لأول مرة يضع الحوثي نفسه في مواجهة وسائل الإعلام المحلية والخارجية بنفيه للأنباء التي تحدثت عن سقوط أكثر من مائة قتيل في معارك دارت رحاها في محيط مدينة صعدة وبالقرب من القصر الجمهوري في محاولة للسيطرة عليه كما ذكرت تلك الأنباء. مواقع محلية وفضائيات ووكالات عالمية أكدت هذه الأنباء بشيء من التفصيل قبل أن يتم تناول الخبر من قبل الإعلام الرسمي، وبالطبع فإن لتلك الوسائل الإعلامية المحلية والخارجية لها مصادرها التي تستقي منها الأخبار يومياً من الميدان سواءً في داخل المدينة أو في بعض الجبهات الأخرى. المكتب الإعلامي للحوثي فاجأ الجميع بنفيه ليس فقط لأعداد القتلى أو لبعض تفاصيل المعركة، بل نفى حدوث أي شيء في ذلك اليوم، وهو ما أثار تساؤلات عن مدى صحة تلك المعركة التي وصفت ب"غير المسبوقة"، وعن الأسباب التي جعلت الحوثي ينفي في حال صح حدوث تلك المعركة. وسائل الإعلام المحلية دون استثناء تقريباً تناولت الخبر الذي قفز باليمن إلى صدارة نشرات الفضائيات وأخبار الوكالات، وكان فحو الخبر أن ثمة هجوم شامل نفذه الحوثيون على مدينة صعدة من عدة اتجاهات، فضلاً عن معارك دارت بالقرب من القصر الجمهوري، في محاولة للسيطرة على المدينة والقصر الجمهوري، وبالتالي إعلان السيطرة على محافظة بصعدة بكاملها إذا ما أخذنا بالاعتبار أن الحوثي مسيطر على غالبية مديرياتها بشكل كامل وشبه كامل. وفي نفيه قال المكتب الإعلامي للحوثي انه: لا صحة على الإطلاق لما تناولته بعض وسائل الإعلام عن مواجهات في محيط مدينة صعدة ومحاولة اقتحامها. مضيفاً أن هذا يندرج ضمن التبريرات التي تحاول بعض الأطراف تسويقها من أجل إبقاء الحرب تحت هذه الذرائع الغير صحيحة، وتسويغ الاعتداء الذي لم يتوقف في مختلف المناطق. ولم يكتف الحوثي بهذا البيان بل أرسل مكتبه بياناً آخر واصفاً ما قيل عن المواجهات بأنه محض افتراء وكذب المقصود منه استمرار الحرب. نفي الحوثي كان مفاجئاً لأسباب عدة أهمها أنه استطاع منذ بداية الحرب اكتساب مصداقية أكثر من السلطة التي تتحدث يومياً عن انتصارات وتطهير لمناطق ثم يتضح أن تلك التصريحات أقل ما توصف بأنه مبالغ فيها، بينما دأب الحوثي على تأكيد تصريحاته حول التطورات الميدانية بالصوت والصورة عبر مقاطع فيديو تبث عبر الأنترنت. غير أن نفيه لمعركة يوم العيد أثار الشكوك حول مدى صحة بياناته التي يشرح فيها الواقع الميداني اليومي، إذ أنه وبغض النظر عن المعلومات الحقيقية لما حدث أو لما لم يحدث، يصعب للوهلة الأولى تكذيب وسائل إعلامية بحجم الجزيرة والعربية والوكالة الفرنسية ورويترز التي بالتأكيد لها مصادرها الخاصة، وتصديق رواية الحوثي، فضلاً عن مندوبي وسائل الإعلام الداخلية لا سيما المواقع الإلكترونية. وإلى ذلك فإن الإعلامي المتابع لمجريات الحرب يستبعد فرضية أن تكون السلطة استطاعت "فبركة" حدث مثل هذا وهي التي عودتنا على سوء أداءها الإعلامي مقارنة بالحوثي، وزيف فبركاتها التي يمكن أن تقوم بها بين الحين والآخر كجزء من الحرب الإعلامية بين الطرفين. وبعيداً عن ذلك فإن طرح تساؤلات حول حقيقة ما حدث أو لم يحدث، وتأكيد تلك المعركة أو تأكيد نفيها يبدو مهماً بالنظر إلى حجمها وأهدافها والخسائر البشرية التي أعلن عنها وتم نفيها. الكاتب الصحفي محمد عايش يقول ان تلك الأحداث إن صحت وغيرها من المواجهات تثبت أن أفق إيقاف الحرب لا زال بعيداً، فهذا ثاني