لكل منا بدايات قد تكون الأجمل وربما هي التي تقوده نحو قناعات ما.. ربما ليست جميلة بالمطلق وليست سيئة بالعموم.. وربما كانت بداياتي مع التدريس متأرجحة بينهما..فلم تكن تلك المحببة إلى نفسي ولا تلك التي امقتها في بداية سيري في طريق التدريس لم أكن أراه إلا من تلك الزاوية الضيقة التي يراه الجميع منها.. كنت أظن أو لنقل اجزم أنها مهنة من لا عمل له...وان كل من احتار في أمره عزم أن يكون مدرسا..لكلا الطرفين رجال وإناث.. واشعر بالضيق عند استيقاظي صباحا ... ورغم حبي للأطفال إلا إني كنت عازمة على ترك تلك المهنة التي لا أحب ..لم أفكر في أي شيء سوى التخلص من لقب مدرسة ...بالنسبة لي كنت أخفيه...ولا ادري ماذا كان يدور في بالي وأنا أتهرب منه وكأنه وصمة عار.. ولم افهم معناه الحقيقي.. لم يزرني ذلك الإحساس الرائع الذي كان يحدثني عنه مدرسي حينما صارحته إني لا أحب مهنة التدريس ولا يستهويني لقب مدرسة.. مرت أيامي طويلة...كئيبة وأنا ارشف حزن كوني على طريق مُدرسة.. لم أفكر ولو قليلا في أي ايجابية لتلك المهنة, وتزداد سلبياتها كلما سمعت زميلاتي يتمنين العمل في مدارس حكومية كونها أكثر راحة..أو لنقل أكثر استهتار.. اسمعهن باستغراب ..تلك التي تريد أن تصبح مدرسة في مدرسة حكومية حتى تأخذ راحتها فلن يحاسبها احد هناك.. لن تمتد يدا إلى راتبها لتسحب منه مبلغا قيمة تلك الأيام التي مررتها باستهتار.. كلهن كن يجزمن إنهن سيرتبن أمورهن مع المديرة أو المدير.. كن يرددن على مسامعي أحاديث الشفقة لاني لم أسجل اسمي في (الخدمة المدنية) لالتحق بسجل استهتارهن..في المدارس الحكومية.. لكني اجزم إني لا أريد أن أكون مستهترة بدلا من مُدرسة.. انتابني شعورا بالحزن على وطني كلما ارتطمت كلمات عبثهن بمسامعي.. وبدأت بعدها اعي ان مستقبل وطن يعني مدرسا صالحا...وان ما نحن فيه بدأ بكلمة استهتار لمدرس وتعمقت أكثر في التدريس عشت حياة مع الأطفال أحببتهم حد الالتصاق بهم.. راقبتهم يكبرون وينضجون فكريا وعلميا بين يدي (مدرسة) هي أنا رأيت أطفالي الذين زرعت فيهم بذرة العلم الأولى يركضون نحوي بأذرع مفتوحة يحتضنونني ويقبلوني...يشدوني من يدي ليتجهوا بي نحو ابائهم..ويقولون بكل فخر (هذه مام جاكي) هكذا ينادونني.. يومها فقط فهمت ا ن (مام) تعني ماما...لاني أصبحت (ام) قبل ان أصبح حقا..علمتني هذه الحركة البسيطة..إن أولئك الأطفال جاءوني كلوح ابيض وأنا من خط عليه الأحرف الأولى ...كان لي شرف النحت في عقولهم البريئة.. هنا فهمت اني اخطر ممن يحمل في يده بندقية..إني أقوى ممن يضرب بالمدفعية..أنا ابني جيل ... وكيفما بدأته سيبنى وطني الذي احلم.. تذكرت كم معلم ألهمني.. أحببته.. فأحببت الحياة معه..وكم معلم كرهته فغير ملامح حياتي نحو الأسوأ.. الهدم أسهل من البناء ..والأصعب منهما ان تقود امة نحو الحياة نحو العطاء.. واستغرب أكثر وأنا أرانا نظن أنها مجرد وسيلة لكسب لقمة العيش.. كل قيم المجتمعات المتحضرة تبدأ بمدرس صالح صاحب خلق ...يعمل بأمانة.. كل حضارة بنيت كان بناؤها على يد امة ارتشفت أحرفها بأكواب من ذهب على أيد أمينة.. فلاسفة..علماء..وكتاب ..جميعهم خطوا أول سطر في حياة إنسان ..أصبح تكوينا صالحا في وطنه ينقصنا نحن هنا ذلك المعلم الأكفأ ...ذلك الذي يحمل على عاتقه مسؤولية أن نكون..أو أن لا نكون.. هي رسالة سامية ..بسمو صانعيها ...وباعثيها بين جنبات الأجيال.. ربما الغد لن يأتي سريعا ...لكني متأكدة أن العلم ومهما بعدت المسافات يصل قبل كل شيء.