نستطيع القول بكل ثقة بعدما حققته الثورة اليمنية من نجاحات وانتصارات في الإطاحة بالطاغية صالح وأعوانه وأزلامه، وأركان مملكته، نستطيع القول بلا إشكال بأنّ الثورة السلمية الشعبية اليمنية باتت تعد مدرسة عالمية رائدة بامتياز، مدرسة لكل الشعوب الحرة التواقة إلى رحاب الحرية والديمقراطية، والكرامة والاستقلال والعيش الإنساني الكريم. إنّ ثمة جوانب كثيرة وكبيرة في الثورة اليمنية الظافرة جديرة بتسليط الأضواء حولها، وجديرة بالنشر والبيان والإيضاح، للأسف لم تتناولها كثير من الأقلام، رغم أهميتها العظمى ومكانتها السامية، ولعلّ السبب يعود إلى أنّ المشهد الأخير للثورة اليمنية لم يتحقق بعد، وإن برزت شمسه وسطع نجمه وتلعلعت أنواره، لكل ذي عينين. في تقديري أنّ هذا المشهد الأخير المنتظر للثورة اليمنية، ألا وهو يوم النصر الأكبر، لعلّ من أسباب تحقق هذا المشهد سريعاً، أن نعرف كمثقفين ونخب فكرية، أن نعرف ملياً وجيّداً تلكم الانتصارات الرائدة للثورة اليمنية المباركة ، فيما مضى ، حيث سنجد بحق أن هذه الثورة المباركة تعد مدرسة عالمية فذة، دعونا نشير إلى أهم هذه الجوانب في الثورة اليمنية فيما يأتي: أولا: امتازت الثورة الشعبية السلمية بقوتها وعنفوانها، الأمر الذي جعل قوى الهيمنة الدولية وقوى الاستكبار العالمي والعائلي ترضخ لهذه الإرادة الشعبية، وهو ما لم يتيسر لغيرنا من الشعوب العربية التي ثارت على فراعنتها وهامانتها، كما هو الِشأن في النموذج السوري، هذا المشهد المبكي، لكل ذي قلب أو سمع، فما أطولها من مسرحية وأتعسها وأشقاها وأرذلها، أعني مسرحية المراقبين الدوليين، الذين لا يملكون سوى مباركة أعمال الإبادة الجماعية اليومية للشعب السوري، وحسب. في تقديري لعلّ من أهم أسباب رضوخ الإرادة الدولية المستكبرة، للإرادة الشعبية اليمنية السلمية في تنحية الطاغية صالح وعددا من أركان سلطنته البائدة، لعلّ من أسباب هذا الرضوخ الدولي على غير العادة، أن الثورة الشعبية السلمية تحميها القوة العسكرية المنضمة للثورة الشبابية السلمية، إضافة إلى القوة القبلية، القتالية، التي لا تعرف سوى النصر أو الموت، وقد كانت على مشارف القصر وأحاطت بجبال نقم وعيبان، الأمر الذي جعل سدنة القرار العالمي ودهاقنته، يختارون أخف الضررين عليهم، وهو تنحية صالح عن المشهد السياسي اليمني، فهو الجانب الأضعف في المعادلة العسكرية، سيما في أمانة العاصمة. إننا نعيش في عالم تحكمه قوانين القوة والقوة وحدها، فالقوى الدولية لا تحترم سوى القوي. إن في الثورة اليمنية لدرساً عالمياً مجانياً تضعه الثورة السلمية اليمنية الحكيمة، بين يدي أحرار العالم وشعوبه، التي تروم إلى الحرية والأمن والاستقرار والسيادة والكرامة، أن تتسلح بالوعي والثقافة وأيضا بالحديد ذي البأس الشديد. أيها السادة الأكارم لقد نجح المستعمرون وأذيالهم في نزع كل سبيل للقوة والإستعصاء العربي الإسلامي، وتم تجريد شعوبنا الحرة الأبيّة المجاهدة من كل عوامل القوة المادية والمعنوية، إلا أن الشعب اليمني ظل محتفظاً بالقوة الكافية لحمايته وحماية