الثورة ليست نزهة وليست مخيماَ صيفياً.. الثورات لا تنجز بيومٍ وليلة؛ ولا بد لأي ثورة حتى تحقق أهدافها أن يكون لديها طول بال فيما يتعلق بعامل الوقت. - كثيرون يغيب عن بالهم أن ثورة سبتمبر لم تخرج حقيقةً من عنق الزجاجة إلا عام 1970. رغم رحيل الإمام في 6219. وقد استشهد الزبيري أبو الأحرار على يد فلول الملكية في 1965 وليس 6219! واستمر الصراع بين فلول الملكية والقوى الجمهورية إلى ما بعد حصار صنعاء في 1969. ولا ننسى هنا أن البردوني أطلق صرخته المدوية ضد التدخل السعودي في اليمن وضد الموالين له من المسؤولين في الداخل بعد 1962 بسنوات طوال : «أمير النفط نحن يداك نحن أحدّ أنيابك/ ونحن القادة العطشى إلى فضلات أكوابك/ ومسؤولون في صنعاء وفراشون في بابك/ لقد جئنا نجر الشعب في أعتاب أعتابك/..../ فمرنا كيفما شاءت نوايا ليل سردابك/ نعم يا سيد الأذناب إنا خير أذنابك». ولم تعترف السعودية بالجمهورية العربية اليمنية وتعتذر إلا في عام 1970! - التاريخ يشهد أن كل الثورات في العالم تأخذ مداها في سنوات، فأم الثورات في العصر الحديث الثورة الفرنسية استمرت 4 سنوات في مرحلتها الأولى، والحال نفسه مع الثورات الصينية والهندية والثورات العربية منتصف القرن الماضي وغيرها.. وكذلك يقال عن الثورات الشعبية التي سبقتنا في الربيع العربي التونسية والمصرية والليبية. ستظل القوى المضادة للثورة تعمل بخفاء أحياناً وبجلاء أحياناً أخرى حتى تيأس وتستقر الأوضاع بوعي الشعوب ووجود القيادات الواعية النزيهة.. ألم تُسقط اللجنة المستقلة للانتخابات في تونس قائمة العريضة الشعبية التي فازت بالمركز الثاني في الانتخابات الأخيرة بقيادة الهاشمي الحامدي صاحب جريدة وقناة «المستقلة» بسبب مخالفاتها وثبوت دعم الرئيس المخلوع زين «الهاربين» بن علي لها. وفي مصر الأمر أوضح وأجلى وكذلك في ليبيا وإن كان خفياً إلا للمراقب المتابع للتفاصيل! - التحول من نظام قديم بال حكم 33 عاماً له تشعباته وتجذراته في الدولة والثقافة اليومية، وله نفوذه وفلوله وأدواته وخبرته في التعامل مع نقاط القوة والضعف في المجتمع، من الطبيعي أن يستمر في اللعب على الأوتار الحساسة في السياسة والاقتصاد والنسيج الاجتماعي وتجيير كل ذلك لصالح بقائه وإضعاف خصومه؛ التحول من هذا النظام إلى نظام يحمل معالم جديدة هي معالم الدولة المدنية المنشودة، دولة الحريات والحقوق، دولة القضاء المستقل والشفافية المالية والإدارية والمواطنة المتساوية.. هذا التحول لا بد أن يأخذ مداه الزمني الذي ربما يفوق توقعات كثير من الشباب في الساحات. - ولعل جلاوزة النظام في اليمن بدؤوا باكراً في الثورة المضادة ليس أقلها الخطابات المسفة لعلي صالح بعد توقيعه على المبادرة. ذلك أنها خطابات تأزيمية بعد توقيع تصالحي؛ كال الاتهامات فيها لخصومه بجريمة لم تظهر التحقيقات بعد المسؤول عنها.. ووصف من وقع معهم المبادرة – قبل أن يجف مداد التوقيع!- أن الصهاينة أهون منهم. هذا خطاب حرب بكل أركانه. وفي اليوم التالي يسقط 5 من المتظاهرين سلمياً على يد بلاطجته.. ويخاطب بعدها يحيى محمد صالح ابن أخيه المعتصمين بكل بذاءة : «ارفعوا مخلفاتكم! وارحلوا من شوارعنا»! ثم يصدر المتنحي عن الرئاسة عفواً عاماً عن كل من ارتكبوا حماقات (المجازر التي ارتكبت هي في نظره مجرد «حماقات»!). إنها خطابات تحمل دلالات خطيرة عما يريد أن يجر اليمن إليه؛ وقد بدأت بوادرها تلوح في الأفق من تعز. - ولعل أهم ملامح الثورة المضادة في اليمن المحاولات الحثيثة لوأد الثورة واختراق صفوف الثوار بنشر الشائعات حول مكوناتها المختلفة فالثورة – بحسبهم – مخطوفة من قبل المعارضة، ومسروقة من علي محسن ومفخخة بآل الأحمر خصوصاً حميد وصادق، ومشوهة بكل من يلجأ لمعارضة النظام سياسيا ًوليس ثورياً. تسعى الثورة المضادة لشق الصف الثوري بين السياسيين والثوريين والعسكريين والقبليين وضرب بعضهم ببعض، وخلخلة صفوفهم وجعل بأسهم بينهم وبقايا النظام هي المستفيد الأول والأخير من ذلك، وهذا هو الذي أبطأ سقوطها وليس تنوع مكونات الثورة. فصرت تجد صحفاً محسوبة على الصف الثوري من أولها لآخرها تعبئة غريبة على بعض مكونات الثورة، ولا تذكر النظام إلا بصورة عرضية وثانوية مما يوحي بأن النظام قد نجح في بعض مراميه. في حين كان الرد البسيط على كل تلك التخوفات أن المخرج السياسي هو أدنى الممكنات ويحقق- إن كتب له النجاح - أهداف الثورة، وهو خطوة وإن كانت لا يرضى عنها بعض الثوار إلا أنها في طريقهم نفسه ولا تتعارض أبداً أو تتناقض مع المخرج الثوري، بل كل منهما يدعم الآخر ويسانده؛ ولا ننسى أن المعارضة السياسية هي من أوقد قبل سنين شرارة «النضال السلمي ضد النظام» وإن لم يكن النضال السلمي آنذاك يتغيّا الثورة بل الإصلاح السياسي لظروف وأسباب موضوعية. - ثورتنا الشعبية لا يمكن أن تختطف أو تسرق أو تجهض لسبب بسيط هو أنها «ثورة شعبية». فهي لست اغتيالاً فالاغتيال يعبر عن شجاعة فرد وجبن أمة. وليست انقلاباً عسكرياً فالانقلاب يعبر عن شجاعة مجموعة من العسكر وجبن أمة. وليست ثورة نخب كالثورات العربية منتصف القرن الماضي؛ فثورة النخب تعبر عن وعي النخب وجهل الشعب. هذه ثورة شعبية؛ ثورة في الوعي العام لدى الناس، وهم الضمانة الوحيدة لحمايتها وتحقيق غاياتها النبيلة المرسومة في ضمائرهم. - الجديد في الثورة المضادة في اليمن، خلافاً لثورات الربيع العربي، أنه يقودها الرئيس المخلوع بنفسه ومن قلب العاصمة اليمنية صنعاء وبكل جرأة وابتذال وإسفاف، وسيكون من المؤسف لو خذل المصطفون في الخندق الواحد – سياسيون وعسكريون وثواراً – بعضهم بعضاً بسبب اختلاف الوسائل واسترخصوا الدماء النقية التي سالت أمام أعينهم جميعا. المصدر أونلاين