قبل سنوات تمكن طيار حربي شاب أظن لقبه الزنداني من تفادي وقوع كارثة بطائرته الحربية التي تعرضت لخلل فني وتمكن من الهبوط بها مضطراً في شارع المطار متفادياً بذلك سقوطها على أي من الأحياء السكنية المحيطة بالمطار وفقد حياته -رحمه الله - بارتطام كابينته بعمود إنارة، ببساطة كان بإمكانه القفز بمظلته وترك طائرته تهيم في سماء صنعاء وتحدد مصير عدة عائلات لكنه آثر التضحية بنفسه وكبح جنونٍ نفاث. بالأمس كذلك يثبت طيار يمني آخر جدارته في التعامل مع كارثة محققة وحتى الرمق الأخير، جنب الناس رحمه الله هو وفريقه كارثة أكبر، انه العميد طيار علي صالح الخواجه.. اذ اختار - كما يبدو جلياً - بشجاعة لا يخيفها الموت وبذكاء وسرعة بديهة لا تربكها المفاجئة، وبشرف عسكري وإنساني رفيع، سوقاً مهجوراً ليسجل فيه نهايته وطاقمه كأقل خسارة لهذا الوطن وأهله. الذين لا تنقصهم المآسي. في طفولتي كنت قد سمعت حديث الناس وانبهارهم ببسالة طيار يمني مدني فقد بعض أصابعه وهو يحاول إصلاح خلل ما حتى تمكنت الطائرة من الهبوط بركابها بسلام. وغير بعيد لا زلت أتذكر بفخر حنكة ودهاء قائدة طائرة مدنية يمنية أظن اسمها لينا - وهي بالمناسبة أول قائدة طائرة عربية - في التعامل والايقاع بخاطفي طائرتها وإنهاء المشكلة بسلام في مطار دي جيبوتي. غير أن قصة الطائرة اليمنية المدنية المنكوبة في جزر القمر منتصف العام 2010م وهل سقطت أم أسقطت كما هو الراجح، ستظل طي الغيب والتواطؤ والشك بما في ذلك المصير الحقيقي لقائدها الكابتن خالد حاجب ومساعده المشهود لهما بالكفاءة والاقتدار. في الخليج العام الماضي انذهلت من معرفة معلومة أن شركات الطيران الخليجية تقدم عروضاً مغرية جداً للطيارين ومهندسي الطيران المدني اليمنيين وقد استقطبت بالفعل الكثيرين منهم نظراً لكفائتهم العالية والمشهود لها دولياً، يكفي أن نعرف مثلاً أن مسئول سرب الطائرات الأميرية القطرية مهندس طيران يمني ذاق المر والويلات أثناء عمله في اليمنية وهذا موضوع آخر. ربما لن يصدق الكثيرين أن سمعة كفاءة الطيارين اليمنيين في أعلى مستوياتها عالمياً وكثير منهم يعملون في أكبر شركات الطيران العالمية، على كل لسنا في زمن يصعب فيه التحقيق في أي معلومة ومواقع منظمة الأياتا وشبيهاتها متاحة للجميع، لكن ما يهمني قوله هنا أن المشكلة ليست أبداً في كفائاتنا من الطيارين والمهندسين المدنيين والعسكريين وعلى المعنيين البحث عنها في أماكن أخرى. شخصياً سافرت جواً عشرات المرات داخليا وخارجياً، على متن خطوط جوية عديدة، لن أخجل من القول أن أكره لحظات الطيران عندي هي لحظة الهبوط ويقال أنها مقياس مهم من مقاييس كفاءة أي طيار، ومع ذلك لم أجد هبوطاً أسلس من الهبوط بطائرة ربانها يمني.. بتعجب شديد وحتى اللحظة لم يبارح بالي ذلك الهبوط الليلي المميز والسلس جداً كعزف كمان منفرد، في رحلة من المكلا إلى صنعاء على متن طائرة عسكرية في غاية الخشونة من حيث التجهيز اضطررت لاستقلالها مع نصف رجال الدولة يومها في طريق العودة من الاحتفال بعيد الوحدة 2005 الذي أقيم بحضرموت.. كنا محشورين حشراً نظراً لاكتظاظ كل طائرات نقل الركاب المدنية ونقل الجنود العسكرية، بعد ذلك الهبوط النورسي بطائرة عسكرية!! أصرّ غالبية الركاب وأنا منهم على النزول من باب الطائرة الذي يمر قرب كابينة القيادة لتحية ومصافحة عازف تلك الرحلة ومساعدوه ولن أقول قائدها وهو عميد طيار لقبه القملي. ومع كل هبوط بشع على متن أي شركة طيران بما فيها تلك الشركات ذات الإعلانات التلفزيونية الفاخرة.. أقول سلام الله عليك يا قمّلي وعلى اليوشن التي تقودها. رحم الله شهداء الأنتنوف m26 المنكوبة.. وجعلها آخر أحزان هذه البلاد وألهم أهلهم وذويهم وزملائهم الصبر والسلوان وأبعد الله القواعد العسكرية الجوية والأرضية عن كل المدن إنه القادر وحده على ذلك.