كرامته ودينه، من أي استعمار داخلي أو خارجي، وهو ما يفسر لكل مراقب سر قلة الخسائر في الأرواح، مقارنة بغيرها من الثورات العربية، لعلّ العامل الأكبر فيما جرى هو تعادل ميزان القوى، وأن الثورة اليمنية تمكنت من إيجاد الذراع القوية التي تحميها بعد حماية الله لها. هذا الدرس الأول من الثورة اليمنية الظافرة يجب أن تستلهمه كل الشعوب المسلمة، بل وكل شعوب العالم المتمدن، وهو أن تسعى دوماً لإيجاد وسائل الحماية والقوة والاستعصاء على الظالمين. إلا أنه من المهم الإشارة هنا إلى أن سلاح الوعي والثقافة هو السلاح الأقوى والأمضى والأسرع، ولعلّ النموذج الغربي خير شاهد على ذلك، بيد أن الأمر يختلف بالنسبة للحاكم العربي اختلافاً كلياً، فالحاكم العربي أثبتت كل الوقائع التاريخية أنه لا يتزحزح قيد أنملة عن كرسيه، إلا بقوة من ملك الموت، أو بقوة عسكرية تجبره على التنحي، وإلا قل لي بربك كيف يفهم شخص مثل بشار الأسد وعلي صالح، لغة غير لغة السلاح، وهل تجدي مع هذا الصنف الدموي لغة الثقافة والوعي ولغة العلم، والمظاهرات والمسيرات والمهرجانات والاعتصامات؟!! . ثانياً: تغيب عن المشهد الثوري اليمني، حقيقة مرة ألا وهي حقيقة المؤتمر الشعبي العام، فالكثير يحسن الظن بالمؤتمر ورجالاته، حتى أحزاب اللقاء المشترك، حيث يعتبر البعض أنّ المؤتمر الشعبي أنزه وأنظف، من رئيسه المخلوع، ويغيب عن الجميع أن المؤتمر الشعبي العام هو الأداة التي كان يستخدمها صالح للتضليل والفساد والظلم، والواجب الشرعي هو البراءة من الظالم وحزبه وأعوانه وجلاديه، وعدم الركون إليهم، ومن الخطأ الاستراتيجي للثورة اليمنية، في تقديري، هو غض الطرف عن حزب الفساد والطغيان السياسي، بل والقبول بمشاركتهم السياسية رغم أن جلهم هم من تلطخت أياديهم بدماء الأحرار وأموال المستضعفين على مدى 33 عاماً ، ولست أدري كيف قبلت أحزاب اللقاء المشترك بشخصيات أمثال البلاطجة عباد، والراعي وعبد الرحمن محمد علي عثمان الذي لفظته محافظة الحديدة لشهرته بالفساد والإفساد والنهب، إن هؤلاء وأمثالهم الواجب في حقهم المحاكمات، وكيف يؤمل أحد أن في هؤلاء ذرة خير أو إنسانية أو وطنية. إن الواجب الشرعي يفرض على الشعب اليمني أن يظل يطارد هؤلاء حتى يوصلهم إلى المحاكمات والمشانق، وألا ينجر إلى اللعبة السياسية أو الشراكة السياسية مع السفاحين والقتلة والعرابيد، ووالله لو غاب هذا المبدأ عن الثورة اليمنية أعني مبدأ البراءة الأصلية من أزلام صالح وزبانيته، وأركان مملكته، لسوف يعود هؤلاء يوماً ما، ولسوف يسلطهم الله على رقاب الشعب عقوداً من الزمن، بهم أو بغيرهم ، ومن أعان ظالماً سلطه الله عليه. لتمض الحلول السياسية كيفما اتفقت لكن لا يجوز للأمة مهادنة هؤلاء الفسدة أو غض الطرف عنهم بحال من الأحوال (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار).
من أسرار طول الثورة اليمنية رغم كفاحها المرير، أن النظام البائد ظلّ على مدى 33 عاما يصنع قوة ضاربة غير وطنية، بل عائلية وعشائرية، وأحاط نفسه بالمشيخات الذين اشتراهم بالمال والهبات الضخمة.