على الموارد الوطنية بما فيها الأراضي وفرص العمل في معظم البلاد، فاستفحلت مشاكل شرعية النظام. ومع استمرار الصادرات النفطية المتواضعة، تمكن النظام من بناء المزيد من شبكات الرعاية، ترافقت مع أسلوب قسري متزايد. لكن مع ذبول هذه الميزة المؤقتة، أصبحت هياكل السلطة في وضع خطر. فالتقاليد القبلية القوية والحكم الذاتي في شمال ووسط البلاد، كما في حضرموت (في الجنوب الشرقي)، تصدرت مرة أخرى في مواجهة حكومة قليلة الموارد. وتزايد في الوقت نفسه دخول التفسيرات السلفية للإسلام عبر الحدود مع المملكة العربية السعودية.

دول الخليج واليمن: السياسة الخارجية والمساعدات
إن السياسة الخارجية لدول الخليج ودورها المحتمل في اليمن محددة ومقيدة بعدد من العوامل المشتركة فضلاً عن خصوصيات كل منها. فأسلوب صنع السياسات العامة وتطبيقها عادةً ما يكون شخصياً للغاية ومقتصر على كبار أفراد الأسر المالكة. وتبقى القدرة المؤسساتية لصياغة السياسات وتطبيقها وتنسيقها ومتابعتها محدودة، رغم الاحترافية التدريجية لبيروقراطيات السياسة الخارجية.
لقد أظهرت دول الخليج جميعها نمطاً براغماتياً طويل الأجل جمعت من خلاله بين هدف الحصول على حماية قوة عظمى وبين تأمين قدر من الاستقلالية. وكان تركيزها الأساسي على المنطقة. وظهر ميل إلى تركيز أكثر عالمية فقط فيما يتعلق بضمان الأهداف الإقليمية أو مصلحة الدول الاقتصادية – رغم ظهور اهتمام حديث في قضايا الحوكمة العالمية. لكن نزعت الالتزامات السياسية لهذه الدول تبدو محصورة بخدمة اهتماماتها الأمنية المباشرة أو في سبيل حل أو احتواء صراعات في المنطقة.
ونادراً ما اتخذت دوراً قيادياً قويا، باستثناء المملكة العربية السعودية، ومنذ سنة 1995 قطر. لكن أوائل 2011 شهدت الاحتذاء بقطر في هذا المجال من قبل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية – فيما يتعلق أقله بالأزمتين الليبية واليمنية.
وأخيراً، ظهرت نزعة قوية نحو الثنائية، سواء في المساعدات أو السياسات الاستراتيجية والاقتصادية، باستثناء تنسيق مجلس التعاون الخليجي في مفاوضات التجارة مع الاتحاد الأوروبي، وبناء نوع من المجتمع الاقتصادي للمجلس، ومؤخراً السياسة إزاء اليمن وليبيا.
إن الفروق بين الأدوار السياسية الخارجية لهذه الدول الست محددة جزئياً بالموقع والحجم والمكون الفكري للشرعية والتجارب التاريخية الخاصة وخصوصيات حكامها وأنظمتها.

