هل هناك ما يميز العمالة اليمنية عن غيرها من الجنسيات الأخرى؟ هل منحت السنوات الطويلة العمالة اليمنية المغتربين قيمة مضافة؟ لماذا يتزايد استقدام واستخدام العمالة الأجنبية الأكثر تكلفة في الأسواق اليمنية بديلاً عن العمالة اليمنية الأقل تكلفة؟ ما هي أسباب تزايد عدد المرحلين من العمالة اليمنية من السعودية؟ وما هي الأرقام الفعلية لهذه الأعداد؟ لماذا تنمو حصة السوق اليمنية من العمالة الأجنبية بشكل متصاعد ما هي وجهات نظر الجهات ذات العلاقة في البيانات والمعطيات حول تزايد مشاكل المغتربين اليمنيين في السعودية (القنصلية بجدة والسفارة في الرياض)؟ هل يمكن للعمالة اليمنية أن تشكل مصدراً قوياً للدخل بالوضع التي هي عليه الآن وما لديها من الصفات ومزايا ثقافية ومهنية وشخصية؟ كل هذه الاستفسارات لو أجبنا عليها لوجدنا التالي: تمثل الهجرة اليمنية للسعودية بصفة خاصة والخليج بصفة عامة انتكاسة تموينية للاقتصاد اليمني أو ما يمكن أن نسميه "اقتصاد الغربة اليمنية"، فالمهاجرون الذين كانوا يعملون بالزراعة والرعي كمهنة أسياسية تركوا بلادهم وبالتالي انخفض الإنتاج الزراعي إلى أدنى مستوياتها ولسنا هنا بصدد الحديث عن أسباب الهجرة ولكننا سنتحدث عن العمالة التي هاجرت وهيأت لها الظروف الاقتصادية والسياسية أن تعمل في السعودية وبلدان الجوار وبتحويلات وصلت في أوائل الثمانينات إلى عشرة مليار ريال سنوي أي ما يعادل ثلاثة مليار دولار تقريباً بسعر ذلك الوقت. واكتسبت العمالة اليمنية وهما وخيالاً تحول إلى رغبة لدى الكثيرين لأن يكونوا مغتربين حتى يعودوا بالهدايا الغالية والنفيسة. وساعدت الظروف الاقتصادية وطبيعة المشروعات السائدة في السعودية ودول الخليج العمالة اليمنية على أن يكون لها دور خاص وأن هذه العمالة كانت ذات ثقافة متقاربة مع مجتمعات السعودية والخليج كما أن مهاراتها البدائية والتقليدية والسطحية وتواجدها المكثف جعلها خياراً حتمياً بحصة سوقية لا بد منها. نتيجة لهذا تولد وعي زائف بأن العمالة اليمنية ساهمت في بناء هذه الدول وأنها تملك من المهارات ما لا يتوفر لغيرها وهذا غير صحيح، فرغم بعض جوانب الإيجابية للعمالة اليمنية التي تواجدت في ذلك الوقت خاصة في نسق القيم والسلوك إلى أنها لم تتطور مهنياً ولم تتمكن من أن تكون قيمة مضافة مقارنة بغيرها من الجنسيات الأخرى. وعمل نزيف الوعي لدى الشعب اليمني تأثيره في خلق الانطباع الخاطئ لدى المغتربين وتمنى الكل أن يغترب ولكن هذه الأمنية المشروعة كانت أفيونا خدر الشعب وجعله يعيش في وهم ويسعى إلى الاغتراب بأي وسيلة أو طريقة التزييف أو بالتهريب أو بشراء عقود عمل عبر سماسرة محترفين ينفذون أجندات سياسية تسعى لأن تكون اليمن بحاجة إلى الشفقة والإحسان من الغير وساعد هذه الأجندات السياسية تجار العبيد الذين أصبحت لديهم عمالة مستعدة لشراء الفيزة والتأشيرات وعقود العمل بدون أدنى تفكير اقتصادي أو تخطيط على أساس أن المهم هو أن تسافر.. وهكذا تم صناعة الوهم. ولقد كشفت أحداث الخليج سنة 1990 وعودة مئات الآلاف من المغتربين حجم المأساة المتمثلة في أن جزء كبيراً من المغتربين يهاجر لغرض الهجرة وليس لهدف محدد ومخطط له كغيره من الجنسيات الأخرى كما كشفت أن العمالة اليمنية خاصة في السعودية كانت تنظر إلى بلد الهجرة كوطن بديل وكانت تعيش يومها على ضوء ثقافة "يومك عيدك". ويمكن للبحوث الاجتماعية أن تظهر قوائم الخاسرين من الهجرة في دول الجوار خاصة السعودية أكثر من قوائم المنتفعين. ورغم أن فترة الرئيس "إبراهيم الحمدي" بدأت لتسليط الضوء على المغتربين وأعطتهم جزء من الاهتمام والدراسة. ورغم أن المغترب