آخر ما أتحفنا به ( صالح) ، وهو دائما ما يتحفنا ببديع الأقوال والأفعال لدرجة الغثيان ! آخر ما أتحفنا به في وصف نفسه ، هذه الكلمات : انا الشهيد الحي !! وهو شهيد ( من وجهة نظره) لأنه تعرض لمحاولة القتل ، في حادث النهدين الشهير، وقد كان بين الحياة والموت لفترة طويلة .. كانت أقسى وأشد من الموت ، بحسب وصفه هو . عانى خلالها من مختلف درجات وأنواع الألم ، نظرا لشدة الإصابة التي أصيب بها . تلك الفترة من حياته، صبغت قلبه بالسواد والحقد ، وهو ليس بالأمر الجديد ، فصالح معروف بحقده ، ولكن زادت هذه الصبغة كثافة ودكانة لدرجة أنها انعكست على صفحة وجهه ! السواد الذي ظهر على وجه صالح ، في أول ظهور له على الشاشة ، بعد الحادثة ، لم يكن بفعل الحريق ، ولكن بفعل الحقد والمرارة التي يختلج بها قلبه الأصم ! وهو (حي) ، لأنه نجا من تلك المحاولة ، وخرج منها سالما . سالما في الظاهر فقط ! لكن في حقيقة الأمر ، لم يكن صالح سالما أبدا !.. كان ما يزال مصابا بمختلف العاهات .. ..عاهات جسدية ونفسية ! كان .. مسخا !! كان مسخا في الشكل ، بفعل الحريق الذي أصاب أجزاء مختلفة من جسده ، ووجهه ، مما استدعى خضوعه لعمليات تجميلية ! ولكن أنّا لعمليات التجميل ،مهما كانت متقنة ، أن تصلح ما أفسده الطغيان !! ومسخا في نفسيته ، نتيجة للكرامة المجروحة ، كون شعبه لفظه ، بعد أن ظن أنه قد امتلكه و أسره وأخرسه !! بدأ ( المسخ الحي ) – كما سنسميه نحن - مرحلة انتقام طويلة ومريرة ، ليس ممن حاولوا قتله فقط – ولكن من شعبه كاملا ! استفتحها بكلماته المشهورة : سنواجه التحدي بالتحدي !! قالها وهو لا يستطيع تحريك أي جز من جسده ، إلا عينيه ! لكن ، العجز الجسدي لا يهم ، فصالح ، يستطيع التحدي والانتقام ، حتى لو لم يكن يمتلك غير النَّفَس ! لديه طاقات داخلية أخرى .. جبارة !! طاقة تدعى : الشر ! وهذه الطاقة موصولة بطاقة أخرى تدعى : الحقد ! الحقد الذي اتخذ من قلبه مسكنا ومأوى ! خرج صالح من محنة إصابته ، وقد أوعز وأضمر في نفسه ، أن نذوق ، كلنا ، ما ذاقه من ألم ومرارة ! طول جلوسه على كرسي السلطة ، خلق لديه إيمانا لا يتزعزع أنه الرب الأعلى ، الذي لا يجوز النظر إليه مجرد النظر ، فكيف بمحاولة اغتياله ! طول جلوسه على كرسي ، لم يستحق يوما أن يجلس عليه .. كرسي حصل عليه بالغدر والخيانة ، واحتفظ به بالغدر والخيانة ، وبعد أن خسره ، يريد استعادته ، أيضا ، بالغدر والخيانة ! وهل يتقن غير الغدر والخيانة !! عندما عاد ، بدأت حكاية وقصة جديدة ، بينه وبين شعبه ! شعبه البائس .. الجائع ..شعبه المثير للشفقة بكل المقاييس ! شعبه الذي لم يكن مطلبه سوى أن يرحل ليتركه يعيش ! لم يطلب حسابا .. لم يطلب أمواله وثرواته المنهوبه ..