في إحدى مشاهداتي الغرائبية في شهر رمضان تابعت قناة إسلامية توزع الصدقات على بعض الأسر الفقيرة, إلى بيوتها في إحدى الدول العربية, وذلك شيء لا يدعو للغرابة والاندهاش, لكن ما شد انتباهي هو نوع الصدقة المقدمة لتلك الأسر, والتي هي عبارة عن ثلاجة أو غسالة أو مروحة مع بعض المبالغ أي إن هذه الأسر تمتلك الكهرباء أيضاً، وعندما تحدق في شكل البيت الداخلي تندهش لهندامه وفرشه حيث القطائف المزركشة تزين الغرف وحيث اتساع غرفة الاستقبال بل وبعضها فرش بالمجلس العربي الأثير.. الدولاب أبو ست خانات أو فرن غاز واجتررت نهدة من أعماقي ورحت أقارن بين حال الفقراء في بلدنا وفقراء تلك الدولة.. الفقير عندنا بالكاد يمتلك بيتاً متواضعاً من الزنك أو عشة من سعف النخيل وفانوساً أو سراجاً على الجاز، كما يجد صعوبة في توفير لقمة العيش والحاجي من الأشياء الأخرى. لقد بلغ الفقر في بلادنا لدى كثير من الناس حداً أضرَ بهم؛ إذ لا يستطيع الفقير توفير لقمة العيش لأولاده بيسر وسهولة, ولا المسكن اللائق الذي يؤويهم, فضلاً عن قدرته على تعليم أولاده.. وأمام هذا الوضع البائس يضطر الأولاد لترك الدراسة في وقت مبكر، للبحث عن عمل يوفرون منه القليل من المال ليعينوا به أسرهم على مواجهة مصاعب الحياة ونكدها. هذا الوضع البائس للغالبية العظمى من اليمنيين يجعلك تلعن نظام الحكم السابق مليون مرة الذي لم يستطع توفير الحاجات الضرورية من الأشياء والعيش الكريم للكثير الكثير من الناس؛ إذ أضحت الثروة بيد فئة قليلة من الشعب تعبث بها يمنة ويسرة ولا من حسيب أو رقيب عليهم وأصبح من المألوف جداً أن ترى رجلاً متخماً بالمال ويمتلك الفيللا الفارهة والسيارة الأنيقة وآخر لايكاد يجد ما يسد به رمق أولاده المتضورين جوعاً والموجوعين مرضاً. وبلا خجل أو تأنيب من ضمير أو دين تتحدث دهاقنة نظام الحكم السابق وأفاكوه الكبار عن إنجازات تفوق الخيال وفي كل الصعد حققوها على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن فيما الواقع يقول عكس ذلك تماماً حيث الأرقام الخيالية لأعداد الفقراء وحيث الأمية والمرض والجوع تضرب أطنابها كعناوين بارزة ووحوشا كاسرة تطحن الناس طحناً حتى غدا ربع الشعب في بلد المهجر والاغتراب. زد على ذلك عدم قدرته على توفير المياه والكهرباء وهما الحاجتان الأساسيتان اللتان لا يعذر أي نظام في عدم قدرته على توفيرها مهما كانت درجة فقره كيف واليمن بلد غير فقير!؟ تمتلك الصومال على سبيل المثال طاقة كهربائية أكثر مما تمتلكه اليمن. ومن الطبيعي إذن أن يخرج الناس مطالبين النظام السابق بالرحيل.. من غير الطبيعي ألا يفعلوا ذلك.. في حوار شائق أجراه أحد الزملاء مع مرتاد سعودي للفيس بوك قال السعودي مستغرباً: لماذا خرجتم بثورة!؟ فقال صاحبي من فوره: هل أنت موظف؟ قال: نعم قال صاحبي: كم راتبك، فقال له: تسعة آلاف ريال سعودي، لأنني موظف جديد. قال صاحبي: أنا راتبي ما يعادل ألف ريال سعودي وأنا موظف قديم فاندهش السعودي وقال: حتى من يرعى لي الغنم أعطيه أكثر من راتبك من غير أكله وشربه.. إذاً من حقكم الخروج بثورة والمطالبة بالتغيير..! فإذا كان هذا هو حال الموظف الذي ينظر إليه غالبية الناس أنه ميسور الحال فكيف سيكون حال غيره من العمال الذين ضاقت بهم سبل الحياة والعيش الكريم، أمام هذا الواقع البائس انتحر الكثير من هؤلاء، وجن الأكثر وإذن أليس من حق اليمنيين المطالبة بالتغيير وقد قال: أبوذر (رضي الله عنه): (عجبت لمن لايملك قوت يومه ثم لايخرج شاهراً سيفه)!؟ على أن اليمنيين أحسنوا حين أعلنوها سليمة وواجهوا الرصاص الحي وسلطة التجويع بصدورهم العارية وأمعائهم الخاوية!