يُحكى أن الإمام أحمد خرج في نهار رمضان من المسجد ووجد أمامه القاضي عبدالله الحجري، فقال له: كيف رمضان يا قاضي عبدالله، فرد الأخير: "مثلكم يا مولانا، يجوعنا ويعطشنا واحنا نقول يا رمضان عليك السلام"! رحل الإمام أحمد حميد الدين، والإمام علي بن أبي صالح، ولا يزال حكامنا ونخبتنا المتخمة مثل رمضان، يجوعوننا ويعطشوننا، واحنا نقول: أكملوا المشوار... الشهر الكريم شارف على الانتهاء وقرابة نصف الشعب لا تعرف الفرحة الطريق إلى وجوههم، تقاسمهم المرض والجوع والفقر، والحر الشديد، فرمضان هذا العام جاء في أشد المواقيت حرارة. لا أستطيع القول: أين الدولة تنقذ رعاياها، فالوضع العام للبلد مرهق للغاية، وخزينة الدولة تعاني من جفاف مزمن، وسوء تغذية مفتعل، فهناك من طفش المستثمرين ونفرهم من البلاد، وهناك من نهب المال العام واغتنى منه، وهناك من فجر أنابيب النفط والغاز واعتدى على الكهرباء، وقطع الطريق وأشعل الفتن، وهو بهذا يتعامل مع الدولة كمنظمة إرهابية، يجب تجفيف منابع مواردها المالية. بل يجب أن نسأل أين القطاع الخاص والأثرياء والميسورين.. النازحون من أبناء أبين وصعدة، يموتون في كل لحظة جوعاً وفقراً ومرضاً، وحرارة الشمس "تغلق ما نقص"... وبعد أيام سيهل عيد الفطر وهؤلاء وأطفالهم بلا فرحة أو ابتسامة... لم يعد حلم أطفالهم الكساء الجديد، بل ما يسكت أمعاءهم المتضورة، فقد عاقروا الألم بما يكفي، وامتلأوا جوعاً حتى ضاقت بهم أجسادهم، ورأوا من الأهوال ما جعلهم يرددون مع المتنبي: "وحسب المنايا أن يكن أمانيا"... فالموت في نظر النازحين مطمع وغاية. أين من قال عنهم الرسول الكريم: "إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم". كيف وصلوا إلى غزة، ولم يصلوا إلى أبين وصعدة؟! وهنا أريد أن أوجه كلمة للأخ عبدالملك الحوثي، هي نصيحة محب وصادق: أعتقد أنه قد مر من الوقت الكثير لأخذ الفرصة المناسبة وإظهار وجهك الأخلاقي للناس، وإبداء حسن النوايا. نازحو أبين معلوم تماماً سبب نزوحهم، ونازحو صعدة جاءوا هرباً من جماعتك المسلحة والمستحوذة على كل شيء، وهنا تكمن فرصتك بإعادة هؤلاء النازحين إلى قراهم ومزارعهم ومساكنهم، دون حقد أو تصفية حسابات مع أحد، خاصة وأنت تقدم جماعتك كصاحبة مشروع سياسي، يتسع لكل اليمن، وتندد بسياسة النظام السابق، وبالظلم الذي لحق بالجنوب وتهامة وتعز... سيقول الناس: وماذا عن الذين ظلمتهم أنت؟!