لم يطلب بتعويض عمره الضائع ، الذي سرقه منهم ! كان مطلبه الرحيل .. فقط الرحيل ! لأنه قد وصل لذروة الظلم .. لذروة الاستبداد .. لذروة الفشل ! وصل لذروة المعاناة ! لكن من وجهة نظر (المسخ الحي) ، كان هذا المطلب المشروع ،والذي تأخر كثيرا ، قمة الوقاحة والصفاقة والخيانة ! لذلك قرر معاقبته أشد العقوبة وأنكاها ! قرر تعذيبه !! .. تعذيبه حتى الموت ! إنه ينكر حقيقة أن الشعوب – مهما تعذبت – لا تموت . فكيف بشعب عريق وعظيم كشعبنا !! فور وصوله للأرض المصابة بلعنته ، أصدر أوامره بدك وحرق تعز ! ضربت تعز بقوات الحرس الجمهوري ، وبأفتك الأسلحة ، رغم عدم لزوم ذلك ، فأغلب بيوتها صغيرة وضعيفة ، لأنها لأناس فقراء بائسين ، ظل صالح ينتقم منهم ، منذ محاولة انقلاب الناصريين علية منذ عقود! لقد أهملها كل الإهمال ، وذل أهلها كل الذل ، لكن ذلك ليس كاف ! يجب أن تموت تعز ! هذا هو حمق الطغاة وغرورهم ! لن تموت تعز مهما فعلت ! وفي وقت متزامن مع دك المدينة الحالمة ، كانت قواته في صنعاء ، تمارس نفس ما يمارس هناك ، ولكن في صوفان وفي كنتاكي وفي شارع هايل . كانت قواته الجوية بقيادة أخيه ( محمد صالح ) تواصل القصف المكثف على أرحب ونهم وبني جرموز . كانت أيضا (قاعدته ) تدك أبين . كانت عصاباته تنشر جميع أشكال الفوضى في عدن ، وفي البيضاء وفي الحديدة ولحج . كان بلاطجته يقنصون النساء والمارة ، ويسرقون المحلات التجارية ومحلات الذهب ، وينشرون الخوف والذعر في كل مكان . غادر الناس بيوتهم ، وأماكن معيشتهم واستقرارهم وخرجوا للمجهول والذل والتشرد ! زادت الضعوط عليه ، للتخلي عن السلطة ، لأنه كان يحرق كل شيء .. يدمر كل شيء! كان استمراره في السلطة ، يعني نشر الحرب في المنطقة كلها ، وليس في اليمن فقط ! بعد تهديدات قوية وصارمة من قوى الثورة والمعارضة والمجتمع الدولي ، وملك السعودية ،الذي تمادى في تدليله ، منذ بداية الثورة ، وكان يسنده عند كل عثرة ويسنده عند كل سقطة ، لم يستطع أن يسنده أكثر ، لأنه أدرك خطورة حقده والنار التي تضطرم في صدره ، بأنها ستلتهم الجميع بمن فيهم صاحبها ! فكان تخليه عن السلطة ، ولكنه أعلنها فور التوقيع ، أمام العالم أجمع : أنه لا يمتلك أي نية في تنيفيذ الاتفاق !! أعلنها دون حياء ، ووصلت رسالته إلى العالم أجمع : هذه ليست النهاية ، ما زال في جعبتي ، وفي صدري الكثير من السهام ، المزيد من الحقد .. المزيد من المرارة ! لقد وقعت فعلا ، ومضطرا لأحمي ثروتي التي هي ثروتكم ، ولا أستحق منها فلسا ! لكن لا تظنوا أني سأترككم تنعمون بالسلطة التي أنا تخليت عنها ، والتي لا تجوز لأحد من بعدي ، غير ابني ! انتظروا ، قصتي الجديدة معكم ، لم ينقض منها غير الجزء الأول . انتظروا الفصول الجديدة في الجز الثاني ! كانت هذه هي رسائله إلينا وإلى العالم ! وكيف يا ترى ستكون رسائل شخص مريض بالسلطة التي حرم منها ، غير كذلك ! لم يقبل (المسخ ) أي عروض لمغادرة البلاد ، كيف يفارق شعبه الحبيب ؟! إلى من يكله ، إلى رئيس يحبه ، أم إلى حكومة تريد إصلاح أوضاعه المأساوية ؟! هذا ما لا يطيقه ( مسخنا الحي)! سيبقى ، رغم أنف الكرة الأرضية كلها ، وليس المجتمع الدولي فقط ! سيبقى ، مغامرا بحصانته التي أخذها ظلما وعدوانا ! سيبقى ، لأنه لا يطيق غير البقاء ! إن مجرد تخيله أن شعبه ينعم بالأمن والاستقرار .. بالماء والكهرباء والبترول ! مجرد التخيل سيقتله ، لذلك لن يرحل عنا إلا على جثته . هذا ما أصبحنا متأكدين منه تمام التأكد ! حتى أننا تكيفنا مع هذا الوضع ، ولم نعد نطالبه بالرحيل كالسابق ! لأنه أصبح لدينا القناعة ، أن بضاعتنا فاسدة ، وسترد إلينا ، ولن يتلفها ويحرقها غيرنا .