شهر مبارك على الجميع وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال. وتهنئة خاصة للحوثيين والإصلاحيين بالقول: شهر مبارك وثورة منصورة بإذن الله. وليس إفراد فئتين من اليمنيين بالتهنئة أو بتعليق الأمل في نصر الثورة إستبعاد لغيرهما، ولكن لأن في صلاح العلاقة بين هاتين الفئتين خير لهما وللوطن وفي فساد علاقتهما شر لهما وللوطن. فالتخصيص هنا مؤقت بإعتبار مايجري على الأرض وفي المرحلة الحالية. فلم يعد سرا أن هناك صراعا أكثره خفي وبعضه علني يدور في ساحات التغيير والحرية وخارجها بين الإصلاحيين وأنصار الله (الحوثيون). وأن هناك إتهامات متبادلة بين الطرفين بمحاولة إجهاض الثورة أو الإستيلاء عليها. وفي خضم التنافس المرير بين هذين المكونين من مكونات المجتمع اليمني والثورة، على اختلاف في تقدير حجم وأهمية كل مكون وفي مسؤوليته عن ذلك الصراع، تنشب حرب طاحنة في محافظة الجوف يُخشى من تمددها، ومواجهات بالأيدي والألسنة في الساحات والوسائل الإعلامية وتحالفات منطقية وأخرى مشبوهة. وكل ذلك إذا لم يتم احتواؤه ومعالجته بالحكمة اليمانية وفي أطار المسؤولية الوطنية والإسلامية بين طرفي الصراع سوف يؤدي إلى كارثة لن توفر أحدا ولايعلم إلا الله مداها. إن الإختلاف والوحدة والتعاون والتعايش بين المختلفين كلها من سنن الله في خلقه. ولكن المشكلة تكمن حين نركز على نقاط الإختلاف أكثر مما نركز على نقاط الإتفاق، مما يؤدي لتعميق الإختلاف وتجذيره بالعصبية والتعصب. فيتحول الإختلاف من مجرد صراع فكري أو سياسي إلى صراع مذهبي وطائفي وحزبي تضيع فيه الحقائق والمباديء. ومن ينغمس في أتون الصراع سيتصور أن الوطن لايتسع لكلي الفريقين، وأن ربح أحدهما لايمكن أن يتحقق إلا بخسارة الآخر. وعلى العكس من ذلك، فإن الخروج من وتيرة الإنفعال ودائرة الإنهماك في الفعل ورد الفعل مع تشغيل الفكر والعقل يؤديان إلى نزع فتيل الصراع وتحويل الإختلاف إلى آلية فعالة للتنافس المثمر والمفيد للطرفين وللوطن. لقد مثلت تجربة اللقاء المشترك بحق تجسيدا رائعا للحكمة اليمانية وتجربة حضارية رائدة في العالمين العربي والإسلامي. حيث جمعت هذه التجربة الفريدة بين أحزاب كان الإختلاف والصراع هو السمة السائدة فيما بينها. ولكن هذه الأحزاب وقد تنبهت إلى أن خلافاتها وصراعاتها لايستفيد منها غير الإستبداد والتخلف. توصلت إلى تأسيس إطارسياسي ينظم العلاقة بين تلك الأحزاب ويوجهها لخدمة الأهداف المشتركة. ويقوم بمعالجة المسائل الإختلافية في إطار الحوار الموضوعي أو التنافس الشريف. وسيكون من الغرابة بمكان أن لايستفيد الإصلاح – وهو الحزب الأكبر في منظومة المشترك – والحوثيون "انصار الله" من هذه التجربة اليمنية في تنظيم العلاقة بينهما. خاصة وأن اثنين من الأحزاب الداخلة ضمن إطار المشترك – حزب الحق وحزب إتحاد القوى الشعبية - مقربين من الحوثيين فكريا وسياسيا كما أن الاشتراكي- الحزب الثاني في المشترك- يتمتع بعلاقة جيدة معهم. سيقول المستغرقون في أتون الخلاف الحوثي الإصلاحي أو الذين يريدون للصراع بينهما أن يستمر وأن يتفاقم، أن نقاط الإختلاف والتباين بين الطرفين هي أكبر من أن يحتويها اللقاء المشترك خاصة وأن هناك تاريخا من الإتهامات المتبادلة وعدم الثقة بينهما يصعب تجاوزه حاليا على الأقل. والحق أن هذا القول غير صحيح، فما يجمع الحوثيين والإصلاحيين فكريا رغم الخلاف هو أكبر مما يجمع الإصلاحيين بالناصريين على سبيل المثال. كما أن العلاقة بين الإصلاح والإشتراكي كانت أكثر التهابا وحساسية