(1) يتشابه ما يحدث داخل قوى ثورة 25 يناير المصرية مع ما يحدث داخل قوى ثورة فبراير اليمنية، ففلول حسني مبارك وبقايا صالح ينشطون بأجندة متشابهة؛ فإعلاميا صنعوا شبكة من الصحف والقنوات الفضائية تعمل وفق شعار (آسفين ياريس) مصريا.. و(با نوري أبتهم يا فندم) يمنيا! وسياسيا فالتحالفات الجديدة في مصر واليمن تكاد تتشابه أيضا؛ فكما نجح فلول مبارك في إقناع الأحزاب اليسارية والعلمانية بأن الخطر هو (الإسلاميون والإخوان خاصة) وأن التحالف ضدهم هو الثورة الحقيقية القادمة! فبقايا صالح نجحوا أيضا في إقناع جزء من اللقاء المشترك وأعداء صالح السابقين في أن الخطر هو (الإصلاح) حصريا. وكما سارع رموز اليسار والعلمانيين في مصر لإعلان تضامنهم مع النائب العام المباركي الذي كانوا يناصبونه العداء.. كان أمثالهم في اليمن قد دشنوا حركة الدفاع عن (الحرس الجمهوري) لأنه الجيش الوطني خوفا من تكرار تجربة الصومال وفق تفسيرهم، ثم سارع أحدهم لزيارة صالح ليتعاهدا على تبني مشروع الدولة المدنية.. وانفتحت مخازن السلاح في المعسكرات لتتدفق إلى الحلفاء الجدد في صعدة وأبين.. كما تدفقت مليارات الفلول من داخل مصر وخارجها لدعم الثورة الثانية ضد حكم الإخوان! (2) عبارة (مصر واليمن.. حتة واحدة) ليست نوعا من الدعابة؛ بل حقيقة يكتشفها كل من يتابع الأوضاع في مصر واليمن، فقد وصل التشابه إلى حد إنكار دور الإخوان في مصر والإصلاح في اليمن في أحداث الثورتين ضد مبارك وصالح مع أن النظامين السابقين ورموزهما لا يعرفون عدوا لهم إلا الإسلاميين ويتهمونهم بأنهم سبب كل بلاء نزل بهم! أما مصطلحات: الإقصاء والتكويش والهيمنة فحدثوا عنها ولا حرج... وقد ثبت أن (أغلبية) الإسلاميين مطلوبة ومرحب بها فقط أثناء التصدي للرصاص والمدرعات. وتقديم الرؤوس وبذل الأرواح والدماء، وحراسة الميادين ليلا ونهارا، وخدمة عشرات الآلاف من المعتصمين.. فهنا: تكون (الأغلبية) الإسلامية هي الأصل والواجب، وحلوة وباردة على القلوب.. أما التوافق والتقاسم والتوازن فليس ضروريا ولا ديمقراطيا.. ويسبب الإسهال والدوخة، والقوم يؤثرون الإسلاميين بالأغلبية دون تردد، ودون أن يكون بهم.. خصاصة! إعلام بقايا صالح والمؤتمر وحلفائهم قاموا بتغيير تكتيكاتهم مؤخرا لتركيز كل جهودهم ضد عدو واحد هو الإصلاح؛ فهم منذ بدء الثورة، ومنذ تشكيل حكومة الوفاق كانوا ينددون بقوى الثورة وبوزراء المشترك الذين يقصون المؤتمريين ويحلون محلهم كوادر أحزابهم (المقصية من أعمالها والمهمشة منذ 15 سنة).. أما الآن فالإصلاح (فقط) هو (الشيطان الأكبر) وهو أساس المشاكل منذ البداية وقبلها، وهو الذي يقصي وزراؤه كوادر المؤتمر دون وزراء المشترك الآخرين.. وهذا الذي يحدث في مصر أيضا؛ فالإخوان والإسلاميون الحاصلون على الأغلبية في البرلمان، وفازوا برئاسة الجمهورية يمارسون الإقصاء، ويريدون أن يحكموا مصر بحق وحقيق - وكأن مبارك كان يلعب أتاري طوال 30 سنة لوحده ولم يخلف مؤسسات الفساد العامة والخاصة- بدليل أن لديهم 5 وزراء من 35 وزيرا، و5 محافظين من حوالى 30 محافظا.. وفلول مبارك لم يعودوا غاضبين من العجوز البرادعي ولا الآخرين الذين شاركوا في أحداث الثورة وفي إسقاط مبارك.. خلاص.. سماح يا عين.. وكل واحد يصلح سيارته.. والكل إيد واحدة ضد.. الإخوان والإسلاميين! في اليمن: الإصلاح صار أسوأ استبدادا من صالح الذي كانوا يقولون عنه إنه خرب البلاد والعباد ثلاثين سنة، وقتل الوحدة