لاقت حوادث قتل متفرقة ومتقاربة زمنياً – في ظرف يومين - راح ضحيتها ثلاثة أشخاص ينتمون للمناطق الشمالية، قتلوا على أيدي مسلحين في مناطق جنوبية، إستهجاناً، وإستنكاراً واسعاً من مختلف مكونات المجتمع اليمني: سلطة ومعارضة، ومواطنين. وكان ثلاثة مواطنون يمنيون، قتلوا بطريقة بشعة، خلال اليومين الماضيين، في ثلاثة حوادث متفرقة، كان الرابط بينها أن الضحايا ينتمون إلى المحافظات الشمالية، بينما ينتمي القتلة للمحافظات الجنوبية (مديرية ردفان – محافظة لحج) حيث وقعت تلك الحوادث.
إلا أن ما يعطي تلك الحوادث "أهمية استثنائية هو: أن جريمة القتل تمت في وقت استعداد الحراك الجنوبي لفعاليات 30 نوفمبر" – الذكرى 42 لإستقلال الجنوب - بحسب ما يعتقده المحلل السياسي المستقل علي سيف حسن. والذي أضاف – ضمن تصريحاته ل"المصدر أونلاين" بالقول: فلو كانت [تلك الحوادث] تمت في وقت آخر لربما كان أمراً عادياً، كون اليمنيون يقتلون في أماكن متفرقة من البلاد..!!
ولذلك أعتبر "أن الحدث بذاته تصرف سفيه وأحمق". وقال: ما كنت أتوقع أن يتواجد بين أبناء ردفان مثل هؤلاء الذين فعلوا مثل هذه الجريمة.، معتبراً أن تكرار هذه العمليات بقدر ماتسيء إليهم، بقدر ما ستدخلهم في صعوبات مع المناطق التي ينتمي إليها الضحايا.
تفاصيل مروعة: تقطع، نهب، وقتل بالهوية لم يمر سوى يوم واحد على الحادثة الأولى، التي أنتهت إلى مقتل الجندي فواز عبدا لله الكمالي ( 25 عاما، من محافظة تعز، ويعمل في عمليات نجدة شبوة) والذي قتل مساء السبت الماضي، على يد متقطعين على طريق عتقعدن، ليعلن اليوم الأثنين، عن حادثتين آخرتين منفصلتين، في كل من الحبيلين، وملاح، بمديرية ردفان – محافظة لحج. وبحسب بعض المعلومات التي أوردتها مواقع إخبارية فأنهما قتلا مساء أمس الأحد.
الحادثة الأولى من الحادثتين الآخيريتين - وبحسب مراسل المصدر أونلاين - قتل فيها محمد ناصرأحمد العنسي (22 عاماً، محافظة ذمار، وهو جندي في القوات المسلحة) على يد متقطعين مسلحين – في الحبيلين - كانوا نهبوا سيارته، ومن ثم أطلق أحد المسلحين النار عليه، أمام شقيقه، وأرداه قتيلاً ليفر القاتل بالسيارة المنهوبة (نوع كرولا 2008م).
وأفاد المراسل – بحسب ما أكدته مصادر محلية - أن المسلحين، أجبروا السائق وأخاه على النزول من السيارة تحت تهديد السلاح ثم أخذوا السيارة وتركوهما في الخط العام، واتجه المسلحون بالسيارة إلى الحبيلين، بينما توجه المعتدى عليهما إلى شرطة الحبيلين، ليقدما بلاغاً بالحادث. لكن وأثناء عودتهما من الشرطة، وبينما كانا يمران بالشارع الرئيسي بالحبيلين شاهدا سيارتهما واقفة وعليها المسلحون، فحدث شجار بين الجانبين، فقام أحد المسلحين بقيادة السيارة بسرعة جنونية بينما ظل محمد العنسي ممسكا بباب السيارة محاولاً إثنائه عن أخذها، غير أن المسلح أطلق عليه النار، فسقط مضرجاً بدمائه في الشارع العام، فيما فر المسلح بالسيارة إلى جهة مجهولة. ولاتزال جثة العنسي في مستشفى ردفان العام.
أما الحادثة الأخرى، والتي حدثت في اليوم ذاته، بالقرب من مركز مديرية الملاح – مديرية ردفان، فقد قتل فيها شخص آخر يدعى عباد صالح الجبل ( 33 عاما قرية "الخبانيه" مديرية الرضمة إب).