عند تأسيس المشترك من علاقة أنصار الله والإصلاح حاليا. إن من يقرأ ماخطه يراع الأديب والشاعر والسياسي أحمد بن محمد الشامي يرحمه الله في ملحمته التاريخية ومذكراته الرائعة "رياح التغيير في اليمن"، يدرك كيف أن العلاقة في صنعاء 1948م بين الوسط الزيدي ممثلا في الشامي نفسه وحركة الإخوان المسلمين ممثلة في الفضيل الورتلاني لم تكن أبدا علاقة توجس وارتياب مذهبي بل كانت علاقة تفاعل إنساني رائع يتجاوز كل العقد التي نشأت في العقود الأخيرة. فقد سجل الشامي في كتابه اعجابه وتأثره الكبيرين بشخصية الورتلاني وأثنى عليه ثناء أجد من المفيد إثبات طرف منه. يقول الشامي تحت عنوان فرعي "ليس زيديا بل حنيفا مسلما" مانصه: " وقد يقول قائل: وما شأن الورتلاني والبنا باليمن وإمامتها ونوع الحكم فيها، وهما ليسا (زيديين)، ولايقولان بالإمامة؟ فأقول: لقد كان لدى الأستاذ الورتلاني من المعرفة بكتاب الله وسنة رسوله والفقه وأصوله، والفهم والعبقرية، والفصاحة والتقوى، مايخوله أن يفهم ويعرف مافهمه وعرفه الإمام زيد بن علي، وأن يُنكر ويثور على ما أنكره وثار من أجل إزالته الإمام زيد بن علي، الذي عندما ثار لم يكن (زيديا) بل كان حنيفا مسلما؛ كما كان جده الحسين من قبله، وكما كان الورتلاني والبنا من بعده وكما سيكون من بعدهما فلان، وفلان، وفلان." انتهى ص 249 الطبعة الأولى وقد ظلت هذه العلاقة المتميزة بين الزيدية وحركة الإخوان تنمو بعد فشل ثورة 1948م وبعد ثورة سبتمبر 1962م رغم المحنة التي مر بها الإخوان المسلمون في مصر ورغم سقوط الإمامة الزيدية في اليمن. وقد تبلورت تلك العلاقة من خلال شخصيات عديدة برزت فقهيا وأدبيا وسياسيا متجاوزة الإنغلاق المذهبي ومحافظة على التراث الرائع للزيدية والتعايش المذهبي في اليمن على حد سواء. كما ضم تنظيم الإخوان المسلمون في اليمن العديد ممن ينتسبون إلى المذهب الزيدي في قياداته العليا وكوادره الفاعلة ولايزال الحال كذلك إلى اليوم رغم توتر العلاقة والتباسها بين الحوثيين والإصلاحيين. غير أن هذه العلاقة المتميزة أثرت فيها ثلاثة عوامل متزامنة اشير إليها إجمالا: الأول: قيام الثورة الإيرانية وما مثلته من نموذج ثوري للحركات الإسلامية عامة وللشيعة على وجه الخصوص وهو النموذج الذي سرعان ما شوهته النزعة المذهبية. الثاني: تنامي التأثيرات السلفية القادمة من السعودية خاصة والخليج عامة في اليمن وبالتالي على فكر وتنظيم الإخوان. وبدا واضحا أن تلك التأثيرات جاءت كمعادل لتأثير الثورة الإيرانية ومذهبيتها. الثالث: استلام علي عبدالله صالح للحكم في اليمن واعتماده على سياسة "فرق تسُد" أو ما اسماه "لعبة الكروت" أو "الرقص فوق الثعابين". وهي السياسة التي افسدت الحياة السياسية في البلاد وجعلت الأوضاع في حالة تأزم واحتقان دائم. وقد اوصلت هذه العوامل الثلاثة العلاقة بين الوسط الزيدي الذي تبلور سياسيا بعد إعلان التعددية السياسية من خلال حزبي الحق وإتحاد القوى الشعبية والإخوان الذين اسسوا حزب الإصلاح إلى مرحلة تأزم وفقدان للثقة. ومن العجيب أنه رغم التئام هذه العلاقة سياسيا من خلال انخراط هذه الأحزاب في منظومة اللقاء المشترك إلا أنها وصلت ميدانيا إلى ذروة التأزم بتفجر الحروب الستة في صعدة 2004 -2010 م. وخلال ستة حروب سقط الآلاف من الضحايا من المدنيين والعسكريين. كما نزح عشرات الآلاف من مناطق الحرب التي تعرضت لدمار شامل. وبالإضافة إلى ذلك فقد خسرت الدولة مليارات الدولارات التي تم إنفاقها على الحروب الستة. وهنا لابد من القول