ما إن تشرق شمس أول أيام عيد الأضحى المبارك في تريم حضرموت حتى تبدأ معها التكبيرات التي تملأ سماء المدينة المشهورة بالعلم والعلماء، وتبث في أرجاء المنطقة طمأنينة تتكفل مآذن المساجد بمهمة نشرها عبر الأجواء فوق المباني الطينية العتيقة. وتقع مدينة تريم في وادي حضرموت على بعد نحو 34 كيلو متراً عن مدينة سيئون، واختيرت عام 2010 عاصمة للثقافة الإسلامية. خلال أيام العيد تُحْيا الاحتفالات والألعاب الشعبية، وتبرز رقصة «الشبواني» التي تبرز كأحد سمات العيد التي لا يتصور الإنسان هنا طعما للفرحة بدونها.
المطالع السنوية وهي فرصة لاجتماع الناس بكل شرائحهم الاجتماعية إذ تنظم كل منطقة (حافة) مطلع سنوي تدعي فيه الفرق الشعبية لرقصة الشبواني بجميع مناطق المدينة لتجتمع في شارع واحد تشكل في امتدادها لوحة فرائحية يختار «جمهور الشبواني» الصوت الذي يتناغم ومزاجه. ولا يعرف تاريخ لعبة الشبواني، إلا أن كبار السن يتناقلون بان اللعبة ذات جانب وطابع عسكري بحت وتعتمد على فكرة الكر والفر والتحام الصفوف حيث يترأس العدة شخص يسمى (المقدم) وله مساعدين يسمون حالياً لجنة العدة. «المقدم» له سلطة غير عاديه على الجميع فكلمته نافذة والجميع طوع أمره ولا مجال للنقاش خاصة بعد أن تبدأ العدة بالانطلاق -هذا مما يؤكد طابعها العسكري- أما هيئة لاعبي الشبواني فهو مميز فالجميع يلبس عمامة خاصة تسمى (الرمّال) ويحمل كل واحد منهم عصا في يده يستعملها في الرقص، هذه العصا تؤدي وظيفة مهمة، فساعة الانطلاق وساعة التوقف كلها تعتمد على تقابل كل صفين ويقوم كل فرد منهم برفع عصاه لتتقابل مع عصا الفرد المقابل له من الصف وبحركة واحده وقويه تتقارع العصيان بصوت قوي معلنه ساعة الانطلاق أو ساعة التوقف.
السمر والمساجلات الشعرية غالبا ما تنهي الشبواني إلى ساحة عامة تكون محطة لالتقاء جميع الفرق المشاركة ومكاناً لإحياء السمر الذي يكون في الليل لتبدأ معها المساجلات الشعرية والتي يحرص كل شاعر فيها أن يظهر حسن رده على الشاعر الآخر وإبراز بديهته وإفحام منافسه، مع الإشارة أن الجانب السياسي والنقد الصريح للأحزاب وأداء الحكومات غالباً ما يظهر وبقوة في مثل هذه الأسمار. والشاعر الجيد في السمر هو الذي يستطيع جذب الجمهور إليه لترديد أواخر أبياته بمعنى آخر هو الذي يطرب إليه الجمهور ويتجاوب مع أشعاره.
كبار السن والتناغم مع الشبواني يجد كبار السن في هذه المطالع فرصة لا تعوض لتخفيف عن همومهم وضغوطات الحياة إذ تبرز هذه الشريحة بشكل لافت، ويحرصون على عدم تفويتها. وإلى جانب حرصهم هذا يحاول كل واحد منهم تعليم ابنه فنون اللعبة بشكل جيد ويجد في نفسه ارتياحاً عندما يرى ولده يتقن فنونها. وتعد الشبواني «أم الألعاب» في تريم، خصوصاً وحضرموت عموماً، وسمة بارزة في جميع أفراح أبنائها يشارك فيها الصغير والكبير لتشكل مع العيد فرحة أخرى.