إن علاقة الجوار بين الدول الشقيقة ليست علاقة قائمة بين أنظمة الحكم فيها فحسب بل هي علاقة - بالدرجة الأولى - بين الشعوب المتجاورة فالأنظمة تزول وتتقلب وتتغير ولكن الشعوب هي الباقية وهي صاحبة المصلحة الأولى وهي من تستحق الإهتمام والمراعاة لضمان خلق علاقة وطيدة مثمرة ومصيرية تحقق نوعا من التعاون والتكامل والتعاضد. وبالنظر إلى ما سبق وفي ضوء أحداث الثورة الشيابية في اليمن وما صاحب ذلك من تدخل دول الخليخ وخاصة الشقيقة السعودية، أستطيع أن أجزم أن السياسة الإقليمية للعربية السعودية غير موفقة وهي بالية وقديمة قدم وزير خارجيتها وأن تفكير الساسة السعوديين لم يتطور ولم يرتق إلى مستوى يليق بمكانة المملكة، كما أن قراءة الساسة السعوديين للواقع اليمني متخبط وغير بريء بل وغير حصيف إلى درجة كبيرة، وسأوضح ذلك من خلال النقاط التالية: تعرف السعودية - أكثر من غيرها - فضاعة وفساد نظام الحكم في اليمن وخطره على أمن السعودية وعلى مصير علاقة الشعبين الشقيقين، فحروب شمال اليمن في صعدة وتوريط السعودية في تلك المواجهات وتضخيم النظام للخطر الحوثي من أجل تحقيق مكاسب مادية وابتزازالسعودية إضافة إلى عجز النظام عن توقيف ومعالجة تدفق المغتربين اليمنيين إلى السعودية ومخاطر تهريب السلاح وتنامي خطر القاعدة ...كل هذه الأمور وغيرها توجب على الأشقاء في المملكة دعم أي توجه لتغيير هذا النظام أو على الأقل إتخاذ موقف الحياد تجاه ما يجري في اليمن حاليا.
ولكن الغريب في الأمر والمؤسف هو انحياز السياسة السعودية الواضح لنظام صالح الفاسد المنتهية صلاحيته وشعبيته، فقد دعمت السعودية النظام بكل السبل على حساب الشعب اليمني ومارست كل الضغوط في كل الإتجاهات للحفاظ هلى ماء وجه النظام مما تسبب في زيادة معاناة اليمنيين وسفك دمائهم نظراً لما يقوم به ما تبقى من النظام من حرب شرسة على الشعب وقطع كل الخدمات والتضييق على اليمنيين في أرزاقهم ومعيشتهم، ولم يكن ذلك ليحدث لولا الغطاء والدعم السعودي (المادي والسياسي) الذي أطال أمد هذا النظام المهترئ والذي غضب الله عليه من السماء فدمر كل أركانه وأحرقهم – ولا شماتة في ذلك – فهذه هي الحقيقة، فقد أحرق نظام صالح عددا كبيرا من اليمنيين وكان آخرذلك محرقة ساحة الحرية في مدينة تعز وإحراق المعاقين وذوي الإحتياجات الخاصة داخل الخيام أثناء مداهمة قوات النظام ليلا وجرفهم بالغرافات، كما أن هذا النظام قد قضى على الأخضر واليابس وأهلك الحرث والنسل في البلاد وسفك دماء اليمنيين واستخف بها واسترخصها، وشاءت الإرادة الإلهية أن تتدخل طالما وأن الإخوة والأشقاء يشاهدون هذه المآسي والجرائم ولا يحركون ساكناً وكأن دماء اليمنيين رخيصة لا تستحق الإهتمام ولا تعنيهم.
