(1) إذا لم يحدث أي طارئ يوقف الانتخابات الرئاسية المصرية؛ فمن المتوقع أن تكون مؤشرات النتيجة الأولية (قد) ظهرت صباح الاثنين. وعلى العكس مما يحدث في الدول الديمقراطية الأخرى؛ فإن إعلان النتيجة النهائية لن يكون خاتمة المشهد ونهاية مرحلة بقدر ما ستكون بداية لمرحلة أكثر وعورة في الحالتين؛ في حالة فوز مرشح فلول نظام المخلوع حسني مبارك أو في حالة فوز المرشح الإسلامي. في حالة فوز المرشح الإسلامي (د. محمد مرسي) فإن (الدولة) المصرية العتيقة بأجهزتها وتراثها السيء الذي لا ينتهي في الحكم الفردي سيواجه معضلة هي الأولى من نوعها؛ فقد تعود هذا الجهاز أن يكون الأداة للفرعون الحاكم وخاضعا له منفذا لأوامره، والسوط الذي يجلد به ظهور المصريين ويجعلهم (يمشون على عجين ما يلخبطوش فيه).. لكن لأن الرئيس الجديد المفترض فوزه ليس من النسيج الموجود الذي تربع على عرش مصر ستين عاما فإن المعضلة ستبدأ بالتأكيد، وسيحاول نظام مبارك بلا رأس أن يفعل الأفاعيل والأعاجيب لإسقاط مصر في دوامة لا تنتهي من المشاكل والمصاعب والأزمات؛ بحيث تكون المحصلة عقوبة قاسية للمصريين الذين ثاروا ضد (مبارك) وأصروا على محاكمته حتى وضع في الزنزانة وصولا إلى الحكم عليه بالمؤبد مثله مثل مهربي المخدرات ومالكي بيوت الدعارة! (2) في حالة فوز المرشح المباركي (أحمد شفيق)؛ المدعوم من المجلس العسكري الحاكم وفلول نظام المخلوع مبارك، والقوى الدولية والإقليمية (بما فيها إسرائيل)؛ فإن المعضلة القادمة (قد) يصعب توقع ملامحها كما هو العهد مع المصريين الذين يفاجئون العالم عادة عندما يكون الآخرون (قد) اقتنعوا أن كل شيء تحت السيطرة! الفارق الوحيد اليوم أن الحديث عن ثورة جديدة ضد وصول ممثل المخلوع مبارك إلى السلطة مطروح بالفعل لأنه وصول لا يمكن حدوثه إلا بتزوير واسع النطاق! الحديث عن ثورة شعبية جديدة قد يكون من قبيل الرجم بالغيب؛ فلا أحد توقع جازما مثل ذلك في حالة ثورتي تونس ومصر؛ لكن مصر خلال 15 شهرا الماضية شهدت تغييرات في مجال العمل السياسي والإعلامي لم تعرفها منذ ستين عاما، وصارت القوى السياسية دون استثناء تعمل على الأرض وهي بالتأكيد تستشعر خطورة إعادة إنتاج مبارك والعسكر من جديد، وتعلم أن خسائر مواجهته الآن أقل بكثير من خسائر السكوت عليه حتى يتمكن من كل شيء! (3) على المستويين العربي والإسلامي؛ فإن (نجاح) خطة إعادة إنتاج مبارك سوف تنعكس سلبا على الشعوب، وإيجابا على أنظمة القهر والاستبداد، وسيرفع الفاسدون والطغاة رؤوسهم من جديد وسيتنفسون الصعداء، ويظهرون للشعوب العين الحمراء بعد أن يستعيدوا الأمل في الاستمرار (لمن لم تطح بهم ثورات ربيع الشعوب) أو في العودة إلى السلطة لمن أطاحت بهم شعوبهم إلى المنفى أو التقاعد إجباريا أو حاصرتهم في قصورهم ترقبا لمصير مبارك أو القذافي أو ابن علي! (4) ثمة خطر أكبر سيعاني منه الجميع في حالة انتكاس الثورة المصرية وعودة نظام مبارك.. هذا الخطر يمكن ملاحظته في أن من أبرز إيجابيات ثورات الربيع العربي أنها فتحت الباب أمام التطور السياسي السلمي لحل