المملكة العربية السعودية
تختلف المملكة العربية السعودية عن باقي دول مجلس التعاون الخليجي من ناحية حجمها ومواردها، وكذلك من خلال حاجتها للظهور كقائد إقليمي وإسلامي نظراً للأساس الديني لدعوى الأسرة المالكة (آل سعود) الشرعيةَ كحماة مكة والمدينة في مهد الإسلام. لكنها تختلف أيضاً من ناحية حجم الأسرة المالكة وتقاسم المهمات وتعدد الآراء داخلها. وعلاوةً على ذلك فللسعودية أطول وأشوك حدود مع اليمن مع تاريخ طويل من التدخل الهجروي والاقتصادي والسياسي فيه – من الحرب والحرب الأهلية إلى التدخلات العفوية والإعانات غير الرسمية لأعيان القبائل وغيرهم.
إن النظام السعودي هو نظام حكم أوليغارشي في الأساس (حكم الأسرة)، مدعوم ببيروقراطية تتجه تدريجياً نحو المهنية. لكن جهاز الدولة يعكس انقسام القمة إلى «إقطاعيات» أميرية: فللأمراء الكبار مصالحهم الخاصة ومجالاتهم السياسية. ومنذ وفاة الملك عبد العزيز مؤسس المملكة العربية السعودية، انتقل الحكم بين سلسلة من أبنائه، من سعود سنة 1953 إلى عبد الله اليوم. وبينما ترك الملك فيصل أثر سلطته على السياسات العامة خلال حكمه من 1964 حتى 1975، فإن صناعة القرار السعودي أضحت أكثر لامركزية منذ ذاك الحين. ويعتمد التأثير في الدوائر العليا للأسرة المالكة على مزيج دقيق من كبر السن والقدرة المتصورة والشخصية ومقام الوالدة والتمتع بحلفاء مثل إخوة أشقاء إضافةً إلى حكم إمارة قوية. ويتمتع الملك عبد الله، والذي اعتلى العرش سنة 2005 بعد عقد من الحكم الواقعي نظراً لعجز الملك فهد، بالكبر والشرعية والشعبية، وله قاعدة قديمة في الحرس الوطني، لكن ينقصه أي إخوة أشقاء. وبالمقابل، فولي العهد سلطان والأميران نايف وسلمان هم من سبعة إخوة أشقاء يشار إليهم غالباً باسم «السديريين السبعة». وكلهم أبناء مؤسس المملكة. لكن روابط التحالف لا تتبع دوماً وحصراً بروابط النسب. فهناك دور للفعالية المفروضة والأذواق الشخصية. وتظهر الطبيعة شبه الإقطاعية لبعض مناصب الدولة في انتقالها من الأب إلى الابن: فقد سلم الملك عبد الله قيادة الحرس الوطني لابنه متعب سنة 2010، أما وزارة الدفاع فينظر إليها على أنها الإقطاعية الشخصية لآل سلطان بينما تتبع وزارة الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز وابنه محمد بن نايف.
ورغم أن للملك القرار الأخير في المسائل الذي يصر على أهميتها بالنسبة إليه، إلا أن هنالك ميل إلى المشاورات غير الرسمية. ونظراً للتجزئة العامودية في هياكل تطبيق السياسات وشبكات الرعاية، فهناك نقص بالتنسيق أو التطبيق المتعدد القطاعات في عدد من مجالات السياسات، منها السياسة الخارجية. وفي الواقع فإن وزارة الشؤون الخارجية ليست اللاعب الرئيسي في عدد من مجالات السياسة الخارجية نفسها. فوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل (ابن الملك فيصل) ودبلوماسيون عديديون يدركون حدود آليات صنع السياسة الخارجية ومتابعتها للمملكة، نتيجة الطبيعة الشخصية للدبلوماسية ومشاكل القدرات الفعالة. وهذه تعالج حالياً، على الأقل، عبر اعتماد أكبر على الجدارة في التوظيف والتدريب والتطبيق، فضلاً عن دراسة تجريها شركة «ماكينزي» عن سبل تحسين النظام. وقد أطلق الملك عبد الله تحولاً في عملية صنع قرارات السياسة الخارجية، ساعياً لتقوية بيروقراطية وزارة الخارجية تحت إشراف الأمير سعود وخدمات الأمن التابعة للأمير مقرن، الابن الأصغر للملك عبد الله والذي يحظى باحترام واسع. لكن العملية ما زالت في مراحلها الأولى. وما زال نظام السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية مفتقراً إلى القدرات الاستراتيجية المتقدمة والخبرات العملياتية وتجربة التطبيق المستدام.
ولوزارة الشؤون الخارجية، وخاصةً في الأزمة الراهنة، صوت محدود فيما يتعلق باليمن بطبيعة الحال. والواقع كما عبر عنه محلل سعودي: «ليس اليمن من ناحية السياسة الخارجية، بل من ناحية الأمن الوطني – بل هو عن الاستخبارات والأمن والقبلية والاتصالات غير الرسمية».
تتناول عدة هيئات رسمية العلاقات السعودية اليمنية، لكن لا تسامي أي منها مركز السلطة الحقيقي المكون من قلة من لأمراء الفاعلين والملك في مجموعة متغيرة. أما مجلس التنسيق اليمني السعودي الأعلى فهو تجمع لسياسيين وموظفين حكوميين متوسطي ومنخفضي المستوى – ضمنهم أحياناً وزيري الخارجية – يتعامل مع التفاصيل والأسئلة العملية، بما فيها مشاريع التطوير؛ ولا يقوم بصياغة السياسة بشكل عام. وقد تعاملت بالمثل لجنة الحدود اليمنية - السعودية مع أسئلة المتابعة المحددة عن رسم الحدود والأمن؛ بينما للجنة شؤون اليمن في مجلس الشورى السعودي أثر ضئيل على أرض الواقع.
ومنذ مدة طويلة أدار رسمياً ولي العهد الأمير سلطان ملف اليمن، وهو يشغل منصب رئيس الوزراء ووزير الدفاع. ولعقود عدة سدد المال هو أيضاً إلى شبكته من المعارف والمخبرين في اليمن، مسبباً الاستياء لدى أوساط عديدة في البلد من «تدخل» سعودي ملحوظ. أما المكتب الخاص بشؤون اليمن، وهو لجنة عائلية صغيرة أسسها سلطان ويرأسها، فقد ظل المقر الرئيسي للسياسة والرعاية اليمنية طوال الثمانينات والتسعينات والذي ضعف دوره منذ سنة 2000. ويعتقد أن ميزانيته السنوية كانت 3,5 مليار دولار سنوياً حتى تلك السنة، ومن ثم خفضت بعد الاتفاق المتعلق بالحدود في السنة ذاتها. وفي أوائل 2011، ظل عدد الأشخاص الذين يعتقد بأنهم يتلقون الإعانات بالآلاف، لكن المتلقين أُعلموا في شهر أبريل بأن الدفعات ستتوقف بأمر من القصر الملكي. وقد أدى تدهور صحة سلطان إلى التحول المتزايد للبرنامج نحو فاعلين آخرين من آل سعود، ليصبح مشتتاً وفاقداً للتنسيق والاستراتيجية الواضحة. وبالنظر جزئياً لإزاحة سلطان عن المشهد السياسي عملياً، يفترض أن العمليات التمويلية الخاصة للمكتب ستغلق في شهر مايو. لقد قام عبد الله للتو بدور حاسم في توجيه المفاوضات التي ختمت اتفاقية الحدود سنة 2000، والتي مثلت تحولاً مثيراً في العلاقات: فخلال الحرب الأهلية سنة 1994، كانت السعودية متعاطفة مع الجنوبيين. وكان الملك لمدة طويلة مستعداً للتعامل أقل حدة مع صالح من سلطان أو نايف، رغم غياب ما يشير إلى أنه أصبح في النهاية أقل تحرراً من الوهم مع القائد اليمني.
وفي السنوات الأخيرة، اضطلعت وزارة الداخلية بقيادة الأمير نايف بدور متزايد الأهمية في صوغ إدارة الملف اليمني. وهذا ما عزز تعيينه سنة 2009 كنائب ثانٍ لرئيس مجلس الوزراء (فرآه العديد كولي العهد القادم) وكذلك عجز سلطان منذ أواخر 2010. وخلال الصراع الحوثي سنة 2009، أنشئ مجلس تنسيق مؤقت غير رسمي من أمراء رئيسيين. وفضلاً عن نايف، فقد أصبح لابنه محمد بن نايف، نائب وزير الدفاع والمشرف على برنامج المملكة لمكافحة الإرهاب دور ازدادت مركزيته، بينما قام مدير الاستخبارات الأمير مقرن (والمقرب من الملك عبد الله) بدور هام كذلك فيما يتعلق بالنشاطات عبر الحدودية وما يتعلق بالقاعدة. وكذلك كان للأمير خالد بن سلطان دور متذبذب، مضطلعاً بدور قيادي مسبق في العمليات على الحدود سنة 2009، رغم أن الاستجابة لذلك داخل المملكة كانت متنوعة.
وقد ظل التنسيق الفعال مفقوداً، كما تبين من القرار الأحادي لعبد الله سنة 2010 بإعطاء الرئيس صالح 700 مليون دولار، على عكس رغبة نايف وآخرين. ومع كسوف سلطان وغياب الملك المديد للجراحة والنقاهة أواخر 2010 وأوائل 2011، ظهر أن صياغة الاستراتيجية – إضافةً إلى التنفيذ المتضافر– قد علقت. وبينما ينتظر عهد ما بعد سلطان تغييراً جذرياً في هذا الواقع، فإن أزمة اليمن المتفاقمة، قد أجبرت القرار السعودي بمساعدة تسهيل انتقال من عهد صالح، والقرار بإغلاق المكتب الخاص يقترح إعادة توجه محتملة في قنوات الرعاية العابرة للحدود.
إن الغضب السابق من موقف الرئيس صالح من حرب الخليج 1991-1990 لم يهيئ صناع القرار السعودي إلى مودة متبادلة مع القائد اليمني. ففي العقد الفائت، نظر إلى صالح وأقرب أفراد نظامه على أنهم مسؤولين عن العديد من مشاكل بلدهم، مع هدر معظم الأموال التي قدمتها له ولحكومته المملكة العربية السعودية. وفضلاً عن صرف العون الثنائي من قبل الصندوق السعودي للتنمية، فقد أشرفت وزارة الداخلية على مشاريع التنمية الاجتماعية الخاصة بها، واشتكى الأمير محمد بن نايف سنة 2009 إلى مبعوث أميركي رفيع بأن المدفوعات النقدية إلى اليمن «تميل إلى الانتهاء في مصارف سويسرا». ومع ذلك بقيت المملكة العربية السعودية حذرة من مخاطر إضعاف الدولة اليمنية (وتشترك الآن مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى بالتزام معلن بوحدة اليمن). لكن، ومنذ أبريل 2011، أصبح ينظر إلى تنحي صالح والمباشرة بعملية انتقال السلطة منتظمة كشرط ضروري لتجنب التمزق السياسي والإقليمي، والذي سيساعد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وهناك إقرار بأن المملكة العربية السعودية، منذ اتفاقية الحدود سنة 2000، قد انسحبت بشكل كبير وتركت شبكة اتصالاتها اليمنية لتذبل. وعلاوةً على ذلك، فإن الانتقال إلى الجيل الجديد يعني أن العديد من أهم العلاقات الشخصية قد تبخر، وليس أقله وفاة الشيخ عبد الله الأحمر سنة 2007. وبينما تثق نخبة السياسة السعودية بأن تظل قبائل شمال اليمن فضلاً عن بعض الفاعلين المهمين في الجنوب كمّا معروفاً، مع قنوات شخصية قابلة للإحياء مرة أخرى، يبدو جلياً وجود تفهم أقل للفاعلين الجدد والناشئين.

دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى
لقد برز اليمن كمسألة ذات أولوية للدول الخمس الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، وبالأخص لعُمان والإمارات العربية المتحدة. لكن باستثناء مبادرات الوساطة القطرية والاتفاق الجماعي لتقديم المعونات، لم تطور الدول نهج سياسي واضح حتى قرارها الجماعي في شهر أبريل 2011 حول طرح خطة انتقالية.
لقد حملت سياسة عمان الخارجية منذ منتصف السبعينات ختم السلطان قابوس، فضلاً عن ختم وزير الدولة للشؤون الخارجية، يوسف بن علوي، الشديد البراغماتية. وتميزت أيضاً بتاريخ طويل من شبه الانعزال عن باقي العالم العربي والانفتاح على العالم الأوسع، مع حاجة مدروسة لاتباع حياد براغماتي في ضوء التهديد الايراني المحتمل. وبشأن اليمن، لا مفر من ذكرنا للتاريخ المحدد للعلاقات مع الجنوب الماركسي السابق – حيث تحاذي محافظته النائية، المهرة، حدود عُمان – فقد استخدم جنوب اليمن كملاذ ونقطة انطلاق للثوار العُمانيين إلى أن انتهت الحرب الأهلية العُمانية سنة 1975. ورغم ذلك أصبحت عُمان في الثمانينات وأوائل التسعينات صديق اليمن الوحيد في مجلس التعاون الخليجي، مع تبادلات متكررة حتى بُعيد تحرير الكويت، بينما كان الآخرون يلومون صنعاء لعدم دعم التحالف الدولي ضد العراق. وجرى ترسيم الحدود سنة 1995. وفي أواخر العقد الفائت، نقلت قوات عُمانية إلى الحدود في محاولة للسيطرة على الهجرة غير الشرعية. وفي الوقت ذاته، أصدرت عُمان تصريحات تدعم عضوية اليمن مستقبلاً في مجلس التعاون الخليجي، رغم عدم وضوح ما إذا كانت ذلك يعبر عن رغبة صادقة.

لقد افتقدت الإمارات العربية المتحدة ولمدة طويلة لسياسة خارجية اتحادية متجانسة، حيث حافظت الإمارات الفردية (وليست دبي وحدها) على قدر كبيرة من الاستقلالية. لكن هناك في أبوظبي خاصةً روابط قرابة وثيقة باليمن، تعود إلى ما قبل الإسلام. وفي السنوات الأخيرة، بدأت سياسة خارجية اتحادية واضحة عامةً بالظهور نتيجة تنامي ثقة وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، من الأسرة الحاكمة لأبوظبي، وأكملتها نتائج أزمة دبي الاقتصادية. ولدبي «قنوات خلفية» تحتفظ بها لكن مشاركتها المباشرة في اليمن محدودة. ويقال إنه بالنسبة إلى الإمارات العربية المتحدة، وهي ولمدة طويلة متبرع هام بالمساعدات إلى اليمن وموظف للعديد من اليمنيين في شرطتها، فإن اليمن قد تجاوز أفغانستان كثاني أهم قلق أمني لها بعد إيران. ورغم أن آخر أشهر 2010 وأوائل 2011 لحظ حراك صانعي السياسة وهم ما زالوا يبحثون عن أفكار عن السبيل الأفضل للتعامل مع المعضلة اليمنية، فقد أصبحت الإمارات اليوم لاعباً مصمماً على استكشاف الجانبين الاقتصادي والسياسي لحل محتمل لمشكلة البلد وعلى المساعدة في صياغة إجماع لمجلس التعاون الخليجي.

أما البحرين فلديها موارد قليلة للاستخدام، وآل خليفة الحاكمون يخشون تحديداً إيران، والتي ادعت يوماً بأنها إقليم تابع لها، ويخشون «البعد الشيعي» (حيث يشكل الشيعة معظم السكان). وللدولة القليل مما تستطيع تقديمه إلى اليمن ولم تطور بعد أية سياسة محددة عن الموضوع – باستثناء الانضمام لإطار مجلس التعاون الخليجي.

