ثمة أخبار في رمضان تقدم لك مائدة إفطار من الشتائم في عز النهار.. تأتيك بالشياطين ولو مكبلين يتقافزون من حولك ويضحكون في وجهك قائلين: اذهب أنت وكل الكتاب إلى الجحيم..! أبدأ الكتابة بالشياطين وأسأل الله المغفرة، ومن القارئ الاعتذار.. فقد كنت أقول إن البؤساء في هذه البلاد يحتاجون إلى من يلفت الانتباه إليهم، ومنهم أصحاب بسطات في صنعاء يرقدون في المستشفيات الآن بسبب أن الحكومة قررت أن تبدأ من شارع هائل في تطبيق النظام الغائب في كل البلاد، وبالتحديد من عند الشرعبي الذي يرقد في المستشفى الآن بعمود فقري مكسور، لأنه قرر أن ينزل إلى الشارع ويطلب الله فانهال عليه العسكر ضرباً بأعقاب البنادق.
كنت أقول إن هؤلاء بحاجة لمن يكتب عنهم، لمن يقف إلى جوارهم ولو بالكتابة. أًصحابنا الكتّاب المنشغلون بالحرب الطازجة في صعدة لن يضيرهم لو تخلوا لفترة مؤقتة عن الانشغال بالهموم الكبرى للوطن وانتبهو للهموم الصغرى المزروعة في صدر كل إنسان يبحث عن طريقة لتوفير الأمان وجلب القوت لأطفاله دون أن يمد يده، أو يقف في طابور الجمعيات الخيرية.
غير أنني تذكرت أننا أحياناً نكتب لقارئ مثلنا، لا حول له ولا قوة، ولا أحد في هذه السلطة يكترث لهؤلاء الناس أو للكتابات التي تتحدث عنهم. أتذكر هذا فتقفز إلى رأسي آلاف الشتائم أستغفر الله وأكاد أفطر قبل أذان العصر فاستعيذ من الشيطان الذي يضحك في وجهي وأدعو للجميع بالصبر..
حتى وإن شتمنا وصرخنا وقلنا "اتقوا الله في الناس"، "يا سقط عيب عليكم"، لن يجدي ذلك، هذه الحكومة كما يردد جدي "مكسورة ناموس" ولديها استعداد لسرقة لقمة الناس المساكين من أفواههم، أحياناً لا تحتاج للسرقة، هي تمارس مثل هذا الفجور عيني عينك وفي عز النهار بحجة القانون، بحجة المظهر العام. ألا يفكر هؤلاء الناس في مظهر الأب الذي يعود إلى أسرته خالي الوفاض إلا من الدمع والقهر، والسبب أن رأس ماله تناثر فوق الرصيف وعلى الشارع، بأوامر من الحكومة التي يفترض بها حمايته ومساعدته على ما يعينه على إعالة أهله!
أرجوكم لا أحد يقول لي قانون، القانون في صنعاء ليس أكثر من كلام ممل وكريه ويأتي بعسر الهضم والفهم أيضاً؛ يسرح الفساد ويمرح في كل البلاد، بمثل هذه القوانين. دعوا الحديث عن هذا القانون حين تتحدثون عن انتهاك قانون الله: "ولقد كرمنا بني آدم". العدل لا يأتي من الكلام المكتوب في تشريعات الدولة، يأتي أولاً وقبل كل شيئ من احترام حقوق الناس وحفظ كرامتهم.
في هذه البلاد يتخفى الفساد كثيراً خلف هذه القوانين، بل تتحول القوانين إلى رأس مال للمفسدين، ويعرف القارئ كيف يحدث ذلك.. يغادر رجل البلدية منزله في الصباح وكذلك يفعل صاحب البسطة، وفي نية كل واحد منهما طلبة الله، الفرق بينهما اختلاف الوسيلة فقط ، فصاحب البسطة لديه بضاعته، ورجل البلديه لديه القانون الذي سيطلب الله به.. ومثله كل العسكر تقريباً، هم يذهبون في أغلب الأوقات ليساوموا الناس على المبلغ الذي سيدفعونه مقابل كف الأذى عنهم، أما القانون الذين ينادون به فلا علاقة لهم به.
مظهر البلاد في زواياها الأربع لا يسر الصاحب ولا العدو أيضاَ، والخبرة في شارع هائل يطلقوا الرصاص على الناس بحجة المظهر العام، وينهب الفساد مليارات الريالات من خزينة الحكومة بالحجة ذاتها: المظهر العام. ومن يريد أن يعرف أكثر عليه التأكد من المبالغ الخرافية التي أنفقت على بوابات بعض المؤسسات الحكومية ومكاتب الوزراء بحجة المظهر العام.
مهتمون بالمظهر العام.. يا إلهي! يذهب العسكر لتحسين صورة البلاد في شارع هائل وينسون أن البلاد كلها عليلة ومغبرة وبائسة وسيل الدم لا ينقطع.. من يحاسب إذن الذين شوهوا المنظر العام لبلاد السعيدة؟ المشاهد العربي وغيره لم يعد يفرق بين الصور التي تأتيه من مقديشو أو من صعدة، صور اليمن واليمنيين التي تتناقلها الفضائيات العربية وغير العربية، كالحة السواد، ودخان البارود والرصاص يمتد من الجنوب إلى الشمال.. ومآسي الناس الذين يطحنهم الفقر تستعرض نفسها بأيدي رجال ونساء يمنيين يتسولون في كل دول الخليج، ثم بعد هذا يذهب العسكر في بلادي لتحسين صورة البلاد في شارع هائل.. يا قلة الحياء!
بالمناسبة الصور الجميلة والوحيدة التي تبهج القلب وتسر العين تأتي من الطبيعة الجميلة في بلادي، وليس في هذه للحكومة فضل ولا منة، هذه أشياء من عند الباري، شاهدوا مثلاً البرنامج الناجح فرسان الميدان على قناة السعيدة.. ثمة أشياء عديدة وجميلة في هذه البلاد يمكن الحديث عنها والتغني بها، لا أحد يستطيع مقاومة الرغبة في الحديث عن الأشياء التي تبهج وتسر، لكن يشعر المرء أنها تفقد طعمها حين تحيط بك المرارة من كل الجانب، وتتلفت عن معين ثم لا تجد.
أصحابنا المساكين في شارع هائل ذهبوا يبحثون عن معين بطريقة عصرية: مظاهرة احتجاج لفوا بها بعض الشوارع، ولم يجدوا من يسمع لهم، حتى عند أولاد الشيخ الراحل عبد الله بن حسين الأحمر.. وكأنه لا يوجد في هذه البلاد من يساعدهم على حل مشكلتهم، أخشى أن أقول إنهم لا يجدون من يساعدهم لأنهم من شرعب ووصاب وعتمة.. ولا يجيدون حمل السلاح وليس لهم تجارب في الخطف تساعدهم على تحقيق مطالبهم.
يا بسطاء الأرض لكم الله، فالناس في هذه البلاد مشغولين بما يعتبرونه أهم وأدهى، وأنا مشغول بكم وأجد نفسي إلى جواركم، أنا أصلاً من وصاب، وأشعر إني" أبسط " بالكلمات إلى جواركم دون أن يشتري مني أحد شيئاً يسارع به إلى عونكم.