اليمني حظي بهذا الاهتمام أيضاً قبل أغنية الفنان أيوب طارش "ارجع لحولك كم دعاك تسقي" وأغنية الفنان أبو بكر سالم "يا طير يا رمادي صف الجناح وردني بلادي". إلا أن هذه الفترة الذهبية تم وأدها لتعود العمالة اليمنية إلى تزييف الوعي من جديد والوهم والخيال وأضغاث الأحلام. ومهما كان لحرب الخليج والموقف السياسي اليمني تأثير على ذلك إلا أنني متأكد وأجزم أن فكرة تصدير العمالة اليمنية إلى السعودية والخارج جريمة بحق الوطن واليمني الجديد للأسباب التالية: 1- العمالة اليمنية لا تمتلك في معظمها من المهارات الحديثة التي تمكنها من أخذ وضعها الاقتصادي المريح في السعودية ودول الخليج من حيث العمل والأجور والحصة التسويقية. 2- كل إجراءات استقدام واستخدام العمالة اليمنية خاصة في السعودية إجراءات تنطبق عليها تماماً ثقافة (السخرة) و(تشغيل العبيد) و(جوع كلبك يتبعك) ابتداء من عقود العمل وانتهاء بالكفالة ونقل الكفيل وتغير المهن. 3-السوق اليمنية يمكن أن تكون بديلاً أفضل لغالبية العمالة اليمنية إذا تمكنت الجهات ذات العلاقة من إعادة تأهيلها وتدريبها وتوجيهها ضمن متطلبات سوق العمل. 4- أن بقاء العمالة اليمنية بالوضع الذي هي عليه الآن سواء من حيث المهارة أو ثقافة الحياة ونمط الحياة واستمرار استعبادهم في السعودية ودول الجوار ووجود المافيا التي تعمل في هذا الجانب وتحقق ثراء فاحشاً، كل هذا سيسهم في أن تكون اليمن كما أرادها الآخرون ووافق عليه أبناؤها بقصد أو بغير قصد، يمناً ضعيفة متأرجحة ما بين سياسة تجويع الفقراء وإفقار الأغنياء. الحياة تتصف في كثير من الأحيان بوحشية لا تعرف الرحمة، ولهذا فأنا أستغرب أن مئات الآلاف من العمالة اليمنية لم يستطيعوا تغيير نمط الحياة وتحسين مستوى المعيشة وبدون أسباب مقنعة رغم أني أرى السبب هو عقليتهم وعدم السعي إلى تأهيل أنفسهم وتنمية قدراتهم وطرق تفكيرهم، فهؤلاء يتميزن –في الغالب- بثقافة عمل تقوم على اللامسؤولية وعدم القدرة على العمل ضمن فريق العمل. الكسل والجمود والرضا بالواقع كما هو دون محاولة لتطوير الذات أو الاستفادة من تجارب الآخرين. امتلاك مهارات سطحية محدودة وثقافة تقليدية تقوم على مبادئ وأسس لا تتلاءم مع سوق العمل حالياً ومتطلبات النمو والتنمية. انظروا إلى عقود العمل وبنودها تجدوها عقوداً لا تنص حتى على وقت الدوام لأن ثقافة العامل اليمني ثقافة الهروب وعدم الالتزام بالوقت الذي أصبحت فيه مسألة الدوام لدى جنسيات أخرى جزء من الثقافة وليس جزء من العقد. العامل اليمني يعيش وفق ثقافة "شبر مع الدولة ولا ذراع مع القبيلي" وهي ثقافة لا يمكن أن تحقق شيئاً للقطاع الخاص ولا يمكن أن تحقق شيئاً حتى للإنسان ذاته لأنها قائمة على راتب آخر الشهر بدون مسؤولية وبدون التزامات، فقط حضور موسمي حتى يحين موعد القات وشراء القات وجلسات القات وطقوس القات. أخيراً أرجو أن يفهم القارئ أنني أتكلم عن الغالبية وليس عن الجميع وعن الأكثرية وليس الكل، كما أرجو أن يفهم المسؤولون أن الرهان على تشغيل العمالة اليمنية في السعودية خاصة ودول الخليج وفق مقامات العمالة الحالية ووفق الظروف العمل في سوق العمل في هذه الدولة وووفق سياسة العمل المتبعة هو ورطة سياسية وجريمة في حق الوطن، وأتمنى أن أكون مخطئاً وغير مصيب إذا واجهني أحدهم بدراسة توضح لنا ماذا أفاد المغترب اليمني المجتمع منذ سنة 1997 حتى الآن وكيف يمكن أن يكون من يبني الوطن هم أبناؤه التائهون بين مطرقة السعودية وسندان الجهل؟ تذكروا معي لو لم يمكن إبليس موجوداً لأوجدناه لأننا لا نستطيع أن نعيش دون أن نمسح ذنوبنا في شبح اللعنة كل يوم ونرجمه لأنه غرر بنا.