لا يزال الوضع في اليمن مقلقاً، إذ تتصاعد الخلافات بين الفرقاء حول مرحلة ما بعد الرئيس علي عبدالله صالح، فالوضع السياسي معقد جداً، فلا يعني مغادرة الرئيس السلطة أن الأمور آلت إلى وضعها الصحيح، فالخلافات بين مختلف الفرقاء عميقة ومستحكمة، سواء على المستوى العسكري أو المستوى السياسي، لذلك لا بد من تحليل المشهد السياسي اليمني، وبعد مرور أقل من سنة بشهور قليلة على تنحي الرئيس علي عبدالله صالح لمعرفة مدى قدرة اليمن على تجاور أزمته السياسية والوصول إلى بر الأمان، خصوصاً بعد الدعم القوي الذي تلقاه من القوى الدولية والإقليمية الفاعلة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية. يشهد اليمن اليوم مخاضاً سياسياً عسيراً، إذ تتصارع أطراف القوى السياسية كافة على الاستئثار بالقدر الأكبر من المكاسب، فحزب المؤتمر الشعبي لا يزال يحتفظ بغالبية في الحكومة، بينما لا تزال المعارضة تحاول أن تتوحد وتصل إلى حل مع مختلف الأطراف، لكن العوامل الداخلية والخارجية، لا تساعد الأطراف اليمنية التي تسعى للتهدئة والاستقرار، فداخلياً هناك الحراك الجنوبي الذي يسعى بكل جهده للاستفادة من الوضع الحالي بالحصول على مكاسب سياسية، حدها الأدنى الفيديرالية والأقصى الاستقلال، ولذلك بدأ الحراك الجنوبي بتصعيد مطالبه والشروع في التسلح خفية، مستغلاً الوضع الحالي، حتى أن التقارير تشير إلى تورط إيراني في دعم الحراك الجنوبي بالسلاح، ودفعه للتصعيد مع الحكومة، أملاً في تحقيق مكاسب سياسية بعد أن أظهرت حكومة عبد ربه منصور هادي تشدداً تجاهها، واتهامها بالسعي لتقويض استقرار اليمن. يلعب الحوثيون دوراً سلبياً في استقرار اليمن، فقد قاموا بإشعال حروب عدة في «صعدة»، في محاولة لأن يجعلوها موطئ قدم لإيران في اليمن، وبغض النظر عن الدور السلبي الذي لعبه الرئيس السابق في تلك الحروب، وتغاضيه في البداية عن تنامي قوة الحوثيين، إلا أن المؤكد أنهم أصبحوا شوكة في خاصرة اليمن، والجزيرة العربية، يستغلها الأعداء لتقويض استقراره واستقرار المنطقة بأسرها، ولذلك رأينا تأثير علاقتهم السلبية مع إيران، ومحاولتهم السيطرة على الحدود بين اليمن والمملكة العربية السعودية، ما يجعل الحذر من حركة الحوثيين أمراً مهماً وحيوياً، خصوصاً مع التطورات التي تشهدها الساحة اليمنية الآن. يشكل عدم إنهاء مشكلة العسكريين، الذين طُلِب منهم ترك مناصبهم، ضمن الاتفاق الذي جرى بين الرئيس السابق واللجنة الخليجية، عامل عدم استقرار في اليمن، من الممكن أن يكون سبباً في عودة الاقتتال والتأزم بين مختلف الأطراف، فقائد الفرقة مدرع الأولى علي محسن الأحمر لا يزال يحتفظ بمنصبه، وكذلك قائد الحرس الجمهوري اللواء الخاص، نجل الرئيس السابق أحمد علي، ما يعزز هشاشة الاستقرار في اليمن، علماً بأن الرئيس عبد ربه منصور كان أصدر مراسيم عدة تعيد تشكيل هيكلة القوات المسلحة، وحدثت بعض الخروقات الأمنية نتيجة لتلك القرارات، ولذلك يعتقد الكثير من الخبراء والمحللين أن سرعة تنفيذ بنود الاتفاق بخصوص العسكريين وهيكلة