وأفادت مصادر محلية لمراسل المصدر أونلاين، أن مجموعة مسلحة قامت بالتقطع للضحية بينما كان يسوق سيارته (نوع دايو)، إذ كان عائداً من محافظة عدن بعد أن قضى فيها وأسرته إجازة العيد. وعند محاولتهم أخذ السيارة، حدثت مشاجرة، قتل على أثرها السائق، وفي تلك الأثناء مرت سيارة أخرى (نوع مونيكا) كان يسوقها المواطن: مراد علي مثنى (من دمت بالضالع)، فهددوه بالقتل أن لم يسلمهم مفاتيحها، فأضطر تحت تهديد السلاح إلى تسليمهم، فأخذوها وتركوا السيارة الأولى وعلى متنها سائقها القتيل عباد الجبل - الذي نقل إلى مستشفى الملاح بلحج. وأفادت مصادر أن المسلحين توجهوا بالسيارة المونيكا إلى أبين عن طريق منطقة الراحة الذي يوصل إلى محافظة أبين.
أما الضحية الأولى: فواز الكمالي (الذي قتل السبت الماضي على طريق عتق – عدن) أفاد مواطنون في محافظة شبوة – حسب ما نقله موقع الصحوة نت - كان غادرعتق لقضاء إجازة العيد بمدينتة: تعز. وبينما كان ضمن ركاب سيارة أجرة من عتق إلى عدن، أعترضت جماعة متقطعة السيارة في منطقة بالقرب من ضيقة ( 70 كيلو جنوبعتق ) وأخرجت الركاب وسألت عن هوياتهم وطبيعة عملهم وحين عرفت أن الكمالي عسكري أخذته وأطلقت عليه النار ورمته تحت جسر مرياش في المحفد. حسب الموقع.
تبادل الاتهامات بين السلطة، وقادة الحراك في كل حادثة مشابهة يتبادل طرفي السلطة والحراك الإتهامات فيما بينهم. فالسلطة تلقي بالمسئولية على عناصر تخريبية في الحراك، بينما يعتبر قادة الحراك أن تلك من مكائد السلطة، لتشويه مسار الحراك، ومبادئه السلمية (ربما تبرز – هنا - على السطح قضية مقتل ثلاثة من أبناء مديرية القبيطة في يوليو الماضي، كمثل مناسب).
وبينما أتهمت السلطة المحلية بمحافظة أبين عناصر تخريبية خارجة عن القانون وتابعة للشيخ طارق الفضلي، بقتل الجندي الكمالي، (بمديرية المحفد – محافظة أبين) – حسب ما نشره موقع المؤتمر نت . فإن التهم - بمقتل الشخصين الآخرين - تتجه صوب الجماعات المسلحة المحسوبة ضمن ما يسمى بالحراك الجنوبي.
لكن القيادي بالحراك الجنوبي ناصر الخبجي، أستنكر تلك الأعمال الأخيرة من تقطع وإختطاف وقتل. والتي تعرض لها عدد من المواطنين بمنطقتي الملاح والحبيلين بردفان، وأسفرت عن مقتل شخصين. كما جاء ضمن تصريحات نسبها له موقع "عدن برس" على خلفية الحادثتين الأخيرتين.
ونفى الخبجي ضمن تصريحاته للموقع " أي صلة لقوى الحراك الجنوبي بمثل هذه الأعمال التي وصفها بأنها جبانة، متهما ما اسماها ميلشيات "الجنجوجيد " هيئة الدفاع عن الوحدة بأنها هي من تقف خلف هذه الأحداث في محاولة يائسة منها لالباس الحراك الجنوبي ثوب جرائم وقتل الناس بالهوية.
وأكد - في سياق تصريحاته تلك - "أننا ضد مثل هذه الأعمال الجبانة التي يكون ضحيتها مواطنون لا حول لهم و لا قوة"، معتبراً أن "قضيتنا كانت ولازالت وستظل مع نظام الاحتلال وحده، وليس لنا أي قضية مع الإخوة في الشمال ولن نجيز بأي حال من الأحوال الاعتداء على حرماتهم وأموالهم" .
وإذ أبدى إستغرابه من "المنطق الذي تستند إليه الأصوات التي تحاول الربط بين قوى الحراك الجنوبي ومثل هذه الجرائم"، قال إن "قوى الحراك الجنوبي ترفض استهداف الأبرياء بل أنها ترفض استخدام العنف والسلاح والقتل فلطالما قتل الكثير من أبناء الجنوب على أيدي أشخاص معروفون في أجهزة الأمن اليمنية ولم نقم بالرد لان نضالنا سلمي حد اللحظة فكيف يمكن لنا ان نهاجم من لاناقة له ولا جمل" . وأتهم النظام بأنه يحاول إلصاق عدد من الجرائم بالحراك الجنوبي لكي يغرق الجميع في دوامة عنف لاتنتهي.