وأما العوامل المميزة الرئيسية التي تصوغ سياسة الكويت الخارجية منذ 1990 فهي تجربتها الاحتلال العراقي وعزوف اليمن عن دعم العملية الدولية لإخراج القوات العراقية، والتي أثرت على علاقات الكويت بصنعاء ولمدة طويلة. وجرى تحسن بطيء خلال العقد الفائت ليتسارع نوعاً ما في السنوات القليلة الأخيرة ولتصبح العلاقات ودية مرة أخرى بحلول سنة 2010، رغم استمرار معارضة الكويت لعضوية اليمن في مجلس التعاون الخليجي.
ورغم انضمام الكويت إلى زميلاتها العضوات شهر أبريل 2011 في مبادرة مجلس التعاون الخليجي، إلا أنها لم تصبح «قائد أفكار» في المسألة اليمنية.
يصنع سياسة قطر الخارجية الأمير ورئيس الوزراء، مع قلة قليلة من المستشارين المقربين ومن دون الاستفادة من متابعة معمقة ومستدامة (بما في ذلك الالتزامات المالية). عادةً ما كانت قطر تلحق بالخط السعودي في مسائل السياسة الخارجية، لكن ذلك تغير بعد تولي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي أطاح بأبيه ووضع قطر بقوة في مقابل المملكة العربية السعودية إقليمياً ودولياً. واتهمت الرياض بالتسامح مع محاولة انقلاب مضادة سنة 1996. وهذا ما جعل قطر تقترب أكثر من الولايات المتحدة بمنحها حقوق استضافة أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة في العُديد، والتي أصبحت المقر الجديد للقيادة المركزية الأميركية. وتوجت هذه الخطوة بطيف من السياسات أسست لعلاقات مع دول وحركات من كل الاتجاهات، منها إيران؛ وتعهد بمشاركة سياسية أوسع؛ وتمويل قناة الجزيرة الفضائية لحماية الجناح السياسي للنظام.
ونتيجة لتوجهات الأمير الشخصية ولدستور قطر، مع هدف بناء اسم «قطر» كعلامة مميزة، استعدت قطر لمشاركة فاعلة في حل الصراعات الإقليمية وصنع السلام، بما في ذلك الاستعداد للمخاطرة. وأصبحت الأكثر استعداداً من أي دولة إقليمية أخرى لإطلاق مبادرات بناءة هامة في اليمن من خلال دورها كوسيط في حرب شمال اليمن الأهلية. وقد اقترح بعض المحللين أن مبادرات قطر الأولى هدفت جزئياً إلى استباق الدور السعودي وأن عدم الرضى السعودي عن الدور القطري ربما كان معطلاً في مراحل الصراع المبكرة. لكن تحسنت بنحو ملحوظ العلاقة عالية المستوى بين الدوحة والرياض منذ 2009، ورفع القطريون مستوى «إدارة أصحاب المصلحة» لديهم من خلال تشاور أفضل مع الرياض.

وقد لعبت قطر دوراً بناءً في «أصدقاء اليمن»، وأصبحت ربما الأكثر اندفاعاً في دول مجلس التعاون الخليجي مع تعمق الأزمة السياسية. لكن تغطية الجزيرة لاحتجاجات الشارع اليمني سببت مضايقات لكادرها بل وتهديدات بالقتل. واتصل الرئيس صالح بالأمير ليشكو تغطية الجزيرة في فبراير. وفي أبريل رد بغضب على كشف رئيس الوزراء القطري عرض دول مجلس التعاون الخليجي خطة تسمح بتنحي الرئيس صالح – مستدعياً سفيره من الدوحة وواصفاً التصريح بأنه تدخل غير مقبول في الشؤون اليمنية الداخلية. وبتاريخ 28 أبريل نقل عنه أن لديه «تحفظات عن التوقيع إن حضر ممثلو قطر» عند توقيع صفقة الانتقال المطروحة في الرياض – والذي أدين بسرعة وعلناً من قبل مجلس التعاون الخليجي.
دور مجلس التعاون الخليجي
يظل مجلس التعاون الخليجي وبوضوح منظمة فيما بين الدول بدلاً من منظمة أعلى من الدول. وأمانته صغيرة، وبدون ميزانية خاصة إلا لتكاليف التشغيل أو عند اتفاق كل الدول الست على إقامة مشروع مشترك. ومع ذلك، فقد بدأ بإظهار صلابة جماعية في مفاوضات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، وفي النقاشات الأخيرة عن مساعدة اليمن، وفي أبريل 2011 ظهر ذلك باتخاذ موقف جماعي عن المخرج من أزمة اليمن السياسية بحضه علناً الرئيس صالح على التنحي.
لقد تبع دور مجلس التعاون الخليجي في اليمن تقلبات العلاقات الخليجية اليمنية عموماً. فقد توقف عن تمويل تطوير ميناء عدن سنة 1992، وألقى معظم اللوم في الحرب الأهلية سنة 1994 على الشمال. لكن المجلس في السنوات القليلة الماضية أعلن دعمه استمرار وحدة اليمن. وتبقى المساعدات ثنائية، لكن القسم الرسمي على الأقل يعتبر الآن ضمن إطار مجلس التعاون الخليجي. ويتحتم في نهاية المطاف التصديق على كل القرارات الهامة على مستوى قادة الدول على أن تمر عبر الوزارات المعنية للدول – وخاصةً وزارتا الخارجية والمالية. ويجري الصرف والتنفيذ والمتابعة أيضاً على المستوى الوطني. لكن أمانة مجلس التعاون الخليجي، وبالتحديد هيئة العلاقات الاقتصادية الدولية، أصبحت تقوم بدور هام كمنتدى تنسيق، بما في ذلك التوصل غير الرسمي لبناء التوافق فيما بين وداخل البيروقراطيات الوطنية للدول الأعضاء. ومع ذلك لم ينبثق تنسيق سياسي كامل حول الأزمة اليمنية إلا في مارس وأبريل 2011.

سعت اليمن ومنذ مدة إلى عضوية مجلس التعاون الخليجي. ورغم إعراب المجلس عن دعمه من حيث المبدأ لعضوية اليمن في نهاية المطاف، فاحتمال ذلك بعيد واقعياً. إن سبب إنشاء مجلس التعاون الخليجي هي إدراك خطر مشترك وتشابه الدول الست في البنى السياسية والثقافة والاقتصاد وتوجهات السياسة الخارجية. وبغض النظر عن الاستياء المتبقي من سياسة اليمن خلال الأزمة الكويتية (مع بقاء استياء لدى الجانب اليمني من طرد العمال اليمنيين سنة 1990 من دول المجلس)، فإن اليمن بعيد عنها في كل تلك المعايير. فكمجتمع شديد التسلح وكثير السكان وفقير ذي سلطة حكومة مركزية جزئية فقط، ينظر إلى اليمن على أنه مليء بالمشاكل بما يمنعه أبداً من العضوية الكاملة. وهذا ما لا يستثني مستويات أخرى من الشراكة: ففي سنة 2001، منح اليمن عضوية في اللجان الأربعة غير السياسية، مع مشاركته في نقاشات المجلس عن الصحة وجوانب التكامل الاقتصادي. استضافت الحكومة البريطانية سنة 2006 مؤتمر مانحين في لندن، تعهدت فيه دول الخليج بأكثر من 3,7 مليار دولار من معونات التنمية إلى اليمن، منها 2,5 مليار كمعونة ثنائية و 1,2 مليار تديرها منظمات إقليمية، تصرف بحلول سنة 2010. وبلغت تعهدات لندن زيادة قدرها أربعة أضعاف على مستويات الإنفاق السابقة لمجلس التعاون الخليجي على اليمن. وقد أتى ذلك عقب الإقرار بنقص تمويل اليمن نسبة لاحتياجاته، حيث تلقى الفرد 12 دولاراً سنوياً على شكل مساعدات تنموية قبل مؤتمر 2006.
وقامت لجنة مشتركة، مكونة من ممثلين عن وزارات المالية لدول مجلس التعاون الخليجي وعن وكالات التنمية إضافةً إلى وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية، بتخصيص تعهدات 2006 في مشاريع محددة، كانت غالباً مشاريع على مستوى البنية التحتية، شملت بناء سدود ومحطات طاقة وطرق ومنشآت صحية ومؤسسات تعليمية. وتعهد عدد من دول الخليج بدعم الصندوق الاجتماعي للتنمية اليمني، وهو هيئة مبتكرة شبه حكومية تقدم خدمات اجتماعية لتلبية الاحتياجات المحلية. وقامت قطر أيضاً بتوفير أموال على شكل منح دراسية لنصف مليون يمني تقريباً لكي يدرسوا في جامعات أجنبية.

