نشرت اللجنة العليا للانتخابات على موقعها الالكتروني قائمة ب 54 مرشحاً للبرلمان يتنافسون في 3 ديسمبر القادم على 12 دائرة انتخابية. هذه الانتخابات التكميلية ، التي يخوضها المؤتمر الشعبي العام منفرداً ، لم تستوفي حقها من الضجيج وجلبة ما قبل الانتخابات النيابية . وهي مسألة لا تستنهض الحماس ، طالما والحزب الحاكم يسير الى هذه الانتخابية برجل واحدة . لكن ثمة شيء يلفت الانتباه : قائمة المرشحين.. حيث ان أغلب الأسماء ، الذين يتجاوز عددهم ال (50) ، لا يخرجوا عن كونهم أبناء وأقارب ممثلين سابقين لتلك الدوائر في البرلمان. إنها صورة ثقافية لصيرورة الحياة السياسية والبرلمانية في اليمن.
في الدائرة (37) بمديرية شرعب السلام في تعز سيخلف الشاب صهيب الصوفي والده ، الشاب هو ايضا، حمود خالد " محافظ تعز " في البرلمان .. وفي مديرية " القناوص" بمحافظة الحديدة يخوض عبد العزيز عبد الواحد الواحدي " مؤتمر" المنافسة مع إثنين " مهادلة"هما: شوعي مهدلي وعبده أحمد مهدلي ، في ظل نتيجة محسومة سلفاً لصالح الأول الذي سيدخل البرلمان خلفاً لوالده المتوفي قبل (5 أشهر)عن عمر مديد وثروة.
هناك مقعدان شاغران في محافظة صعده ، وهناك جغرافياً تشهد معركة غير انتخابية منذ 6 سنوات.. وبقدر ما هي الصورة تراجيدية في تلك المحافظة ..ومأساوية ، يتم تقديم الانتخابات التكميلية هناك بصورة مضحكة.. عمر صالح دغسان " مؤتمر" يسابق شقيقه شهاب " مستقل" ايضا ، لملئ الفراغ النيابي الذي تركه والدهما صالح بن صالح هندي دغسانقبل سنتين . و مثل مديرية الصفراء في البرلمان لدورتين عن المؤتمر الشعبي العام ، الى ان لقي حتفه منتصف العام الفائت في كمين نصبه مجهولون.
الدائرة الاخرى في صعده ، هي احدى الدوائر المحاذية للحدود السعودية ، دائرة الشيخ الراحل قبل (3 أشهر) علي حسين المنبهي. وهي رقم(266) وتشترك فيها مديريتي " منبه و قطابر". ستكون بالتأكيد من نصيب نجل الشيخ الراحل وخلفه في المشيخ الشاب حسين علي حسين المنبهي مرشح المؤتمر الشعبي العام أيضاً. وفي ظل الحرب والنزوح الجماعي للسكان فإن المسألة الانتخابية في هاتين الدائرتين أكثر غرابة لاسيما وأن جمهور الناخبين مشردين في مجتمعات اللاجئين على أكثر من مديرية بل وبعضهم خارج محافظة صعده حتى.
أما في مديرية "خمر" ، فإن من المتوقع أن تشهد هذه الدائرة منافسة انتخابية حقيقية على عكس كل مره . لسبب وجيه كونها دائرة الشيخ الراحل عبد الله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب، الذي صعدته إلى رئاسة البرلمان ل(3 جولات) بالصورة التوافقية نفسها الذي تم تصعيده بها إلى عضوية البرلمان .
يستحوذ الشيخ عبد الله وأولاده علي5 دوائر انتخابية في محافظة عمران ال15. وبرحيل الشيخ تكون العائلة الأقوى في حاشد قد فقدت واحدة من هذه الدائرة . إنها دائرة "خمر" المثيرة للجدل على الدوام.
