تضرب غزة الآن المثل الأعلى في الصمود والمقاومة بمعنى الكلمة وليس بالشعارات. ولا غرابة في ذلك، فقد فعلت هذا وهي تحت مطرقة الصهاينة وسندان النظام المصري قبل ثورة يناير، أفلا تفعله وهي تسند ظهرها إلى حصن مصر الكنانة وشعبها الأصيل. ومنذ الحروب الصليبية ومروراً بحكم المماليك ثم الحقبة الاستعمارية، وحتى الملكية والناصرية وإلى الآن، ومصر، قدراً وواقعاً، في القلب من أمة الإسلام والعروبة. ولم ينحسر دور مصر أو كاد أن ينحسر إلا بعد معاهدة كامب ديفيد وحكم المخلوع اللامبارك (الكنز الاستراتيجي لإسرائيل). وجاءت ثورة يناير لتُعيد مصر تدريجياً إلى محيطها العربي والإسلامي ومكانتها ودورها الإقليمي والدولي ولتدافع عن أمنها الاستراتيجي ومصالحها الحيوية. ولا شك أن ما حدث في مصر من ثورة وما يحدث من صراع ليس ببعيد عما حدث ويحدث في فلسطين، وهو وإن كان يمكن اعتباره نتاجاً طبيعياً لما يُسمى ب«الدولة العميقة» التي تقاوم التغيير والإصلاح والديموقراطية وتتمسك بموروث الاستبداد والفساد والجمود. فإن الأكثر وضوحاً وخطراً أنه مقاومة متوقعة من المشروع الصهيوني والقوى الانعزالية المتحالفة معه لإعاقة خروج مصر من إسار ذلك المشروع الذي تصور أنه قد أحكم وثاقها ورباطها. وفي هذا المجال تحضر دراستان هامتان: الأولى لشفيق مقار وهو كاتب يساري قبطي مصري بعنوان «قتل مصر... من عبدالناصر إلى السادات» وقد تناول فيه جناية الاستبداد على الدولة والمجتمع في مصر، وكيف أن مصر كانت ولاتزال بحسب تعبيره «الطريدة المركزية للمشروع الصهيوني» التي يوقن الصهاينة أنه لن يقر لهم قرار في فلسطين ولن تتحقق أو تستمر لهم هيمنة إلا إذا كانت مصر خاضعة لهم أو ضعيفة. والدراسة الثانية لمحلل امريكي في الاقتصاد السياسي يتناول فيه طبيعة العلاقات المصرية الأمريكية وكيف أن إسرائيل في القلب من تلك العلاقات على مختلف الأصعدة. وأكد أنه يجب اعتبار المعونة الامريكية لمصر معونة غير مباشرة لإسرائيل. ومع ذلك فكلنا يقين أن هذا الواقع المحكم والمعقد داخلياً وخارجياً لن يحول دون قدرة وإرادة الشعب المصري الشقيق على استعادة المكانة التي يستحقها، والتي تؤهل مصر لأن تكون بالفعل وبحسب تعبير المفكر محمد عمارة «قريش العرب».. فهل آن الأوان لتتوحد أمة العرب لحفظ كرامتها وحقها؟ كلنا أمل وكلنا إدراك أن أول الغيث قطر ثم ينهمر.