تعتبر غزة من أقدم المدن التي عرفها التاريخ ،وقد اختلف المؤرخون - كعادتهم بالنسبة لكثير من المدن القديمة - عن سبب تسميتها بغزة، فهناك من يقول إنها مشتقة من المنعة والقوة، وهناك من يقول إن معناها (الثروة)، وآخرون يرون أنها تعني (المميزة) أو (المختصة) بصفات هامة تميزها عن غيرها من المدن. يعود الاستيطان البشري في منطقة قطاع غزة إلى تل السكن، وهو حصن مصري قديم، والذي بني في الأراضي الكنعانية إلى الجنوب من قطاع غزة في الوقت الحاضر ، تلت بعد ذلك العهد الروماني والبيزنطي والذي شهد بناء الكنائس وانتشار كبير للمسيحية ،في عام 635 حاصر المسلمون غزة واستولى عليها جيش الراشدين تحت قيادة عمرو بن العاص بعد معركة أجنادين بين الإمبراطورية البيزنطية والخلافة الراشدة في وسط فلسطين. وكان وصول العرب المسلمين قد جلب تغييرات جذرية على قطاع غزة، في البداية تم تحويل بعض الكنائس إلى مساجد، بما في ذلك المسجد الكبير الحالي في قطاع غزة (الأقدم في المدينة)، كما أن شريحة كبيرة من السكان اعتنقت الإسلام، وأصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية ، في عام 1100م استحوذ الأوربيون الصليبون على غزَة وتحول الجامع الكبير في غزة الى كاثدرائية القديس يوحنا في عام 1154م وظلت تحت سيطرتهم حتى قيام القوات الأيوبية بقيادة صلاح الدين بتحريرها عام 1187م واستمرت الفترة الأيوبية حتى عام 1260م،في عام 1294 وقوع زلزال دمر غزة، وبعد مرور خمس سنوات دمر المغول مرة أخرى كل ما استعيد من قبل المماليك.
وقد وصف الجغرافي الدمشقي غزة في عام 1300 باعتبارها مدينة "غنية جدا في الأشجار تبدو وكأنه قطعة قماش من الديباج انتشرت على الارض ". وفي 1348 إنتشر وباء الطاعون في المدينة، مما أسفر عن مقتل غالبية سكانها ،إلا أن الرحالة العربي والكاتب ابن بطوطة عندما زار المدينة في 1355، كتب عنها " انها كبيرة ومزدحمة بالسكان، وفيها العديد من المساجد".
دخلت المدينة تحت حكم الخلافة العثمانية الإسلامية في القرن السادس عشر وبقيت تحت حكمهم حتى سنة 1917 عندما استولت عليها القوات البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى .
في عام 1947م قامت هيئة الأمم بتشكيل لجنة UNSCOP المؤلفة من دول متعدّدة باستثناء الدّول دائمة العضوية لضمان الحياد في عملية إيجاد حلّ للنزاع العربي الاسرائيلي ، والتي توصلت الى قيام دولتين مستقلتين (يهودية وعربية ) وتدار مدينة القدس من قِبل إدارة دولية وكانت غزة في ذلك الوقت مركزا لقضاء غزة، التي تم الحاقها بالدولة العربية المُقترحة .
بعد حرب 1948، تم الحاق المدينة مع كامل قطاع غزة بمصر، حيث بقت تحت الحكم المصري حتى حرب 1967وفي فترة العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 قامت إسرائيل باحتلال المدينة والسيطرة على شبه جزيرة سيناء المصرية، لكن الضغط العالمي على إسرائيل اضطرها للانسحاب منها.
سقطت المدينة في يد إسرائيل بعد عام 1967، لتظل تحت الاحتلال لمدة 27 سنة وتعاني من الاهمال الإسرائيلي لها كباقي المدن العربية الفلسطينيةالمحتلة. وقد صادرت سلطات الاحتلال مساحات شائعة من أراضي غزة وأقامت عليها العديد من المستوطنات.
في سبتمبر 1993، بعد مُفاوضات سرية، وقّع كل من رئيس وزراء إسرائيل إسحاق رابين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات اتفاقية إعلان مبادئ التي تقر انسحاب إسرائيل من قطاع غزة ومناطق أخرى، وتحويل إدارة الحكومة المحلية للفلسطينيين.
في 27 ديسمبر 2008، بدأت إسرائيل حرب عدوانية شرسة على قطاع غزة بدأت بالقصف الجوي العنيف لجميع مقرات الشرطة الفلسطينية ثم تتالى القصف لمدة أسبوع للمنازل والمساجد وحتى المستشفيات وبعد أسبوع بدأت بالزحف البري إلى الأماكن المفتوحة في حملة عسكرية عدوانية غاشمة كان هدفها حسب ما أعلن قادة الاحتلال الصهيوني هو إنهاء حكم حركة المقاومة الإسلامية حماس، والقضاء على المقاومة الفلسطينية لا سيما إطلاق الصواريخ محلية الصنع وصواريخ اخرى يصل مداها إلى 50 كم، واستُخدمت القوات الصهيونية الأسلحة والقذائف المحرمة دوليًا مثل القنابل الفسفورية المسرطنة والقنابل آجلة التفجير وغيرها ، كانت المواقف العربية والدولية والعالمية مُخجلة ومُخيبة لآمال شعب غزة .
هذا بالنسبة لغزة الأمس ، ماي همنا في هذه السطور هو غزة اليوم ابتداء من منتصف الاسبوع الماضي والذي بدأت فيه القوات الاسرائيلية بشن هجوم على قطاع غزة في عملية اسمتها "عمود السحاب" سقط فيها عدد من قيادات كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة حماس .
ويعتبر هذا الهجوم ليس تحديا لمقاومة غزًة فقط وإنما هو تحديا قويا لشباب وحكومات الربيع العربي وقد كان الربيع العربي وممثليه في نصف مستوى التحدي الاسرائيلي ، لاشك أن المواقف تغيرت خاصة فيما يتعلق بمصر والذي أوفدت رئيس وزرائها الى غزة وفتحت المعابر بعكس مواقف نظام ما قبل الثورة كذلك موقف جامعة الدول العربية التي هي في صدد إرسال وفد دبلوماسي إلى غزًة تضامنا معها وهي الزيارة الاولى من نوعها كل هذا في ظل إستمرار الهجمات الاسرائيلية على القطاع كذلك هناك أنباء عن تكوين وفد من شباب ثورة 25يناير المصرية لزيارة غزًة والتضامن معها .
وبهذا نكون قد انتقلنا من ردة الفعل بالأقوال والتنديد والشجب والاستنكار والاجتماعات الطارئة التي لاتسمن ولا تغني من جوع للشعب الفلسطيني الى التضامن بالافعال وملامسة واقع معاناة الشعب الفلسطيني بالزيارات و قطع العلاقات ووو .. الخ .
وإن كان هذا التغيير في المواقف لا يرقى الى المستوى المطلوب للشعب والقضية الفلسطينية إلآ أننا نعقد أملا في غزًة الغد والتي ستكون بمثابة نهاية المعاناة للشعب الفلسطيني وبداية نهاية للكيان الصهيوني.