بحث عن نصيبه في وظائف قطاع الماس المربحة بولاية (جوجارات) فمنعه عنه اسمه الدال على هويته الإسلامية.. انتحل اسما هندوسيا، فحصل على ما أراد.. بعد سنوات قليلة قتله زميله في نزاع على ديون، ولما استعدت الشرطة لدفنه وفق الطقوس الهندوسية كشفت أسرته المكلومة عن هويته "حتى ترتاح روحه في قبور المسلمين ولا تتعذب في قبور الهندوس". محبوب باتان (50 عاما)، الذي اختار اسم جايانتي بهاتي للحصول على وظيفة في إحدى وحدات صناعة الماس، واحد من مسلمين كثيرين سجلوا بأسماء هندوسية في سجلات العمل بوحدات صناعة الماس في مدينة "سورات" بولاية جوجارات جنوب الهند، منهم أيضا ابنه مشتاق المسجل باسم موكيش، وابنته سامينا المسجلة باسم شارميلا، واللذان باتا في خوف شديد من أن يؤدي كشف أمر أبيهما إلى نبذهما من وظيفتيهما اللتين حصلا عليهما في قطاع الماس المربح، الواقع تحت سيطرة الهندوس، بحسب ما نشرته صحيفة "إنديان أكسبريس" الهندية الثلاثاء 29-12-2009.
ومن هؤلاء أيضا رخاء الله خان، الذي اعترف بأنه قدَّم نفسه لأصحاب العمل باسم هندوسي، قائلا: "إذا لم أفعل ذلك أنا وزملائي فلن نحصل على وظيفة. ونحن على هذه الحال منذ مدة طويلة، ونفعل ما بوسعنا حتى لا يكشف أحد أسماءنا الحقيقية أو يعرف عناوين منازلنا".
ولكن روهيت ماهتا، رئيس منظمة صناعة الماس في سورات، ينفي علمه بوجود مسلمين يعملون لديه بأسماء هندوسية، معلقا على ما سمعه عن حكاية محبوب باتان وغيره: "سوف نفتح تحقيقا في هذا الأمر".
واستطاع محبوب باتان أن يكتم سره ويحفظه عن رؤسائه وزملائه إلى اليوم الذي وجدت فيه الشرطة جثته ملقاة في إحدى مزارع قرية "أنترولي" الإثنين قبل الماضي، وبعد أن تعذَّر على الشرطة التعرف على هويته بسبب تهشم رأسه قيدوا القضية ضد مجهول، وحفظوا الجثة في مشرحة بأحد المراكز الصحية، ولم يجدوا بدا من إعداد الجنازة بدون أهله وفق الطقوس والتقاليد الهندوسية التي ينتمي إليها اسمه.
وأثناء الإعداد للجنازة كان أهله يبحثون عنه في أقسام الشرطة والمستشفيات حتى قرأ ابن أخيه، إقبال باتان، في الصحف المحلية خبر الجثة المجهولة، وحين وصل إلى المشرحة كانت الجثة قد تم حرقها وفق التقاليد الهندوسية التي تقضي بحرق جثة الميت ونثر رمادها، ولكنه تأكد من هوية عمه من صورة التقطتها الشرطة للجثة قبل حرقها.
"مسلم تقي"
بحسب وصف عائلة باتان له فإنه كان "مسلما تقيا"، واضطر اضطرارا هو وابنه وابنته إلى التخفي وراء أسماء هندوسية كي يحصلوا على عمل، ولكن هذا الحرص على العمل لم يصمد أمام رؤيته وهو يشيع وفق الطريقة الهندوسية.
ويقول ابنه مشتاق عن ذلك: "صحيح نحن فقراء جدا، ولكن كيف لنا أن نترك والدنا يشيع حسب الطقوس الهندوسية، روحه ستتعذب إذا لم ندفنه حسب المراسم الإسلامية".
واعترف مانوج روكاد، مدير الوحدة التي تعمل بها ابنته سامينا، بأنه هو القاتل، وطبقا لسجل تحقيقات الشرطة فإن روكاد كان صديق أسرة باتان ويعرف هويتهم الحقيقية من البداية، ومنذ عامين اقترض من باتان 60 ألف ليرة (ما يزيد قليلا عن ألف دولار) لظرف طارئ، ولم يعدها له، ووسط إلحاح باتان عليه ليعيد المال أعطاه روكاد موعدا لمقابلته في يوم 20 ديسمبر الجاري في قرية أنترولي؛ حيث قام بقتله هناك بمساعدة اثنين آخرين من معاونيه.
وتعد ولاية جوجارات بجنوب الهند التي تضم مدينة "سورات"؛ حيث كان يعمل محبوب باتان، من أغنى الولايات الهندية بالثروات والمصادر الطبيعية، ولكنها شبه محجوبة عن مسلميها؛ حيث توصف هذه الولاية بأنها الأكثر طائفية وتمييزا في الهند، ووضح ذلك في عام 2002 حين قتل وذبح نحو 2500 شخص معظمهم مسلمون على يد متطرفين هندوس، بعدما لقي 59 من الحجاج الهندوس مصرعهم في حادث حريق بقطار ألقى البعض اللوم فيه على المسلمين، وهو ما نفته التحقيقات لاحقا.
ومنذ ذلك التاريخ اشتدت حالة التوتر بين الطائفتين، خاصة مع استمرار سيطرة حزب باهارتيا جاناتا الهندوسي القومي على حكم الولاية، وهو الحزب الذي أشرف على تنفيذ مذبحة جوجارات باعتراف عدد من أعضائه، ويقول المسلمون وتقارير حقوقية دولية إنه يتبع سياسة تهميش المسلمين في الولاية.
حالة عامة
وحالة المسلمين المضطرين للتخفي وراء هويات هندوسية للحصول على فرصة عمل لا تختص بها مدينة "سورات"، بل هي صورة مكررة بشكلٍ صارخ من مدن أخرى مثل مدينة كالكتا بولاية البنغال الغربي شرقي البلاد؛ حيث يلجأ مسلموها إلى اتخاذ أسماء وارتداء ملابس هندوسية للحصول على فرص ليس في العمل فقط، بل أيضا في السكن.
واعترفت تقارير حكومية بأن مسلمي البلاد الذين يمثلون 13% من التعداد السكاني البالغ 1.1 مليار نسمة، 80% منهم هندوس، يعانون من ارتفاع نسبة الجهل والأمية والبطالة. ويواجهون تمييزا في الوظائف العامة؛ فهم يحصلون على أقل من 7% من الوظائف الحكومية، ونسبتهم 5% فقط بين عمال قطاع السكك الحديدية الرئيسي في اقتصاد البلاد، ويمثلون حوالي 4% فقط من تعداد موظفي البنوك، ويوجد 29 ألف مسلم فقط من بين 1.3 مليون شخص في القوات المسلحة الهندية.
وسبق أن حذَّر الخبير الاجتماعي الهندي ورئيس تحرير صحيفة "براتيدان" اليومية، أنجان باسو، في تقرير نشرته صحيفة "واشنطن تايمز" عن هذه الظاهرة عام 2007، من أن "ما يتعرض له المسلمون من إنكار غير مبرر للحصول على نصيبهم في التنمية الهندية قد يؤدي بهم يوما ما إلى الانفجار ضد الدولة والمجتمع، ويدفعهم للجوء إلى العنف لاسترداد حقوقهم"، على حد قوله.