وبعد أربع سنوات، أصبح الكثير من مشاريع البنى التحتية «الضخمة» عالقاً في شلل بيروقراطي، حيث خصصت الأموال من حيث المبدأ دون أن المضي في العمل. ورغم تعهد دول الخليج بمضاعفة المعونات المصروفة على اليمن بنسبة أربع أضعاف، إلا أنها لم تأذن بزيادات متناسبة في الموارد لوكالات التنمية التابعة لها للإشراف على تلك المبالغ. وبالمثل، كانت وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية مثقلة وواجهت نقص حاد في خبرات.

أما الحكومة اليمنية، المشلولة بالفساد وتنافس الفصائل وتنامي التوتر السياسي حتى قبل «الربيع العربي»، فلم توحِ للمتبرعين الخليجيين بالثقة بأنها تستطيع تصميم مشاريع مناسبة وإدارتها بكفاءة. وفي بعض الحالات، رفضت الشركات الأجنبية ببساطة التقدم بعروض للمضي بتنفيذ مشاريع البناء المقترحة. وفي فبراير 2010، التقى ممثلو اليمن بالمانحين الخليجيين بالرياض سعياً لتسريع تنفيذ المشاريع الضخمة الموجودة، ولتمهيد الطريق للدور القادم من التعهدات. وشملت اقتراحات تسريع صرف المعونات إجراءات بناء قدرة الوزارات اليمنية وتنسيقاً أفضل عبر القطاعات وتحديد مشاريع صغيرة كبيرة الأثر «جاهزة للإطلاق». لكن لم يتم الاتفاق على محاولات لتحرير المانحين الخليجيين من تعهداتهم السابقة من أجل بدء صفحة جديدة وإعادة تخصيص الأموال لمشاريع ذات مواصفات تصميمية أفضل.
لم يتقدم مسار «أصدقاء اليمن» أي آلية رسمية لتنسيق صرف المعونات أو حل النزاعات التعاقدية. فقد حضر الاجتماعين سنة 2010 وزراء خارجية الدول الأعضاء بدلاً من وزراء التنمية الدولية. لكن مسار «أصدقاء اليمن» قدم بعض الحوافز لتحسين كفاءة المعونات بإنشاء زخم وتركيز جديدين على سياسية اليمن لدى الدول الأعضاء. وبحلول يناير 2011، بدأ حوار جديد بالانبثاق يستند إلى الحلول عن «ماذا» و «كيف» تصرف أموال معونات دول الخليج في اليمن، بالتوازي مع جهود لزيادة وصول العمال اليمنيين إلى أسواق العمل لدول مجلس التعاون الخليجي.

وكان من بين الحلول المقترحة افتتاح أمانة مجلس التعاون الخليجي مكتباً لها في صنعاء. وبدأ قبل الأزمة السياسية الراهنة توظيف أشخاص لذلك، مع نقاش لمهمة المكتب الذي كان متوقعاً – على أقل تقدير– أن يكون «مركز تبادل المعلومات» لتسهيل علاقات أفضل فيما بين اليمنيين والمتبرعين الخليجيين وصناديق التنمية العربية. وكان المانحون الخليجيون يدرسون اقتراحات لتكليف أطراف خارجية متعاقدة مختصة صرف معوناتهم الثنائية، تشرف على بناء مشاريع بنى تحتية واسعة في اليمن، وكان متوقعاً أن يساهم بعض المتبرعين الخليجيين في صندوق تبرعات جديد متعدد الأطراف تحت إشراف إدارة البنك الدولي. لكن عُلقت كل تلك الخطط في انتظار نتيجة الأزمة.

الأمن الإقليمي
تجسد اثنتان من تحديات اليمن الأمنية الداخلية حالياً – القاعدة في جزيرة العرب وحرب صعدة – مفاهيم دول الخليج عن التهديدات العابرة للحدود الوطنية النابعة من اليمن. وتكشفان أيضاً عن الطبيعة العابرة للحدود للاستجابة لتلك التهديدات، عبر علاقات رسمية بين الدول فيما بينها (دولة إلى دولة) وكذلك من خلال ممارسة الرعاية العابرة للحدود، والتي تغذي شبكات متقاطعة معقدة غير رسمية عديدة المستويات. حيث تلعب المملكة العربية السعودية دورا بارزا في المجالين كلاهما، مساهمة في ظهور روايات محلية متضاربة عن السلطة والشرعية والهوية الدينية، مما يتردد صداه على كلا الجانبين من الحدود.

القاعدة في جزيرة العرب
ظهر في دائرة الضوء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لأول مرة كفرع للقاعدة السعودية منذ سنة 2003، معيداً تركيز الجهاد من العدو «الخارجي» إلى العدو «الداخلي» – أي أسرة آل سعود الحاكمة. وعندما بدأ العنف بإصابة السكان المحليين والمسلمين إضافةً إلى الأهداف الأجنبية، شرعت الحكومة السعودية بالجمع بين وسائل فعالة في الاستخبارات والسيطرة من جهة وبين استخدام شبكات القرابة والقبائل لاستمالة أعضاء تنظيم القاعدة والمتعاطفين معه أو الضغط عليهم من جهة أخرى، مع حملة «قلوب وعقول» حشدت علماء إسلاميين. وكان ضمن هذه الاستراتيجية برنامج ملحوظ جداً تمثل بإعادة دمج لجهاديين سابقين، جمع بين الحوارات الدينية ونشاطات متنوعة لمساعدة أولئك وعائلاتهم. وقد ابتعدت الغالبية العظمى ممن أكملت البرنامج عن الدعم الفعلي للنشاطات العنيفة. واستطاعت الحكومة إلى درجة كبيرة تعرية الشرعية عن أيديولجية الحركة ووسائلها، وساعدها في ذلك نقاد بارزون للحكومة انقلبوا علنا على القاعدة، والتي وجدت بحلول 2005 بأن المساحة المتوفرة لمناوراتها قد قلصت جذرياً.

