تنفيذاً لرغبة علي صالح في مواصلة مخططه الانتقامي ضد تعز وأبنائها، خرج القائم بأعماله عبدربه هادي عن صمته بعد أربعة أيام على قصف مدينة تعز وريفها بمختلف أنواع الأسلحة، ووجه محافظ تعز وأحزاب المشترك بوقف إطلاق النار. وتوجيه هادي، جاء أيضاً بعد توجيه لمحافظ تعز الذي يشغل منصب رئيس اللجنة الأمنية بالمحافظة حمود الصوفي بوقف إطلاق النار، وفي كلا الحالتين، استمرت قوات صالح بقصف تعز بشكل عشوائي، وكأن ما يصدر عن النظام من توجيهات متأخرة جداً إزاء ما يحدث في تعز، يهدف من خلالها صالح وبقايا نظامه إلى توفير مادة خبرية للاستهلاك الإعلامي فقط. فحقيقة ما يحدث في تعز يؤكد بأنها لا تعدو عن كونها توجيهات وأضواء خضراء بين صالح وقواته بمزيد من القصف والتدمير للمدينة التي يكن لها صالح كل حقد دفين بدليل ما تتعرض له من حرب إبادة منذ مايو الفائت. وتشير المصادر الميدانية إلى أن حصيلة الضحايا خلال الثلاثة الأيام الأخيرة بلغت 16 شهيداً وأكثر من 80 جريحاً. وما يزال القصف متواصلاً في كل اتجاه، في حين تؤكد المصادر الميدانية إلى أن التعزيزات العسكرية تتوافد على تعز من معسكرات لبوزة والعند بلحج والسواد من صنعاء، كما وصلت تعزيزات نوعية وخبرات قتالية الى مطار تعز في الأيام الماضية، ما يشير إلى أن صالح وأبنائه لن يوقفون الحرب على تعز، وما توجيهات الرئيس المؤقت عبدربه هادي وقبله المحافظ حمود الصوفي إلا بداية لمرحلة مفصلية من تنفيذ مخططهم الانتقامي الذي يجزم نشطاء تعز وثوارها بفشله كما انتهت مخططات سابقه هُندست ضد تعز. وينفي شباب الثورة في تعز ما يتناقله الإعلام الرسمي المنحاز لصالح وعائلته الحاكمة من «تهم وأباطيل» ضد حماة الثورة في المحافظة (عسكريين وقبليين)، ويقولون إن ما تنقله تلك الوسائل الإعلامية مجرد تزييف لحقيقة حرب تشن من طرف واحد (صالح وقواته وبلاطجته)، ضد محافظة متمدنة ويغلب على أبنائها نبذهم للعنف وانتهاجهم السلم كخيار ثوري منذ اندلعت الشرارة الأولى للثورة السلمية في عموم أنحاء الوطن مطلع العام الجاري. ويؤكد شباب الثورة أن استمرار حرب صالح ومجازره بحق ثوار تعز وسكانها المدنيين أسبابها معروفة للجميع، وتتمثل في أنه يدرك أن تعز هي عمق الثورة الشعبية وخزانها البشري، منتقدين تجاهل دول الخليج والمجتمع الدولي لما يحدث في تعز، بل وتتويج جهودهم بمبادرة سياسية وفرت لصالح وأبنائه في قيادة الجيش والأجهزة الأمنية فرصة ذهبية للانتقام من شعب حر ومكافح يصرخ في وجه العالم «ارحل يا صالح». ومع ذلك، يبدو أن صالح ما يزال يتهرب من التزاماته بتنفيذ بنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وتحديداً نقل صلاحياته كاملة إلى نائبه وبند تشكيل لجنة عسكرية أمنية (مجلس عسكري)، ويربط محللون سياسيون بين مماطلة صالح من تنفيذ هذا البند وبين ما تشهده تعز وشمال صنعاء من تصعيد عسكري، وذلك خوفاً من رحيله المتوقع من المشهد اليمني المرتبط بقاءه من خلال نفوذه داخل المؤسستين الأمنية والعسكرية. وباستمرار القصف المكثف والعشوائي لمدينة تعز وريفها الشمالي، يكون صالح قد سد كل الطرق على نفسه وأسرته من الرحيل بلا محاكمات أو منحهم حصانات. يتساءل كثيرون: لماذا تعز تعيش تحت القصف والتدمير؟ وعلى منطق هذا السؤال، إلا إن إجابته لا تبدو مقنعة للبعض، ولكنها الحقيقة. يقول إبراهيم محمد أحد شباب الثورة في تعز «إن صالح يعاني عقدة شخصية تجاه تعز وإن خروج أبنائها لحماية مدينتهم عقب محرقة ساحة الحرية سبب رئيسي لكل هذا الانتقام الذي تعيش ويلاته محافظة كاملة». وإلى ذلك، يرى أبناء تعز أن ثمة أسباب متعددة وراء هذا الانتقام منها ما هو سياسي كون هذه المحافظة عمقاً للثورة الشعبية ومعارضي نظام صالح، وآخر مناطقي يستكثر على أبناء تعز الدفاع عن أنفسهم في وجه آلة القمع الغاشمة، فضلاً عن عوامل محلية أخرى، جميعها يذكي استمرار القصف اليومي. لكن على ما يبدو أن هذه العملية دخلت طور النهاية، بعدما بدأ حماة الثورة من تنفيذ عملياتهم النوعية ضد قوات صالح المنتشرة على مختلف مناطق تعز وأحيائها والتي تفرض حصاراً خانقاً على المدينة. وأكد قادة ميدانيون بأن مرحلة الدفاع عن الأحياء انتهت «الآن بدأنا مرحلة تحرير تعز من كتائب صالح التي قتلت خير رجالنا وأعز أطفالنا ونسائنا وهذا حق مشروع لنا ولكل من طاله ظلم هذا النظام المستبد»، طبقاً لمتحدث باسم حماة الثورة. وتشير تطورات الوضع الميداني إلى استعادة حماة الثورة سيطرتهم على أجزاء واسعة من مدينة تعز، على حساب قوات صالح التي تتمركز على رؤوس الجبال وأحياء جنوبالمدينة التي حولتها إلى ثكنات لقصف الأحياء الشمالية. ويتهم شباب الثورة في تعز صالح بجلب آلاف المسلحين «البلاطجة» من خارج المحافظة للقيام بمهام عسكرية وأمنية ضد أبناء المحافظة، ما يعزز من نغمات الشعور بالتمييز المناطقي الذي يريد صالح ومساعديه أن يعود من تعز كونها قلب اليمن، في محاولة فاشلة لوأد الثورة. وفي ظل بدء سريان المبادرة الخليجية بجملة اتفاقات بين طرفي المعادلة السياسية في البلد، في حين لم يتغير واقع تعز وغيرها من أنحاء البلاد في شيء، بات يشعر شباب تعز بخروج محافظتهم عن حسابات الساسة سلطة ومعارضة. وعلى أي مرفأ رست سفن الحل السياسي، يبدو أن الرئيس المؤقت المسكون بمخاوف من تصدره المشهد أن ردة فعله تجاه مخططات قوات صالح التي تدمر تعز وشمال صنعاء ستجعله في موضع اختبار اليمنيين لمقدرته على صنع التحول طبقاً للمبادرة الخليجية التي أتاحت له فرصة للخروج من جلباب صالح ولم تخسف به إلى مصير صالح نفسه.