الخبر الجيد الذي يمكن أن ينتهي به يوم لزج وثقيل في صنعاء هو أن «اليوم جزع»، في انتظار يوم آخر، أفضل ما يمكن أن يحدث فيه هو أن لا يحدث شيء. هذه الأيام ليست باردة فقط، إنها طويلة ومحفوفة بالمخاطر وتسير ببطء، تماماً كمن يسير في حقل ألغام، بحرص وهدوء، ودرجة عالية من التركيز مخافة أن ينفجر في وجه البلاد لغم إفشال الوصول إلى يوم الانتخابات، الخبر الجيد أننا لا نزال نغذ الخطى للخروج من حقل الألغام. حدوث انفجار مشابه، سيكون شبيهاً بالمتوالية التي تجر الأولى بيد الثانية، لا أحد سيعرف على وجه التحديد ما الذي يمكن أن يجره تعطيل الانتخابات أو رفضها من قبل المتضررين من خروج صالح رسمياً من دار الرئاسة، لكن المؤكد أن ما سيأتي بعد ذلك لن يتوقف ولن يكون ساراً على الإطلاق، وسوف تفتح أمام البلاد كل الطرق السريعة نحو جهنم. بعض أركان النظام السابق، لم يقتنعوا بعد أن زمن «صالح» انتهى تقريباً، ولا يتصورون أن هناك ما قد يهدد امتيازات العقود الثلاثة الماضية، وهم بالتأكيد لا يستطيعون مقاومة إغراء أي فعل قد يؤخر انتقال السلطة والنفوذ من أيديهم. صالح شخصياً سيكون لديه الاستعداد لفعل أي شيء يفتح له طريق العودة إلى صنعاء كالبطل الذي يهرع لإنقاذ البلاد من الحرب الوشيكة، ومثل أي رجل يشعر بالانكسار والخذلان، سيظل يتخيل دائماً طرقاً مجنونة تجعله قادراً على رد الاعتبار لنفسه وإثبات ما يرغب فعلاً في أن يكون عليه: الرجل الداهية الذي استطاع أن ينجح في مراوغته الأخيرة، ويقنع الجميع أنه كما يزعم «صمام الأمان» للبلد القابل للانفجار دائماً. صالح ليس اللغم الوحيد في الطريق للعهد الجديد، إنه وهو يغادر مطار صنعاء يعرف جيداً أنه قد خلف وراءه ألغاماً صغيرة في كل مكان، ويعرف جيداً أن كل ما يحتاج إليه هو تسخين الأجواء للدرجة القادرة على توليد اللهب، مجرد لهب صغير قادر على تفجير الكثير من الألغام. بالنسبة لي لا أستطيع أن أؤكد ما إذا كان صالح يخطط لشيء أم أنه «قد بطل البعساس»، وفيما يخص صالح تحديداً فإن كل شيء متوقع، وبعض المؤشرات السلبية لتصرفات رجاله في صنعاء والأخبار التي لا تنقطع تشير إلى ما يؤكد المخاوف السابقة. لكن وفي كل الأحوال فإن السعي لعرقلة الانتخابات من طرف صالح وأركانه مفهوم وفق السياقات السابقة. ما هو الشيء غير المفهوم؟ إن بعض الرفاق الذين ناضلوا ضد السياسات الخاطئة لصالح، وكافحوا من أجل شعارات اليمن الجديد، يعملون وبوتيرة عالية من أجل استمرار بقاء صالح رئيساً بعد يوم 21 فبراير، بالنسبة لي أشعر أحياناً بالارتباك وعدم الفهم تجاه موقف بعض المكونات والرموز الثورية الرافض للانتخابات الرئاسية التي ستنهي وبشكل قاطع مرحلة صالح، إن إضفاء الشرعية على شخص بديل لصالح في كرسي الرئاسة هو أعظم ثمار الثورة اليمنية في مراحلها الأولى. لقد تابعت خلال الأيام الماضية نقاشات ثرية مع أصدقاء، وتابعت الكثير من الشباب وهم يتجادلون حول جدوى انتخابات رجل تم