في حياة الشيخ عبد الله ظلت هذه الدائرة محط اهتمام الرأي العام اليمني ، ليس فقط لعنفوان المنافسة التي تبدوا أول الأمر خطرة ، ولكن بما تحوز عليه هذه الدائرة من امتيازات في النهاية . فهي إلى كونها تمثل الدائرة "الأم" في عمران كلها وربما الدائرة الاخطر على المستوى اليمني ككل، فإن الثقل السياسي والقبلي لشخصية المرشح ورمزية أرغمت المعارضة والحزب الحاكم على التوافق العلني لترك هذه الدائرة مغلقة على الشيخ والكف عن منافسته فيها.
هذه المرة الصورة تبدلت والمشهد الانتخابي يبدوا أكثر تعقيداً عن كل الصور التي سبقت . فالشيخ الذي كانت شخصيته تكتسح الجميع قد مات وخلّف وراءه إرثاً سياسياً واجتماعياً كبيراً ودائرة مستعصية على الحسم ومتفجرة . والحزب السياسي المعارض " الإصلاح " الذي كان الشيخ يتزعمه مختفي عن المعركة الانتخابية كما الشيخ .
وحده المؤتمر الشعبي العام الآن ينتخب ، ووحده حزب الشيخ ينافسه. لكن لا يبدوا أن أولاد الشيخ عبد الله أنفسهم يستطيعون أن يخوضوا الانتخابات هذه المرة مجتمعين . ف "حميد" القيادي البارز في حزب الإصلاح المعارض، ظل يدعم بقوة فكرة توريث هذه الدائرة لأخيه الأكبر الشيخ صادق الذي ورث عن أبيه الجنبية والمشيخ . لكن الشيخ حمير الذي ورث عن أبيه المقعد الثاني في هيئة رئاسة البرلمان ، لا يريد لصادق أن يدخل البرلمان لحسابات لها علاقة بكرسي النائي الاول في هيئة رئاسة البرلمان الذي يشغله حاليا الشيخ حمير .. وبالتالي فإن الشيخ حمير الأحمر نائب رئيس مجلس النواب، عن حزب المؤتمر ، كان من الضروري عليه ان يدفع بأخيه الأصغر هاشم إلى الترشح مستقلاً في دائرة "خمر" حتى ولو كانت حسابات الفوز ليست أكيده أمام مرشح المؤتمر الشعبي العام الشيخ جليدان محمود جليدان الذي يدعمه الرئيس علي عبدالله صالح شخصيا منذ ايام الشيخ عبدالله.. وهنا اختلف ورثة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر على من هو الشخصية الأجدر في كسب الانتخابات في دائرة خمر.. في نظر حميد (اصلاح) فإن ترشيح الشيخ صادق هو الضمانة الحقيقية لانتزاع هذه الدائرة من قبضة الرئيس وآل جليدان . لكن هو العكس في نظر الشيخان "حمير وحسين " (مؤتمر) يجب أن لا تؤول الدائرة إلى آل جليدان وأن تبقى في حوزتهم ولكن يجب أن لا يكون الشيخ صادق هو المرشح.
فجرت هذه القضية خلافا حقيقيا بين الاخوة الشيوخ لكن الأمر حسم في النهاية لصالح هاشم المؤتمري والضابط في حرس الرئيس علي عبد الله صالح . والأمر أيضاً حسم من جهة الأخير في تحديد من هو مرشح المؤتمر الشعبي العام. إنه شخص من خارج عائلة الأحمر: الشيخ جليدان محمود جليدان وكيل محافظة عمران . يبدوا أن أولاد الشيخ تفاجؤوا بهذه الخطة واستعادوا تماسكهم لخوض غمار المنافسة صفاً واحداً خلف شقيقهم هاشم . وتضخ العائلة أموالاً كبيرة للدعاية وكسب التأييد في مواجهة مرشح المؤتمر الشيخ جليدان الذي ينتمي إلى قبيلة الشيخ الراحل مجاهد أبو شوارب " خارف" احدى الفخوذ القبلية المهمة في حاشد.