قرار تتخذه الحكومة بتعليق العمليات ولا يصمد. ويرى أن سبب عدم صمود مثل هذه القرارات رغم أن الحكومة حريصة على تنفيذها والحوثي أيضا يرحب بها، هو أن الجيش لم يصل إلى أي إنجاز، ومن المستحيل أن تتوقف الحرب دون يكون للجيش إنجازاً يمكن من خلاله أن يقنع الرأي العام بإيقاف الحرب باعتبار أنه حقق بعض الأهداف. ويضيف ل"المصدر أونلاين" إن الحوثي لا يساعد الجيش على تنفيذ وقف العمليات من خلال خطابه التصعيدي المتمثل بحديثه شبه اليومي عن تحقيق انتصارات وغيره. وبشأن ما حدث في أول أيام العيد يقول عايش، ان الحوثيين في اعتقاده هم الأقرب للواقع، فهم "عودونا أن يتحدثوا بكل شيء"، فضلاً عن أنه من مصلحتهم المبالغة في الحديث عن المعارك لا نفيها كي يثبتوا أن السلطة لم تلتزم بقرار إيقاف الحرب. ويضيف انه قد تكون حدثت بعض المناوشات في محيط المدينة لكن الحديث عن أعداد هائلة من القتلى أمر مبالغ فيه حسب رأيه. وعن تفسيره لنفي الحوثي في حال صحت تلك المعارك يقول: إذا ما كان الأمر كذلك فإن الحوثي يهدف من نفيه إلى تجنب الحرج أمام الأطراف التي تدعو لوقف إطلاق النار، وآخرها دعوة الأمن العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، مع الأمر بحاجة إلى تأكيد كما يضيف. من جانبه أكد الكاتب والصحفي عبد الله السالمي حدوث المعارك أول أيام العيد، وقال ان ما يقرب من 500 إلى 600 حوثي شنوا هجوماً على النقاط المحيطة بصعدة لكنهم ووجهوا بصد لم يكن يتوقعه، مشيراً إلى وقوع خسائر كبيرة في صفوف الحوثي. وقال السالمي، وهو من أبناء محافظة صعدة مقيم في صنعاء، ان نفي الحوثي "كان على غير العادة"، إذ أن أحاديثه عن المعارك تكون مقتضبة وواضحة بخلاف بيانه حول تلك المواجهات الذي بدا متناقضاً، ففي حين ينفي البيان صحة وقوع أي معارك، يذكر في نفس البيان أن الجيش قصف جميع المناطق المحيطة بصعدة، وللمتابع أن يتساءل: لماذا قام الجيش بقصف جميع المناطق المحيطة بصعدة كما أكد الحوثي ذلك إن لم يكن هناك هجوم معادي أو مواجهات استدعت القصف؟. وأضاف ل"المصدر أونلاين" ان "حبكة النفي لم تكن مقنعة"، وتدل على أنه تكبد خسائر كبيرة، وهو لأول مرة يخون وسائل الإعلام وبعض المواقع المحلية. وعن تفسيره لنفي الحوثي قال: الحوثيون عودونا على عدم الإفصاح عن قتلاهم لحد أن بعض الأسر لا يعرفون أن أبناءهم قتلوا في الحرب الرابعة مثلاً أو الخامسة، ناهيك عن الحديث عن القتلى لوسائل الإعلام، فمن الطبيعي أن ينفي مقتل العشرات من أنصاره في تلك المعركة. ويتابع السالمي قائلاً ان من أسباب نفي الحوثي للهجوم أنه لا يريد أن يتهم بأنه خرق وقف إطلاق النار بعد ساعات فقط من إعلان الدولة تعليق العمليات العسكرية، مضيفاً ان الحوثي يشعر بأن هناك نقمة شعبية في صعدة، حتى على افتراض الحديث عن مجازر جراء القصف، فالناس يحملوا الحوثي جزء من المسئولية باعتبار أنه لولاه لما وجدت هذه الحرب أصلا. وعن أهداف الحوثي التي كان يريد تحقيقها بتلك المعركة، قال ان الهدف الأساسي هو الالتحام بعناصره الموجودة داخل المدينة، والتي تعيش حالة حصار، لإمدادهم بالغذاء والسلاح، بالإضافة إلى تكبيد الجيش خسائر كبيرة والحصول على أكبر قدر من الغنائم، مشيراً إلى أن السيطرة على القصر الجمهوري كان أيضاً من ضمن أهدافهم. وقال ان ثمة أنباء أيضاً تقول بأن الحوثيين كانوا ينوون إقامة صلاة العيد في جامع الهادي بصعدة.