بعد اسبوع من سقوط معمر القذافي شرع سكان طرابلس في مهمة صعبة لدفن موتاهم في مقابر جماعية يوم السبت مع ظهور أدلة على أعمال قتل جماعي اثناء معركة السيطرة على العاصمة الليبية. وخيم مزيج من رائحة الجثث المتحللة والقمامة المحترقة على المدينة التي تواجه كارثة إنسانية محتملة بسبب انهيار امدادات المياه والكهرباء ونقص الادوية وغياب حكومة فعالة.
وتعهد المعارضون الذين يسيطرون الان على معظم طرابلس بالسيطرة على بلدة سرت مسقط رأس القذافي بالقوة اذا فشلت المفاوضات مع الموالين للزعيم الليبي في واحد من معاقلهم الاخيرة.
ومع انحسار القتال في العاصمة يتم العثور على مزيد من جثث القتلى بعضهم من جنود القذافي هلكوا واخرون اعدموا فيما يبدو. كما عثر على المزيد من الجثث في مستشفى هجره الاطباء.
وقال مراسل شبكة سكاي نيوز البريطانية انه أحصى 53 جثة في مخزن محترق بجنوب طرابلس حيث تم اعدامهم فيما يبدو الاسبوع الماضي.
وقال ستيوارت رامزي مراسل سكاي نيوز في مكان الحادث "هذا مشهد قتل جماعي" ونقل عن شهود قولهم ان 150 شخصا قتلوا في المكان في 23 و24 أغسطس اب بينما كانت قوات المعارضة الليبية تقاتل للسيطرة على طرابلس من قوات الزعيم الليبي معمر القذافي.
وأبلغ أحد السكان شبكة سكاي أن معظم الضحايا من المدنيين مضيفا أن قوات القذافي قتلتهم.
وفي حي تاجوراء بالعاصمة أعد سكان محليون مقبرة جماعية لجثث 22 رجلا أفريقيا تم تجنيدهم للقتال في صفوف قوات القذافي فيما يبدو. وأحد القتلى كانت يداه مقيدتان وراء ظهره.
وقال هيثم محمد من سكان الحي "المعارضون طلبوا منهم الاستسلام لكنهم رفضوا."
وقال لرويترز "سكان الحي قرروا دفنهم وفقا لاحكام الشريعة."
وظهرت تقارير عن اعمال قتل بدم بارد من الجانبين في الايام القليلة القليلة الماضية وهو ما زاد من قتامة الاجواء في المدينة التي رحب العديد من سكانها بسقوط القذافي بفرحة غامرة.
ولا يزال مكان القذافي غير معروف ويقول المعارضون الذين يبحثون عنه ان الحرب لن تنتهي حتى يتم اعتقال أو قتل العقيد البالغ من العمر 69 عاما الذي أحكم قبضته على ليبيا لمدة 42 عاما.
وقال مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي للصحفيين في بنغازي "لا توجد أي معلومات حقيقية عن تواجد معمر القذافي وابنائه حتى هذه اللحظة."
ويحاول المجلس الوطني الانتقالي الذي طلب من مقاتليه عدم ارتكاب أعمال قتل انتقامية تأكيد سلطته واستعادة النظام في طرابلس لكن كبار مسؤوليه لم ينتقلوا الى هناك بعد من مقرهم في بنغازي بالشرق.
وقال عبد الجليل ان قادة المعارضة ما زالوا يتفاوضون مع الموالين للقذافي في محاولة لاقناعهم بتسليم السيطرة على مدينة سرت الساحلية مسقط رأس القذافي.
وليبيا مقسومة فعليا الى جزئين بواسطة القوات الموالية للقذافي التي تسيطر على اراض تمتد جنوبا من سرت على بعد 450 كيلومترا شرقي العاصمة الى اعماق الصحراء.
وقال قائد للمعارضة ان القوات التي تتقدم من الشرق وصلت الى مشارف بن جواد وهي بلدة تبعد نحو 140 كيلومترا من سرت.
وقال فوزي بوقطيف لرويترز "ننتظر ان يأتي أشخاص في سرت ويتحدثوا لكن لم نتلق اجابات حتى الان. انني أنتظر منذ ثلاثة أيام." وأضاف ان سرت يجب ان تؤخذ في نهاية الامر سواء بالقوة أو بالوسائل السلمية.
ومع اقتراب قوات المعارضة من الشرق والغرب فانه يمكن للقوات الموالية للقذافي في سرت ان تتقهقر الى الصحراء وان تحاول الوصول الى سبها وهي معقل اخر للقذافي يقع في اقصى الجنوب.
وقال بوقطيف "اذا تحركوا جنوبا الى سبها فاننا سنتبعهم. نحن مصممون على تطهير كل البلاد."
