الحديث عن اعتقال زعيم جماعة الحوثي أو حتى إصابته ليس بالخبر العادي بعد مرور أكثر من شهرين على بدء معارك الحرب السادسة بين تلك الجماعة وقوات الجيش، ولذلك فقد انتشرت شائعة إصابته واعتقاله سريعاً لا سيما في صعدة، في حين تم التناول مع تلك الأنباء في وسائل الإعلام المحلية تحديداً، ورغم نفي مصادر حوثية تلك الأنباء وعدم تأكيد المصادر الرسمية ذلك بعد مرور أيام على تلك الشائعة؛ ما زالت بعض الوسائل الإعلامية تصر على أنه يرقد في المستشفى العسكري بصنعاء، وذهب أحد المواقع إلى القول أنه توفي سريرياً! وإذ بات من المؤكد لدى الكثيرين عدم صحة تلك الشائعات، فإن ثمة ما يدعو لمناقشة أسباب رواج تلك الإشاعة، ومصدرها وهدفها، وحتى مدى صحتها، لا سيما بعد أن صرح الناطق باسم الحوثيين مؤخراً بأنه لم ينف أو يؤكد أو يعلق على ما نشر حول ذلك، وقال لموقع نيوز يمن الذي نشر خبر إصابته واعتقاله انه لم يصرح وأن "التصريح حول هذا الجانب محظور إلا إذا كان هناك تصريح من جانب رسمي حول إصابته أو اعتقاله، وغيرها فسنرد". تصريحات الناطق الرسمي للمتمردين كانت تشير إلى نفي نقل عنه في موقع الحوثيين بعد دقائق من نشر خبر الاعتقال، وفيه قال ان ذلك مجرد "افتراءات ومن الأوهام والأحلام البعيدة". وأضاف الموقع انه اتصل بالناطق الرسمي للحوثي فرد بالنفي لتلك الافتراءات. وتعد هذه أول مرة يقوم فيها الناطق باسم الحوثي بتكذيب موقعهم على شبكة النت، الأمر الذي يثير تساؤلات حول هذا التناقض، وحول الشائعة ذاتها، خصوصاً أن المتأمل لنفي موقع الحوثيين يجد أنه نفى شائعة الإصابة لكنه لم ينف شائعة الاعتقال التي وردت في الأخبار. بداية يقول الكاتب والصحافي عبد الله السالمي وهو من أبناء محافظة صعدة انه لا يعتقد بصحة اعتقال الحوثي، وإلا لكانت الجهات الرسمية سارعت بإعلان ذلك، إلا إذا كان لهم اعتبارات خاصة من قبيل أن الإعلان عن ذلك سيزيد الحوثيين استماتة في القتال، لكنه يعود ويستبعد ذلك معتبراً أن إعلان عملية الاعتقال إن صحت من شأنه إضعاف أتباع الرجل وليس العكس. وحول تفسيره لانتشار تلك الشائعة ومصدرها، يضيف الزميل السالمي ل"المصدر أونلاين": أتصور أن الشائعة منطلقها من الحوثيين حيث كانوا يظنون أن الجهات الأمنية ستسارع إلى نشر الخبر وتصديقه، ثم يظهر الحوثي في فيديو أو بطريقة أخرى ليكذب ذلك ويظهر تلك الجهات بلا مصداقية. ويعزز رؤيته تلك بنفي النفي من قبل الناطق باسم الحوثي الذي قال انه لن يرد إلا إذا كانت تلك الأخبار مصدرها الجهات الرسمية، ويتابع السالمي: كان هناك على ما يبدو محاولة لتوريط السلطة بخبر بهذا الحجم، لكن السلطة كانت ذكية في التعامل مع الخبر، ولم تورده في أي من مواقعها الرسمية أو الحزبية أو المحسوبة عليها. أما عن الشائعات التي تحدثت عن أن الحوثي يخضع للعلاج في المستشفى العسكري، فقال