القوات المسلحة، خصوصاً الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع، أمر حيوي ويساعد في السير في اليمن إلى الطريق الصحيح. وجود الرئيس السابق علي عبدالله صالح في اليمن، أمر محير، فنصوص الاتفاق لم تتضمن ابتعاده عن السياسة، ولذلك بدأ في ممارسة بعض الأنشطة السياسية على مستوى الحزب، ما يجعل الأطراف الأخرى تتمسك بمواقفها، خصوصاً أبناء الأحمر، واللواء على محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع، تجاه عدم التخلي عن نفوذهم، إذ يخشى هؤلاء من عودة الرئيس إلى الساحة السياسية من خلال قيادته للحزب، وممارسته للنشاطات السياسية، لذلك يفترض أن يطلب من الرئيس السابق الابتعاد عن أي نشاطات سياسية، فتركه، فتنحيه عن الرئاسة يعني ابتعاده عن السياسة، إضافة إلى أن بقايا النظام السابق لن يقتنعوا بالتغيير ما دام الرئيس لا يزال يمارس نشاطاته السياسية من خلال الحزب. تمثل «القاعدة» التهديد الرئيس لاستقرار اليمن، إذ استغلت عدم استقرار الأوضاع خلال فترة الصراع بين مختلف القوى اليمنية، بتوسيع مناطق وجودها، وسيطرت على أجزاء عدة، ما لبثت أن خسرت معظمها بعد تسلم الرئيس عبدربه منصور هادي، لكن لا تزال تفرض وجودها في بعض المناطق، وتعمل على تقويض سيطرة الدولة في الأماكن التي لها وجود قوي، وهي تهديد قوي ليس لليمن فقط، بل لكل المنطقة، خصوصاً أن موقع اليمن يجعل من وجود «القاعدة» تهديداً للجميع. تتحكم في المشهد السياسي اليمني ثلاثة قوى هي: القبيلة والجيش والرئاسة، ولذلك من المهم جداً إعادة هيكلة القوات المسلحة، وتغيير عقيدتها من الولاء للأفراد إلى الولاء للوطن، ودمج جميع القوى العسكرية والأمنية تحت سلطة القوات المسلحة، من خلال توحيد الجيش ودمج الحرس الجمهوري والأمن الخاص، والألوية الأخرى تحت قيادة واحدة، ما يساعد اليمن في الاستقرار، وليكون عامل توازن في مواجهة قوتي القبيلة والرئاسة، لكن المعضلة الأخرى في اليمن أن الأحزاب فيها غير فاعلة، ولذلك نجد أن القبيلة هي القوة المؤثرة في اليمن، فالجيش جميع أفراده ينتمون إلى قبائل، وكذلك الأحزاب، ما يعطل فاعلية الأحزاب والجيش في حال أصبحت القبيلة في مواجهة أي من الجهتين. بالنسبة للعامل الإقليمي، فالتدخل الإيراني أصبح واضحاً في اليمن، وهو ما عبّرت عنه الحكومة اليمنية، برسائل الاحتجاج الموجهة لإيران، واتهامها بالتحريض والتدخل في الشؤون الداخلية اليمنية، ولذلك سوف تشهد الأيام المقبلة تصعيداً سياسياً بين البلدين، في المقابل نرى دعماً خليجياً، بقيادة السعودية لليمن، اقتصادياً وسياسياً، وهو أمر حيوي وضروري، خصوصاً في هذه المرحلة من تاريخ اليمن، وتفويت الفرصة على من يحاول استغلال الظروف في المنطقة والنفاذ لليمن، ولذلك دعم اليمن سياسياً واقتصادياً وعسكرياً هو في مصلحة الأمن الوطني الخليجي، والسعودي بشكل خاص. السؤال المطروح هو: هل الاتفاق الذي نص على تنحي الرئيس علي عبدالله صالح، وبرعاية خليجية سوف يُنهي المشكلات السياسية في اليمن، أم أننا سنشهد مزيداً من التصعيد والصراع؟