والثورة والديمقراطية، وخطط للتوريث (ولو كانوا يقولون ذلك داخل ساحات الاعتصامات حيث الإصلاحيون متهمون بأنهم يهيمنون على كل شيء) ثم لا يصيبهم أذى كما كان يحدث لهم من النظام السابق.. وفي مصر أيضا؛ صار الرئيس المصري (مرسي) ديكتاتورا لا مثيل له في تاريخ العالم، وأسوأ استبدادا من كل الفراعنة؛ بمن فيهم مبارك؛ الذين حكموا مصر خلال 7000 سنة.. يقولون ذلك والمعارضون يكتبون شتائمهم عنه على جدران قصر الرئاسة المحاصر بتظاهراتهم الفوضوية، وتمتلىء الصحافة الرسمية بنقدهم الجارح له ورسوماتهم الساخرة عنه! ويقول عنه معارضوه إنه آلة بيد مرشد الإخوان وموظف عند نائب المرشد دون أن يصاب واحد منهم بخدش ديمقراطي؛ فضلا عن أن يعتقلهم زوار الفجر وعتاولة النهار ويرمى بهم في السجون بدون محاكمات.. وكما لم يحدث في تاريخ مصر مع أي حاكم! ألا يجوز أن يقال هنا: إن كان هذا حكم الاستبداد فأهلا وسهلا ومرحبا به؟ (3) في الأزمة القائمة الآن في مصر حول (الدستور الجديد) سوف نكتشف فضائح تكفي لقرن قادم.. فعمرو موسى [الأمين العام السابق للجامعة العربية والذي أنفق على حملته في الانتخابات الرئاسية من مبلغ الخمسة ملايين دولار أي ثلاثين مليون جنيه مصري أخذها كمكافأة نهاية خدمة من الحكومة السعودية] يبرر انسحابه من الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور بمبررات منها أن في الدستور مادة عن أن الدولة تعمل على تعريب التعليم والمعارف والعلوم؛ متناسيا منصبه السابق الذي من مقتضياته الإشراف على المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة، والله يعلم كم ألف دولار اخذها مقابل ذلك! ورغم أنه زار رام الله قبل أسابيع قليلة، لكنه لم يتعظ بما عمله بنو صهيون في فلسطين خلال 60 عاما فقط أحيوا فيها لغتهم العبرية من موت تاريخي.. وجعلوها لغة رسمية ولغة العلوم والثقافة، وصنعوا بها الدبابات والصواريخ والأقمار الصناعية والقنابل الذرية، وسموا بكلماتها مفاعلهم النووي وأجهزتهم العسكرية والمخابراتية والعلمية، وفرضوا على كل يهودي أن يتعلمها فور وصوله إلى فلسطين في معسكرات خاصة.. ويتخذ لنفسه اسما عبريا! ومن سوء حظنا وحسن حظهم أنه لم يكن لديهم جامعة عربية ولا أمين عام من نوعية عمرو موسى ولا مؤتمرات قمم، ولم يقل مسؤول صهيوني ولا يجرؤ أصلا أن يعرض باللغة العبرية أو ينتقد تسرع الدولة في إضفاء الطابع اليهودي على كل شيء! (4) قد تكون أزمة (الدستور) المصري هي معركة (حلاوة الروح) لفلول حسني مبارك الذين قذفوا بكل ما لديهم لعرقلة آخر خطوة عملية لطي زمن مبارك.. فصدور (الدستور) الجديد سيكون نهاية غير سعيدة لهم، والأسوأ بالنسبة لهم أنه سيعني إعادة تشكيل مؤسسات القضاء الكبرى في مصر؛ بما فيها الدستورية؛ التي حمت وتحميهم منذ سقوط مبارك، وفق معايير محددة بالأقدمية والخبرة العملية كما هو مثبت في الدستور الجديد، وليس وفقا لأوامر (سوزان مبارك) والأجهزة الأمنية المصرية! ولذا ف(فلول مبارك) هم أكثر الواعين بخطورة (الدستور الجديد) تماما كما أن بقايا نظام صالح أكثر الواعين بخطورة انعقاد مؤتمر الحوار ونجاحه.. أما (العكفة) اليساريون والعلمانيون هنا وهناك فهم يقدمون الأدلة مجددا على أنهم خارج نطاق التاريخ، ويخونون الهدف الأكثر أهمية لثورات الربيع العربي وهو: تمكين الشعب من أن يكون مصدرا للقرار بالانتخابات والاستفتاءات الحرة النزيهة! الانقلاب على ثورات الربيع العربي يأتي من رفض بعض