سيحل رمضان واليمنيون المعارضون لنظام الرئيس علي عبدالله صالح ما يزالون يواصلون ثورتهم السلمية تحت ظروف حياتية قاسية يصفونها بأنها «عقاب جماعي» يمارسه عليهم النظام. في هذا التقرير نحاول التعرف على الظروف الاسثنائية لرمضان هذا العام. يبدأ الاستعداد في اليمن مبكرا لاستقبال شهر رمضان فتكتظ الأسواق بالباحثين عن احتياجات الشهر الفضيل، غير أن هذا العام يبدو مختلفا، فالأسواق ومحلات بيع البهارات والمواد الغذائية تبدو شبه خالية إلا من القليل، إذ يأتي رمضان في ظل ظروف استثنائية تميزها فعاليات الثورة السلمية المستمرة، فيما نظام الرئيس صالح لا يأبه بالمطالب الشعبية. يترافق هذا مع انقطاع الكهرباء والمياه عن المنازل، واختفاء غاز الطبخ المنزلي، وظهوره بالسوق السوداء بأسعار تفوق سعره الرسمي.
قدوم رمضان يضاعف الأسعار يتفاوت سعر أسطوانة الغاز مابين 4.58 $ و16.67 $ .هذا ما أكده الموظف في إحدى شركات التأمين حافظ الباقري، الذي قال: «استطعت الحصول على أسطوانتي غاز ب8000 ريال». وتشهد الأسواق اليمنية ارتفاعا كبيرا للأسعار حيث يتداول الناس أخبارا عن ارتفاع سعر صفيحة البنزين سعة عشرين لتراً إلى 3500 بدلاً عن 1500، واتضح فيما بعد أن البنزين المتوفر في الأسواق هو نوع خالٍ من الرصاص، ويختلف سعره عن البنزين المحلي الذي يحوي شوائب. وتبعا لذلك ارتفعت أسعار المواد الأخرى، الأمر الذي أثر على القدرة الشرائية للناس. ويشكو التجار من تراجع قيمة مبيعاتهم هذا العام بنسبة تتراوح ما بين 70 – 80%،عن العام الماضي. ويقول محمد قاسم وهو بائع تمور بسوق الملح «تراجعت مبيعاتنا هذا العام بنسبة 70%»، عازيا ذلك إلى عدم الاستجابة لمطالب الثورة السلمية وفقدان الكثير من المواطنين لمصادر الدخل. حيث قام القطاع الاقتصادي بالاستغناء عن بعض العاملين وتخفيض رواتب البعض الآخر. أما أحمد الخولاني، بائع زبيب ومكسرات بسوق الملح، قال «انخفضت مبيعاتنا هذا العام بنسبة تزيد عن 80%» مشيرا إلى أن الاضطرابات السياسية التي أثرت على الحركة السياحية، والزيارات الصيفية للمهاجرين اليمنيين في دول الخليج، لعبت دورا فعالا في ذلك.
صيام وفعاليات ثورية في رمضان رغم الظروف المعيشية وما يسمى «العقاب الجماعي» المتمثل في الحرمان من الخدمات الأساسية كقطع الكهرباء والمياه عن المنازل وفصل البعض من أعمالهم وقصف الأحياء السكنية في المدن والقرى، يصر اليمنيون على استمرار ثورتهم السلمية أثناء الشهر الفضيل. إذ أعلنت المكونات الثورية عن تواصل فعالياتها السلمية. وأعلنت اللجنة التنظيمية للثورة عن برنامج «إفطار الصائم الثائر». ودعت إلى دعم البرنامج أثناء صلاة جمعة «رفض العقاب» قبل أسبوع، وبلغت التبرعات الأولية مليون وستمائة ألف ريال يمني.