يرجع وجود القاعدة في اليمن إلى أوائل التسعينات، عندما عاد من أفغانستان مقربون من أسامة بن لادن. وكان تفجير المدمرة الأميركية كول سنة 2000 واحداً من سلسلة هجمات على أهداف أجنبية وحكومية كان أولها هجوماً على أهداف أميركية في عدن سنة 1992. وبعد اجتثاث الطالبان في أفغانستان، انتقل عدد من اليمنيين والسعوديين وشخصيات القاعدة إلى اليمن، حيث قامت حملة أمنية وبرنامج متواضع لنزع الشرعية وإبقاء التهديد محدوداً. وحتى 2006، يظهر أن القاعدة في اليمن لم تضع الحكومة اليمنية على أولوية أهدافها، وبدى نظام الرئيس صالح، خاصةً بعد 2002، متردداً أحياناً في مواجهة النزعة الجهادية مباشرةً ما دام النظام غير مهدد. لكن عوامل عدة غيرت تلك المعادلة. فقد تكثف الضغط الأميركي على الحكومة؛ وازدادت مشاكل اليمن الاقتصادية وحاجته للمعونات؛ وجلبت الهزيمة الناجحة لحملات الجهاديين في العراق والمملكة العربية السعودية سيلاً من المقاتلين إلى اليمن؛ وكان حاسماً هروب 23 من رواد النشطاء الجهاديين من سجن في اليمن، كان العديد منهم قد أطلقوا من سجن جوانتانامو سابقاً ومنهم ناصر الوحيشي، سكرتير ابن لادن سابقاً في أفغانستان.
ومنذ تلك اللحظة، أعادت القاعدة تشكيل نفسها في اليمن. فقد أظهرت سلسلة هجمات 2008 بدء مرحلة جديدة، وأعلنت شهر يناير 2009 عن دمجها بين العمليات السعودية واليمنية تحت اسم القاعدة في جزيرة العرب، وبقيادة ناصر الوحيشي وتعيين السعودي سعيد الشهري نائباً له، وقاسم الريمي، أحد مساعدي ابن لادن اليمنيين، قائداً عسكرياً. وفي رسالة فيديو من القاعدة في جزيرة العرب، أُدين الأمير محمد بن نايف، المسؤول عن الجهود السعودية لمكافحة الإرهاب، وأعلن أن الإطاحة بآل سعود هدف مركزي. وبعد سبعة أشهر نجا الأمير من محاولة اغتيال انتحارية، ولأول مرة ادعت القاعدة في جزيرة العرب مسؤوليتها عن محاولة اغتيال شخص من الأسرة السعودية المالكة.

وتحت قيادة الوحيشي، تبنت القاعدة في جزيرة العرب استراتيجة المواجهة المباشرة مع نظام الرئيس صالح، واستهدفت بنجاح العشرات من ضباط الأمن والاستخبارات. وما زالت تشن ضربات على المصالح الغربية في البلاد، وتجدر الإشارة إلى محاولة قتل دبلوماسيين بريطانيين رفيعين سنة 2010. وادعت القاعدة أيضاً مسؤوليتها عن خطتي تفجير غير ناجحتين للطيران دولي، قنبلة طائرة ديترويت يوم الميلاد 2009 وقنابل الطرود شهر أكتوبر 2010.
وفي حين لا يزال للقاعدة في جزيرة العرب تأييد محدود لدى المجتمع اليمني، فإن مساحة التحرك والتسامح المحلي قد زادا نتيجة محدودية السلطة المركزية والاستياء العام من سياسات النظام وفساده. وقد عدلت القاعدة من وسائلها لتتجنب أخطاء نسختها السعودية السابقة.
وأعلنت وكالة الاستخبارت المركزية سنة 2010 أن تهديد الوطن الأميركي من قبل القاعدة في جزيرة العرب قد فاق تهديد القاعدة في أفغانستان أو باكستان. ورغم قلة عدد نشطاء القاعدة في جزيرة العرب نسبة إلى المشاركين في تمرد شمال اليمن وحركة الانفصال الجنوبية، لكن منهم عدد قليل من المسلمين المولودين في الغرب ومعتنقي الإسلام، استدرجوا جزئياً من قبل الشيخ الأميركي اليمني أنور العولقي. وكذلك تنتج القاعدة في جزيرة العرب دعاية متطورة باللغة الإنكليزية تستهدف القراء البريطانيين والأميركيين، مشجعة على هجمات صغيرة الحجم ومنخفضة التقنية في الغرب.
قدمت الولايات المتحدة 150 مليون دولار من المعونات العسكرية إلى اليمن خلال سنة 2010، رافقها «حشد كبير من الأصول الاستخبارية والقاتلة». وقبل التحول المتأخر لسياسة واشنطن في أبريل 2011 من خلال دعوتها الرئيس صالح إلى التنحي، كان المبلغ في طريقه إلى الارتفاع إلى 250 مليون دولار سنة 2011. وقد وجهت المساعدة الأمنية إلى وحدات النخبة تحت قيادة ابن صالح أحمد وثلاثة من أبناء إخوته، طارق ويحيى وعمار. وتمركز مدربون عسكريون بريطانيون وأميركيون في صنعاء وفي أربعة معسكرات إقليمية لمكافحة الإرهاب، وساعدت قيادة العمليات الخاصة المشتركة الأميركية، على الأقل حتى تحول السياسة الأميركية، في عمليات التخطيط مع الجنود اليمنيين.