ويستخدم المعارضون الذين مازالوا بعيدين عن سرت المدفعية بدعم من قصف جوي من حلف شمال الاطلسي للمدينة.
وبعيدا الى الغرب يسيطر المعارضون على بلدة رأس جدير الحدودية بعد الاشتباك مع قوات موالية للقذافي يوم الجمعة لكن لا توجد أي حركة مرور تقريبا في الخط الرئيسي لامدادات الغذاء والوقود والدواء الى طرابلس.
وقال معارضون هناك ان هذا يرجع لاسباب منها هجمات المؤخرة التي يشنها جنود القذافي والحواجز على الطريق التي يحرسها رجال قبائل موالون للقذافي على الجانب التونسي من الحدود.
وقال وليد سليمان (31 عاما) وهو مقاتل من المعارضة "انها قبيلة الشوشة وقبيلة الحوامد وهم يحبون القذافي ويوقفون حركة المرور ويحطمون السيارات ويضربون العائلات."
وفي الغربب ايضا سيطر معارضون على بلدة الجميل الصحراوية مسقط رأس رئيس وزراء القذافي الذي غادر البلاد.
وفي ميناء زوارة القريب الذي يبعد نحو 160 كيلومترا الى الغرب من طرابلس انفجرت سفينة تحمل ذخيرة للمعارضة وأشار المعارضون باصابع اتهام الى مخربين موالين للقذافي.
وقال مقاتل من المعارضة يدعى صلاح الطاهر "الطابور الخامس فجر سفينة تحمل ذخيرة وقنابل ثم لاذوا بالفرار."
وقال محمود شمام وهو متحدث باسم المجلس الوطني الانتقالي انه وقعت هجمات قرب زوارة على بعد 160 كيلومترا غربي طرابلس. وقال "كتائب القذافي تقصف الطريق لكننا نأمل في ان نتمكن من السيطرة عليها اليوم."
ويدرك المجلس الوطني الانتقالي والقوى الغربية التي دعمت قوات المعارضة بحملة قصف مستمرة منذ خمسة اشهر الحاجة الى منع ليبيا من الانهيار الى نوع من الفوضى التي سقط فيها العراق لعدة سنوات بعد الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة في عام 2003 .
ومازالت الحياة في طرابلس بعيدة عن كونها طبيعية ويعاني سكانها البالغ تعدادهم مليوني نسمة من انهيار الخدمات الاساسية حتى مع احتفال العديد منهم بالاطاحة بالقذافي.
وفي أحد المستشفيات رقد الجرحى على الحشيات في ضمادات مشبعة بالدماء وسط رائحة الدم والعرق.
وقال الامين العام للامم المتحدة بان جي مون في نيويورك "يوجد نقص كبير في الوقود والغذاء والامدادات الطبية. وخاصة في جبل نفوسة وطرابلس."
وتفاقمت مشاكل الامدادات في طرابلس رغم ان مصطفي عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي قال يوم الخميس ان قواته اكتشفت مخزونات ضخمة من الاغذية والادوية في العاصمة ستقضي على أي نقص.
وقال شمام المتحدث باسم المجلس الوطني الانتقالي ان المجلس يريد من العاملين بالمؤسسة الوطنية للنفط وهي المرادف الفعلي لوزارة الطاقة العودة الى العمل للتعامل مع نقص البنزين وزيت الوقود والغاز.
وقال ان شحنات الديزل وغاز الطهو في الطريق وان محادثات تجري في مصفاة نفط الزاوية لبحث سبل امداد غرب ليبيا بالغاز واعادة تشغيل المصفاة.
وفي طرابلس تراكمت القمامة المتعفنة في الشوارع. وفي بعض المناطق أشعل الناس النار فيها لتجنب الامراض.
والكهرباء والمياة النقية شحيحة. ويحمل السكان حاويات الى المساجد التي بها في الغالب ابار على امل الحصول على مياه. وخارج مسجد كانت توجد لافتة كتب عليها انه لم تعد توجد مياه.
وفي ابوسليم انتشرت فوارغ الطلقات في ميدان. وشوهدت نحو 50 سيارة متفحمة في أحد الاحياء.
ومازالت عشرات الجثث المتحللة ترقد في مستشفى والمنطقة المحيطة بها في ابو سليم تخلى عنها العاملون الطبيون اثناء القتال. ولم يتضح كيف ماتوا.
ويطالب المجلس الوطني الانتقالي القوى الاجنبية بالافراج عن أموال ليبية مجمدة في الخارج للمساعدة في استعادة الامن وتقديم الخدمات واحياء الاقتصاد بعد ستة اشهر من الصراع.