أنشطة متنوعة لإحياء الساحات في ساحة التغيير بصنعاء، حيث أكبر ساحة يعتصم فيها الآلاف منذ شهور، يتنافس شباب الثورة على تقديم كل ما هو جديد لإعادة روح الحركة والتصعيد إلى المقدمة. وأحيت عدد من الائتلافات داخل الساحة خلال الأيام الماضية عدداً من الأنشطة، تنوعت بين محاضرات وندوات ومعارض وغيرها، استعداداً للشهر الفضيل. وأعلنت ائتلافات متعددة عن إقامتها لفعاليات خلال شهر رمضان، وهو ما عده كثير من شباب الثورة حافزاً لاستمرارهم في الساحات. ويقول سليمان محمد إن شهر رمضان سيكون أفضل من الأعوام الماضية كون شباب الثورة سيحيونه في الساحات. مضيفاً في حديث للمصدر أونلاين «أنا سعيد لأن الثورة طالت.. حتى نحيي رمضان في ساحة التغيير ويكون زاداً لنا لتنتصر ثورتنا العظيمة». ويتفق معه محمد السامعي، حيث يرى أن رمضان سيكون «بداية النصر للثورة».
رغم «العقاب الجماعي» الثورة مستمرة في رمضان إضافة إلى العبادات والسكينة اللتان تضفيان الأجواء الروحانية في شهر رمضان يتبادل اليمنيون الزيارات وتمتد مسامراتهم حتى ساعات السحور. غير أن رمضان هذا العام يكون مختلفا. ففي حديثها مع الدويتشة فيله تنعي المواطنة اليمنية صفية محمد، المائدة الرمضانية التي اعتادت أن تعدها خلال الشهر الفضيل «في هذا العام ستفقد المائدة الرمضانية الكثير من أصنافها وأطباق الحلوى والمشروبات التي اعتدنا عليها خلال هذا الشهر الفضيل كل عام». وتبرر ذلك بعدم توفر غاز الطبخ الذي يتضاعف استهلاك الأسر منه في رمضان. من جانبه يقول الشاعر الغنائي د.سلطان الصريمي: «رمضان هذا العام سيكون كئيبا في المنازل نظرا لانقطاع الكهرباء وعدم توفر غاز الطبخ، وارتفاع الأسعار سيحول دون الحصول على الاحتياجات الرمضانية، ولكنه سيشرق في ساحات الاعتصام حيث سيهرب الناس من منازلهم الكئيبة إليها». ويرى أن ذلك سيمنح الثورة زخما تصعيديا. ويؤيد الفكرة ذاتها باسم الحاج، القيادي في المجلس المدني الديمقراطي (مدد) الذي توقع «زيادة عدد المعتصمين في الساحات في ليالي رمضان» معللا ذلك بانقطاع الكهرباء عن المنازل. أما المواطن فؤاد فيعبر عن تذمره من الوضع الاقتصادي بقوله: «سنعتمد في صيامنا وإفطارنا على الأسودين» ويقصد بهما الماء والتمر، ويضيف معلقا على انقطاع الكهرباء «أما الظلام فسنحاربه باللجوء إلى ساحات الحرية والتغيير للصلاة والاعتصام حتى يسقط النظام».
«سنصوم بعد أن يغادر المعتصمون الخيام !!» بهذه العبارة المسجوعة تحدث للدويتشة فيله المواطن علي اللجام، وهو أحد مؤيدي الرئيس صالح، معترضا على استمرار الاعتصام والتظاهر في رمضان فقال: «سيضاعف استمرار الاعتصام من معاناة السكان في الأحياء والشوارع التي تنتصب فيها خيام الاعتصام ولن نصوم إلا بعد أن يغادر المعتصمون الخيام»، معتبرا عدم الاستجابة لمطالب المعتصمين طوال الستة الأشهر الماضية مبررا كافيا لعدم جدوى الاستمرار في الاعتصام والتظاهر، ويفضل فك الاعتصام والاستجابة لدعوة الرئيس للحوار. ترافقت هذه الدعوة مع تحريض أجهزة النظام لبعض السكان في الأحياء المجاورة لساحة الاعتصام أمام جامعة صنعاء، ودفعهم للتظاهر أمام السفارة السعودية وبعثة الاتحاد الأوربي بصنعاء، وتوجيه الإنذارات للمعتصمين عبر وسائل الإعلام الرسمية، تدعوهم لإخلاء الساحة وفك الاعتصام قبل أن يحل رمضان وإلا فإنهم سيقومون باقتحام الساحة وإحراق الخيام.
من سعيد الصوفي (دويتشه فيلله) بمشاركة يوسف عجلان (المصدر أونلاين).