بين اليمن ومصر خيط من الود الشعبي يتمتّن أكثر في الأفراح وربما في الأتراح والمناسبات السياسية المشئومة، بينهما أواصر مشدودة إلى تأريخ عريق، لغة ناضجة، دين سمح، ودولة مدنية لم تترسخ إي من دعائمها في قاهرة المعز إلا وكانت طموحاً منشوداً هي الآخرى، في القاهرة؛تعز.. علاقة اليمنيين بالمصريين ليس لها زمان أو مكان أو مناسبة محدودة، ولذا فإن أي محاولات لاستعراض مشهد هذا الجسر المتين من مبتداه إلى المنتهى، سيكون أشبه بمحاولة بائسة في التجديف الصعب، لكن التوقف إن كان واجباً لن يحيد عن الربيع العربي (اليمني المصري بالذات) وظروف ربيع التغيير وأبعاده ومداه.. بالمناسبة، تشكلت اول ساحات الحرية في اليمن في ال11 من فبراير بمدينة تعز، وهو اليوم التالي لإعلان تنحي مبارك عن الحكم في مصر، وبعيداً عن العودة إلى الوراء أكثر، وإلى أيام الزعيم جمال عبد الناصر ومساندته لثورة سبتمبر 1962 ضد حكم الإمامة في اليمن، وما تلا تلك الفترة، من انسياب طبيعي ومتبادل أحياناً، من طقوس للحياة العادية والحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية... الخ. مصر بطريقة أو بأخرى، هي النموذج الأمثل لليمن، وإن كان لابد من التأكيد على هذا الأمر، فإن عيون اليمنيين تحملق الآن وباهتمام، حيال ما يجري في مصر؛ البقايا تهم مآل الفلول، والأخوان ينتظرون فوز أخوانهم، القومجيين واليساريين والليبراليين لهم شأنهم وطموحهم المماثل، حتى الصحفيين اليمنيين غير مرة يقولون أنهم يريدون نقابتهم تحذو حذو نقابة الصحفيين المصريين وتعمل من أجل تحسين ظروفهم المهنية والمعيشية، أيضاً، شباب الساحات المستقلين مستاؤون من نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية، لكم أن تسألوا صديقي (حمزة الكمالي) عن دوافعه الذاتية للنزول لميدان التحرير وسط القاهرة، قبل يومين.. لكم أن تكتشفوا ضجيج الحكم على مبارك في السجن المؤبد وتبرئة أولاده، في اليمن، مؤيدون ومعارضون يتناطحون برؤوائهم في المقايل وفي صفحات المواقع الإجتماعية، أنا عن نفسي قلت ما خطر على بالي وأنا أشاهد وقائع المحاكمة، لقد كتبت في صفحتي على الفيسبوك "مشهد محاكمة مبارك وهو يرقد على سرير المرض خلف القضبان، يشبه الإعدام وأكثر.." لم أحسب حساب ذكاء المجلس العسكري/ القضاء المصري في "الحكم القضائي" الذي وصفه البعض بأنه "حكم سياسي" بينما قال عنه آخرون بأنه "معتدل" فيما ذهب مراقبون إلى أبعاد وقع النطق بهذا الحكم على حملات مرشحي الرئاسة؛ شفيق ومرسي، وحظوظهم في الفوز.. لا أعتقد شيء الآن، سوى أن المصريين أدرى بمستقبل بلادهم ولا أتوقع شيء أكثر مما أتمنى حلولاً ترضي كل الأطراف وتجعلهم يلتفون حول بلدهم ونهضته لكي نحبهم أكثر ونتفائل في نظراتنا الفاحصة إلى ديمقراطيتهم التي جائت بها ثورة 25 يناير.. لقد تعرفنا منذ عقود، على خلافات المصريين ومشاكلهم عبر السينما.. ترى، هل بدأ هذا الصراع ينتقل اليوم، من الشاشات إلى الشارع؟ أم أنها فعلاً، حالة ترجمة تبادلية طبيعية وطويلة للواقع والأدب في مصر.. لكن، وبعيداً عن صحة التقدير الأخير، هل سيلتزم هذا الخلاف المتشعب بحدود الدراما وتصوراتها، أم أنه سيتعدى الخيال وسيفوق التوقعات.. لا أدري صراحة، لم تورطت في هكذا فكرة، لكن ربما لأنني استغنيت هذه الأيام عن متابعة جديد الأفلام المصرية، واكتفيت بمتابعة الأحداث والمشاهد السياسية والشعبية عبر نقل مباشر لقنوات التلفزة الإخبارية.. إنها تبدو مشوقة أكثر مما هي عليه الدراما..!!