حاول الرئيس صالح مراراً التقليل من مدى الدعم الأميركي، لكن كُشفت موافقته على استخدام صواريخ كروز أميركية لضرب القاعدة في جزيرة العرب في برقية دبلوماسية للخارجية الأميركية نشرتها ويكيليكس، ناقلة عنه قوله للجنرال ديفيد بتريوس في يناير 2010: «سنستمر في القول إن القنابل قنابلنا، وليست قنابلكم». وبعد أشهر قليلة أوقفت الضربات الصاروخية، عقب ضربة خاطئة على نائب محافظ مأرب. وفي خريف 2010، نشرت الولايات المتحدة طائرات بريداتور بلا طيار لمطاردة نشطاء القاعدة، وقتلت ضربة بتاريخ 5 مايو أخوين في محافظة شبوة، لكن قيادة الجماعة ما زالت سليمة. أنشأ رؤساء المخابرات السعودية «شبكات تنصت إلكتروني وجواسيس» خاصة بهم لاختراق القاعدة في جزيرة العرب، مع الاعتماد على الإجراءات التقليدية من الرعاية القبلية لتشجيع شيوخ اليمن على «طرد المتطرفين».
ورغم التركيز العلني على التعاون الجيد مع صنعاء في مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية، فقد كان هناك استياء متزايد في الرياض، ففي حلول 2010 استنتج رؤساء مكافحة التمرد والاستبخارات السعودية أن جهاز الأمن السياسي اليمني كان «مخترقاً».
إن النجاح السعودي الأكبر لليوم في مكافحة الإرهاب كان وفق ما ادعي بلاغاً من المواطن السعودي جابر الفيفي. وهو معتقل سابق في سجن جوانتانامو وخريج مركز «محمد بن نايف للرعاية والمناصحة»، وكان قد استسلم للسلطات السعودية (أو سُلم إليها بعد اعتقاله في اليمن) بعد مدة قضاها في شبكة القاعدة في جزيرة العرب. ومكنت المعلومات التي قدمها كما ادعي السعوديين من تنبيه الولايات المتحدة عن خطة قنابل الطرود في أكتوبر 2010. وقبل ذلك في 2010، نجح المخبرون السعوديون حيث فشل جهاز الأمن السياسي اليمني، وأفرجوا بالتفاوض عن طفلتين ألمانيتين أُسرتا لمدة سنة في محافظة صعدة الحدودية.

حرب صعدة
كان إقليم صعدة مقرا هاما لإمام اليمن الأخير خلال الحرب الأهلية 1962 - 1967. وبعد هزيمة الإمام، شرعت الحكومة السعودية بإنشاء شبكة من المدارس الدينية في جميع أنحاء شمال اليمن وأصبحت السلفية المدعومة سعودياً «قوة محلية معتبرة، تنافس الهويات التقليدية». ولعب الشيخ مقبل الوادعي، الذي درس في المملكة العربية السعودية، دورا بارزاً في نشر السلفية باليمن. وهو زيدي اعتنق السلفية، وأسس مدرسة لها اسمها دار الحديث في قرية دمج قرب الحدود السعودية. فرأى الزيديون تأسيس تلك المدرسة وانتشار مدارس سلفية أخرى على أنه «محاولة لإضعاف التأثير الزيدي الاجتماعي والسياسي»، وردوا بتأسيس جمعيتهم التعليمية الخاصة بهم، «الشباب المؤمن» وأدى ارتفاع التوتر بين الطائفتين الدينيتين، والذي تشابك مع السياسة المحلية والإقليمية والدولية، إلى بدء الصراع العسكري بين القوات الحكومية وأتباع قائد زيدي محلي سنة 2004.
تقود أسرة الحوثي المتمردين، وهم متهمون بالسعي لإحلال الإمامة مكان الجمهورية. وهذا ما ينفيه الحوثيون، والذين اتهموا نظام الرئيس صالح بالفساد والقرب الشديد من الولايات المتحدة والاصطفاف لأسباب سياسية مع السلفية الوهابية ضد المجتمع المحلي وتقاليده. بدأت الصدامات بين المتمردين والجيش بعد مظاهرات خارج الجامع الكبير بصنعاء سنة 2004، عندما ردد المصلون الزيديون عقب صلاة الجمعة شعارات معادية لأميركا.
وأشعلت شرارة القتال الأولى محاولةُ قوات الأمن القبض على الزعيم حسين الحوثي في محافظة صعدة. ونمى التمرد التالي الصغير الحجم تدريجياً إلى صراع متقلب، واعتقل الآلاف من الحوثيين المشتبه بهم أو اختفوا. وفي سنة 2007، شرعت قطر بالتوسط في اتفاقية سلام لكن انهار اتفاق وقف إطلاق النار في السنة التالية، لتعقبه نوبتان من القتال. وفي أواخر 2009، وسع الحوثيون تمردهم إلى داخل الأرض السعودية وقتلوا حارس حدود، مبررين أفعالهم بأن المملكة العربية السعودية كانت تسمح للجيش اليمني بشن هجمات من أرضها. وردت المملكة بنشر قوات أرضية وجوية تحت قيادة مساعد وزير الدفاع والطيران الأمير خالد بن سلطان. وقدمت أهداف لعمليات القوات الجوية الملكية السعودية من قبل اليمن إلى مجلس عسكري يمني سعودي مختص، ترأسه الأمير خالد.
وناقضت مصادر غربية إدعاءات الإعلام السعودي بأن نشاطات الأمير خالد العسكرية «لم تعبر إلى الأراضي اليمنية». وقد زودت فرنسا والولايات المتحدة السعوديين بصور أقمار صناعية لتحسين دقة الضربات الجوية، ظاهرياً لتجنب الضحايا المدنيين؛ وزودت الولايات المتحدة كذلك «إمدادات ذخيرة». وفي اجتماع بتاريخ 6 فبراير 2010، أخبر خالد سفير الولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية أنه كان على القوات السعودية ضرب الحوثيين «بشدة قوية من أجل ‘إركاعهم' وإجبارهم على التوصل إلى تفاهم مع الحكومة اليمنية» وأقر بأن القوات السعودية تكبدت «130 قتيلاً وخسر اليمنيون ما يصل إلى ألف» لكنه قال إنه يتوقع اتفاق سلام «في غضون أسبوع». وبعد عشرة أيام أعلن عن وقف إطلاق النار.
هناك روايات متناقضة عن التدخل السعودي. فيتفق بعض المحللين الغربيين مع حجة الحوثيين بأن السعوديين استخدموا خرق حدودهم كذريعة لمساعدة الجيش اليمني، والذي كان يكافح للتغلب على المتمردين. ويعتقد العديد من محللي السياسة اليمنية وبعض مراقبي السعودية بأن حملة الأمير خالد «كانت سيئة التنظيم والتنفيذ». حيث ينظر إلى معدل القتلى العالي بين الجنود السعوديين – ومنهم «العديد من نيران صديقة كما يبدو» – على أنه محرج، خصوصاً بعد نشر السعودية «قوة ضخمة جداً نسبياً» ضد «متمردين حوثيين خفيفي التسليح». وشكلت فيديوهات الحوثيين عن الجنود السعوديين المأسورين أزمة علاقات عامة، ونقل غضب الملك عبد الله لأن الجيش فشل في إثبات أنه «أكثر قدرة، نظراً للمليارات المستثمرة في التحديث» ويقترح البعض أن العملية ارتبطت جزئياً بالسياسة السعودية الداخلية و «إعادة تأهيل» الأمير خالد في ضوء مرض أبيه وانتقال جيل السلطة المقبل. ومن المدهش حقاً أن وزارة الداخلية، والمسؤولة عن الأمن واليمن، لم تشارك.