بأن صمود الحوثيين في مواجهة الحروب العبثية التي شنها النظام ضدهم والحراك الجنوبي في المحافظات الجنوبية واللقاء المشترك كحاضن للمعارضة السياسية المنظمة كانت هل العوامل الثلاثة التي اضعفت نظام "صالح" رغم مابدا ولايزال يبدو من قوته الظاهرية. ورغم أن الإصلاحيين خلال الحروب الستة التي شنها النظام ضد الحوثيين كانوا قد قطعوا علاقتهم السياسية وتحالفهم الإستراتيجي بالرئيس "صالح" وحزبه واصبحوا في صف المعارضة ) اللقاء المشترك(، ورغم أنهم عارضوا الحروب الستة إلا أن موقفهم لم يرض الحوثيين ولم يرض السلطة في الوقت نفسه. وظل الحوثيون يرصدون اشخاصا أو جماعات محسوبة على الإصلاح أو متعاطفة معه بين القوات التي تحاربهم. وفي الحرب السادسة في صعدة جاءت دعوة الرئيس "صالح" لما أسماه ب"الاصطفاف الوطني"، وهي الدعوة التي تهدف إلى الحصول على دعم سياسي غير محدود للسلطة من جهة وتوريط أطراف قبلية وسياسية – على رأسها الإصلاح – في مواجهة الحوثيين من جهة أخرى. ولكن هذه الدعوة لم تلق أي استجابة من قبل الإصلاح. وقبل أن تختفي روائح البارود وسحب الدخان من أجواء وسماء صعدة، سارع الرئيس إلى محاولة استقطاب الحوثيين. فمن استقباله قياداتهم الميدانية في دار الرئاسة ودعوتهم للحديث في كلية الأركان، إلى اتهام التجمع اليمني للإصلاح – الذي رفض دعوته للاصطفاف الوطني – بأنه كان يحرض على الحرب! لقد كان واضحا أن الرئيس رغم كل الحروب، يظن أن بإمكانه استخدام الحوثيين في لعبة الكروت المفضلة لديه. وحين أبدى الحوثيون استعدادهم للتحالف مع اللقاء المشترك وعقدوا اتفاقاً معه في إطار لجنة الحوار الوطني، اتهم صالح اللقاء المشترك بأنهم وفروا ويوفرون الغطاء السياسي للحوثيين! وحين هبت "رياح التغيير في اليمن" وبادر الشباب وجماهير الشعب لحمل رأية الثورة ضد نظام الإستبداد والفساد، أعلنت أحزاب اللقاء المشترك ومن ضمنها الإصلاح كما أعلن الحوثيون "انصار الله" وقوفهم جميعا مع ثورة الشباب. وواجهت الثورة ومازالت تواجه رغم تقدمها تحديات داخلية تتمثل في تجذر نظام الإستبداد في مؤسسات الدولة وسيطرته عليها وعلى قطاع كبير من الجيش. كما تواجه الثورة تحديات خارجية تتمثل في دعم قوى اقليمية ودولية للنظام القائم ومحاولة ضمان انتقال السلطة بشكل يكفل لهذه القوى مصالحها المشروعة وغير المشروعة ولو على حساب الشعب اليمني. ومع ذلك وفي خضم التحديات التي تواجهها الثورة وطول أمدها، فإن أخطر مايواجهها الآن وحتى في المرحلة التي تلي انتصارها يتمثل في الصراع بين اثنين من أهم مكوناتها هما الحوثيون والإصلاحيون. ولذا لابد في الختام من تذكير هذين الطرفين وغيرهما بثلاث حقائق هي: أولا: إن التعددية المذهبية في اليمن هي حقيقة واقعة لايمكن تجاوزها بمحاولة فرض مذهب أو تغليبه على غيره من المذاهب. وهذه التعددية المذهبية هي أقوى وجودا من التعددية السياسية وتكاد توازي في قوتها وأثرها التعددية الإجتماعية القبلية والمناطقية. ثانيا: إن الحرية وسيادة النظام والقانون هما المُناخ الصحي للتعايش والتعاون البناء والمثمر بين جميع المذاهب والأحزاب والقبائل والمناطق. ثالثا: إن الطرف الذي يتصور أن بإمكانه الوقوف في مواجهة "رياح التغيير في اليمن" بالهروب من استحقاق الشعب لنصر ثورة التغيير ومن استحقاق الثورة لبناء نظام يقوم على العدالة والحرية والمساواة والتداول السلمي للسلطة يحكم على نفسه بالفناء. فهل يعي الحوثيون والإصلاحيون هذه الحقائق الثلاث فيريحوا أنفسهم ويريحوا شعبهم ووطنهم؟ نأمل ذلك!