وقف الناخبون التونسيون في صفوف طويلة يوم الاحد لاغتنام فرصة المشاركة في أولى انتخابات "الربيع العربي" التي من المتوقع أن تسفر عن حصول حزب النهضة الاسلامي على أكبر نصيب من السلطة. وستضع هذه الانتخابات وهي أول انتخابات حرة في تاريخ تونس معيارا ديمقراطيا للدول العربية الاخرى حيث أدت الانتفاضات الى تغيير سياسي أو حاولت حكومات بها أن تسارع باجراء اصلاحات لتجنب خطر الاضطرابات.
وكانت تونس هي أولى محطات "الربيع العربي" قبل عشرة أشهر عندما أدت احتجاجات حاشدة على الفقر والبطالة وقمع الحكومة الى فرار الرئيس السابق زين العابدين بن علي الى المملكة العربية السعودية.
ووقف راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الاسلامي الذي من المرجح أن يحصل على أكبر نصيب من الاصوات منتظرا الادلاء بصوته أمام مركز للاقتراع في حي المنزه 6 بالعاصمة التونسية.
وقال الغنوشي الذي كان برفقة زوجته وابنته المحجبتين ان اليوم هو يوم تاريخي وان تونس ولدت من جديد. وأضاف أن الربيع العربي ولد اليوم.
لكن بمجرد خروجه من مركز الاقتراع بدأ بعض المصطفين للادلاء بأصواتهم يصيحون في وجهه.
وقالوا له "ارحل ارحل" ووصفوه بالارهابي والقاتل وطلبوا منه العودة الى لندن.
ولم تشهد تونس مثل هذا المستوى من الرغبة في المشاركة في الانتخابات ابان عهد بن علي عندما كان يظهر عدد محدود للغاية فقط لان المواطنين كانوا يعلمون أن النتيجة محددة سلفا.
وقال نور الدين وهو شاب يقف خارج مركز للاقتراع في حي المرسى "هذه لحظة عزة حقيقية.. انه يوم تاريخي. تختمر لدي مشاعر كثيرة عندما أرى تونس تمر بمثل هذا اليوم. حتى في أحلامي لم أكن أتخيل ان الناس ستأتي بهذه الاعداد للتصويت."
والهدف من انتخابات يوم الاحد هو اختيار مجلس تأسيسي مهمته صياغة دستور جديد ليحل محل ذلك الذي تلاعب به بن علي لترسيخ سلطته وتشكيل حكومة مؤقتة واجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة.
ويقول الغنوشي الذي أمضى 22 عاما منفيا في لندن ان حزبه ينتمي للاسلام الوسطي مثل رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وحزبه العدالة والتنمية. ويقول انه لن يحاول فرض قيم حزبه على المجتمع.
لكن صعود الحزب يمثل قلقا لدى العلمانيين في تونس الذين يعتقدون أن قيمهم الليبرالية معرضة للخطر حاليا.
وتظهر أغلب التوقعات ان حزب النهضة لن يحصل على ما يكفي من المقاعد للحصول على أغلبية في المجلس التأسيسي مما سيجبره على الدخول في ائتلاف سيؤدي لتقلص نفوذ الاسلاميين. وتمركزت الحملة الانتخابية للحزب الديمقراطي التقدمي على حماية القيم العلمانية في تونس.
ووقف نجيب الشابي وهو معارض سابق لبن علي وزعيم الحزب التقدمي الديمقراطي أمام مركز للاقتراع في حي المرسى وكان يتجاذب اطراف الحديث مع ناخبين اخرين.
وقال لرويترز انه سينتظر دوره حتى اذا استغرق اليوم كله. وأضاف أن هذا أسعد يوم في تونس وانه عرس للديمقراطية وان تونس انضمت اليوم الى صفوف الدول المتقدمة.
وأضاف أن رؤية كل هؤلاء الناس الذين ينتظرون دورهم للتصويت مؤثر جدا.
ويبذل النهضة جهودا كبيرة لتبديد مخاوف العلمانيين والقوى الغربية وتقدم بعدة مرشحات بينهن مرشحة لا ترتدي الحجاب ووعد بعدم تقويض حرية المرأة.
لكن سلفيين هاجموا دار سينما ومحطة تلفزيونية في الاشهر الاخيرة لبثهما مواد فنية اعتبرت تجديفا. ويقول حزب النهضة انه ليس له علاقة بهؤلاء الاشخاص ولكن الليبراليين لا يصدقونهم.
ويقول مراقبون ان نوايا النهضة على المدى الطويل غير واضحة. وتفادت حملته الانتخابية تقديم تفاصيل سياسية تميزه على انه اكثر اختلافا من منافسيه.
وفي ختام حشد انتخابي يوم الجمعة قالت سعاد عبد الرحيم المرشحة التي لا ترتدي الحجاب ان النهضة يمكن ان يحمي مكتسبات المرأة.
لكن في تجسيد لتناقضات الحزب كانت هناك العديد من الكتب التي تباع على هامش الحشد لكتاب سلفيين يؤمنون بانه يجب ان يكون هناك فصل بين الرجل والمرأة في الاماكن العامة وان الانتخابات منافية للاسلام.
ويمكن ان يكون فوز النهضة الاول من نوعه في العالم العربي منذ فوز حركة المقاومة الاسلامية (حماس) في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في 2006 . وكاد الاسلاميون أن يحققوا الفوز في الانتخابات الجزائرية في 1991 والغاها الجيش مما أشعل صراعا دمويا استمر سنوات.
ويمكن ان تكون لفرص النهضة اثار على الانتخابات البرلمانية المصرية التي من المقرر ان تجرى الشهر المقبل والتي يأمل الحليف الايديولوجي الاخوان المسلمين ايضا بالخروج منها بشكل اقوى.
وتأمل ليبيا أن تجري انتخابات العام المقبل بعد نجاح حركة احتجاج تحولت الى كفاح مسلح بدعم من حلف شمال الاطلسي بالاطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي. وما زال الصراع العنيف الذي لم يفصل فيه بعد مستمرا في سوريا واليمن وبدأت حكومات اخرى عديدة اصلاحات لتجنب اضطرابات مدنية.
وهناك مخاوف من ان وجود حتى اقل شك في شرعية الانتخابات التونسية يمكن ان يؤدي الى خروج انصار احزاب منافسة الى الشوارع.
وتقول الحكومة انه سيتم نشر 40 ألفا من الشرطة والجيش للحيلولة دون تحول اي احتجاجات الى اعمال عنف. ويقول اصحاب المتاجر ان المواطنين يخزنون الحليب والمياه المعبأة تحسبا لان تتسبب اي اضطرابات في التأثير على الامدادات.