كم هي الصدور العارية جميلة، كتعبير عن الحاجة إلى التغيير بطرق غير تلك التي استهلكناها حتى استهلكتنا في أجسادنا،وأحلامنا, وسلامنا. للوهلة الأولى قد يبدو الحديث عن أهمية التغيير الحضاري مشوقا؛ التغيير الحضاري كما يراه البعض في قوامه: شعارات خالية من أي دلالة عنصرية، أو دعوات فئوية أو رجعية , شعارات تحت لوائها يعيش الجميع، كتابات، مشاريع نظم, تحرر في الورق أولا، نحن لا نرفض كل هذا. لكن فجأة ما لم يكن في الحسبان أن يخرج الناس إلى الشارع فإذا هذا يفاجئ من لم يكن مستعدا للتغيير خارج إطار الحبر اللزج والصحيفة الرثة . في ظل واقع مكدس بالرعب, كسرت كل الفرضيات التي ظنها البعض حائلا أمام التغيير كلما أشجاهم حديثه. فخرج الناس مخلفين وراءهم أدواتهم التي ألفوها في الحصول على حقوقهم وفي الانتصاف لذواتهم ممن أوقع الظلم عليهم. لمحاولة التفكير فقط في موقف هؤلاء النفسي كم هو صعب أن ينتزع حقه بيدين خالية من السلاح,فان هذا يقتضي أن نعترف بقيمة مثل كهذا عمل, إنها بنظري قيمة دائما ما تعبر عن روح الله في الإنسان وبالتالي تجاوزه لمنطق المادة التي تتوقع وفق لمنطقها أن يكون سلوكه مغايرا لما تم,رفض التغيير أو التغيير بما يمتلكونه من سلاح. ولكن عندما قدموا صدورهم عارية, قصفوها بلا رحمة,وألحقوا قصفهم إلى قراهم؛ قرى هؤلاء الذي يسميهم (المتثيقفين) متخلفين. قتلوا أطفالهم واجتثوا مزارعهم ,ومع كل حماقة ارتكبوها مغتصبين البلاد. ظل الناس متمسكين بسلمية الثورة, إلى أن أصبح الدفاع عن النفس واجبا بغيره سيتمادى الأحمق بحماقاته, ويحاول العض أن يفرضها كواجب من اجل التغيير السلمي. من هنا أتت فكرة ملحة تتمثل في النظر ولو من زاوية بسيطة إلى مواقف من يتجشمون عناء ويمتلئون متعة في سبيل السخرية من الثوار وطرق نضالهم وشعاراتهم وطول أمد ثورتهم. يبدو الفقر الداخلي الذي تعاني منه بعض فئات الإعلام المكتوب بالذات في ظل ظروف أشبه ما تكون بحال ثورتنا اليوم سبب وراء سخريتهم مما يقدمه الشعب بكل جبهات النضال تلك السخرية النابعة من عدمية دواخلهم لا يمكن أن تكون دواء ناجعا أو بديلا أفضل للثورة. كما يفترض أن يكون تصور مثل هؤلاء الكائنات أو رضاهم ألا يكون ذاتيا نابعا من السأم الذي يعتقده البعض في طول عمر الثورة وفي طول صبر الثوار في انتظار الجواب من ندائهم الذي أطلقوه على شكل ثورة. قلة الحيلة وعدم إدراك ماهية اللحظة جعلهم يسحبون ما يعتقدون أنهم منحوه من قيمة وإضافة إلى الثورة عندما ظهروا متهتكين بتضحيات الناس وطرق نضالاتهم وعباراتهم وما ذلك منهم إلا نقصا في الإيمان بثورة نحن كيمنيين أحوج ما نكون لها، هؤلاء المتحضرون وحدهم كما يزعمون تؤول عدميتهم وراء ستار الوعي – ما يفترض أن يكون – إلى قمع أي أمل فيهم لا يقل خطورة عن قمع الدكتاتوريات لهم . إن الفقر الداخلي الذي يعيشه "المتثيقف" بالفعل اليوم _بعض فتات الكتاب_ تبدو لنا إحدى أشكال القمع الذاتية التي مورست ضده حتى الآن بهذا المعنى فإنهم جدا مخدوعون "نزيلوا الخداع"، في عصر سرعة الذاكرة. إننا لا نرى في تشجيع الناس على أن لا يأخذوا التغيير على محمل الجد أو التشكيك في رجعيته وتخلف قواه سوى سعي بعيد أن يتحقق إلى تجريد الثورة من قدراتها على التغيير ومن ثم تسهيل قمعها. يفترض بهؤلاء حتى يكونوا خليقين بالنقد أن يقدموا بدائل طالما أكثروا من التبجح غير تلك التي أصبحت محصورة بين الخيال والصحيفة، تلك الصحيفة وذلك الخيال وإن قلدا النمط الواعي إلا أنهما يقمعان توطين مفاهيم الثورة الذي تقتضي الوعي بالتاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لليمنيين. قد يقول قائل إن ما يقدمه هذا النوع من الكتاب إنما هي وجهة نظر لا تنفي قيام الثورة نابعة من إحساسهم العميق بالمسئولية تجاه وطنهم وبالتالي حرصهم على ألا يشوب تغييرهم قصور وأن يتم تغييرهم إلا مالا نهاية نوعيا ومحاربة الرجعية التي تعرقل تقدم مجتمعهم...إلخ. وهنا نقول لسنا في صدد الحديث أو النظر من زوايا مختلفة لإشكالية قائمة "لسنا في ورشة عمل" قائمة وإنما نحن في ثورة قد اعتنقت ما يكفي من الحكمة والرشد والمسئولية بالآتي. وعمق الرؤية تجعل من صاحبها جسورا في طرحه غير مراوغ يطرح بلغة تفصح عما تريد دون لف أو دوران حول المعنى ودون تحسس لحركة الرياح، أو تلمس لما يمكن أن ينال رضا القوى أي كان. كلما كانت الكتابة قائمة على العقل وقوة الحجة، كان أثرها على النفس أفعل وصلبة تفتيتها عسير وبدون هذا لا فرق في الدلالة والأثر بين خطاب تتبناه السلطة وبين خطاب يتبناه المأزومون أدعياء النهضة والتحضر. وإن كان هناك من فرق فهي في الصياغة حتى الصياغة هي متشابهة حد الالتباس،وهكذا ينطبق على كثير من الكتاب في وطننا قول السيد المسيح: (إن أحدكم ليرى القشة في عين أخيه ولا يرى الخشبة في عين نفسه). الغرض مما سبق ليس تبرير لغضب غاضب أو عصبية متعصب، والقصد هو إجلاء حقيقة من الحقائق المفقودة لدى هؤلاء "الكلاميين"، جزء منها هو بقدر ما يحتاج التغيير إلى ثقافة يستمد منها مرجعيته ويكتسب من خلالها مشروعيته، بالقدر نفسه لا يمكن خلق مجتمع جديد بثقافة جديدة بيوم وليلة. وأرى أن التغيير غالبا ما يكون انعكاسا مباشرا للسياق المنتج له. وطبيعي أن ترد بعض المكونات إلى أصولها، ومن الحكمة تحييد القيم التي تعرقل التقدم وليس محاربتها.