كنت أود أن أبارك للرئيس صالح توليه عمادة الحكام العرب، خلفاً لنظيره الديكتاتور معمر القذافي، غير أن شباب الثورة اليمنية سبقوني في زعزعة عرش صالح، وخلع ثلثي شرعيته، مما جعلني أحجم عن التهنئة لرئيس بلا شرعية مكتملة. ثم أنه ليس من اللائق أن أبعث بتهنئة رقيقة، مكتوبة "بخط الثلث" الأنيق، على ورق مصقول فاخر، إلى رجل طاعن في السن، معتل الجسد، تائه المصير، متخبط الرؤية، لم يأكل أو ينام منذ أن أفزعته "الجزيرة" بخبر اعتقال القذافي، ثم مقتله، ثم عرض الصور الأولى لإهانته وضربه في الشارع، ثم صور جثته هامدة، ملطخة بالعار والظلم والفساد، في واحدة من أبشع مصائر "الطغاة". وأعتقد أن كثيراً من الناس تمنى محاكمة عادلة للقذافي، غير أن حماس الثوار الشبان دفعهم لخيار القتل الفوري، ربما لأنهم يدركون أشياء أخرى يخبأها لهم الغرب وحلف الناتو، أقلها أن القذافي مطلوب للعدالة الدولية، والأخيرة محرم فيها عقوبة الإعدام لأي شخص كان، بمعنى أن القذافي سيبقى حياً في الغرب، ومن ثم سيكون أحد الاحتمالات في - نظر الثوار – أن يظل القذافي فزاعة ليبيا الجديدة، يمكن أن يشتري مرتزقة وحكاماً وأحكاماً بملياراته الضخمة، فقرر الشبان الأحرار أن مصلحة بلادهم تقتضي القتل الفوري للقذافي، ثم إن ملفاته سوداء، وتستدعي كل صفحة فيها أن يقتل عشرات المرات، وأيضاً لم يبخل ثوار ليبيا على نظرائهم العرب في تقديم صورة القذافي هيناً، حياً وميتاً، عسى أن يرتدع ذوي العروش القائمة على جماجم الضعفاء، وأولهم كما هتف شباب ليبيا: الأسد وعلي صالح. مواقف كثيرة مرت خلال السنوات الخمس الماضية، تمنيت في كل موقف لو كنت إلى جوار الرئيس صالح، لأراقب بتمعن ردة فعله، وارتعاشات عضلات وجهه، وتغير لونه، وما أول كلمة سيقولها بعد أن يرى ذلك الموقف، بدءاً من إجبار الرئيس الباكستاني برفيز مشرف على التنازل عن رئاسة الجيش في 2 أكتوبر 2007، ثم إجباره على ترك السلطة نهائياً في 18 أغسطس 2008، وقبله أرغم شباب لبنان الرئيس العماد إميل لحود على الخروج من السلطة، في 24 نوفمبر 2007، بعد انتهاء مدته الدستورية دون تمديد - كما تمنى – وكان للمشهدين تأثير وحضور محدود في ذاكرة شبان تونس عند النزول للشارع، بعد أن ضاقت بهم الأرض من طغيان بن علي وعائلة الطرابلسي، فاجبروه على الفرار ليلاً إلى السعودية، في 14 يناير الماضي، ثم مشهد عمر سليمان نائب الرئيس المصري وهو يتلو قرار تخلي مبارك عن منصبه الرئاسي، في 11 فبراير، ثم مشهد مبارك وهو يساق على مشاية طبية، إلى الزنازن وقاعات المحاكم، كل مشهد من هذه المشاهد التاريخية، تمنيت لو شاهدته وأنا أجلس إلى جوار الرئيس صالح، أراقب وأدون ردة فعله، فالطغاة المتغنون بالديمقراطية والحرية لا يطمئنون إليها، عندما يمارسها الشعب، بل يرون فيها قبرهم المنتظر. من المؤكد - وتلك طبيعة النفس البشرية – أن مسألة النوم الهانئ، وتذوق الطعام، والاستقرار النفسي، والتفكير بهدوء بال، أشياء قد نسيها صالح منذ أن تنازل كبير الطغاة "مبارك" عن عرشه، ثم جاءت حادثة جامع الرئاسة وزادت الطين بلة، أما مرحلة ما بعد إهانة القذافي وقتله، فمن المؤكد أن الرئيس صالح سيدخل بعدها في غيبوبة تامة، تفقده حتى تذكر أن هناك حمام يمكن أن يفرغ أشياءه فيه، وسيفعلها "على روحه" كالأطفال، وإذا صحا من غيبوبته فسيجلس القرفصاء مستعجلاً، منتظراً أياً من المصائر سيلاحقه، فهو حتى الآن مخير بين مصائر نظرائه الثلاثة: الفرار كابن علي، أو التنازل طواعية كمبارك، أو السحل والقتل كالقذافي.
وتفرض عليّ أخلاقيات المهنة إنصاف الناس "ولا يجرمنكم شنئان قوم ألا تعدلوا"، ويجب القول أن مما يحسب لبن علي أنه رفض رأي مستشاريه بقتال الثوار تحت ذريعة "الإرهاب" وقال بشجاعة: البلد قائمة على الاقتصاد والسياحة، ووصف الشباب الغاضب بالإرهابيين سيضر باقتصاد تونس"، وغادر خلسة، وأعود لأتابع وأدقق في خطابات مبارك الثلاثة قبل خلعه، ولم أجد كلمة واحدة جارحة ضد الشبان الثوار، فقد التزم بسلوك رفيع ومهذب في التخاطب، أما من وصف الأحرار بالجرذان والمهلوسين فقد لاحقونه "زنقة زنقة"، وقبضوا عليه مختبئاً كالجرذ. وحتى لحظة فصل التوأمين "صالح والكرسي"، أتمنى صادقاً ألا يوقع صالح على المبادرة الخليجية، لأنها تقتل نصف ثورتنا بمنحها الحصانة الكاملة لصالح وأركان حكمه، وتحول دون ملاحقة أي مطلوب مهما كانت جرائمه، فأي ثورة سنحقق؟!! أتمنى أن يتماسك صالح ويواجه الثوار العزل حتى تسقط فرعونيته بأيديهم، فهو أشرس وأشد فرعنة من كل نظرائه العرب، فلا أحد منهم – رئيس أو مخلوع – سخر من الموت كصالح، فالرجل عاد من الرياض ليقول: "لا أخاف حتى من الموت، أنا جربت الموت، ومت 15 يوماً بعد حادثة الرئاسة"، وقبلها تحدث صالح بجسد نصف ميت في أول ظهور له من الرياض، وقال: "سنواجه التحدي بالتحدي"، ثم كال شتائمه للثوار واستخدم ما استقبحته النفس، وعافته الفطرة من المفردات.
قناة الشتائم والشماتة: منذ إعلان الديوان الملكي السعودي نبأ وفاة ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز، في الصباح الباكر وحتى فترة الظهيرة، وقناة اليمن تبث أغاني وحفلات رقص، يا جماعة لا تكونوا مثل رئيسكم لا يخاف حتى من الموت، عند الموت لا كبر ولا شماتة مهما كانت مواقف الأمير سلطان "رحمه الله" من النظام اليمني.