قبل عدة اشهر وقبيل انطلاقة الربيع العربي، كنت أتابع قضية مهجري الجعاشن وتطوراتها.. ويلفتني تحرك الثائرين توكل كرمان وخالد الآنسي وكلاهما صديق وأخ على مدى سنوات حملت لهما كل التقدير والحب ولا أزال ثم تابعت دعمهما الانتفاضة الطلابية التي فجرت الثورة اليمنية الأخيرة ضد نظام صالح امتدادا للربيع العربي والجزء الأول من خريف أنظمة القرن الحادي والعشرين.. كل ذلك وأنا من موقعي الصحفي وعملي في مؤسسة أمريكية في العاصمة واشنطن.. وسط كل هذا كانت تدور الكثير من الحوارات عبر العديد من المراحل مع أصدقائي هنا منير الماوري، محمد الباشا، مراد هاشم، جمال الحمادي في كل جلساتنا كنا نترك همنا الشخصي للحديث حول اليمن والوضع فيها والى أين يمكن أن تسير الأمور..ثم وبحكم طبيعة عملي مع صحفيين ومحللين عرب وأمريكان..كانت تتباين الآراء كثيرا، فمنير مثلاً كان أكثر الأشخاص ثقة بانهيار النظام وانشقاق محسن وعناصر من النظام. واتت الجمعة التي جعلت وجهة نظرة تبدو صحيحة يومها للوهلة الأولى اتصل بي وقال ألم اقل لك: لقد انشق الجنرال وأنهار نظام صالح ويومها قلت له لقد نجى صالح والجنرال سيسدي له واحدة من أهم الخدمات في علاقتهما المشتركة بقصد او بدون قصد وتذكر ذلك.. وبعدها دارت نقاشات كثيرة وقمت بإجراء حوارات مع عشرات السياسيين الأمريكيين والعرب واليمنيين حول مستقبل الثورة اليمنية..وكانت في اغلبها تعتبر أن صالح تعرض للخيانة التي ستقضي علية سريعا كبن علي ومبارك ولن يصمد كالقذافي الشرس.. أتذكر أيضا الزميلة العزيزة منى صفوان.. في حوار بيننا على الفيس بوك كيف انفجرت أثناء حوار حول مستقبل الثورة في اليمن وقامت بمهاجمتي في صفحتها دون ذكر لأسمي.. فقط لأننا اختلفنا حول أدوار شخوص الثورة وقادتها والتأثير الممكن سلبا وإيجابا لكل فرد منهم على مستقبل اليمن . اليوم وبعد مرور اشهر هل ما يزال هناك من يعتقد فعلا بأن الثورة حققت أهدافها أو أنها مستمرة أو أن نظام صالح سقط.. وان يوم الجمعة الدامي كان يوما مباركا بإنضمام الأنصار إليه ثم تطويقه وتحويل الثورة إلى أزمة سياسية انتهت بمصالحة واتفاق سياسي ومحاصصة حزبية ..(رغم أني شخصيا أميل لهكذا حلول تفرق ولا تمزق) ..ولست من دعاة الحرب من اجل السلام.. لكني لا أستطيع أن أغيب عقلي عن التفكير حول ماذا حدث وكيف حدث وأدوار الأشخاص في هذه المرحلة الثورية..والسؤال الأهم هل مازال هنالك ثورة؟! وأين هي أرضيتها؟ فالثورة ليست مقراً للتجمع؟ سيرد عليّ آلاف الأشخاص: نعم لا تزال الثورة قائمة وستبقى حتى يرحل النظام.. لكن من في الساحات الآن؟ وما هو مشروعهم ؟ هل مناهضة السلطة! وأياً منها سلطة صالح أم سلطة الوفاق؟ صالح أصبح شرفياً كما يقال ..وباسندوه يقال عنه نفس الشيء.. إذا من يحكم؟ والثورة ستوجه نحو من؟ في قلب الثورة أتحد أعداء نظام صالح إلى جانب مفجري الثورة من الشباب ثم بعد ان تأكد لكل فريق ان النظام سيسقط عادوا لحربهم مع أنفسهم من جديد وما يحدث بين الحوثيين والإصلاح والسلفيين ليس ببعيد.. وعادت نذر مواجهات قادمة تبدو وشيكة وواضحة..بينما لا يزال الشباب في الساحات يرفضون الرحيل قبل ان يرحل صالح في حين أن الحقيقة التي يرفض الجميع مواجهتها هي أن صالح لوحدة لم يكن كل المشكلة وهو الآن كذلك وبعدها ستظهر تفاصيل المشكلات بوضوح ..مشكلة.. مشكلة.. كلا ..على حدة.. وسيكتشف الشباب أنهم قاموا بأهم مما هو ثورة على أسرة حاكمة لقد سمحوا (دون قصد منهم) للجميع أن يدخل في ملعب واحد ..كل شركاء النظام فرقاء وأصدقاء يلعبون في ملعب واحد الآن والمتفرج هو الشباب وهم أيضا الحكم..لكني اعتقد أن الساحات لم تعد المكان المناسب خصوصا بعد ما أشيع عن رفع الدعم المادي والسياسي عنها.. وفي هذا خير كبير.. وتنقية لطهارة الثوار اللذين دخلوها بقلوب محبة لبلدهم.. وليس لهثا وراء وزارة او منصب هنا او هناك ..وما حدث في اليمن خلال الأشهر الماضية كان مدرسة كبيرة جدا تعلمنا منها جميعا ..وعلينا والآخرين أن نتذكر ان اليمن في منتصف القرن الماضي قام بثلاث انتفاضات متعاقبة دون كلل حركات أفضت إلى انقلاب ثوري غير نظام الحكم بالكامل في الشمال واخرج الاستعمار البريطاني من الجنوب. وبالتالي لا يجب أن يخاف شباب الثورة من ضياع المرحلة الأولى من ثورتهم فهي قد ولدت ولن تموت الا بعد أن تطهر الأرض اليوم وغدا وبعد غدٍ ممن قد يحلم واهما بتكرار تجربة السلطة المطلقة ..وهي ستعلم الاجيال القادمة ان الشعوب قادرة متى أرادت ان تهزم الظلم فقط لو خرجت للشارع دون حماية إلا من الله وثقتها بعدالة مطالبها ..وبدون الإفراط في حسن الظن..وقالوا قديما سؤ الظن من حسن الفطن.