ومع ذلك فقد أعتبر علي سيف حسن "أن تلك الحوادث ستظل نقطة ضعف خطيرة وحساسة، وتسيء إلى سمعة الحراك في المجتمع اليمني" وقال أنهم "بحاجة إلى تنظيف دخلائهم".
إلا أنه – مع ذاك – لا يعتقد أن تلك الحوادث "لها أي مرجعية سياسية، أو منظمة"، بل أعتبره "عمل سفيه لا يقوم به إلا السفهاء".
ردود فعل.. سيدفع ثمنها الأبرياء وحول تأثير تلك الحوادث مستقبلاً، يرى "حسن" أن ظاهرة القطاع الموجودة حالياً في بعض مناطق الشمال، ستنتقل إلى المنطقة المجاورة المحيطة بردفان، والتي ينتمي لها هؤلاء الضحايا الذين قتلوا. وأما النتيجة فيعتقد أن "الثمن سيدفعه الأبرياء من أبناء ردفان".
وتأكيداً لما قاله الرجل أعلاه، فقد ظهرت أول ردود الفعل الغاضبة على تلك الجرائم. إذ – وبحسب ما نقله موقع الصحوة نت - قامت قبائل الرضمة التابعة لمحافظة إب صباح اليوم الأثنين بإقامة نقطة تفتيش بمنطقة أجحم بحثا عن من ينتمون للحبيلين أويافع ردا على ما أقدمت عليه عناصر مسلحة مساء أمس في الحبيلين وقتلت أحد أبنائهم بعد أن نهبت سيارته أثناء عودته من مدينة عدن التي قضى فيها إجازة العيد.
وأما في منطقة مريس بمديرية قعطبة التابعة لمحافظة الضالع، فقد نصبت القبائل هناك نقطة في منطقة "الجبارة" بحثا عن سيارات من يافع أو الحبيلين لحجزها للضغط على قبائل يافع والحبيلين لإعادة السيارة المنهوبة، التي تتبع أحد أبناءها وهو "مراد المريسي"، بعد أن تم التقطع له، وتهديده بالسلاح وأخذها منه، وكذا المطالبة بإخلاء سبيله ومرافقه.
مثلث غياب الدولة وتفيد مصادر محلية ضمن - منطقة المثلث الملتهب - في محافظات: لحج، أبين، والضالع، أن أجهزة الدولة، لم تعد مؤثرة هناك. وهم يؤكدون أن مجاميع مسلحة – غالباً ما يتم إرجاع تبعيتها لما يسمى بالحراك الجنوبي - تقوم بأعمال عدائية، ضد الدولة، وأحياناً تفيض لتطال المواطنيين الآمنين، في الوقت الذي تعجز فيه السلطات المحلية - بأجهزتها الأدارية والأمنية - من القيام بواجبها، ربما خوفاً من النتائج غير المرجوة، لاسيما وأن تلك المجاميع أصبحت ذات قوة مؤثرة في الساحة، لدرجة أنها تقوم برفع أعلام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، بعد أن تقوم بنزع أعلام الجمهورية اليمنية من الشوارع، بل وحتى المكاتب الرسمية، وتهديد وتخويف كل من يرفض تعليماتهم..
على أن التعرض للمواطنيين الذين ينتمون للمناطق الشمالية، والتقطع لهم، ونهب سياراتهم، وصولاً إلى حوادث القتل – أحياناً – هو الأمر الأكثر جرماً، وإستنكاراً، من قبل الجميع : السلطة، مكونات الحراك، والمواطنين. الذين يسارعون – على حد سواء – لإستنكار تلك الأعمال البشعة. لا لكونه يهدد الأمن والسلام الإجتماعي، ويذكر بمآسي الماضي الثوري، الذي أنتهى إلى تلك الأعمال البشعة عبر القتل بالهوية. ولكن أيضاً لكونه يهدد معاني "الحق"، و "رفض الظلم"، الذي أرتكزت عليه فكرة الحراك الجنوبيإبتداءاً، ذلك إن كانت تلك المعاني ما تزال قائمة حتى اليوم، وخصوصاً بعد تلك الأعمال والجرائم البشعة التي عكست مدى الذعر القائم من خلال الخوف من مرور المواطنيين المنتمين للمناطق الشمالية، عبر تلك الطريق ضمن ذلك المثلث الملتهب.
وبحسب موقع الصحوة نت، فإن مصادر محلية، أكدت بأن نقطة عسكرية تم استحداثها اليوم في منطقة سناح بقعطبة لمنع دخول سيارات المسافرين من المحافظات الشمالية عبر الضالع والحبيلين خشية تعرضهم لأعمال التقطع التي تمارسها مجاميع مسلحة يشتبة بإنتمائها لعناصرالحراك بالحبيلين.