تحولت شوارع العاصمة صنعاء إلى «مقلب قمامة» بعد توقف عمال النظافة عن العمل، فيما لجأ بعض السكان إلى إحراقها خوفاً من انتشار الأمراض بينهم. منذ بداية شهر فبراير الحالي وحتى اليوم الثلاثاء، لا يكاد يسعف الإنسان أن يتنفس هواءً صحياً دون أن تختلط به رائحة القمامة المتكدسة، فيما ينتظر المواطنون عمال النظافة لإنقاذهم بانتشالها من الحارات والشوارع. لم يشعر اليمنيون بقيمة العمل الذي يؤديه عمال النظافة، إلا حين توقفوا عن أداء عملهم، إثر مطالباتهم بإنهاء التعاقد وتثبيتهم كموظفين رسميين، وتسليم مستحقاتهم. 25 ألف ريال هو راتب عمال النظافة المتعاقدين مع الحكومة بحسب الكشوفات التي تقدم لهم، حيث يقدر عددهم في العاصمة صنعاء حوالي 5 آلاف عامل، لكن لا يصل إلى أيديهم في الواقع سوى 20 ألف ريال وربما أقل.! تخلو صنعاء من سيارات النظافة والعمال، لكنها متوقفة باصطفاف أمام مقر مكتب الأشغال العامة في شارع الستين، فيما يقف عشرات العمال بانتظار وزير في حكومة الوفاق أو مسؤول للنزول إليهم والاستماع إلى مطالبهم. يقول قابوس سعيد وهو سائق إنه برفقة زملائه ينتظرون منذ 9 أيام زيارة مسؤول في الدولة للجلوس معهم، لكن لا أحد يستمع لهم. بحسب قوله. ويضيف «لا نعلم لماذا لا يهتم بنا المسؤولون والحكومة وكأننا لسنا من البشر»، مشيراً إلى أنهم اضطروا خلال الأيام الماضية لنشر مطالبهم على الصحفيين الذين يزورون مكان اعتصامهم، لكنه يردف بالقول «رغم ذلك فالصحفيون في الأصل لا يهتمون بنا أيضاً». وجدت نفسي غير مرحب به بينهم، على إثر اتهامهم الصحفيين بالحضور إليهم والمغادرة دون أن يتناولوا قضيتهم، وحين أقسمت لهم أن «المصدر أونلاين» سيشارك في نشر قضاياهم، رحبوا بذلك وسردوا لنا بعض قصصهم. يوجد عدد من عمال النظافة تتجاوز فترة عملهم ال20 عاماً، كسعيد الخميسي الذي بدأ العمل منذ الطفولة قبل 21 عاماً، وكان يومها يتقاضى مبلغ 300 ريال مقابل عمله في تنظيف الشوارع، أما اليوم فهو يتقاضى 25 ألف ريال، لا تكفيه لصرفيات أسرته، فهو متزوج من امرأتين ولديه خمسة أطفال. الخميسي تحدث ل«المصدر أونلاين» عن المعاناة التي يعيشها في ظل ما يصفها ب«العنصرية» التي يتعرضون لها «حتى ال 25 ألف ريال لا تسلم من الاستقطاع، ولا يسمح لنا بإجازات مرضية، وليس لدينا تأمين صحي». يتهم الخميسي مدراء عموم المناطق في العاصمة صنعاء بأنهم يعاملونهم بطريقة سيئة لهم، يوافقه زميله عبدالله إسماعيل يامي الذي يقول إنه يتم استقطاع 2000 ريال من كل عامل إذا لم يتوفر الديزل، ويتحول العمال حينها إلى منفق على الدولة مقابل توفير الديزل لهم ليواصلوا عملهم في تنظيف الشوارع ! وأضاف عبدالله إسماعيل «أي شخص منا يموت، نتفاجأ بقطع راتبه ولا يسلم إلى أسرته، كما أنهم يستقطعون من رواتبنا لو مرض أحدنا، ويتم احتساب حوادث السيارات علينا، ولا يعطونا مستحقات مقابل العمل في الإجازات الرسمية والأعياد». يلخص عبدالله مطالب زملائه الذين يقدرون بحوالي 5000 عامل في «تثبيتهم في الخدمة المدنية كموظفين رسميين، وإقالة الفاسدين في إدارتهم، وتسليم مستحقات الإجازات، ومعاملتهم كبقية موظفي الدولة». ربما يكون العاملون أوفر حظاً من الحارس السابق لمبنى إدارة النظافة، الذي ينتظر إعادته إلى عمله منذ خمس سنوات، وتسليم مستحقاته، بعد سجنه لأكثر من شهرين في الأمن السياسي بتهمة المشاركة في سرقة بعض سيارات النظافة! الروحاني محمد عبده يبلغ الخمسين، وبيده يمسك حزمة من الأوراق فيها ما يؤكد أنه وقع فريسة لفاسدين كبار داخل إدارة النظافة، بسبب رفعه شكاوى بقيام مدراء بسرقة سيارات تتبع النظافة، وبيعها في محافظة عمران، إضافة إلى قضايا أخرى. يقول الروحاني ل«المصدر أونلاين»: «سرقوا 24 ماكينة (سيارات نظافة) ولدي ورقة تثبت إخراجها من عندي عندما كنت حارس، وذهبوا لبيعها في عمران، وحين رفعت شكوى بهم، تم حبسي في سجن الأمن السياسي بتهمة السرقة».
وأضاف «بقيت 72 يوماً في السجن، وبعدها خرجت ومعي ورقة من الأمن السياسي تؤكد براءتي، وتطلب إعادتي إلى عملي، لكن المدراء الفاسدين رفضوا، ومرت ست سنوات ولم يعيدوني إلى عملي ولم تسلم حقوقي». يظهر عمال النظافة عزيمة عالية في الصمود أمام التهديدات التي يتلقونها من قبل قيادات أمنية ومدنية، لمحاولة إرغامهم على العودة إلى أعمالهم، ما لم فإن قوات الشغب ستفرق اعتصامهم، لأنهم يطالبون بمستحقاتهم ومساواتهم ببقية موظفي الدولة. حسب قولهم. الجمعة المنصرمة شهد شارع الستين المتفرع باتجاه حدة المنطقة المحظورة من إقامة الاعتصامات المن اهضة للفاسدين، إحياء عمال النظافة جمعة أطلقوا عليها اسم « الثبات والتثبيت»، يقصدون من شعارها ، ثباتهم على اعتصامهم، ومطالبة بتثبيتهم كموظفين رسميين. ليست هذه المرة الأولى التي يتوقف فيها عمال النظافة عن العمل، فقد سبق ان توقفوا عن العمل نهاية العام الماضي بسبب عدم توفر مادة الديزل، لكنهم سرعان ما عادوا للعمل في فترة تقدر بأسبوع بعد توفره، لكن هذه المرة الأمر مختلف، وربما لن يعودوا إلا إذا وافقت الحكومة على مطالبهم.
خلال فترة إضرابهم عن العمل عانى ولا يزال يعاني المواطن في العاصمة صنعاء من تكدس النفايات في الشوارع الرئيسية والمناطق السكنية، مع ما تبعثه من روائح كريهة.
ويرى كثير من المواطنين أنه حان للحكومة وللرئيس القادم لتلبية مطالب عمال النظافة كأولوية لا تحتمل التأجيل ووضع حد لمعاناتهم التي تمتد لأكثر من عشرين عاماً، فهم يعدون الحلقة الأهم لإبراز جمال العاصمة صنعاء، ومنع انتشار الأمراض التي تفاقم أعباء المواطنين والمستشفيات الحكومية،.