معضلة الصراع الدموي على السلطة، ورفعت من أسهم الحل الديمقراطي للمعضلة التي أضرت بالوطن العربي: ماضيا وحاضرا، وفي المقابل تراجعت كثيرا جاذبية منهج التغيير بالعنف والقوة الذي كان تنظيم القاعدة رمزا له خلال السنوات الماضية. فمع اندلاع ثورات التغيير صار بإمكان الشعوب وقواها السياسية والفكرية أن تستعيد حقوقها الأصيلة في المشاركة في كل شيء وفي المقدمة: المشاركة في السلطة وإدارة البلاد وفقا للآليات الديمقراطية النزيهة التي يفترض أن يقتنع بها الجميع ويلتزمون بنتائجها مهما كانت مصادمة لتوقعاتهم وطموحاتهم.. لكن مع احتمال حدوث ردة عن ذلك في مصر في حالة نجاح إعادة إنتاج نظام مبارك، وتباطؤ الحل السلمي في اليمن، وتعثره في ليبيا، والمصير المجهول لثورة سوريا، وعدم الاستقرار السياسي في تونس.. في كل هذه الحالات سوف نجد منهج العنف والتغيير بالقوة يعود من جديد ليطل بقرونه، وسنجد الكثير من اليائسين والمحبطين والذين انهارت آمالهم في نشوء عهد الدستور والقانون وحكم الشعب النزيه ينجرون إلى طريق الغضب والتمرد واليأس المؤدي في أحيان كثيرة إلى تفضيل خيار العنف والتغيير بالقوة ومن ثم تعود دورات العنف من جديد وربما بأسوأ مما حدث في الجزائر! ولذلك فيمكن القول بأن نهج تنظيم القاعدة والتشدد الرافض للآليات الديمقراطية سوف يستعيد الروح إن عاد نظام مبارك ولو بحلة جديدة، وفشلت محاولات تطبيع الأوضاع في بلدان الربيع العربي، ووجدت الشعوب أن العسكر والجيوش لا يزالون يحكمون من وراء الستار، وأن مبدأ الاحتكام للشعب والرضا بنتائج صناديق الاقتراع وحكم الأغلبية النزيهة لم يكن إلا حلم ليلة صيف بعد أن عادت القوى القديمة للسيطرة على كل شيء ولكن هذه المرة بطريقة أقل فجاجة من أساليب الزعماء المخلوعين! (5) من الطبيعي أن يكون حجم الغضب والإحباط في الصف الإسلامي هو الأكبر؛ لأن وقائع الأحداث والتطورات ترجح أن الآخرين في الجيوش والقوى السياسية غير الإسلامية ترفض بإصرار أن تؤدي الانتخابات الحرة النزيهة إلى وصول الإسلاميين بأغلبية إلى الحكم.. إلا إذا ارتضوا أن يخضعوا لقواعد غير سليمة في الممارسة الديمقراطية كما هو الحال في تركيا تجعل من صاحب الأغلبية غير قادر على الحكم بقناعاته السياسية، أو يقبل بوجود خطوط حمراء يحرم عليه التفكير في الاقتراب منها فضلا عن تجاوزها كما هو الحال في تونس! في مصر يبدو هذا الإصرار أوضح بكثير لأسباب عديدة؛ منها وجود الكيان الصهيوني على الحدود الشرقية، ومنها أن القوى الدولية ليست مستعدة لأن تخسر مصر ثانية بعد قرابة 40 عاما من استعادتها إلى حظيرة التبعية للغرب.. ومنها أن تأثير ما يحدث في مصر في دائرتها العربية والإسلامية أقوى وأسرع مما ينذر بزلزال سياسي في المنطقة كلها مدعوما هذه المرة بنظام مصري عروبي إسلامي يستند إلى مشروعية شعبية حقيقية، ويقدم أنموذجا حضاريا للنظام الديمقراطي القائم على حكم الدستور والقانون تتشوق إليه الشعوب العربية وتحلم به منذ زمن طويل. (6) ألاعيب الأبالسة الدوليين والإقليميين؛ وبعض القوى السياسية المصرية التي