كم هو رائع أن نشارك في صناعة التاريخ ونسطر بعض سطوره، وكم نحن محظوظون بمعاصرتنا لهذه الثورات التي توحدت فيها الأمة العربية في جملة واحدة "الشعب يريد إسقاط النظام". أشعر بفخر كبير بمشاركتي في هذه الثورة اليمنية العظيمة وأشفق على من اختار أن يكون من الفئة الصامتة -ولم يخرج من صمته بعد- أو الطرف الآخر المؤيد للنظام وهو لا يدرك أنه يساهم في تشويه بعض سطور ذلك التاريخ. كثيراً ما تثار تساؤلات عن أسباب تأخر الثورة اليمنية، ووقفنا عندها في الكثير من المحاضرات وحلقات النقاش في الساحات وخارج الساحات، والتي من أسبابها موقف وتكوين الجيش اليمني، والوعي المجتمعي، وغياب عنصر المفاجأة والتدخل الأجنبي...... وغيرها من الأسباب. وهنا سأقف قليلا عند واحد من الأسباب وهو التدخل الأجنبي (السعودي والأمريكي) والذي جاء للأسف مخيباً للآمال وجعلنا نواجه في وقت مبكر ثورة مضادة بقيادة غير الشقيقة السعودية ومن تسمى بالصديقة أميركا. وخرجنا –وما زلنا- في مسيرات ورفعنا الشعارات في معظم المحافظات رافضين هذه التدخلات ولكن...هل هذه المسيرات كافية؟ ولماذا لا تكون هناك أساليب أخرى نعبر بها عن رفضنا لهذه التدخلات؟ أفكر في أساليب قد تكون عواقبها وخيمة وقد لا يوافقني الكثير عليها، ولكنها دعوة للتفكير في استحداث أساليب نعبر بها عن رفضنا لهذه التدخلات ووضع حد لذلك. فلماذا لا يتم تنفيذ اعتصامات أمام السفارتين السعودية والأمريكية، أو نقوم بمقاطعة المنتجات السعودية والأمريكية وهنا قد نتضرر خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الذي نعيشه الآن، وقد لا نؤثر عليهم نهائياً بالقدر الذي سنتأثر فيه نحن، ولكنه يظل موقفاً للتعبير. وهناك دعوة من صديقتي لجميع اليمنيين بعدم تأدية مناسك العمرة لهذا العام، وهذا أيضاً... يعتبر موقفاً للتعبير. ولماذا لا نرفض كشباب ومنظمات مجتمع مدني الدعم المادي المقدم من الولاياتالمتحدةالأمريكية والذي يشكل في اعتقادي أكثر من 90% من الدعم المقدم خاصة للمنظمات، ونقف وقفة جادة لرفض هذا الدعم والذي ينفق بآلاف الدولارات لتمثل فيه أميركا دور الأم الحنون الحريصة على صحة أطفال اليمن والتقليل من وفياتهم ووقف المتاجرة بهم، والحفاظ على الحقوق والحريات والديمقراطية والجندر..و..و.. الخ. ومن وراء الكواليس تنفق ملايين الدولارات لتخترق أجواءنا وتزكم أنوفنا وصدورنا بغازاتها السامة بحجة مكافحة الإرهاب. الزائر للولايات المتحدةالأمريكية يتعرف عن قرب على النظام الفيدرالي، ويقف متعجباً كيف أن لكل ولاية خصوصية ولا يحق لأحد من خارجها التدخل في شؤونها، حتى أن ما يُجرَّم في ولاية لا يعتبر جريمة ولا يعاقب على فعله في ولاية أخرى، فكيف لا يمتلكون الحق في التدخل في ولاياتهم ويعبرون القارات ليحشروا أنوفهم في اليمن.. وثورة اليمن. وجميعنا نعلم أنها- فقط - مصالحهم هي من تحركهم.. ولكن يجب هنا أن لا نلقي باللوم على من يسعى وراء مصالحه.. ولكن اللوم كل اللوم على من يفرط أساساً في مصالحه. أيضاً على مستوى الأشخاص يجب أن تكون لنا مواقف معبره عن رفضنا للتدخلات، وهنا أحيي أستاذتي القديرة حورية مشهور وأضم صوتي لصوتها واعتذارها عن قبول دعوة غداء في السفارة الأمريكية في يوم استقلالهم في 4 يوليو، ولن أقول أن حضرة السفير لن يهنأ وجبته نظراً لغيابي عن المائدة، ولكن يكفي أن نعبر كأفراد عن موقفنا، مع العلم أني كنت ومنذ بداية الثورة حريصة كل الحرص ومع غيري من الشباب على مقابلة السفير وموظفيه في السفارة ليسمعوا من أكثر من شخص وفي أكثر من محفل برفضنا لموقفهم تجاه ثورتنا، ولكن حان الوقت الآن ليكون لنا دور كأفراد في تبني أساليب للتعبير عن موقفنا من تدخلاتهم. فهنيئاً لهم غداؤهم وهنيئا لهم استقلالهم.. وليتركونا نهنأ بثورتنا.. أخيراً.. تحية حارة لكل الشباب المرابطين في الساحات، بحرارة النيران التي أضرمت في أجساد شبابنا بتعز، لتصل شرارتها وتحرق وجهاً قد ينجح الأطباء في تجميله.. ولكن يقف الجميع عاجزاً أمام "تشوه تاريخي".... اللهم لا شماتة!