في ذمار وتحديداً في الدائرة(196) واضح أن الابن الأكبر لعضو مجلس النواب السابق الشيخ علي علي أبو يابس ، لم يبلغ سن الترشح ، المحدد في قانون الانتخابات ، لوراثة مقعد أبيه الشاب الذي مات في حادث مروري قبل (3 أشهر) تقريباً. وبما إنها مسألة عمرية بحته، فقد اكتفى علي علي أبو يابس " الابنن" بالمشيخة بعد أبيه ، مؤجلاً دخول البرلمان إلى إن يبلغ سن مافوق الثلاثين. وللضرورة فإن أحد أفراد عائلة أبو يابس ، وهو صادق علي يحيى أبو يابس قرر ان يدخل الانتخابات مستقلاً أمام مرشح المؤتمر الشعبي العام عبد القدوس الجابري.
في بقية الدوائر عدن(25)،حضرموتالشحر(145)،ريمة (223)،صنعاء (234)،الجوف (272)،الضالع (296). فالمرشحون أشخاص تم اختيارهم بعناية بواسطة أعضاء مجلس النواب السابقين الذين لايزالون على قيد الحياة. والذين هم حالياً يضطلعون بمهام محافظين وأعضاء في اللجنة العليا للانتخابات طبعاّ عدا الشيخ الراحل عبد الكريم قاسم منصر، الذي لقي حتفه في حادث سير قبل(3سنوات) .. المرشحون الأقوياء في هذه الدوائر مدفوعين من قبل الملاك الحقيقيين لها.. إما بحكم القرابة والعلاقات الأسرية أو بدافع الحؤول دون تمكن شخصيات مؤثرة من الاستحواذ على مقاعدهم البرلمانية الذين تركوها تحت ضغط أعمالهم الجديدة الموكلة لهم والأكثر إغراءً.
في المنصورةبعدن دفع المحافظ عدنان الجفري بصهره مهدي علي عبد السلام للترشح عن المؤتمر خلفاً له وحتى لا تذهب الدائرة إلى شخص بعيد. وفي مديرية "الشحر" بحضرموت يدعم الدكتور جعفر باصالح المهندس فؤاد واكد في هذه الانتخابات بدافع عصبوي ومحسوم النتائج .. وهكذا هو الحال في بقية الدوائر . هذه هي أكبر انتخابات تكميلية برلمانية في تاريخ البرلمان اليمني ، غير أن اللافت في هذا المجلس(2003) هو إزدياد عدد الوفيات والمعينين في وظائف أخرى " تنفيذية" يحرم القانون الجمع بينها وبين شغل الوظيفة البرلمانية. وبإضافة (12) دائرة ( سيتم إجراء الانتخابات فيها في 3 ديسمبر القادم ) إلى (7) دوائر سابقة ثم إجراء الانتخابات التكميلية فيها على فترات سابقة ، فإن المجموع هو(19) نائباً غادروا مجلس النواب الحالي.. والمؤكد ان نسبة التوريث في السبع الدوائر السابقة (6 مؤتمر + 1 إصلاح) كانت 100 بالمائة . واتضح أيضاً أن المعارضة نفسها تمارس عملية التوريث كما يفعل المؤتمر.. فالدائرة(21) عن مديرية صيرة في عدن أسندها الإصلاح إلى سهيل عبد الرزاق خلفاً لشقيقه إشفاق في انتخابات تكميلية أجريت في أواخر 2007.
كما ورث المؤتمر الشعبي العام أبناء مشائخ وأشقاء المقاعد البرلمانية لأعضاء سابقين رحلوا عن الدنيا وهم مستوفين أعمارهم ( كبار في السن ومتوسطين) ومن هؤلاء الورثة الشاب علي محمد قاصرة(المراوعة) والشيخ عدنان علي صغير شامي مديرة(الزهرة) خلفا لاخيه ومثله علي مجاهد شمر في الحداء من محافظة ذمار. ودخل البرلمان خالد مجود الصعدي خلفا لابيه وبدعم قوي من المؤتمر. وفي إب عبدالقادر الدعيس يخلف اباه المتوفي عن عمر ناهز ال90 عاما... وفي خولان توفي الشيخ ناجي الصوفي فجأة ليدخل ابنه الشيخ بكيل الى البرلمان مباشرة.