قواها الخضوع والالتزام بنتائج الانتخابات النزيهة الحرة إذا جاءت بغيرهم وأجهضت أحلامهم في دخول القصر الرئاسي! ورفض العودة للاحتكام للشعب عندما يختلف فرقاء السياسة حول قضية ما! هذا هو الانقلاب الحقيقي والخطر الماحق.. وليس اختلاف الإسلاميين مع العلمانيين على سن الزواج أو موقع الشريعة الإسلامية.. أو تعريب العلوم أو جعلها باللغة الموزمبيقية! لذلك فالتحدي الحقيقي الذي تواجهه قوى الربيع العربي هو في أن تثبت مصداقية اقتناعها بالنهج الديمقراطي ونتائجه وقواعده طالما كانت الانتخابات حرة ونزيهة، ولو جاءت بأعدائهم التاريخيين.. ثم ممارسة المعارضة وفقا لقواعدها المعروفة.. ولو كانت تمول سرا بأموال الحكام السابقين التي نهبوها! الحكم للأغلبية والمعارضة للأقلية هو جوهر الممارسة الديمقراطية.. والذي يبحث عن مخارج غير صحيحة يفتح على نفسه وغيره أبواب الجحيم.. فالآخرون أيضا قادرون على فعل كل ما يفعله؛ من اعتصامات، ومسيرات، ومحاصرة لكل مكان! والانسحاب من مؤتمرات الحوار ولجان كتابة الدساتير، ورفض أي شيء لا يعجبهم بدعوى ضرورة التوافق.. والفارق فقط سيكون في الزخم والقوة التي لا تخطر ببال أدعياء المدنية! وبإمكان واحد منهم أن يقلد (عمرو موسى باشا) ويعلن (مثلا) رفضه للدستور لأنه ينص على أن اللغة العربية هي لغة البلاد دون تحديد أي واحدة منها: لغة قريش.. أو بني سعد.. أو نجد أو الصعيد أو بني حمير! (5) أزمة الدستور في مصر هي أزمة الهوية القائمة في المنطقة العربية منذ دخل الاستعمار بجيوشه ومدافعه.. وبهذا فقط يمكن تفسير جنون تصريحات بعض الساسة والإعلاميين المصريين المحسوبين على الثورة الذين لم يستطيعوا حتى الآن أن يهيئوا أنفسهم لحقيقة امتلاك الإسلاميين للأغلبية في الشارع المصري وكما تجلت في الانتخابات، وبدلا من أن يقدموا أنموذجا صحيا لقبولهم قواعد اللعبة الديمقراطية راحوا يمارسون أسوأ صور الكذب واستغفال المصريين، وتزييف وعي العامة، حتى وصل الأمر إلى توزيع نسخ مزورة من الدستور دسوا فيها أنه يسمح بتزويج البنات في سن التاسعة ويسمح ببيع أجزاء من أرض مصر.. وفي أيام الانتخابات الرئاسية روجت صحف وقنوات رجال أعمال مبارك أن الإخوان وافقوا على بيع أو تأجير قناة السويس لدولة قطر.. وقطعا لم يقولوا ذلك حبا في القناة التي ربما كانوا ضد قرار تأميمها أصلا، ويتمنون بيعها أو تأجيرها ولكن لشركة يهودية أو أمريكية.. ولكن كراهية في دور الجزيرة الإعلامي، ولم يشفع لها أنها خصصت قناة مصر مباشر لتهتم بمصر بمجموعة من الإعلاميين الكارهين للإسلاميين! هل يعقل أن دستورا يعد في مصر ثورة 25 يناير بمشاركة كل ألوان الطيف السياسي والديني – ولو انسحب بعضهم في الاخير- ثم يقول عنه مستشار وفقيه دستوري اسمه إبراهيم درويش: إن الجمعية الدستورية لا يوجد فيها واحد يصلح لوضع دستور! وماذا يا باشا عن عمرو موسى الذي يكره العربي، ونقيب الممثلين، والشباب.. هل يصلحون لانتقاد الدستور فضلا عن كتابته؟ وهل رجال القانون الموجودون في الجمعية لا يصلحون طالما أن سعادتك غير عضو فيها؟ اسمعوا المزيد من تخريفات الباشا التي تجعل المرء يزهد في القانون ومستشاريه: - [كل (!!) مواد الدستور باطلة وساذجة وفاسدة وخلافية..].. والأخيرة مفهومة ومتوقعة وإن ليس بإطلاق فهذا طبيعة أي عمل بشري.. لكن الأوصاف الأخرى كيف يمكن فهمها؟ هل النص –مثلا- على عروبة مصر وضرورة المحافظة على استقلالها وسلامة أراضيها سذاجة وباطل وفاسد؟ هل النص في المبادئ السياسية للدستور على أن النظام السياسي يقوم على مبادئ الديمقراطية والشورى، والمواطنة التي تسوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات العامة، والتعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمي للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان وحرياته على النحو المبين في الدستور.. ولا يجوز قيام حزب سياسي على أساس التفرقة بين المواطنين بسب الجنس أو الأصل أو الدين. هل هذا النص يبرر وصف الدستور المصري بكل تلك الترهات؟ هل يجوز وصف الدستور المصري الجديد بأنه أسوأ دساتير العالم (قالها د. وحيد عبدالمجيد الذي أوصله تحالفه مع الإخوان ليكون وكيلا للجنة العلاقات الخارجية في البرلمان) أو القول بأن الدستور يعصف بحقوق المصريين وحرياتهم (قالها محمد البرادعي) أو القول إن كل(!!) المواد الخاصة بحريات التعبير والصحافة جاءت مجحفة لحقوق الجماعة الصحفية (قالها حمدي قنديل).. وفيه هذه المواد: - [المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة ولا تمييز بينهم في ذلك]. - [الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس]. - [فيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد ولا تفتيشه ولا حبسه ولا منعه من التنقل ولا تقيد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق]. - [حرية الفكر والرأي مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك]. - [حرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام مكفولة ويحظر وقفها أو غلقها أو مصادرتها إلا بحكم قضائي.. حرية إصدار الصحف وتملكها بجميع أنواعها مكفولة بمجرد الإخطار لكل شخص مصري طبيعي أو اعتباري]. - [للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية غير حاملين سلاحا بناء على إخطار ينظمه القانون... للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية والأحزاب بمجرد الإخطار وتمارس نشاطها بحرية.. ولا يجوز للسلطات حلها أو حل هيئاتها الإدارية إلا بحكم قضائي]. - [الإضراب السلمي حق. لكل مواطن الحق في الضمان الاجتماعي. تعمل الدولة على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين والعمال الزراعيين والعمالة غير المنتظمة ولكل من لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي]. هذه عدد من مواد الدستور المصري مقارنة مع الاتهامات التي كيلت لها.. وأنصح بقراءتها من خلال الحصول على نسخة منه من المواقع المصرية والعربية المهتمة أو يمكن قراءتها في شاشات بعض القنوات المصرية. ملحوظة: على الذين يفرحون من القوى المحسوبة على الثورة اليمنية بما يحدث في مصر نكاية بالإسلاميين أن ينتظروا وصول الموجة إلى اليمن! (6) خلاصة الكلام الذي ينبغي أن يعيه الإسلاميون في كل مكان، وخاصة في دول الربيع العربي، أن التيارات الأخرى؛ بما فيها الحليفة لها أي اليسارية والقومية؛ لن تقبل بأن يؤدي الخيار الديمقراطي النزيه إلى تداول سلمي للسلطة عبر الوسائل السلمية إن كان سيؤدي إلى نجاح الإسلاميين بالأغلبية، ووصولهم إلى سدة الحكم.. ولو قدموا تنازلات بلا حساب! فاز الإسلاميون بأغلبية البرلمان فتآمروا عليهم وحلوا مجلس الشعب الأوحد في نزاهته منذ ستين سنة! وفاز مرشح الإسلاميين بالرئاسة فقرروا إعاقته ثم ها هم يتآمرون عليه ويريدون النص في الدستور الجديد على إجراء انتخابات رئاسية جديدة بعد إقراره في الاستفتاء!