فضلت نار العسكر ودعم الشيطان على جنة الإسلاميين كما قالوا؛ لم تترك فرية ولا ملعوبا إلا واستخدمته خلال الشهور الماضية للتهيئة لإيصال الأوضاع إلى حافة الهاوية التي صارت عليها مصر. وما يهمنا اليوم هو الإشارة إلى إحدى هذه الألاعيب وهي لعبة التنازلات التي ينبغي على الإسلاميين دائما وفي كل بلد أن يقدموها حتى يسير المركب ولو كان مساره مخالفا للأغلبية وأصول الممارسة الديمقراطية. الإسلاميون – وفق هذا المنطق اللاديمقراطي- هم وحدهم المطالبون بتقديم التنازلات في كل شيء: - على الإسلاميين أن يتنازلوا عن حق الحصول على الأغلبية بل الأكثرية لكيلا تغضب الأقلية السياسية (أبو مقعد وأبو مقعدين)، والبرلمان يكون معبرا عن الشعب فقط إن لم تكن الأغلبية فيه إسلامية، أما إن حصلوا على الأغلبية فهو برلمان باطل ولا يمثل الشعب ولو انتخبه المواطنون في انتخابات حرة ونزيهة. أما إن كانت الانتخابات رئاسية وفاز المرشح الإسلامي فعليه أن يتنازل عن فوزه للخاسرين أو يتعهد بعدم إكمال المدة حتى يثبت عدم حرصه على السلطة! - على الإسلاميين أن يتنازلوا عن الحق الذي منحهم إياه الشعب في انتخابات نزيهة وحرة في إدارة الدولة بحجة أن السلطة حرام ولا يجوز التفكير فيها لأنه طمع والطمع مهلكة، وأيضا لأنه لا يجوز لتيار واحد أن يصل إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية في وقت واحد لأن ذلك لا يتفق مع أخلاق الدولة المدنية ولأنه نوع من التكويش والجشع المرفوض الذي كان نظام مبارك يمارسه (حتى ولو كان الفارق هو المشروعية الشعبية)! - الإسلاميون يجب أن يتنازلوا – ولو كانوا يمثلون أغلبية 75%- عن مطالبهم في إثبات الهوية الإسلامية للدولة، وفي أن تكون الشريعة الإسلامية أحد مصادر التشريع في الدولة مثلها مثل تشريعات الأقليات الدينية وتقاليد وأعراف القبائل الوثنية والبدائية التي يجب مراعاتها والنص عليها في الدساتير، وإذا لم يفعلوا ذلك فهم لا يؤمنون بالتعددية ولا بالدولة المدنية، ولا يحترمون الآخر ويريدون أن يفرضوا الدولة الدينية! - الإسلاميون يجب أن يطمئنوا الأقليات الدينية واللادينية، والرأسماليين والشيوعيين، والليبراليين والعسكريين، والفنانين والفنانات والمطربين والمطربات، وأصحاب محلات الكوافير والتصوير والفول والكشري، وحتى الأزهر والطرق الصوفية، والراقصات ومالكي الكازينوهات والملاهي والسياح العرب والأجانب، والشعراء والكتّاب والصحفيين والمصححين اللغويين، والعمال والفلاحين، والأغنياء والفقراء، ورجال الأعمال والعاطلين عن الأعمال، والجيش والشرطة والبلاطجة، وعصابات تهريب المخدرات وجمعيات مكافحة المخدرات.. بالإضافة إلى إسرائيل، وأمريكا وأوربا وآسيا وإفريقيا وسكان الكواكب الأخرى تحوطا لاكتشاف وجود حياة فيها... إلخ. وإذا لم يحدث ذلك أو كانت تطمينات الإسلاميين مش ولا بد.. ومش قد المقام.. أو المزاج لا يقبلها.. فبعدا للإسلاميين وللديمقراطية وللربيع العربي.. ومرحبا بمبارك وابن مبارك وابن ابن مبارك.. وأصحاب مبارك في حالة تعذر إعادة الأسرة المباركية إلى قصر عابدين!