ماذا تُجدي اللغة المطمئنة والتصريحات النارية وترانيم التحليلات السياسية حينَ يُغطي الدم مساحة تحجبُ المدى أمام أعيننا في مساحة شاسعة من أرض الوطن. دماءُ أبنائنا واخواننا الذين لم يكُن لهم من ذنبٍ سوى بحثهم عن لقمة العيش التي أجبرتهم على الالتحاق بالقوات المسلحة والأمن. كم أمٌ ثكلى هذه الليلة؟ كم طفل تيتم وهو ينتظر عودة والده بأبسط احتياجاته الضرورية وليس الهدايا؟ كم عروسٌ تأرملت في أيام زواجها الأولى؟ كم أسرة فقدت عائلها الوحيد وهي تنتظر أن يعود إليها براتب «المهانة».. أقصد الإعاشة الشهري، فإذا به يعود محمولاً على نعشه موسوماً بوسام الشجاعة!؟ لم نعد نطالب بِ«نووية» الرئيس المخلوع صالح ولا بانتهاء البطالة وزوال الفقر كما كان يعدنا في مسرحياته الانتخابية الهزلية. سقف مطالبنا في هذه اللحظات منخفض جداً فقط نريد أن نعرف أين هي الدولة فيما يحدث في محافظة أبين وغيرها؟ ولماذا يُقتل أبناؤنا بدم بارد؟ ومن المستفيد مما يحدث من قبل العصابات القاعدية؟ كيف أرتفع عدد قتلى أبنائنا من الجنود بين يومي 5-6 مارس من 22 شهيد إلى 103 والعدد في زيادة حسب وكالات الأنباء؟ لو افترضنا جدلاً وهذا ليس بصحيح «لأن عصابات ما يسمى بالقاعدة موجودة منذ شهور طويلة ونقاطها منتشرة وعناصرها طليقة، برغم ما سمي بالتطهير، ولا نعلم أي تطهير ذلك الذي كانوا يقصدونه، ولم نرى للقاعدة قتلى ولا مأسورين ولا من أُلقي عليه القبض منهم ولا تحقيقات ولا محاكمات تكشف سرهم وخططهم ومموليهم ومن يقف وراءهم في مسرحية التطهير التهريجية تلك» وأين هي استعدادات الدولة لأي عودةٍ مرتقبة لهم؟ أقول لو فرضنا جدلاً أن مقتل الجنود في الضربة الأولى كان نتيجة المفاجأة فكيف تضاعف هذا العدد بهذه السرعة وماذا أعدت الأجهزة الأمنية والقوات لمواجهتهم؟ كم عددهم؟ ما هي عدتهم؟ ماذا يمتلكون؟ من أين يأتون؟ تمويلهم؟ معسكراتهم؟ كيف يؤلبون أنفسهم بهذه السرعة؟ وكيف يقومون بضرباتهم تلك؟ أين هي الدولة؟ أين استخباراتها؟ أين استطلاعاتها؟ أين جيوشها المجيشة وقاداتها المزينيين بالأوسمة والنياشين والرتب الرفيعة كجنرالات الحروب العالمية الأولى والثانية؟ أين طيرانها وقواتها البحرية التي تقع منطقة الصراع في مرمى أهدافها؟ أين تذهب تلك الميزانيات الضخمة المرصودة لهم والتي تبتلع قوت الشعب واحتياجاته الضرورية؟ وما هي هذه الدولة التي لا تستطيع بعدتها وعتادها وقواتها أن تجابه عصابات من الجهلة لم تغير فيهم كل الأحداث والمجريات في العالم شيء سوى توغلهم في عالم الجريمة والقبح والسوء؟ وإن كان هناك تحالفات بينهم وبين القوى المناصرة للنظام المخلوع من أمن وجيش وقوات خاصة وحرس؟ فأين القوات المناصرة للثورة والمهتمة لأمن وسلامة الناس؟ هل هؤلاء أيضاً متآمرين معهم ضدنا أيضاً؟ أين قبائل المناطق المتضررة؟ لماذا لا تحمي مناطقها؟ أعني قبائل أبين وشبوة ويافع «العواذل والعوالق وال عمر وال الدولة وال الأسود وقبائل يافع العليا والسفلى» وغيرهم؟ أين أحفاد مدرم والأبطال الذين حرروا جنوبنا من قوى الاستعمار البريطاني البغيض؟
أين قوى الحراك المتلهفة فقط على الانفصال وتخريب كل شيء جميل يمكن أن يقود إلى تقوية وحدة البلاد ودعم الأمن والاستقرار؟ لماذا لا يتصدون لمسلحين القاعدة؟ أم أن قوتهم استنفذت في ترويع المواطنين الابرياء وتخويفهم وهم ذاهبون إلى صناديق الانتخابات!؟ إن القلب ليقطر دماً لما آل إليه الحال، تساؤلات كثيرة وكبيرة تدور في مخيلاتنا كمواطنين. من حقهم أن يعرفوا ما الذي يحدث وأن يفهموا جيدا ما الذي يدور من حولهم، ولماذا يقتل أبناؤهم من الجنود، ولماذا يسفك دم سكينتهم وأمنهم واستقرارهم؟ أليس هذا أقل حق من حقوقهم؟ أليس من حق المحكوم عليه بالإعدام، أن يعرف ولو سبباً واهياً لما سيلحق به؟ إننا مستبشرون خيراً، أو لنكن أكثر واقعية استبشرنا خيراً كثيرا، بمنح الرئيس عبدربه منصور هادي قوة الشعب، باستفتاء حر لم يتم دفع الناس إليه لا بالإكراه ولا بالشراء وحصل على أكثر من ستة ملايين و600 ألف صوت لم يحلم بها مرشح من قبل ولم يتوقعها أحد أيضاً، طواعية وبكل حب بحثاً عن الأمن والاستقرار والرخاء وحباً في التخلص من المخلوع صالح وأذنابه وإعلاناً وطنياً بالرغبة الحقيقية في يمنٍ جديد.. واستبشرنا خيراً كثيرا بمجموعة القرارات الموفقة التي اتخذتها في الأيام السابقة، فنرجووك نرجووك يا سيادة الرئيس ألا تخيب رجاءنا. ونسأل الله العظيم ألا يخيب رجاءنا فيك وأن يصلح الحال على يديك وعلى أيادي أبناء الوطن الشرفاء ممن تولوا المسئولية في هذه المرحلة الحرجة.. خاتمة: نرجو ألا يصح علينا القول، أننا امتهنا الترقيع مُنذُ البدايات فأعجزنا القدر أن نُغير ما احترفنا بعد أن شبينا عن الطوق.