انها غير معقولة، ولو كانت صحيحة فإن المواقع الرسمية كانت هي الأولى بنشر مثل هذا الخبر، واستبعد أن يتم اعتقاله بهذه الطريقة التي رويت. وبشأن إصابة الرجل في مديرية كتاف، أشار السالمي إلى تلك المديرية لم يكن فيها مواجهات إلا بعد أن أعلن الحوثي قطعه لطريق صعدة كتاف البقع المؤدية إلى الجوف، وقال ان الطيران ضرب تلك المنطقة مخلفاً الكثير من القتلى منهم ومن قبائل تلك المنطقة. وتوقع السالمي أن يكون الحوثي يقود عملياته من تلك المديرية وتحديداً من منطقة "الصدر بني هويدي"، حيث يعسكر هناك الشيخ الاعصر الكعبي ومعه خمسائة من أتباعه، مضيفاً أن ذلك الشيخ لم يدخل في مواجهات مع الدولة في الحرب الأخيرة لكنه حليف قوي للحوثيين، ومن أسباب عدم قتالهم الدولة إيمانهم بأن حسين الحوثي هو المنتظر، وأنه سيعود، ولن ينفذوا إلا أوامره. ولم يستبعد أن يكون الحوثي في تلك المنطقة يدير المعارك من هناك بحماية الشيخ الاعصر، وبالتالي يضيف السالمي فمسألة إصابته بعد المعارك الأخيرة في تلك المنطقة احتمال وارد، لكن مسألة تأكيد ذلك متروكة لدلائل قاطعة. من جانبه يتفق الكاتب والصحافي محمد عايش مع السالمي في أن عملية الاعتقال لو صحت لكانت الحكومة أعلنتها سريعاً لحاجتها لذلك بعد أسابيع من عدم تحقيقها إنجازات ميدانية، ويرى أن عدم مسارعة الحكومة لتأكيد ذلك مؤشر واضح على عدم حدوث الأمر من أساسه. ويتفق عايش، وهو متابع دقيق لأحداث صعدة، أيضاً مع الطرح القائل باحتمال إصابة الحوثي، ويقول ل"المصدر أونلاين": احتمال إصابته وارد لأن الرجل يقود معركة ميدانية وليس من المستبعد ذلك، لكنه يستدرك بأن تأكيد ذلك مسألة صعبة. ويتابع قائلاً: قد يصاب نتيجة قصف طيران أو غيره، لكن في رأيي الحوثيين ليسوا أغبياء بحيث يكون قائدهم في مقدمة الصفوف، وبالتالي فأمر الاعتقال مستبعد كلية، ولا يمكن أن نتوقع حدوث شيء للحوثي سواء إصابة أو غير ذلك إلا بعد أن تكون السلطة قد سيطرت على مسافات شاسعة بحيث تستطيع الوصول إليه، وهو ما لم يحدث على أرض الواقع. ويُذكر الكاتب والمحلل عايش بأحداث الحرب الأولى عندما تم قتل حسين الحوثي حيث لم تتمكن السلطة من ذلك إلا بعد أن تمكنت من السيطرة على كل مران ووصلت إلى منزله. ويبدي عايش استغرابه من التصريح الأخير المنسوب للناطق باسم الحوثي محمد عبد السلام الذي نفى فيه أن يكون قد نفى خبر اعتقال أو إصابة الحوثي، وقال ان نفي النفي اذا ما صح فهو يؤشر إلى بداية إرباك إعلامي لدى الحوثيين، لأن موقع المنبر نت لا يزال حتى اليوم يظهر التصريح المنسوب لعبد السلام والذي ينفي فيه اصابة الحوثي. وإذ يشير إلى نجاح الحوثيين في إدارة معركة إعلامية ناجحة بحيث دلت على قدرات لديهم على التواصل خلال المعارك، يقول ان الإرباك الأخير قد يؤشر على وجود مشكلة في التواصل بين القيادات وإعلامييهم.