التوافق عليه مسبقاً، ووجدت أن أغلب الشباب واليمنيين يرغبون فعلاً في التغيير والذهاب إلى صناديق الانتخابات ليس من أجل عبدربه شخصياً وإنما من أجل إسدال الستار على حقبة والشروع في أخرى ليس بينها صالح. رأيي أن الذهاب للانتخابات المقبلة والتصويت لعبدربه لا يقل بطولة عن أي عمل ثوري قام به الشباب خلال الفترة الماضية، ويستطيع المرء أن يسرد الكثير من الحجج المنطقية التي تدعم وجهة النظر هذه، على اعتبار الانتخابات مرحلة مهمة جداً في الثورة، بل أبرز مراحلها، ولا يمكن للثورة أن تستمر كفعل ثقافي واجتماعي يتسرب إلى قلوب كل اليمنيين وعقولهم بشكل تدريجي، سلمي وسلس ما لم يتخذ اليمنيون هذه الخطوة. إن التحدي الأبرز الذي ينتظر اليمنيين الذين خرجوا من أجل التغيير خلال هذه الأيام والأيام التي تلي الانتخابات هو المحافظة على الحد الأدنى من المقبول المشترك بين مكونات الثورة، الأشياء التي يمكن أن تؤسس بشكل صحيح لعهد جديد يشعر فيه كل اليمنيين أن ثمة ما تغير، وأن هذا التغيير يسير في الطريق الصحيح الذي يرضي تطلعات اليمنيين وأشواقهم.
الثورة في اليمن لن تكون المسيرات والاعتصامات العظيمة التي قادها وسار فيها أنبل الشباب في هذه البلاد، إنها تنفع لتكون سنة تأسيس، لمرحلة تغيير يذهب عميقاً في المجتمع لإحداث تحولات تلامس المواطن في احتياجاته الخاصة المرتبطة بمصروف البيت وكسوة العيال «وحق القات». أتردد كثيراً هذه الأيام عندما أهم بالكتابة، أشعر أن كل ما أريد التعبير عنه يدور حول جملة واحدة: «صلوا على النبي يا جماعة»، والكلام موجه بالطبع لرفاق الثورة، القليل من التوترات السيئة بين بعض مكونات الثورة يربك السير نحو الأمام، وقد يجعل الجميع يتوقفون تماماً ليتفرغوا للرد أو لمهاجمة رفاقهم في الثورة. انتبهوا جيداً، هناك في الطرف الآخر من ينتظر أن يذهب بكل تضحياتكم هباء، في الوقت الراهن فإن كل شيء يسير في صالح الثورة وليس في صالح صالح، وعلى مكونات الثورة أن يستلهموا الأهداف الكبيرة التي خرجوا من أجلها، ويتنازلوا لبعضهم البعض، ولا داعي للتذكير بأن الثورة حكر على مكون دون آخر، والشيء المهم أيضاً أن تذهبوا للانتخابات وتصوتوا لإخراج صالح، ويبقى على كل من يعتقدون أنهم في صف الثورة مساعدة إخوانهم من الذين وقفوا في الصف المضاد على تطبيع علاقتهم بالعهد الجديد. المرحلة المقبلة تحتاج إلى التحلي بفضيلة التسامح والمحبة، حتى من الطرف الذي يعتقد أنه في جانب الثورة وأنه انتصر، وهذا يستدعي شجاعة كبيرة، لا تقل عن شجاعة الرجال الذين خرجوا بصدورهم العارية في الساحات والميادين، هذا تحدٍ مهم يمتحن معدن الرجال الشجعان وأخلاقهم أينما كانوا. بجملة واحدة: لا نزال وسط حقل ألغام، ولدينا خريطة طريق آمنة، ربما تكون الوحيدة، وهي واضحة في إشارتها إلى الطريق الآمن للخروج، ويبدو صندوق الانتخابات وفق هذه الرؤية هو الباب الذي يمتد خلفه طريق النجاة للسير بعيداً عن المخاطر والأهوال.