ومع ذلك، تمتعت الحملة بدعم شعبي هام في المملكة العربية السعودية و«حاكها» الإعلام على أنها «نضال بطولي ناجح لحماية السيادة السعودية» وينبع بعض الرضى من حقيقة عدم حدوث أي توغلات منذ التدخل، وأن المملكة العربية السعودية قد استطاعت الاستفادة من الحدث بتأمين وحماية منطقتها الحدودية. فهناك الآن مجمع عسكري شبه دائم حول مدينة نجران السعودية الجنوبية. وقد أخليت نحو 80 قرية حدودية وأسكن القرويون في عشرة آلاف وحدة سكنية بنيت لهذا الغرض. وقد ظهرت تحسينات أمنية مرئية، شملت السواتر الترابية والأسلاك الشائكة والأضواء الكاشفة والكاميرات الحرارية. وتخدم هذه الإجراءات هدف السعودية الطويل الأمد في احتواء القاعدة في جزيرة العرب، كما تحد سريان المخدرات والأسلحة والمهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود.

وادعى أحد المحللين السعوديين أن نشر العسكر ضد الحوثيين أرسل «رسالة إلى منافسنا الاستراتيجي إيران». ويزعم بعض السعوديين بأن الحوثيين يحاولون تقريب الزيدية من الشيعة الاثني عشرية، بدعم من رجال الدين الإيرانيين. ومنذ 2007، قام الرئيس صالح بدوره في تأجيج تلك المزاعم. وقال دبلوماسيون غربيون بعدم وجود دليل عن أي تدخل إيراني في الصراع، وأن أعضاء من المكتب السعودي الخاص لشؤون اليمن لاحظوا لمحاوريهم الأميركيين بأنهم يعلمون تضخيم صالح لمشاركتم. ورغم ذلك، ففي الأشهر السابقة لوقف إطلاق النار سنة 2010، ادعت حكومة غربية واحدة على الأقل رؤية بوادر أدلة على النشاط الإيراني في صعدة.
وسنة 2010، استأنفت قطر توسطها بين الحوثيين وبين الحكومة اليمنية، وسعت للمساعدة في تنفيذ شروط وقف إطلاق النار. وأفرج عن مئات السجناء الحوثيين، لكن الرئيس صالح عرقل جهود إعادة الإعمار من خلال تردده في الموافقة على مبالغ مالية ضخمة مخصصة إلى المنطقة والسماح للوكالات الإنسانية بالوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وفي مارس 2011، عقب انشقاق اللواء علي محسن وسحب الجنود من صعدة، طغت الأحداث على وقف إطلاق النار، تاركة السيطرة للحوثيين وحلفائهم.
يقول الحوثيون بأن نفوذهم يمتد الآن عبر منطقة «بحجم لبنان»، تشمل محافظات صعدة وحجة وعمران والجوف، حيث يدعون في مناطق معينة أنهم يقدمون خدمات وأشكال العدالة المجتمعية. وتشير المصادر الحوثية إلى حالة الأمر الواقع من الحكم الذاتي هذه على أنها استثنائية، قائلين إنهم يسعون في نهاية المطاف إلى سلطات إدارية إقليمية قائمة بحد ذاتها تحت قيادة دولة شرعية إصلاحية. وبينما يبقى لدى النخب السعودية قلق من أيديولوجية التطرف لبعض العناصر الحوثية، يظل الهدف الرئيسي لهم احتواء الصراع وتأمين سلامة وأمن الحدود. إن نتيجة صراع صعدة مرتبط في نهاية المطاف بالانتقال السياسي الحالي والعملية الطويلة الأجل لصياغة تسوية سياسية احتوائية مستقرة في اليمن.

استنتاج
إن المجتمع الدولي ودول مجلس التعاون الخليجي متحدين إزاء ضرورة إدارة انتقال السلطة في اليمن. لكن المأزق الراهن يكشف عن محدودية قدرة مجلس التعاون الخليجي في التفاوض على الانتقال، وعقب ذلك، فرض تنفيذ أي اتفاق. وعلاوةً على ذلك، فإن غياب المحتجين الشعبيين المؤيدين للديمقراطية من المفاوضات يحد من دورهم في صوغ الإدارة الجديدة. ونظرا إلى تعزز احتجاجات الشارع بسبب الشكاوى الشعبية من الفساد والاستبعاد السياسي واحتمال الحصانة للرئيس صالح، يرجح أن إعادة ترتيب النخب الراسخة عند قمة النظام ستثير مزيداً من الصعوبات في الأجل المتوسط – حتى لو برهنت إمكانية احتواء غضب المحتجين ومنع العنف المستمر من قبل قوات الأمن بقيادة ابن وأبناء إخوة الرئيس صالح خلال عملية الانتقال.
وفي الوقت نفسه، فإن وظائف الحكومة مشلولة وأسعار السلع في ارتفاع وخطر الصراع بين الفصائل العسكرية المتنافسة يظل مرتفعاً. وهناك مجال مهم لدول مجلس التعاون الخليجي لزيادة معوناتها الإنسانية ولعب دور أبرز ضمن “نظام مجموعة” الأمم المتحدة للاستجابات الطارئة. فمعونات تنموية منسقة توجه إلى استخدامات مرئية شفافة يمكن أن تتم فقط في ظل هيكل سياسي جديد، لكن يرجح أن يواجه الممارسون تحديات معروفة، بما فيها ضعف القدرة داخل الخدمة الاجتماعية لليمن والخلافات على الأولويات الفورية.
إن الفجوة بين الأهداف بعيدة الأجل “للنهج الشامل” وأسبقية الضرورات الأمنية الخارجية قصيرة الأجل – وليست القاعدة في جزيرة العرب أقلها – ستستمر في التأثير على آليات السياسة الداخلية اليمنية وتهدد آمال أي استقرار مستقبلي. وفي هذا السياق، فقد يجدر استكشاف الفوائد النسبية لتنوع نهج عمليات مكافحة الإرهاب الغربية من جهة وتلك التابعة لمجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.