ومع تقديرنا لدعم السعودية لليمن على مدار العقود الماضية ، فإن مكرمة السعودية الأخيرة المتمثلة في تقديم 3 مليون برميل نفط لليمن كانت مكرمة للنظام ولنجل الرئيس صالح وفلول نظامه والذين استولوا على النفط ووزعوه بين أنصارهم واستفادوا منه لشن حرب شرسة على اليمنيين في تعز وأرحب وأبين...ولم يصل من هذا النفط أية كمية للمواطن العادي بل أن أسعار البنزين ارتفعت بشكل جنوني في السوق السوداء التابعة للنظام وفلوله عقب الإعلان عن المكرمة.
لقد استعدت السعودية بموقفها الداعم لنظام صالح كل نخب الشعب اليمني – العلماء والمفكرين والسياسيين والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وعامة الشعب – وهذا الإستعداء للشعب اليمني لابد أنه سينعكس سلبيا على مستقبل العلاقة بين الشعبين الشقيقين على الرغم من رقة وطيبة قلوب اليمنيين ومشاعرهم الطيبة تجاه إخوانهم في السعودية ، فهلا راجعت السعودية موقفها من استعداء الشعب اليمني !؟، فالأيام دول والمواقف لها تبعاتها. لقد نسي اليمنيون الموقف السعودي السلبي في الستينيات تجاه الثورة اليمنية ضد النظام الإمامي وتأخر اعترافها بالدولة اليمنية لسنوات بل إنها دعمت للملكيين آنذاك و تسبب ذلك في سفك الكثير من دماء اليمنيين .
ولكن التاريخ – أيها الأشقاء- قد تغير ويمن اليوم ليس يمن الستينيات، فنحن نعيش في القرن الواحد والعشرين والشعب اليمني يمتلك اليوم قدراً كبيراً من الوعي والإدراك ويستطيع أن يحقق أهدافه بصموده وصبره وبإمكاناته التي لا ينبغي الإستهانة بها، وهو – اي الشعب اليمني- يعرف تماماً ما يحاك ضده وسيأتي اليوم الذي يقول الشعب اليمني كلمته تجاه كل من وقف في صف الإستبداد والظلم في اليمن. ولا تزال الفرصة قائمة أمام الإخوة الإشقاء في السعودية في تدارك ما يمكن تداركه من خلال إتخاذ موقف مشرف في حل المشكلة اليمنية والوقوف بجانب الشعب والثورة وعدم الخوف منها فلا يمكن للثورة اليمنية أن تشكل خطراً على أشقائنا، بل إنها ستكون سياجاً لهم ومصدر خير خصوصاً وأن الشعب السعودي ينعم بحقوق وحريات كثيرة ولم يقاس ما قاساه الشعب اليمني من ظلم وحرمان واستبداد مع أن اليمن فيها من الموارد والخيرات الكثير والتي يمكن أن تجعل الشعب اليمني يعيش بكرامة ورفاهية دونما حاجة لأي دعم خارجي. أيها الأشقاء، إن مصالحكم الإستراتيجية هي مع الشعب اليمني وليست مع نظام مهترئ وفاسد، وإن المصالح المتشابكة بين اليمن والسعودية والمتمثلة بمسألة الحدود والنفط ومكافحة الإرهاب وغير ذلك يمكن حلها بطرق عادلة ونظيفة مع الدولة اليمنية الحديثة القادمة - لامحالة - والتي لا يمكن أن تشكل أي خطر على الشقيقة السعودية، كما أننا كيمنيين لايمكن أن ننسى فضل السعودية علي الشعب اليمني حيث ما فتئت تقد الدعم المتواصل والسخي خلال العقود الماضية في جوانب التنمية المختلفة، فاليمن والمملكة تربطهما وشائج قوية ومصالح استراتيجية تكاملية - وقبل ذلك والأهم منه - ان البلدين تربطهما وشائج الدين والجوار واالتأريخ المشترك بحيث يتوجب عليهما العمل بجد وصدق على تعزيز الروابط وتحقيق التكامل والتعاون القائم على الإحترام المتبادل وعدم التدخل أو الوصاية ، فهذا هو السبيل الوحيد لبناء مستقبل زاهر للعلاقات اليمنية السعودية، ليست بين نظامي الحكم فحسب بل بين الشعبين الشقيقين.